رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
رغم أن القاعدة التراثية تنصح بأن يُعرف الحق ثم يُعرف أهله وألا يُعرف الحق بالرجال، إلا أنه في كثير من الأحيان يحدد المصريون موقفهم من أمور معينة بالمخالفة لهذه القاعدة، فعندما يتواطأ من عرف عنهم التلون والمشاكسة ضد قرار ما، يعرف المصريون أن الحق في صف هذا القرار. ربما يكون هذا نزعة صوفية لا يمكن تبريرها على نحو عقلاني، ولكنها تمثل، في الوقت نفسه، الوسيلة الوحيدة التي تصلح حينما تختلط الآراء وتتباين التحليلات ويشتبه الحق بالباطل فلا تكون ثمة وسيلة إلا معرفة الحق بأهله ومعرفة الباطل بأهله.
ويمكن الزعم بأن هذه النزعة قد آتت ثمارها في الأزمة التي صاحبت القرار الأخير، الذي اتخذه الرئيس المصري بخصوص التراجع عن حل مجلس الشعب بناء على حكم المحكمة الدستورية العليا. فرغم اختلاط الموقف على الكثيرين بسبب الانقسام حول تأويل القرار ومدى ملاءمته ومناسبته للأوضاع التي تمر بها البلاد، إلا أن الكثيرين صاغوا موقفهم بالنظر إلى من ساندوا القرار وإلى من عارضوه، بعبارة أخرى أتاحت نوعية المعارضين لقرار رئيس الجمهورية معيارا مريحا وسهلاً لاختيار الجانب الذي يمكن للمرء أن يقف فيه وهو مرتاح الضمير.
فقد اجتمع في خانة المعارضين لقرار رئيس الجمهورية زمرة من المتلونين والموالسين والمتحولين ممن عارضوا الثورة في بدايتها ثم زايدوا عليها لاحقا، أو ممن طالبوا المجلس العسكري في بداية المرحلة الانتقالية بالبقاء في السلطة إلى أمد غير معلوم، أو ممن اعترضوا على معظم خطوات نقل السلطة واستبد بهم الفزع كلما اقتربت المرحلة الانتقالية من الانتهاء. هذه المعارضة الغيورة على دولة القانون والدستور هي نفسها التي سكتت على الكثير من الانتهاكات القانونية وأبرزها الإعلان الدستوري المكمل الذي كان أوضح في مجافاته للمنطق القانوني من القرار الرئاسي الأخير.
لقد كان المصريون بحاجة إلى سماع تحليلات منطقية حول مدى قانونية القرار، ومدى اتساقه مع متطلبات المرحلة وذلك لكي يكونوا وجهات نظر محددة بخصوصه، فإذا بهم يستمعون إلى قائمة طويلة من الهجاء الذي عبر عن حالة نفسية محتقنة إزاء احتمالات عودة البرلمان ذي الأغلبية الإسلامية بأكثر مما عبر عن حالة عقلية سليمة تقوم على تقييم وتحليل القرار وإعطاء الرأي القانوني بخصوصه. وليس من تفسير لذلك إلا أن هذه التيارات مصرة على أن تفقد كل ذرة ثقة كانت الجماهير المصرية قد أودعتها إياها في وقت سابق.
فعلى مدار الأيام التي تلت إصدار القرار ارتفع صوت الهجاء وغاب صوت العقل، وتفرغ الكثير من القانونيين والمعلقين لصياغة حفنة من أوصاف الذم بحق القرار، فوصفوه بأنه غير دستوري وغير قانوني، ووصل الشطط بالبعض إلى حد دعوة العسكر إلى الانقلاب على السلطة الشرعية المنتخبة، أو إلى محاصرة قصر الرئاسة. وتفرغ كثير ممن وصفوا أو سموا أنفسهم بالفقهاء الدستوريين لكيل عبارات لا تمت لشرف المهنة القضائية بصلة، فمن بين قائل إن ما حدث هو بلطجة سياسية، وبين واصف له بأنه ترقيع قانوني، وما بين قائل إن الرئيس قد جرد نفسه من منصبه وبالتالي لم يعد رئيساً للجمهورية ومنهم من طالب بمحاكمة وفقاً للمادة 123 من قانون العقوبات التي تنص على معاقبة من يمتنع عن تنفيذ الأحكام القضائية بالحبس!
والغريب أن كثيرين ممن تصدوا لهذا القرار أعفوا أنفسهم من عبء الاضطلاع على تفاصيله، أو هم ربما اضطلعوا عليه وأبوا إلا أن يدلسوا على الناس بأن ينقلوا إليهم صورة مشوهة عما تم إصداره. فالقرار تضمن سحب قرار المجلس العسكري باعتبار مجلس الشعب منحلا، وعودة مجلس الشعب المنتخب لعقد جلساته وممارسة اختصاصاته المنصوص عليها بالإعلان الدستوري 2011، وإجراء انتخابات مبكرة خلال 60 يوما من إقرار الدستور الجديد والانتهاء من قانون مجلس الشعب. وعليه لا يكون رئيس الجمهورية قد أهدر أحكام القضاء ولم يخالف حكم المحكمة الدستورية، غاية ما هنالك أنه أرجأ تنفيذ الحكم لحين الانتهاء من وضع الدستور وهذا حق أصيل للرئيس الذي أعاد السلطة المنتخبة لمزاولة أعمالها وسحب الشرعية من المجلس العسكري بوصفه غير ذي صفة، ولكن هؤلاء المعارضين أبوا إلا أن يصوروا القرار للمصريين على أنه إهدار لحكم المحكمة الدستورية العليا وضرب لدولة القانون في مقتل.
صحيح أن عقول المصريين مازالت مليئة بالكثير من الأسئلة حول مصير القوانين التي يمكن أن يتمخض عنها البرلمان العائد من الحل، بموجب هذا القرار، إذا ما تم الطعن عليها بعدم الدستورية، وحول ما إذا كان القرار قد تم صدوره بالتشاور مع العسكر أم أنه قد فاجأهم كما فاجأ عموم المصريين، ولكن الأمر الذي بات الجميع متأكدين منه أن هذا القرار يمثل عينة لنوعية العقبات التي تنتظر الرئيس في المستقبل من النخبة والإعلام والفلول، فهذا الخليط يبدو أنه من المستحيل أن يجتمع على حق، ويبدو، من ثم، أنه من غير الممكن استرضاؤه. وعليه فإن على الرئيس الجديد أن يتخلى عن محاولة التوافق مع هذه القوى المشاكسة، والتي اتضح الآن بجلاء أنها لن تضيع أي فرصة لعرقلة الرئيس الجديد إلا وستستغلها على نحو يضرب في الصميم مفهوم دولة المؤسسات التي يطمح إليها غالبية المصريين.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
المشهد الغريب.. مؤتمر بلا صوت! هل تخيّلتم مؤتمرًا صحفيًا لا وجود فيه للصحافة؟ منصة أنيقة، شعارات لامعة، كاميرات معلّقة على الحائط، لكن لا قلم يكتب، ولا ميكروفون يحمل شعار صحيفة، ولا حتى سؤال واحد يوقظ الوعي! تتحدث الجهة المنظمة، تصفق لنفسها، وتغادر القاعة وكأنها أقنعت العالم بينما لم يسمعها أحد أصلًا! لماذا إذن يُسمّى «مؤتمرًا صحفيًا»؟ هل لأنهم اعتادوا أن يضعوا الكلمة فقط في الدعوة دون أن يدركوا معناها؟ أم لأن المواجهة الحقيقية مع الصحفيين باتت تزعج من تعودوا على الكلام الآمن، والتصفيق المضمون؟ أين الصحافة من المشهد؟ الصحافة الحقيقية ليست ديكورًا خلف المنصّة. الصحافة سؤالٌ، وجرأة، وضمير يسائل، لا يصفّق. فحين تغيب الأسئلة، يغيب العقل الجمعي، ويغيب معها جوهر المؤتمر ذاته. ما معنى أن تُقصى الميكروفونات ويُستبدل الحوار ببيانٍ مكتوب؟ منذ متى تحوّل «المؤتمر الصحفي» إلى إعلان تجاري مغلّف بالكلمات؟ ومنذ متى أصبحت الصورة أهم من المضمون؟ الخوف من السؤال. أزمة ثقة أم غياب وعي؟ الخوف من السؤال هو أول مظاهر الضعف في أي مؤسسة. المسؤول الذي يتهرب من الإجابة يعلن – دون أن يدري – فقره في الفكرة، وضعفه في الإقناع. في السياسة والإعلام، الشفافية لا تُمنح، بل تُختبر أمام الميكروفون، لا خلف العدسة. لماذا نخشى الصحفي؟ هل لأننا لا نملك إجابة؟ أم لأننا نخشى أن يكتشف الناس غيابها؟ الحقيقة الغائبة خلف العدسة ما يجري اليوم من «مؤتمرات بلا صحافة» هو تشويه للمفهوم ذاته. فالمؤتمر الصحفي لم يُخلق لتلميع الصورة، بل لكشف الحقيقة. هو مساحة مواجهة بين الكلمة والمسؤول، بين الفعل والتبرير. حين تتحول المنصّة إلى monologue - حديث ذاتي- تفقد الرسالة معناها. فما قيمة خطاب بلا جمهور؟ وما معنى شفافية لا تُختبر؟ في الختام.. المؤتمر بلا صحفيين، كالوطن بلا مواطنين، والصوت بلا صدى. من أراد الظهور، فليجرب الوقوف أمام سؤال صادق. ومن أراد الاحترام فليتحدث أمام من يملك الجرأة على أن يسأله: لماذا؟ وكيف؟ ومتى؟
7890
| 13 أكتوبر 2025
انتهت الحرب في غزة، أو هكذا ظنّوا. توقفت الطائرات عن التحليق، وصمت هدير المدافع، لكن المدينة لم تنم. فمن تحت الركام خرج الناس كأنهم يوقظون الحياة التي خُيّل إلى العالم أنها ماتت. عادوا أفراداً وجماعات، يحملون المكان في قلوبهم قبل أن يحملوا أمتعتهم. رأى العالم مشهدًا لم يتوقعه: رجال يكنسون الغبار عن العتبات، نساء يغسلن الحجارة بماء بحر غزة، وأطفال يركضون بين الخراب يبحثون عن كرة ضائعة أو بين الركام عن كتاب لم يحترق بعد. خلال ساعات معدودة، تحول الخراب إلى حركة، والموت إلى عمل، والدمار إلى إرادة. كان المشهد إعجازًا إنسانيًا بكل المقاييس، كأن غزة بأسرها خرجت من القبر وقالت: «ها أنا عدتُ إلى الحياة». تجاوز عدد الشهداء ستين ألفًا، والجراح تزيد على مائة وأربعين ألفًا، والبيوت المدمرة بالآلاف، لكن من نجا لم ينتظر المعونات، ولم ينتظر أعذار من خذلوه وتخاذلوا عنه، ولم يرفع راية الاستسلام. عاد الناس إلى بقايا منازلهم يرممونها بأيديهم العارية، وكأن الحجارة تُقبّل أيديهم وتقول: أنتم الحجارة بصمودكم لا أنا. عادوا يزرعون في قلب الخراب بذور الأمل والحياة. ذلك الزحف نحو النهوض أدهش العالم، كما أذهله من قبل صمودهم تحت دمار شارك فيه العالم كله ضدهم. ما رآه الآخرون “عودة”، رآه أهل غزة انتصارًا واسترجاعًا للحق السليب. في اللغة العربية، التي تُحسن التفريق بين المعاني، الفوز غير النصر. الفوز هو النجاة، أن تخرج من النار سليم الروح وإن احترق الجسد، أن تُنقذ كرامتك ولو فقدت بيتك. أما الانتصار فهو الغلبة، أن تتفوق على خصمك وتفرض عليه إرادتك. الفوز خلاص للنفس، والانتصار قهر للعدو. وغزة، بميزان اللغة والحق، (فازت لأنها نجت، وانتصرت لأنها ثبتت). لم تملك الطائرات ولا الدبابات، ولا الإمدادات ولا التحالفات، بل لم تملك شيئًا البتة سوى الإيمان بأن الأرض لا تموت ما دام فيها قلب ينبض. فمن ترابها خُلِقوا، وهم الأرض، وهم الركام، وهم الحطام، وها هم عادوا كأمواج تتلاطم يسابقون الزمن لغد أفضل. غزة لم ترفع سلاحًا أقوى من الصبر، ولا راية أعلى من الأمل. قال الله تعالى: “كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ”. فانتصارها كان بالله فقط، لا بعتاد البشر. لقد خسر العدو كثيرًا مما ظنّه نصرًا. خسر صورته أمام العالم، فصار علم فلسطين ودبكة غزة يلفّان الأرض شرقًا وغربًا. صار كلُّ حر في العالم غزاويًّا؛ مهما اختلف لونه ودينه ومذهبه أو لغته. وصار لغزة جوازُ سفرٍ لا تصدره حكومة ولا سلطة، اسمه الانتصار. يحمله كل حر وشريف لايلزم حمله إذنٌ رسمي ولا طلبٌ دبلوماسي. أصبحت غزة موجودة تنبض في شوارع أشهر المدن، وفي أكبر الملاعب والمحافل، وفي اشهر المنصات الإعلامية تأثيرًا. خسر العدو قدرته على تبرير المشهد، وذهل من تبدل الأدوار وانقلاب الموازين التي خسرها عليها عقوداً من السردية وامولاً لا حد لها ؛ فالدفة لم تعد بيده، والسفينة يقودها أحرار العالم. وذلك نصر الله، حين يشاء أن ينصر، فلله جنود السماوات والأرض. أما غزة، ففازت لأنها عادت، والعود ذاته فوز. فازت لأن الصمود فيها أرغم السياسة، ولأن الناس فيها اختاروا البناء على البكاء، والعمل على العويل، والأمل على اليأس. والله إنه لمشهدُ نصر وفتح مبين. من فاز؟ ومن انتصر؟ والله إنهم فازوا حين لم يستسلموا، وانتصروا حين لم يخضعوا رغم خذلان العالم لهم، حُرموا حتى من الماء، فلم يهاجروا، أُريد تهجيرهم، فلم يغادروا، أُحرقت بيوتهم، فلم ينكسروا، حوصرت مقاومتهم، فلم يتراجعوا، أرادوا إسكاتهم، فلم يصمتوا. لم… ولم… ولم… إلى ما لا نهاية من الثبات والعزيمة. فهل ما زلت تسأل من فاز ومن انتصر؟
6672
| 14 أكتوبر 2025
منذ صدور قانون التقاعد الجديد لسنة 2023، استبشر الموظفون والمتقاعدون في قطر بمرحلة جديدة من العدالة الاجتماعية والتقدير العملي لعطاءاتهم الطويلة. فقد نصت المادة (31) من القانون على أن الموظف الذي أكمل أكثر من ثلاثين سنة في الخدمة يستحق مكافأة عن السنوات الزائدة، وهو ما اعتُبر نقلة نوعية في التشريعات، ورسالة وفاء وعرفان من الدولة لأبنائها الذين أفنوا أعمارهم في خدمة مؤسساتها. غير أن هذا التفاؤل لم يدم طويلاً، إذ جاءت اللائحة التنفيذية لتضع قيداً لم يرد في النص الأصلي، حيث حصرت استحقاق مكافأة السنوات الزائدة فيمن تجاوزت خدمته الثلاثين سنة ابتداءً من عام 2023 فقط، متجاهلة بذلك آلاف المتقاعدين الذين أنهوا خدماتهم الطويلة قبل هذا التاريخ. هذا التفسير الضيّق أثار جدلاً واسعاً بين القانونيين والمتقاعدين، لأنه خالف صراحة روح المادة (31) وأفرغها من مضمونها العادل. النص التشريعي والغاية المقصودة: لا جدال في أن المشرّع حين أقر المادة (31) كان يبتغي تحقيق مبدأ المساواة والعدل بين كل من خدم الوطن أكثر من ثلاثين عاماً، دون التفريق بين من انتهت خدمته قبل أو بعد 2023. فالقانون قاعدة عامة مجردة، ومقاصده تتجاوز اللحظة الزمنية لتغطي جميع الحالات المماثلة. فإذا جاء النص واضحاً في تقرير الاستحقاق، فإن أي تفسير لاحق يجب أن يكون شارحاً ومكملاً، لا مقيّداً أو مفرغاً من المضمون. إن حصر المكافأة بفئة زمنية محددة يتنافى مع المبادئ العامة للتشريع، ويجعل القانون غير منصف في تطبيقه. فالذين تقاعدوا قبل 2023 قدّموا جهدهم وعرقهم طوال عقود، ومن غير المنطقي أن يُحرموا من حق أثبته النص لمجرد أن توقيت تقاعدهم سبق صدور القانون الجديد. أثر التمييز الزمني على المتقاعدين: إن استبعاد فئة كبيرة من المتقاعدين من حق المكافأة يخلق شعوراً بالغبن واللامساواة، ويؤدي إلى اهتزاز الثقة في العدالة التشريعية. هؤلاء المتقاعدون خدموا في الوزارات والهيئات والمؤسسات العامة، وأسهموا في بناء نهضة الدولة منذ بداياتها، وتحملوا ظروف العمل في فترات صعبة لم تكن فيها الامتيازات والرواتب كما هي اليوم. إن تجاهل هذه الفئة يرسل رسالة سلبية مفادها أن جهد العقود الطويلة يمكن أن يُطوى بجرة قلم، وأن التقدير مرهون بتاريخ تقاعد لا بعطاء حقيقي. وهذا يتناقض مع قيم الوفاء والعرفان التي اعتادت الدولة على إظهارها لأبنائها. الحديث عن مكافأة السنوات الزائدة ليس مجرد نقاش مالي أو قانوني، بل هو في جوهره قضية عدالة اجتماعية وكرامة إنسانية. فالمكافأة تمثل تقديراً رمزياً لمشوار طويل من الخدمة، وتساهم في تحسين أوضاع المتقاعدين الذين يواجهون أعباء الحياة المتزايدة بعد انتهاء عملهم. ومن هنا فإن إعادة النظر في تفسير المادة (31) ليس مجرد إجراء قانوني، بل هو استجابة طبيعية لقيم العدالة التي تميز نظامنا القانوني والإداري. الحق لا يسقط بالتقادم: ومن المهم التأكيد على أن الحق لا يسقط بالتقادم، خاصة إذا كان مرتبطاً بسنوات خدمة طويلة بذل فيها المواطن جهده وطاقته في سبيل وطنه. إن مكافأة السنوات الزائدة تظل حقاً أصيلاً لصاحبها، يحق له المطالبة به ولو بعد حين، ما دام القانون قد أقرّه صراحة في نصوصه. إن محاولة إسقاط هذا الحق بمرور الزمن أو تقييده بتاريخ صدور اللائحة التنفيذية أمر يتعارض مع المبادئ القانونية الراسخة ومع قواعد العدالة والإنصاف. المقارنة بتجارب خليجية سابقة: من المفيد أن نشير إلى أن دولاً خليجية أخرى اعتمدت أنظمة تقاعدية أكثر مرونة في هذا الجانب، حيث شملت مكافآت أو بدلات السنوات الزائدة جميع المتقاعدين دون تمييز زمني، إيماناً منها بأن العطاء لا يُقاس بتاريخ انتهاء الخدمة بل بعدد السنوات التي قضاها الموظف في خدمة وطنه. هذا يعكس أن المبدأ ليس غريباً أو صعب التطبيق، بل هو إجراء ممكن وواقعي أثبت نجاحه في بيئات مشابهة. المطلوب هو أن تشمل مكافأة السنوات الزائدة جميع من تجاوز ثلاثين عاماً خدمة، سواء تقاعد قبل 2023 أو بعده. فذلك هو التطبيق الأمثل لروح القانون، والتجسيد الحقيقي للعدل، والضمانة لردّ الاعتبار لمن حُرموا من حقهم رغم استحقاقهم. إن مكافأة السنوات الزائدة ليست ترفاً ولا منحة عابرة، بل هي استحقاق مشروع وواجب وطني في حق كل من خدم الدولة أكثر من ثلاثة عقود. تجاهل هذا الاستحقاق يفتح باب التمييز ويضعف الثقة في التشريع، بينما إنصاف المتقاعدين يرسخ مبادئ العدالة ويؤكد أن الدولة لا تنسى أبناءها الذين حملوا على عاتقهم مسؤولية البناء والتطوير. وليطمئن كل متقاعد أن عطاءه محفوظ في سجل الوفاء الوطني، وأن سنوات الخدمة الزائدة لن تضيع هدراً، بل ستُكافأ بالعدل والإنصاف.
3462
| 12 أكتوبر 2025