رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

د. جاسم الجزاع

* باحث وأكاديمي كويتي
[email protected]

مساحة إعلانية

مقالات

573

د. جاسم الجزاع

هل أرادوا اغتيال فكرة الوسيط؟

10 سبتمبر 2025 , 02:50ص

في حادثة مفاجئة وصادمة أثارت صدمة إقليمية ودولية، قامت طائرات مقاتلة إسرائيلية باستهداف موقع سكني في قلب الدوحة في محاولة لاغتيال عناصر من حركة حماس مقيمين في قطر، وهذا الحدث لم يكن مجرد خرق أمني عابر، بل كان بمثابة إعلان عن نية الاحتلال نقل ساحة صراعاته الطغيانية إلى قلب دولة عربية وخليجية لعبت – ولا تزال – دور الوسيط النزيه في واحدة من أعقد أزمات المنطقة وهو ملف الحرب في غزة.

فكما تعلمون منذ اليوم الأول لانفجار الأوضاع في غزة، وقفت قطر في موقع الوسيط المقبول دوليًا، والمحاور الذي يحظى بثقة الأطراف ذات العلاقة، لما عُرف عنها من حياد نسبي، وعلاقات متوازنة مع مختلف الأطراف ذات العلاقة، فالدوحة هي التي فتحت خطوط التفاوض لإيصال المساعدات لقطاع غزة، وهي التي استضافت الوفود من حماس والكيان والأمريكان، وهي التي حافظت على توازن حساس بين دعمها الإنساني للشعب الفلسطيني من جهة، والتزامها بالمعايير الدبلوماسية الدولية من جهة أخرى، وقد أثنى المجتمع الدولي مرارًا وتكرارًا على هذا الدور، باعتباره صمام أمان يحول دون انزلاق الأزمة إلى مستويات أشد خطورة.

لكن العجب العجاب أن الكيان الإسرائيلي – بعقلية مأزومة مجنونة – لم ير في هذا الدور القطري سوى تهديد لنفوذها وخطابها الدعائي الفاشل، فوجود وسيط عربي «مسلم» يحظى بقبول غربي ودولي، ويمتلك من الأدوات الدبلوماسية ما يفضح ممارسات الاحتلال، يشكل عبئًا على تل أبيب التي لطالما سعت إلى احتكار رواية الأحداث وتقديم نفسها كضحية أمام العالم وفشلت في ذلك، ولهذا لم يكن مستغربًا أن يظهر التخبط الإسرائيلي في صورة تصعيد غير محسوب ومجنون، يصل إلى حد التفكير باستهداف العاصمة الدوحة ذاتها، في خطوة يمكن وصفها بالمغامرة الجنونية التي تهدد الأمن الإقليمي في الشرق الأوسط الملتهب.

فهذا التخبط يعكس في جوهره حالة الانكسار الداخلي التي يعيشها الكيان ودليلا على انهيار الدعاية الإسرائيلية، فالكيان اليوم يواجه مأزقًا متعدد الأبعاد كالجبهة الداخلية المأزومة بالانقسام السياسي والاحتجاجات، والجبهة العسكرية المتخبطة التي تستنزفها حرب غزة، والجبهة الخارجية التي تتمثل في فقدان ثقة حلفاء غربيين بدعوتها في حربها وسقوطها من أعين الرأي العام العالمي، 

لذلك أتمنى كمواطن خليجي وعربي أمام هذا التصعيد، أن لا تكتفي قطر ببيانات الإدانة، بل إن الأمر يستدعي تحركًا أكثر شمولية بالمشاركة مع دول الخليج التي صرحت مباشرة عن دعمها لقطر في أزمتها لأن استهداف الدوحة لا يعد اعتداءً على قطر وحدها، بل هو اعتداء على الشرعية الخليجية والعربية والدولية، على دور وفكرة الوسيط، وعلى فكرة الحياد الدبلوماسي في إدارة العلاقات بين الدول، وأن تتم المطالبة بتحقيق دولي يكشف حقيقة النوايا الإسرائيلية الجنونية، ويعرّي الكيان أمام العالم كقوة خارجة عن القانون، لا تتورع عن المساس بدولة ذات سيادة مثل قطر من أجل إجهاض أي وساطة تعطي العرب والفلسطينيين صوتًا في المحافل الدولية.

مساحة إعلانية