رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
دعوت على صفحتي في "الفيس بوك" إلى ضرورة كشف ملابسات اغتيال اللواء عبد الفتاح يونس رئيس أركان جيش التحرير الوطني. وأن نجعل معرفة الحقيقة وتحقيق العدالة فوق كل اعتبار... ولاحظت أن ردودا كثيرة تطالبني بألا أثير الأسئلة حول القضية. بذريعة أننا في حالة حرب. وعلينا أن ندع الفتنة نائمة. وأنه ينبغي ألا نُشعر الغرب بأن لدينا تطرفا. ولنترك الأمر إلى ما بعد التحرير. وبالمقابل كانت هناك آراء كثيرة أيضاً تصر بقوة أن لا خطوط حمراء بعد ثورة 17 فبراير. ولا لإسكات الرأي المخالف. ودائما الحقيقة هذا وقتها. الحقيقة قوة للثورة بينما التدليس والتغطية على الحقائق يشوش عليها ويضعفها.
وكنتُ قد ناقشت في مقالي الفائت. تحت عنوان "من قتل اللواء.؟!" ـ صحيفة الشرق 4 أغسطس الحالي ـ الأسئلة المثارة حول ملابسات اغتياله في الفضاء الإعلامي لجهة أن قتلة اللواء ينتمون إلى " كتبة عبيدة بن الجراح" كما صرح الدكتور على الترهوني مسوؤل النفط بالمجلس الوطني الانتقالي. وهى نفس الكتيبة التى كانت مكلفة باستدعاء اللواء يونس بطلب من أحد أعضاء المجلس الانتقالي. للتحقيق معه أمام لجنة قضائية بشأن قضايا عسكرية. وسلطت الضوء بلغة التحليل الظني على خلفية التنافس القيادي الناشب بين زعامة اللواء عبد الفتاح لجيش التحرير الوطني (مكوَّن من الجنود النظامين) وقادة كتائب وسرايا الثوار (غير النظامية) بزعامة "فوزي بوكتف". وسكتت عن الرواية الشائعة. في بنغازي تحديدا. القائلة أن اللواء تمت تصفيته بعد اكتشاف خيانته لثورة 17 فبراير.
وفي هذا المقال سأناقش الرواية الشائعة. تقول الرواية. حسب المعلومات التي تحصلت عليها من أطراف تزعم أنها واثقة من خيانة اللواء. وأن أعضاء في المجلس الوطني الانتقالي رأوا عدم إطلاع مصطفى عبد الجليل عليها لأنه قد يقف في صف اللواء. فكلفوا مجموعة من كتيبة عبيدة الجراح بجلب اللواء من الجبهة للتحقيق معه في بنغازي. لم تلتزم الكتيبة المذكورة بأوامر الجلب. فأخذت على عاتقها التحقيق مع المغدور وتنفيذ "عدالتــها" فيه. إذ يقال أنهم بعد التحقيق معه وتعذيبه اعترف بخيانته للثورة وتنسيقه مع العدو:" القذافي ونظامه". ويقول المدافعون عن القتلة أنهم سجلوا اعترافه على شريط فيديو وعرضوه بعد تصفيته على مصطفى عبد الجليل الذي بدوره عرضه على على شيوخ قبيلة العبيدات. قبيلة اللواء. وخيرّهم بين إعلانه خائناً. أو إعلانه شهيداً ولملمة الموضوع.
أشك أن يكون مصطفى عبد الجليل وشيوخ العبيدات قد اتفقوا على لملمة الموضوع. فالمعروف أن قبيلة العبيدات أصدرت بيانا صارخا بأنها سوف تطبق العدالة بنفسها اذا أخفق المجلس الوطني الانتقالي في التحقيق بصورة كاملة. مع أني ضد تدخل القبيلة في مثل هكذا قضية وطنية حساسة. لكني أسوق بيان تدخلها في القضية للتدليل على خطورة الموضوع. بمعنى أن على المجلس الوطني الانتقالي أن يكون على مستوى المسؤولية الوطنية المناطة به. بحيث يلتزم عمليا بتشكيل لجنة تحقيق قضائية مستقلة ويعلن في مؤتمر صحفي عن اسم رئيسها وعن أجندة مهامها والوقت المحدد لإنجاز تقريرها النهائي ونشر نتائجه للرأي العام. هكذا تكون ثورة 17 فبراير ثورة الوضوح والحقيقة. أي قول الحق ولو على نفسها. وهكذا فقط نبعد تدخل القبيلة في شأن وطني بحجم اختطاف رئيس اركان جيش التحرير الوطني وقتله بدم بارد ثم حرق جثته.
أخيرا.. لنفترض أن المجموعة المسلحة التي ألقت القبض على اللواء لديها أدلة قاطعة بخيانته. لماذا لم يجر تسليمه للقضاء لمحاكته محاكمة عادلة تلائم عدالة ثورة 17 فبراير وأخلاقية ثوارها. لكن. على ضد من ذلك. على ضد من أي حق شرعي. ديني أو وضعي. أقدمت مجموعة متطرفة. حاسبة نفسها على الثوار. على إعدامه خارج نطاق القضاء. ولم تكتف بذلك. بل أخذت جثته ورمت بها في مكان مهجور خارج بنغازي بعد حرقها.. بعض الردود التي هاجمتني على صفحتي في الفيس بوك لم تتوان عن اتهامي بأني من الطابور الخامس. وأنا الذي قضيت قرابة عشرين عاما معارضا بشراسة للقذافي. وعرضة لعديد محاولات الاغتيال على يد عملائه. ومنهم من اتكأ على مقولة "مش وقته" درءاً للفتنة إذ الفتنة أشد من القتل. وخذ من مثل هكذا كلاما محفوظا. بينما الفتنة التي يدعون خشيتهم على إيقاظها لا تستيقظ نشطة في كامل لياقتها إلا في خضم "لملمة الموضوع" ودس وسخ البيت تحت السجادة حتى يذهب الضيوف..
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
حين ننظر إلى المتقاعدين في قطر، لا نراهم خارج إطار العطاء، بل نراهم ذاكرة الوطن الحية، وامتداد مسيرة بنائه منذ عقود. هم الجيل الذي زرع، وأسّس، وساهم في تشكيل الملامح الأولى لمؤسسات الدولة الحديثة. ولأن قطر لم تكن يومًا دولة تنسى أبناءها، فقد كانت من أوائل الدول التي خصّت المتقاعدين برعاية استثنائية، وعلاوات تحفيزية، ومكافآت تليق بتاريخ عطائهم، في نهج إنساني رسخته القيادة الحكيمة منذ أعوام. لكن أبناء الوطن هؤلاء «المتقاعدون» لا يزالون ينظرون بعين الفخر والمحبة إلى كل خطوة تُتخذ اليوم، في ظل القيادة الرشيدة لحضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني – حفظه الله – فهم يرون في كل قرار جديد نبض الوطن يتجدد. ويقولون من قلوبهم: نحن أيضًا أبناؤك يا صاحب السمو، ما زلنا نعيش على عهدك، ننتظر لمستك الحانية التي تعودناها، ونثق أن كرمك لا يفرق بين من لا يزال في الميدان، ومن تقاعد بعد رحلة شرف وخدمة. وفي هذا الإطار، جاء اعتماد القانون الجديد للموارد البشرية ليؤكد من جديد أن التحفيز في قطر لا يقف عند حد، ولا يُوجّه لفئة دون أخرى. فالقانون ليس مجرد تحديث إداري أو تعديل في اللوائح، بل هو رؤية وطنية متكاملة تستهدف الإنسان قبل المنصب، والعطاء قبل العنوان الوظيفي. وقد حمل القانون في طياته علاوات متعددة، من بدل الزواج إلى بدل العمل الإضافي، وحوافز الأداء، وتشجيع التطوير المهني، في خطوة تُكرس العدالة، وتُعزز ثقافة التحفيز والاستقرار الأسري والمهني. هذا القانون يُعد امتدادًا طبيعيًا لنهج القيادة القطرية في تمكين الإنسان، سواء كان موظفًا أو متقاعدًا، فالجميع في عين الوطن سواء، وكل من خدم قطر سيبقى جزءًا من نسيجها وذاكرتها. إنه نهج يُترجم رؤية القيادة التي تؤمن بأن الوفاء ليس مجرد قيمة اجتماعية، بل سياسة دولة تُكرم العطاء وتزرع في الأجيال حب الخدمة العامة. في النهاية، يثبت هذا القانون أن قطر ماضية في تعزيز العدالة الوظيفية والتحفيز الإنساني، وأن الاستثمار في الإنسان – في كل مراحله – هو الاستثمار الأجدر والأبقى. فالموظف في مكتبه، والمتقاعد في بيته، كلاهما يسهم في كتابة الحكاية نفسها: حكاية وطن لا ينسى أبناءه.
8850
| 09 أكتوبر 2025
انتهت الحرب في غزة، أو هكذا ظنّوا. توقفت الطائرات عن التحليق، وصمت هدير المدافع، لكن المدينة لم تنم. فمن تحت الركام خرج الناس كأنهم يوقظون الحياة التي خُيّل إلى العالم أنها ماتت. عادوا أفراداً وجماعات، يحملون المكان في قلوبهم قبل أن يحملوا أمتعتهم. رأى العالم مشهدًا لم يتوقعه: رجال يكنسون الغبار عن العتبات، نساء يغسلن الحجارة بماء بحر غزة، وأطفال يركضون بين الخراب يبحثون عن كرة ضائعة أو بين الركام عن كتاب لم يحترق بعد. خلال ساعات معدودة، تحول الخراب إلى حركة، والموت إلى عمل، والدمار إلى إرادة. كان المشهد إعجازًا إنسانيًا بكل المقاييس، كأن غزة بأسرها خرجت من القبر وقالت: «ها أنا عدتُ إلى الحياة». تجاوز عدد الشهداء ستين ألفًا، والجراح تزيد على مائة وأربعين ألفًا، والبيوت المدمرة بالآلاف، لكن من نجا لم ينتظر المعونات، ولم ينتظر أعذار من خذلوه وتخاذلوا عنه، ولم يرفع راية الاستسلام. عاد الناس إلى بقايا منازلهم يرممونها بأيديهم العارية، وكأن الحجارة تُقبّل أيديهم وتقول: أنتم الحجارة بصمودكم لا أنا. عادوا يزرعون في قلب الخراب بذور الأمل والحياة. ذلك الزحف نحو النهوض أدهش العالم، كما أذهله من قبل صمودهم تحت دمار شارك فيه العالم كله ضدهم. ما رآه الآخرون “عودة”، رآه أهل غزة انتصارًا واسترجاعًا للحق السليب. في اللغة العربية، التي تُحسن التفريق بين المعاني، الفوز غير النصر. الفوز هو النجاة، أن تخرج من النار سليم الروح وإن احترق الجسد، أن تُنقذ كرامتك ولو فقدت بيتك. أما الانتصار فهو الغلبة، أن تتفوق على خصمك وتفرض عليه إرادتك. الفوز خلاص للنفس، والانتصار قهر للعدو. وغزة، بميزان اللغة والحق، (فازت لأنها نجت، وانتصرت لأنها ثبتت). لم تملك الطائرات ولا الدبابات، ولا الإمدادات ولا التحالفات، بل لم تملك شيئًا البتة سوى الإيمان بأن الأرض لا تموت ما دام فيها قلب ينبض. فمن ترابها خُلِقوا، وهم الأرض، وهم الركام، وهم الحطام، وها هم عادوا كأمواج تتلاطم يسابقون الزمن لغد أفضل. غزة لم ترفع سلاحًا أقوى من الصبر، ولا راية أعلى من الأمل. قال الله تعالى: “كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ”. فانتصارها كان بالله فقط، لا بعتاد البشر. لقد خسر العدو كثيرًا مما ظنّه نصرًا. خسر صورته أمام العالم، فصار علم فلسطين ودبكة غزة يلفّان الأرض شرقًا وغربًا. صار كلُّ حر في العالم غزاويًّا؛ مهما اختلف لونه ودينه ومذهبه أو لغته. وصار لغزة جوازُ سفرٍ لا تصدره حكومة ولا سلطة، اسمه الانتصار. يحمله كل حر وشريف لايلزم حمله إذنٌ رسمي ولا طلبٌ دبلوماسي. أصبحت غزة موجودة تنبض في شوارع أشهر المدن، وفي أكبر الملاعب والمحافل، وفي اشهر المنصات الإعلامية تأثيرًا. خسر العدو قدرته على تبرير المشهد، وذهل من تبدل الأدوار وانقلاب الموازين التي خسرها عليها عقوداً من السردية وامولاً لا حد لها ؛ فالدفة لم تعد بيده، والسفينة يقودها أحرار العالم. وذلك نصر الله، حين يشاء أن ينصر، فلله جنود السماوات والأرض. أما غزة، ففازت لأنها عادت، والعود ذاته فوز. فازت لأن الصمود فيها أرغم السياسة، ولأن الناس فيها اختاروا البناء على البكاء، والعمل على العويل، والأمل على اليأس. والله إنه لمشهدُ نصر وفتح مبين. من فاز؟ ومن انتصر؟ والله إنهم فازوا حين لم يستسلموا، وانتصروا حين لم يخضعوا رغم خذلان العالم لهم، حُرموا حتى من الماء، فلم يهاجروا، أُريد تهجيرهم، فلم يغادروا، أُحرقت بيوتهم، فلم ينكسروا، حوصرت مقاومتهم، فلم يتراجعوا، أرادوا إسكاتهم، فلم يصمتوا. لم… ولم… ولم… إلى ما لا نهاية من الثبات والعزيمة. فهل ما زلت تسأل من فاز ومن انتصر؟
5217
| 14 أكتوبر 2025
المشهد الغريب.. مؤتمر بلا صوت! هل تخيّلتم مؤتمرًا صحفيًا لا وجود فيه للصحافة؟ منصة أنيقة، شعارات لامعة، كاميرات معلّقة على الحائط، لكن لا قلم يكتب، ولا ميكروفون يحمل شعار صحيفة، ولا حتى سؤال واحد يوقظ الوعي! تتحدث الجهة المنظمة، تصفق لنفسها، وتغادر القاعة وكأنها أقنعت العالم بينما لم يسمعها أحد أصلًا! لماذا إذن يُسمّى «مؤتمرًا صحفيًا»؟ هل لأنهم اعتادوا أن يضعوا الكلمة فقط في الدعوة دون أن يدركوا معناها؟ أم لأن المواجهة الحقيقية مع الصحفيين باتت تزعج من تعودوا على الكلام الآمن، والتصفيق المضمون؟ أين الصحافة من المشهد؟ الصحافة الحقيقية ليست ديكورًا خلف المنصّة. الصحافة سؤالٌ، وجرأة، وضمير يسائل، لا يصفّق. فحين تغيب الأسئلة، يغيب العقل الجمعي، ويغيب معها جوهر المؤتمر ذاته. ما معنى أن تُقصى الميكروفونات ويُستبدل الحوار ببيانٍ مكتوب؟ منذ متى تحوّل «المؤتمر الصحفي» إلى إعلان تجاري مغلّف بالكلمات؟ ومنذ متى أصبحت الصورة أهم من المضمون؟ الخوف من السؤال. أزمة ثقة أم غياب وعي؟ الخوف من السؤال هو أول مظاهر الضعف في أي مؤسسة. المسؤول الذي يتهرب من الإجابة يعلن – دون أن يدري – فقره في الفكرة، وضعفه في الإقناع. في السياسة والإعلام، الشفافية لا تُمنح، بل تُختبر أمام الميكروفون، لا خلف العدسة. لماذا نخشى الصحفي؟ هل لأننا لا نملك إجابة؟ أم لأننا نخشى أن يكتشف الناس غيابها؟ الحقيقة الغائبة خلف العدسة ما يجري اليوم من «مؤتمرات بلا صحافة» هو تشويه للمفهوم ذاته. فالمؤتمر الصحفي لم يُخلق لتلميع الصورة، بل لكشف الحقيقة. هو مساحة مواجهة بين الكلمة والمسؤول، بين الفعل والتبرير. حين تتحول المنصّة إلى monologue - حديث ذاتي- تفقد الرسالة معناها. فما قيمة خطاب بلا جمهور؟ وما معنى شفافية لا تُختبر؟ في الختام.. المؤتمر بلا صحفيين، كالوطن بلا مواطنين، والصوت بلا صدى. من أراد الظهور، فليجرب الوقوف أمام سؤال صادق. ومن أراد الاحترام فليتحدث أمام من يملك الجرأة على أن يسأله: لماذا؟ وكيف؟ ومتى؟
4989
| 13 أكتوبر 2025