رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
كان الصحابة يوماً جلوساً عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يأخذون بأزكى أحاديث الحكمة والبيان، مع خاتم النبيين، وأفصح من نطق بلسان، وبينما هم كذلك، قال لهم رسول الله: "يطلع عليكم من هذا الفجّ رجل من أهل الجنة"، فتطلع الصحابة -رضوان الله عليهم- نحو ذلك الفج واشرأبّت رقابهم، وامتدت أبصارهم، يترقبون بتشوّق وتحفّز، رؤية ذلك الرجل، وحسبوا أنه رجل لا يكون من بينهم، ممن يعرفون ويرَوْن، وإنما حسبوه ظناً ووهماً رجلاً آتياً حقاً من الجنة، قد هبط الساعة من عليا روضات النعيم، عليه أثرٌ من رَوْحها وريحانها، وسندسها وإستبرقها، فمن ثم لا يكون حاله كحالهم، ولا صورته كصورتهم، وجعلوا يتهامسون فقال أحدهم لآخر: من تُرى يكون هذا الرجل ؟ أيكون رجلاً من قومنا؟ فرد الآخر قائلاً: ويحك يا رجل، هذا لا يكون إلا مَلَكاً كريما. فضحك منه صاحبه وقال: لكنّ النبيَ قال يطلع عليكم رجل، لا مَلَك.
ثم خشعت الأصوات، فإذا هم برجل من الأنصار من عُرْضِ الناس، ليس فيه شيءٌ يزيد على ما في العامة، طلع عليهم يسيل من لحيته ماء الوضوء الطَهور، فهي تتلألأ صفاءً ونقاءً، كأن قطراتِ الماء التي تخلّلتها حباتُ جُمان غير منضد، انتثرت بين شعر لحيته، وكان وجهه كذلك يبرق قد أضفى عليه الوضوء نضارة ووضاءة، تدل على ما في نفسه من صفاء وبياض، وقد كان من سهولة نفسه ولينها، يحمل نعليه بيده الشمال تواضعاً، ثم إنه أقبل يمشي هَوْنا وسلَّم عليهم، فردوا السلام بأحسن منه، وما نزلت عيونهم عنه، يلاحظونه بإكبار وإجلال، وتأملٍ قد طال، وكيف لا وهو رجل من أهل الجنة الكرام، وقد رأَوْا في وجهه من علامات الرضا والسماحة والسكينة، ما يكاد ينطق بذلك، وكانت تعلو وجهه بشاشة وابتسامة يرسمها ثغره على كل وجهه، وليست ابتسامة جامدةً محدودة في ثغره، تلك التي تُرى مزيفة مصطنعة، لا تسر الناظرين.
ولما كان من الغد، قال النبي -عليه الصلاة والسلام- لصحابته مثل قوله الأول:"يطلع عليكم من هذا الفج رجل من أهل الجنة"، فطلع ذلك الرجل بعينه، مثل حاله الأولى، فلما أن كان في اليوم الثالث، قال النبي مثل مقالته تلك، فطلع ذلك الرجل نفسُه، مثل حالته الأولى أيضا، ولا بِدْع في ثباته واستقراره على حالته وصفاته، فما كان لرجل من أهل الجنة أن يتبدلَ ويتلون، كل حين بلون وحالة.
كان من بين الصحابة ممن حضر مجلس الرسول ذاك، عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- وقد أهمه أمر ذلك الرجل، وشدّه، فرأى أن يتبعه كي يستقصي أمره، واحتال لذلك حيلة، حدَّث بها الرجل فقال: "إني خاصمت أبي، فأقسمت ألا أدخلَ عليه ثلاثاً، فإن رأيت أن تؤويني إليك حتى تمضي الثلاثة أيام، فعَلْتَ. فقال الرجل الذي من أهل الجنة: نعم يا أخي، على الرحب والسعة، بيتي هو بيتك، تحلُّ به أهلاً، وتنزل به سهلاً. ومنحه ودّه من أول لقاء، وأخذ بيده ومضيا إلى البيت.
حين وصولهما إلى عتبة الدار، أعاد الرجل على عبد الله حديث الترحيب والحفاوة، وبالغ بالهشاشة والبشاشة، وما أبطأ أن جاء بالقِرى، وأظهر له استئناساً وانبساطاً، حتى لَيُرى فيه صدق قول الشاعر:
بشاشةُ وجه المرء خيرٌ من القِرى فكيف بمن يأتي به وهو ضاحك
كان في نفس عبد الله بن عمرو بن العاص، ما فيها من الخواطر والظنون، حول ذلك الرجل من أهل الجنة، القائمة في تصوره عن أعماله وعباداته التي يتنسّك بها لله، مما أهلته وجعلته جديراً بأن يكون على ما أخبر عنه رسول الله، فما صدّق أن أتى الليل حتى ينظرَ كيف يفعل الرجل، فرآه في الليلة الأولى مستغرقاً في نومه، لم يقم إلا لصلاة الفجر، فقال عبد الله في نفسه: لعله تَعِبٌ في هذه الليلة، أو غلبه النوم على نفسه، فلم يستيقظ، فترقب عبد الله الليلة القابلة، حتى إذا حلَّ الليل، وجاء بهدوئه وسكونه، وقد أوى كلٌّ إلى مضجعه، قال عبد الله محدثاً نفسه: لقد مضى الثلث الأول من الليل، لا بد أن الرجل سيقوم في ثلثه الثاني، ولكنّ الرجل لم يقم، ولما مضى ثلثا الليل، ولم يبقَ منه إلا القليل، قال عبد الله مستبطئا ومستعجلا: متى يقوم هذا الرجل ليقطّع الليل بالصلاة، ويبيتَ لربه ساجداً وقائما، عجباً له ثم عجباً له، إن لم يقم في الثلث الأخير من الليل، فمتى يقوم إذن؟ أهذا هو ليل الرجلِ من أهل الجنة؟! والله إن شأنه لغريب. وطال انتظار عبد الله، ولم يَره يقوم من الليل شيئاً، وكذلك مضت الليلة الثالثة، وبعدما رأى عبد الله ذلك، حدّث نفسه بقوله: لعله يصبح صائماً. ولكن الرجل أصبح مفطرا، فكاد عبد الله أن يحقرَ عمله.
غير أن عبد الله لاحظ شيئاً ذا بالٍ، على صاحب جنة الآخرة، وهو أنه إذا تعارَّ من الليل، واستيقظ فجأة، وتقلّب على فراشه، ذكر الله -عز وجل- وكبره، وبعد ذلك يعود لنومه، ثم يقوم لصلاة الفجر.
كما استرعى انتباه عبد الله، أمرٌ على قدرٍ عظيمٍ جداً من الخطر، وعلى جانب كبيرٍ جداً من الأهمية، ألا وهو أن عبد الله لم يسمع صاحب جنة الآخرة يقول إلا خيراً، فقد كان يصون لسانه كلَّ الصيانة، لا تسمع له لغواً ولا صَخَباً ولا مراءً، وهيهات هيهات أن يتلفّظ بالفحش والخنا والرفث، لعفته وشرفه.
عند ذلك لم يجد عبد الله بدّاً من مصارحة الرجل ومكاشفته بحقيقة الأمر، فقال له:(يا عبد الله، إنه لم يكن بيني وبين والدي غضبٌ ولا هِجْرة، ولكني سمعت رسول الله يقول عنك ثلاث مرات: يطلع عليكم رجل من أهل الجنة. فطلعت أنت الثلاث مرات، فأردت أن آوي إليك لأنظرَ عملك، فأقتدي بك، فلم أرَك عمِلتَ كبير عمل، فما الذي بلغ بك ما قال رسول الله؟ قال: "ما هو إلا ما رأيت". فلما ولّى عبد الله دهشاً متعجباً دعاه، وقال: ما هو إلا ما رأيت، غير أني لا أجد في نفسي على مسلمٍ غشاً، ولا أحسد أحداً على خيرٍ أعطاه الله تعالى إياه، فقال عبد الله: هي التي بَلَغَتْ بك، وهي التي لا نطيق، فصافحه عبد الله مودّعاً، وهو يرنو إليه بإعظام وإعجابٍ، وانصرف وهو يهز رأسه متعظاً ومعتبرا.
فيا أسعدَ من يمشي على الأرضِ من الإنسِ
ومَن طهّرَهُ اللهُ من الريبة والرِّجس
أنِلْ قََدْري تشريفاً وهَبْ لي قُربكَ القُدْسي
عسى نفسكَ أن تُدمـ ج في أحلامها نفسي
فألقى بعضَ ما تلقى من الغِبطة والأُنسِ
جمال الأذان المفقود
لماذا غاب جمال الصوت في رفع الأذان؟ أليس لاختيار المؤذن شروط وضوابط؟ كيف تراجعت هذه الشروط التي كانت... اقرأ المزيد
93
| 19 ديسمبر 2025
جسم الإنسان يقبل التدرج ويرفض المفاجأة
غالبا، حينما نود تغيير أو زيادة أو علاج عنصر في جسم الانسان، علينا البدء باعطائه جرعات خفيفة من... اقرأ المزيد
93
| 19 ديسمبر 2025
تدابير الله كلها خير
يقول الله تعالى: «وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خيرٌ لكم وعسى أن تحبوا شيئًا وهو شرٌّ لكم والله... اقرأ المزيد
84
| 19 ديسمبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
لم يكن ما فعلته منصة (إكس) مؤخرًا مجرّد تحديثٍ تقني أو خطوةٍ إدارية عابرة، بل كان دون مبالغة لحظةً كاشفة. فحين سمحت منصة (إكس) بقرارٍ مباشر من مالكها إيلون ماسك، بظهور بيانات الهوية الجغرافية للحسابات، لم تنكشف حسابات أفرادٍ فحسب، بل انكشفت منظوماتٌ كاملة، دولٌ وغرف عمليات، وشبكات منظمة وحسابات تتحدث بلسان العرب والمسلمين، بينما تُدار من خارجهم. تلك اللحظة أزاحت الستار عن مسرحٍ رقميٍّ ظلّ لسنوات يُدار في الخفاء، تُخاض فيه معارك وهمية، وتُشعل فيه نيران الفتنة بأيدٍ لا نراها، وبأصواتٍ لا تنتمي لما تدّعيه. وحين كُشفت هويات المستخدمين، وظهرت بلدان تشغيل الحسابات ومواقعها الفعلية، تبيّن بوضوحٍ لا يحتمل التأويل أن جزءًا كبيرًا من الهجوم المتبادل بين العرب والمسلمين لم يكن عفويًا ولا شعبيًا، بل كان مفتعلًا ومُدارًا ومموّلًا. حساباتٌ تتكلم بلهجة هذه الدولة، وتنتحل هوية تلك الطائفة، وتدّعي الغيرة على هذا الدين أو ذاك الوطن، بينما تُدار فعليًا من غرفٍ بعيدة، خارج الجغرافيا. والحقيقة أن المعركة لم تكن يومًا بين الشعوب، بل كانت ولا تزال حربًا على وعي الشعوب. لقد انكشفت حقيقة مؤلمة، لكنها ضرورية: أن كثيرًا مما نظنه خلافًا شعبيًا لم يكن إلا وقودًا رقميًا لسياسات خارجية، وأجندات ترى في وحدة المسلمين خطرًا، وفي تماسكهم تهديدًا، وفي اختلافهم فرصةً لا تُفوّت. فتُضخ التغريدات، وتُدار الهاشتاقات، ويُصنع الغضب، ويُعاد تدوير الكراهية، حتى تبدو وكأنها رأي عام، بينما هي في حقيقتها رأيٌ مُصنَّع. وما إن سقط القناع، حتى ظهر التناقض الصارخ بين الواقع الرقمي والواقع الإنساني الحقيقي. وهنا تتجلى حقيقة أعترف أنني لم أكن أؤمن بها من قبل، حقيقة غيّرت فكري ونظرتي للأحداث الرياضية، بعد ابتعادي عنها وعدم حماسي للمشاركة فيها، لكن ما حدث في قطر، خلال كأس العرب، غيّر رأيي كليًا. هنا رأيت الحقيقة كما هي: رأيت الشعوب العربية تتعانق لا تتصارع، وتهتف لبعضها لا ضد بعضها. رأيت الحب، والفرح، والاحترام، والاعتزاز المشترك، بلا هاشتاقات ولا رتويت، بلا حسابات وهمية، ولا جيوش إلكترونية. هناك في المدرجات، انهارت رواية الكراهية، وسقط وهم أن الشعوب تكره بعضها، وتأكد أن ما يُضخ في الفضاء الرقمي لا يمثل الشعوب، بل يمثل من يريد تفريق الأمة وتمزيق لُحمتها. فالدوحة لم تكن بطولة كرة قدم فحسب، بل كانت استفتاءً شعبيًا صامتًا، قال فيه الناس بوضوح: بلادُ العُرب أوطاني، وكلُّ العُربِ إخواني. وما حدث على منصة (إكس) لا يجب أن يمرّ مرور الكرام، لأنه يضع أمامنا سؤالًا مصيريًا: هل سنظل نُستدرج إلى معارك لا نعرف من أشعلها، ومن المستفيد منها؟ لقد ثبت أن الكلمة قد تكون سلاحًا، وأن الحساب الوهمي قد يكون أخطر من طائرةٍ مُسيّرة، وأن الفتنة حين تُدار باحتراف قد تُسقط ما لا تُسقطه الحروب. وإذا كانت بعض المنصات قد كشفت شيئًا من الحقيقة، فإن المسؤولية اليوم تقع علينا نحن، أن نُحسن الشك قبل أن نُسيء الظن، وأن نسأل: من المستفيد؟ قبل أن نكتب أو نشارك أو نرد، وأن نُدرك أن وحدة المسلمين ليست شعارًا عاطفيًا، بل مشروع حياة، يحتاج وعيًا، وحماية، ودراسة. لقد انفضحت الأدوات، وبقي الامتحان. إما أن نكون وقود الفتنة أو حُرّاس الوعي ولا خيار ثالث لمن فهم الدرس والتاريخ.. لا يرحم الغافلين
831
| 16 ديسمبر 2025
يترقّب الشارع الرياضي العربي نهائي كأس العرب، الذي يجمع المنتخبين الأردني والمغربي على استاد لوسيل، في مواجهة تحمل كل مقومات المباراة الكبيرة، فنيًا وبدنيًا وذهنيًا. المنتخب الأردني تأهل إلى النهائي بعد مشوار اتسم بالانضباط والروح الجماعية العالية. كما بدا تأثره بفكر مدربه جمال السلامي، الذي نجح في بناء منظومة متماسكة تعرف متى تضغط ومتى تُغلق المساحات. الأردن لم يعتمد على الحلول الفردية بقدر ما راهن على الالتزام، واللعب كوحدة واحدة، إلى جانب الشراسة في الالتحامات والقتالية في كل كرة. في المقابل، يدخل المنتخب المغربي النهائي بثقة كبيرة، بعد أداء تصاعدي خلال البطولة. المغرب يمتلك تنوعًا في الخيارات الهجومية، وسرعة في التحولات، وقدرة واضحة على فرض الإيقاع المناسب للمباراة. الفريق يجمع بين الانضباط التكتيكي والقوة البدنية، مع حضور هجومي فعّال يجعله من أخطر منتخبات البطولة أمام المرمى. النهائي يُنتظر أن يكون مواجهة توازنات دقيقة. الأردن سيحاول كسر الإيقاع العام للمباراة والاعتماد على التنظيم والضغط المدروس، بينما يسعى المغرب إلى فرض أسلوبه والاستفادة من الاستحواذ والسرعة في الأطراف. الصراع في وسط الملعب سيكون مفتاح المباراة، حيث تُحسم السيطرة وتُصنع الفوارق. بعيدًا عن الأسماء، ما يجمع الفريقين هو الروح القتالية والرغبة الواضحة في التتويج. المباراة لن تكون سهلة على الطرفين، والأخطاء ستكون مكلفة في لقاء لا يقبل التعويض. كلمة أخيرة: على استاد لوسيل، وفي أجواء جماهيرية منتظرة، يقف الأردن والمغرب أمام فرصة تاريخية لرفع كأس العرب. نهائي لا يُحسم بالتوقعات، بل بالتفاصيل، والتركيز، والقدرة على الصمود حتى اللحظة الأخيرة.
678
| 18 ديسمبر 2025
يوماً بعد يوم تكبر قطر في عيون ناظريها من كأس العالم الذي أبهر وأدهش وأتقن، الى احتضان فعاليات كأس العرب. نعم نجحت قطر في جمع العرب في ملتقى استثنائي، بدأ بافتتاح مهيب وأسطوري اجتمعت فيه حضارة العرب وعاداتهم وأحلامهم ونجحت في تقديم فلسفة الاستاد خلال الأيام الماضية على أنه البيت العربي الكبير الذي يجمع العرب متجاوزين الحدود والفوارق. لقد تبيّن لنا أن هناك الكثير مما يجمع العرب، وليس حرف الضاد وحده، فها هي كرة قدم أظهرت أنهم يقفون ويستطيعون البناء وتقديم الأفضل، وأن هناك جيلا متفائلا يؤمن بالمستقبل وبأنه قادر على أن ينهض من تحت الركام، جيل جديد يتنفس عطاءً ويضع لبنات البناء الذي يعيد المجد لهذه الأمة. أما فلسطين فكانت حاضرة في هذا المهرجان الكروي، في تضامن ليس جديدا أو غريبا على قطر وشعبها، ولعل الأوبريت المؤثر حين جمع قصص الاناشيد الوطنية للدول العربية عبّر لكل الحاضرين والمشاهدين أن تحريرها ممكن وان وحدتنا ممكنة. قطر ومن جديد تجمع العرب في كأس العرب للمرة الثانية من المحيط الى الخليج في هذه الاحتفالية الكروية التي تعد الأكبر في العالم العربي، والسؤال الذي يطرح نفسه عن سرّ نجاح قطر مرة تلو الأخرى؟ لقد وضعت قطر بصمتها على خريطة العرب والعالم فأصبح يشار إليها بالبنان لما تمتلكه من قدرات استثنائية على استضافة الأحداث الرياضية الكبرى وتمثل كأس العرب فصلاً جديداً في هذا الإرث الرياضي الغني والمتنوع. قطر وخلال أعوام مضت وضعت رؤيتها، وحددت هدفها وسخرت امكاناتها، وبذلت كل ما تستطيع لتحقيق ما رأيناه من ترتيبات لإقامة كأس العالم على أرض صغيرة حجما، كبيرة بالفعل فكان لها ما أرادت واستقر الهدف وجاءت في هذه البطولة لتبني على ما تم انجازه وتعطي أكثر وأكثر. تمتلئ ملاعب قطر بالجماهير التي تحول ملاعب المونديال الأيقونية إلى مسرح جديد للإثارة الكروية العربية يستفيد فيها المشاركون والجماهير من منظومة متكاملة، أسست على أرقى المعايير البيئية العالمية، فهي لم تعتمد بناء ملاعب يطلق عليها مصطلح الأفيال البيضاء ببناء أبنية ضخمة لا داعي لها بل شيدت على مبدأ الاستدامة واستخدام أدوات صديقة للبيئة بحيث يمكن تفكيك وإعادة استخدام الملاعب وفق خطة مدروسة بمجرد الانتهاء منها سواء بإعادة تدويرها في مشروعات داخلية أو بالتبرّع بها وإهدائها إلى دول أخرى لرفع كفاءة منشآتها الرياضية إضافة الا أنها ملاعب بلا تدخين وملاعب يصدح فيها صوت الأذان انجاز مختلف ومقدر. يضاف إلى هذه الملاعب المونديالية، أنها استفادت من البنية التحتية الرياضية الواسعة التي أولت قطر اهتماما كبيرا بها بما في ذلك مرافق التدريب الحديثة، ومناطق المشجعين التي توفر تجربة ترفيهية متكاملة وفي نقطة تحسب لهذه الجهود تتضمن الملاعب خيارات أماكن مخصصة للمشجعين من ذوي الإعاقة. وهنا لا بد من ذكر تسهيلات حركة المشجعين من خلال شبكة منظمة من المواصلات فنجاحها يعد حجر الزاوية في انجاح البطولة فهي توفر شبكة نقل حديثة ومتكاملة تتمتع بسلاستها وفعاليتها مع وجود مترو الدوحة العمود الفقري للدوحة الذي يربط غالبية الملاعب والمناطق الحيوية في قطر خلال دقائق معدودة، بجانب منظومة نقل عام فعالة سلسة الحركة خلال الفعاليات الكبرى، فضلا عن طرق حديثة تساهم بصورة كبيرة في تقليل الازدحام وتعزيز انسيابية حركة الجماهير. وإلى جانب ذلك، يتوفر أسطول حديث من الحافلات الكهربائية الصديقة للبيئة لتقليل الانبعاثات الكربونية، وكذلك خدمة نقل عام مستدامة وفعالة تشمل "مترولينك"، والتي تتمثل في شبكة حافلات فرعية مجانية تربط بين محطات المترو والأماكن المحيطة. لقد ركزت قطر على الاستدامة عبر استخدام حافلات كهربائية وتقليل الاعتماد على السيارات الخاصة، وتوفير تجربة سلسة في نقل المشجعين مع الأخذ في الاعتبار احتياجات الأشخاص ذوي الإعاقة عند تصميم وسائل النقل والمحطات، وهو الأمر الذي يساعد على ترك إرث مستدام لقطر يعزز من مكانتها كمركز للفعاليات العالمية. وبينما تدار المباريات من جهة تقام مجموعة من الفعاليات الثقافية والترفيهية لتعزيز تجربة المشجعين وخلق أجواء إيجابية وبناء جسور بينهم حيث ترحب قطر بهم بطريقتها وبحسن وكرم الاخلاق والضيافة. أي انجاز هذا، خطوة ٌتحسب وتقدر ونقطةٌ بألف هدف، فقطر تربط استثمارها بالرياضة بتحقيق نمو اقتصادي وسياحي وفي نفس الوقت وفي هذا المحفل العربي الاخوي تزيل اسباب الفرقة وتقرب المسافات في تجمع لم نكن نراه او يشهد له في من سبقها من فعاليات لكأس العرب. أي انجازٍ هذا في أكبر تجمع عربي، إذا هي الارادة الجادة والحقيقية المنتمية، تغلفها الشجاعة والاقتدار الساعية لبث الخير. قطر لا تمتلك المال فقط، إنما هي تتبع قواعد النجاح وتركز على الإنسان وفكره وتطويره، لا تترك جهدا ً في الاستفادة من خبرات الآخرين والتعلم منها والبناء عليها، وتعطي الفرص وتمنح المساحات للعطاء لمن يريد من القطريين أو غيرهم ممن يعيشون على أرضها. من استاد ملعب البيت كان الافتتاح، ولن تكون النهاية، لقد أصبحت قطر على الدوام البيت الذي يجمع ولا يفرق يلم الجراح ويبث الطمأنينة. الأمل يحدونا لأن نزيد ما تم بناؤه فكريا وروحيا ومعنويا في قطر، وفي غيرها من شقيقاتها من الدول العربية والإسلامية، حتى نغدو منارة يهتدى بنا.
672
| 15 ديسمبر 2025