رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

سهير الصلاح

متقاعدة قطرية
عضو المجلس الاستشاري الأسري - دولة قطر

مساحة إعلانية

مقالات

1530

سهير الصلاح

التقاعد بداية جديدة لحياة اجتماعية متجددة

11 مايو 2025 , 03:42ص

لعلّ أكثر ما يتخوفه المتقاعد في حياته التقاعدية هو أن تجثمَ على حياته الوحدةُ والمللُ، وأن يظل يعيش في شبح الماضي فقط. هو قابعٌ في حاضرٍ راكدٍ ومستقبلٍ يخلو من الإثارة والمتعة، حيث فقدت الأحداثُ معانيَها، وصار الأقاربُ والأصدقاءُ والأصحابُ محطاتِ مرورٍ عابرةً، قد يلتقي بهم وربما لا يلتقي.

الوحدةُ تقتل أنفاسَه، وبات ينام ويصحو على ذكرياتٍ مضت ولن تعود، ويجلس على الأريكة يجترُّ شريطَ ذكرياتِه ينقلُه من زمنٍ لزمنٍ، ومن ومضةٍ لأخرى، وما بين صورٍ باهتةٍ ضاع بريقُها وفقدت حيويتَها ورونقَها، وما بين حاضرٍ كاسدٍ لا حراك فيه، يرى نفسَه وحيداً وقد سئمَ من نفسِه وحياتِه.

ها هو قد تقاعد وإذ به يجد علاقاتِه أصبحت باهتةً، وصلاتِه واهيةً، وفقدت الروابطُ طعمَها الأصيلَ. هل أخذ انغماسُه في عمله كلَّ جميلٍ في حياته؟

على رِسلك أيها المتقاعد! فترةُ عملِك قضيتَها بجدٍّ وإخلاصٍ، وهي وسامٌ نعلقُه على صدورنا نفخر به دوماً. كلُّ فترةٍ من حياتنا لها خصوصيتُها وتميزُها. ولعل من أفضل المبادرات التي يمكنك القيام بها هو تخصيصُ وقتٍ أكبرَ للعلاقات الاجتماعية التي قد كنت تتمنى تقويتَها ومنعَك من ذلك ضغوطُ العمل. إن بناءَ علاقاتٍ فعالةٍ وحيويةٍ ومتفاعلةٍ يضفي معنىً عميقاً على حياتِك ويُعطيها قوةً ونشاطاً، ويجعلك تتلمسُ معانيَ جديدةً للحياة والعلاقات ككل من زوايا مختلفة.

أولُ ما يتبادر للذهن هو ضرورةُ إعادةِ التواصل مع العلاقات القائمة من أصدقاءَ قُدامى وزملاءِ الدراسة. البعضُ منا قد يتوقُ لاستعادةِ علاقةٍ قديمةٍ طواها الزمنُ ليرى مقدارَ التغيير والتغير في المظهر والشخصية لأصدقاءَ كانوا يعنون له الكثير، ولإحياءِ مشاعرَ جميلةٍ تشاركوها معاً أضافت إليهم الكثير.

إن إحياءَ وتقويةَ العلاقات من أسهلِ الأمور؛ تستطيع أن تجدَهم عبر وسائلِ التواصل الاجتماعي، وما عليك إلا أن تبادرَ بالاتصال، إما عبر مكالمةٍ هاتفيةٍ أو بإرسالِ بريدٍ إلكترونيٍّ أو عبر شبكةِ معارفِك. وستجد أرضيةً خصبةً مشتركةً فيما بينكم تتبادلون فيها الذكرياتِ وتتجاذبون أطرافَ الحديث، مما يولدُ لديكم شعوراً بأنكم جزءٌ مهمٌّ في الوسط الاجتماعي، وأن هناك أدواراً اجتماعيةً تنتظركم لتقوموا بها، لأنكم ما زلتم جزءاً حيوياً في هذا الوسط. اجعلْ من تواصلِك الاجتماعي هدفاً إنسانياً وشعورياً يبرزُ النسخةَ الأفضلَ منك ويجعلُك داعماً لا غنى عنه.

إن الدائرةَ الاجتماعيةَ للمتقاعد كبيرةٌ وتزدادُ اتساعاً؛ فهناك الأبناءُ والأحفادُ، والأقاربُ والجيرانُ، وباستطاعتِك أن تكونَ جزءاً فاعلاً في حياتهم. يمكنك -مثلاً- تخصيصُ وقتٍ منتظمٍ للاجتماعِ معهم والتحدثِ إليهم ورفقتهم ومشاركتِهم أنشطتَهم، كالتمشية اليومية واللعب في الهواء الطلق. بأبسطِ الوسائلِ يمكنك أن تُضيءَ حياتَك التقاعديةَ وتجعلَها تفعمُ بالحركة والحيوية والنشاط. افتحْ قلبَك وخططْ ونفذْ أنشطةً وبرامجَ ترفيهيةً وثقافيةً مع من تحب. ستجدُ رفقةً طيبةً مع كل من حولك. فقط ابدأْ وحاورْ واجلسْ معهم، وستُفتَحُ لك أبوابٌ من الأفكار والمشاعرِ تزهو بها حياتُك، وتنطلقُ بعدها بتفاؤلٍ وصدرٍ رحبٍ لتستقبلَ حياتَك الجديدةَ وهي تعجُّ بالأشخاص والأحداث. وستُفتَحُ لك أبوابٌ للعطاءِ والمَنْحِ، وبنفس الوقت تُشبِعُ احتياجاتِك النفسيةَ والعاطفيةَ بحسب المتاح في حياتك من ظروفٍ وأحوال.

تذكرْ أن شريكةَ أو شريك حياتِك تنتظرُ فرصةَ قضاءِ الوقتِ المثاليِّ والنوعيِّ معك. خطِّطا معاً لأنشطةٍ اجتماعيةٍ وترفيهيةٍ تستمتعانِ بقضائِها معاً، وقد ألقيتُما عن كاهلِكما الكثيرَ من المسؤوليات. جاء الوقتُ للحوارِ المفتوحِ والفكاهةِ العفويةِ، والجوِّ الذي لا يخلو من الأُلفةِ والمشاعرِ الجميلة. والمشاركةِ في الهوايات مثل القراءة، والانضمامِ لمجموعاتِ المشي، أو صفوفِ الفنِّ، أو تعلمِ لغةٍ جديدةٍ، أو المشاركةِ في ورشِ عملٍ، أو مجموعاتِ البستنةِ، أو التطوعِ للقيامِ بأعمالٍ خيريةٍ أو تقديمِ دعمٍ للفئاتِ المستضعفةِ في المجتمع.

لتخرجَ أيها المتقاعدُ من دائرةِ المللِ والركودِ والوحدةِ، عليك أن تبادرَ ولا تنتظرْ من الآخرين أن يتصلوا بك. بادرْ أنت بالدعوةِ والاتصالِ، وأظهرِ اهتماماً حقيقياً مفعماً بالصدقِ والمشاعرِ، وشاركِ اهتماماتِك وهواياتِك وخبراتِك، وستجدُ حياةً زاخرةً بالعطاءِ تعجُّ بالحيوية.

مساحة إعلانية