رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
ليس بالضرورة أن يعلن الجيش السوداني تقدمه أو انتصاره على مليشيا الدعم السريع المتمردة عليه، فلربما ذلك يشكك في روايته أو سرديته باعتبار أن أي طرف من الأطراف في أي حرب، يزعم دائما انتصاره أو تفوقه على خصمه. بيد أن هناك وقائع سياسية من لدن أطراف أخرى تدور في مضمار الخصوم للجيش السوداني تدلل وتؤشر إلى تقدمه وتفوقه الميداني؛ فهناك تحركات على مستويات مختلفة إقليمية ودولية لإنقاذ مليشيا الدعم السريع من مصير محتوم وانهيار وشيك، فهناك تحركات دولية على مستوى مجلس الأمن الدولي عبر دعوة لوقف إطلاق النار خلال شهر رمضان الكريم وكأنما يحل رمضان على السودان وحده ولا يحل على غزة المكلومة، وكذلك هناك حديث متصاعد حول فتح ممرات آمنة لتمرير المساعدات الإنسانية (السم في العسل) عبر تشاد. وهي كلها دعوات حق يراد بها باطل، وبالتوازي مع ذلك هناك تحركات وورش سياسية للمجموعة السياسية السودانية الداعمة للتمرد، بدفع وتسهيل إقليمي متدثرة بمشاركة عدد من عناصر (مجتمع الميم) لمغازلة التنظيمات الدولية الداعمة لـ»حقوق» المثليين.
وصوّت مجلس الأمن الدولي الجمعة الماضي على مشروع قرار يدعو جميع الأطراف إلى وقف فوري للأعمال العدائية قبل شهر رمضان. كما دعا إلى السماح بوصول المساعدات الإنسانية بشكل كامل وسريع وآمن وبدون عوائق، بما في ذلك عبر الحدود وعبر خطوط المواجهة. ولا تزال تجربة شريان الحياة راسخة في الذاكرة الوطنية السودانية، حين تبنت الأمم المتحدة المشروع، فكان دعما وانقاذا لحركة انفصال جنوب السودان حينذاك بقيادة جون قرنق. وفي الوقت الذي ما زالت مليشيا الدعم السريع تحتل المستشفيات وبيوت المواطنين بينما أحكمت قوات الجيش السوداني حصارها وبدأت تعاني من نقص الغذاء، رفعت قيادتها الصوت عاليا بطلب وقف إطلاق النار وإدخال المعونات الإنسانية لانقاذ عناصرها ودس الامداد العسكري فيها لتواصل إجرامها ضد المواطنين. وما يؤكد نفاق المجتمع الدولي الذي جعل من مجلس الأمن احدى آلياته، أنه لم يستطع دعوة دولة الاحتلال الإسرائيلي إلى وقف إطلاق النار في غزة خلال شهر رمضان، وكأن هذا الشهر لا يزور الأراضي الفلسطينية!. وقال الرئيس الأمريكي جو بايدن الجمعة في خطابه السنوي حول حالة الاتحاد: «إن التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة بحلول بداية شهر رمضان يبدو صعبا». وكان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش قد وجه خلال اجتماع لمجلس الأمن نداءً إلى جميع الأطراف في السودان لاحترام قيم رمضان من خلال وقف الأعمال العدائية بمناسبة هذا الشهر. وبالطبع فإن قيم رمضان واحدة في كل مكان، كما زمانه واحد في كل مكان بالضرورة. ويشار إلى أن بريطانيا المستعمر السابق للسودان كانت من سعى لمشروع القرار وتبنى تلك الدعوة. ولعل هذه الدعوة الحقة في ظاهرها جعلت كلا من روسيا والصين تقفان موقفا سلبيا، فتتحفظان وتمتنعان عن التصويت. في ذات الوقت نقل السودان عبر مندوبه في الأمم المتحدة ترحيب بلاده بدعوة الأمين العام، لكنه طرح تساؤلات موضوعية عن كيفية القيام بذلك في حين تواصل مليشيا الدعم السريع هجماتها ضد المدنيين بلا انقطاع، داعيا إلى تقديم آلية للتنفيذ.
في موازاة ذلك نظمت قوى الحرية والتغيير (قحت) السودانية التي غيرت جلدها إلى (تقدم) في الأسبوع الماضي بكمبالا عاصمة أوغندا، ورشة قالت إنها لـ»الاصلاح الأمني والعسكري» بمشاركة عملاء لمخابرات أجنبية، وهي ورشة قديمة جديدة تستهدف تفكيك الجيش السوداني، حيث بدأت ما قبل الحرب في منتصف ابريل الماضي. والجديد أنها عقدت في دولة أجنبية، وليتخيل الناس عقد ورشة في دولة أجنبية بغرض معلن وهو تفكيك جيش دولة أخرى ودون حضور أي ممثلين للجيش!. ولجذب منظمات دعم المثليين واستجداء دعمها ولتوجه ضغوطها نحو حكومات مثل الولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد الأوروبي، أمّت الورشة عناصر من (مجتمع الميم) بسموتهم وهيئاتهم المعروفة حيث تغيب الفواصل بين الذكر والأنثى. وربما من متسائل بريء يسأل عن من أحق بالتفكيك جيش وطني عمره مائة عام أم مليشيا مجرمة وإرهابية تمردت على الدولة وظلت مسخرة لأهداف أسرية وقبلية؟!. وذات الورشة عقدت قبيل الحرب داخل السودان بذات الأهداف لكنها بدت مستترة وغير سافرة بترتيب ومشاركة فاعلة من (قحت)، ولم يكن الجيش راضيا عن ورقة قدمها ممثل مليشيا الدعم السريع لكونها لم تتناول خطوات دمجها داخل الجيش. وكان الجيش يشدد مرارا على دمج هذه القوات. بيد أن قائد المليشيا محمد حميدتي كان قد دعا إلى تأجيل دمج قواته بدعم ومباركة من (قحت) التي بدت فيما بعد كجناح سياسي للتمرد.
يشار إلى أنه في العام قبل الماضي، وعلى أعتاب شهر «الفخر» كما يُسمِّيه أنصار مجتمع المثليين والمتحوِّلين جنسيا حول العالم، وقفت اللوحات الإعلانية الجذابة في أكثر المناطق حيوية بلندن وأمستردام ونيويورك، موجِّهة رسائلها إلى الجمهور بأن يقوموا بزيارة دولة الاحتلال الإسرائيلي باعتبارها «أفضل مكان في العالم للاحتفال بأسبوع فخر مختلف»، يتضمَّن قضاء إجازة ممتعة على شواطئ المدن الإسرائيلية أو سهرة ليلية في النوادي الخاصة بالمثليين في إسرائيل التي ترحب بجميع الأديان واللغات والهويات الجنسية حسبما تروج له تل أبيب. وتفتخر إسرائيل بأنها أكثر الدول انفتاحا تجاه مجتمع المثليين والمتحولين جنسيا في الشرق الأوسط اليوم. ولطالما لعبت إسرائيل ورقة أنها الدولة الليبرالية الوحيدة في المنطقة العربية التي تُهيمن عليها نظم سلطوية ومحافظة دينيا. وفي هذا السياق، فإنها استخدمت «انفتاحها الجنسي» ورقة جذب أمام الشباب «المقهور جنسيا» في العالم العربي لتكون جزءًا من تلك السياسة الدعائية في المنطقة.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
هناك لحظات تفاجئ المرء في منتصف الطريق، لحظات لا تحتمل التأجيل ولا المجاملة، لحظات تبدو كأنها قادمة من عمق الذاكرة لتذكره بأن الحياة، مهما تزينت بضحكاتها، تحمل في جيبها دائمًا بذرة الفقد. كنتُ أظن أني تعلّمت لغة الغياب بما يكفي، وأنني امتلكت مناعة ما أمام رحيل الأصدقاء، لكن موتًا آخر جاء هذه المرة أكثر اقترابًا، أكثر إيغالًا في هشاشتي، حتى شعرتُ أن المرآة التي أطل منها على وجهي اليوم ليست إلا ظلًّا لامرأة كانت بالأمس بجانبي. قبل أيام قليلة رحلت صديقتي النبيلة لطيفة الثويني، بعد صراع طويل مع المرض، صراع لم يكن سوى امتحان صعب لجسدها الواهن وإرادتها الصلبة. كانت تقاتل الألم بابتسامة، كأنها تقول لنا جميعًا: لا تسمحوا للوجع أن يسرقكم من أنفسكم. لكن ماذا نفعل حين ينسحب أحدهم فجأة من حياتنا تاركًا وراءه فراغًا يشبه هوة بلا قاع؟ كيف يتهيأ القلب لاستيعاب فكرة أن الصوت الذي كان يجيب مكالماتنا لم يعد موجودًا؟ وأن الضحكة التي كانت تفكّك تعقيدات أيامنا قد صمتت إلى الأبد؟ الموت ليس حدثًا يُحكى، بل تجربة تنغرس في الروح مثل سكين بطيئة، تجبرنا على إعادة النظر في أبسط تفاصيل حياتنا. مع كل رحيل، يتقلص مدى الأمان من حولنا. نشعر أن الموت، ذلك الكائن المتربّص، لم يعد بعيدًا في تخوم الزمن، بل صار يتجوّل بالقرب منا، يختبر خطواتنا، ويتحرّى أعمارنا التي تتقارب مع أعمار الراحلين. وحين يكون الراحل صديقًا يشبهنا في العمر، ويشاركنا تفاصيل جيل واحد، تصبح المسافة بيننا وبين الفناء أقصر وأكثر قسوة. لم يعد الموت حكاية كبار السن، ولا خبرًا يخص آخرين، بل صار جارًا يتلصص علينا من نافذة الجسد والذاكرة. صديقتي الراحلة كانت تمتلك تلك القدرة النادرة على أن تراك من الداخل، وأن تمنحك شعورًا بأنك مفهوم بلا حاجة لتبرير أو تفسير. لهذا بدا غيابها ثقيلاً، ليس لأنها تركت مقعدًا فارغًا وحسب، بل لأنها حملت معها تلك المساحة الآمنة التي يصعب أن تجد بديلًا لها. أفكر الآن في كل ما تركته خلفها من أسئلة. لماذا نُفاجأ بالموت كل مرة وكأنها الأولى؟ أليس من المفترض أن نكون قد اعتدنا حضوره؟ ومع ذلك يظل الموت غريبًا في كل مرة، جديدًا في صدمته، جارحًا في اختباره، وكأنه يفتح جرحًا لم يلتئم أبدًا. هل نحن من نرفض التصالح معه، أم أنه هو الذي يتقن فنّ المداهمة حتى لو كان متوقعًا؟ ما يوجعني أكثر أن رحيلها كان درسًا لا يمكن تجاهله: أن العمر ليس سوى اتفاق مؤقت بين المرء وجسده، وأن الألفة مع الحياة قد تنكسر في لحظة. كل ابتسامة جمعتها بنا، وكل كلمة قالتها في محاولة لتهوين وجعها، تتحول الآن إلى شاهد على شجاعة نادرة. رحيلها يفضح ضعفنا أمام المرض، لكنه في الوقت ذاته يكشف جمال قدرتها على الصمود حتى اللحظة الأخيرة. إنها واحدة من تلك الأرواح التي تترك أثرًا أبعد من وجودها الجسدي. صارت بعد موتها أكثر حضورًا مما كانت عليه في حياتها. حضور من نوع مختلف، يحاورنا في صمت، ويذكّرنا بأن المحبة الحقيقية لا تموت، بل تعيد ترتيب نفسها في قلوبنا. وربما لهذا نشعر أن الغياب ليس غيابًا كاملًا، بل انتقالًا إلى شكل آخر من الوجود، وجود نراه في الذكريات، في نبرة الصوت التي لا تغيب، في اللمسة التي لا تزال عالقة في الذاكرة. أكتب عن لطيفة رحمها الله اليوم ليس لأحكي حكاية موتها، بل لأواجه موتي القادم. كلما فقدت صديقًا أدركت أن حياتي ليست طويلة كما كنت أتوهم، وأنني أسير في الطريق ذاته، بخطوات متفاوتة، لكن النهاية تظل مشتركة. وما بين بداية ونهاية، ليس أمامي إلا أن أعيش بشجاعة، أن أتمسك بالبوح كما كانت تفعل، وأن أبتسم رغم الألم كما كانت تبتسم. نعم.. الحياة ليست سوى فرصة قصيرة لتبادل المحبة، وأن أجمل ما يبقى بعدنا ليس عدد سنواتنا، بل نوع الأثر الذي نتركه في أرواح من أحببنا. هكذا فقط يمكن أن يتحول الموت من وحشة جارحة إلى معنى يفتح فينا شرفة أمل، حتى ونحن نغالب الفقد الثقيل. مثواك الجنة يا صديقتي.
4536
| 29 سبتمبر 2025
في ظهوره الأخير على منصة الأمم المتحدة، ملامحه، حركاته، وحتى ضحكاته المقتضبة لم تكن مجرد تفاصيل عابرة؛ بل كانت رسائل غير منطوقة تكشف عن قلق داخلي وتناقض صارخ بين ما يقوله وما يحاول إخفاءه. نظراته: قبل أن يبدأ حديثه، كانت عيونه تتجه نحو السلم، وكأنها تبحث عن شيء غير موجود. في لغة الجسد، النظرات المتكررة إلى الأرض أو الممرات تعكس قلقًا داخليًا وشعورًا بعدم الأمان. بدا وكأنه يراقب طريق الخروج أكثر مما يراقب الحضور، وكأن المنصة بالنسبة له فخّ، والسلم هو طوق النجاة. يداه: حين وقف أمام المنصة، شدّ يديه الاثنتين على جانبي البوديوم بشكل لافت إشارة إلى أن المتحدث يحتاج إلى شيء ملموس يستند إليه ليتجنب الارتباك، فالرجل الذي يقدّم نفسه دائمًا بصورة القوي الصلب، بدا كمن يتمسك بحاجز خشبي ليمنع ارتعاشة داخلية من الانكشاف. ضحكاته: استهل خطابه بإشارات إلى أحداث جانبية وبمحاولة لإضحاك الجمهور حيث بدا مفتعلًا ومشحونًا بالتوتر. كان الضحك أقرب إلى قناع يوضع على وجه مرتبك، قناع يحاول إخفاء ما لا يريد أن يظهر: الخوف من فقدان السيطرة، وربما الخوف من الأسئلة التي تطارده خارج القاعة أكثر مما يواجهه داخلها. عيناه ورأسه: خلال أجزاء من خطابه، حاول أن يُغلق عينيه لثوانٍ بينما يتحدث، ويميل رأسه قليلاً إلى الجانب ويعكس ذلك رغبة لا واعية في إبعاد ما يراه أو ما يقوله، وكأن المتحدث يحاول أن يتجنب مواجهة الحقيقة. أما مَيل الرأس، فكان إشارة إلى محاولة الاحتماء، أو البحث عن زاوية أكثر راحة نفسيًا وسط ارتباك داخلي. بدا وكأنه يتحدث إلى نفسه أكثر مما يخاطب العالم. مفرداته: استدعاؤه أمجاد الماضي، وتحدثه عن إخماد الحروب أعطى انطباعًا بأنه لا يتقن سوى لغة الحروب، سواء في إشعالها أو في إخمادها. رجل يحاول أن يتزين بإنجازات الحرب، في زمن يبحث فيه العالم عن من يصنع السلم. قناعه: لم يكن يتحدث بلسانه فقط؛ بل بجسده أيضًا حيث بدا وكأنه محاولة لإعادة ارتداء قناع «الرجل الواثق» لكن لغة جسده فضحته، كلها بدت وكأنها تقول: «الوضع ليس تحت السيطرة». القناع هنا لم يخفِ الحقيقة بل كشف هشاشته أكثر. مخاوفه: لعلها المخاوف من فقدان تأثيره الدولي، أو من محاكم الداخل التي تطارده، أو حتى من نظرات الحلفاء الذين اعتادوا سماع خطاباته النارية لكنهم اليوم يرون أمامهم رجلاً متردداً. لم نره أجبن من هذا الموقف، إذ بدا أنه في مواجهة نفسه أكثر من مواجهة الآخرين. في النهاية، ما قدّمه لم يكن خطابًا سياسيًا بقدر ما كان درسًا في لغة الجسد. الكلمات قد تخدع، لكن الجسد يفضح.
3387
| 29 سبتمبر 2025
بعض الجراح تُنسي غيرها، ليس بالضرورة أن تكون أعمق، لكن الوجدان لا يتحمل كل هذه الأوجاع. في الوقت الذي نقف في قلب الحسرة ونحن نطالع ذلك الجرح النازف في غزة دون أن نستطيع إيقاف نزفه، يتملكنا الشعور أحيانًا بأنها المأساة الوحيدة في أمتنا وذلك من فرط هولها وشدتها، ويسقط منا سهوًا الالتفات إلى مصائبها الأخرى، تأتي أزمة السودان في صدارة هذه المآسي. أوجاع السودان كثيرة ومتعددة، كلها بحاجة لأن تكون حاضرة دائما في الوجدان العربي الإسلامي، لكن أولاها في الوقت الراهن مأساة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، التي تخضع منذ العاشر من يونيو/حزيران 2024 لحصار خانق فرضته قوات الدعم السريع للضغط على الجيش الوطني السوداني. سكان مدينة الفاشر يفتك بهم الجوع والقصف المدفعي اليومي الذي يحول دون دخول المساعدات الإنسانية، في ظل ضعف التعاطي العربي مع القضية وتجاهل دولي تام لهذه المأساة، على الرغم من أنها تقترب من الإدراج في صفحات الإبادة الجماعية. قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي) التي تحاصر الفاشر، تسيطر على أربع ولايات من أصل خمس ولايات في إقليم دارفور، لذا تقصف بوحشية مدينة الفاشر عاصمة الولاية الخامسة (شمال دارفور)، التي تمثل أكثر من نصف مساحة الإقليم وتعادل حوالي 12 بالمائة من مساحة السودان، وذلك بهدف إتمام السيطرة على الإقليم بأسره. إضافة إلى الوضع الكارثي للمدنيين في الفاشر بسبب الحصار والقصف الهمجي، ينذر سقوط الفاشر ووقوعها بقبضة ميلشيات الدعم السريع، بكارثة عظمى للسودان بشكل عام. الفاشر ليست مدينة عادية في أهميتها، فهي مفتاح السيطرة على مساحات إستراتيجية واسعة تصل إلى حدود تشاد وليبيا، وهي كذلك تقع على الطرق المؤدية بين شرق وغرب السودان، بما يعني أن سيطرة قوات الدعم عليها سيحول دون قيام دولة مركزية، وفرض واقع عسكري يتحكم في جغرافيا المنطقة، إضافة إلى أن السيطرة عليها ستؤمن لقوات الدعم ممرات تهريب الأسلحة. سيطرة قوات حميدتي على الفاشر يؤمن لها كذلك خطوط الإمداد ويقوي شوكتها ويجعل الولاية مركزا لمهاجمة الولايات الأخرى والسيطرة على المناطق الخاضعة لسيطرة الجيش السوداني. لذا نستطيع الجزم، بأن الفاشر هي آخر الخطوط الفاصلة بين سودان موحد وسودان مجزأ، ولن يكون مجرد سقوط مدينة، بل انهيار وحدة الدولة السودانية، والذي سيتحول إلى شمال مركزي تحت سيطرة الجيش، وغرب تحت سلطة الميلشيات، وشرق تتجاذبه الانقسامات والنزعات القبلية، وجنوب منهك مهمش. إذا سقطت الفاشر، فإن الخطورة ستتجاوز حينئذ القتال بين الجيش وميليشيات الدعم، فمن أخطر تداعيات سقوط الفاشر – لا قدر الله - انفجار الصراع الإثني في السودان الذي يكتظ بالتنوع الإثني والقبائل المسلحة مختلفة الولاءات، لأن هذا البلد يرقد على بركان تسليح الهوية، وفي هذه الحال سيمتد الصراع الإثني بلا شك إلى الدول المجاورة. الدول العربية، والدول المحيطة بالسودان وعلى رأسها مصر، منوطة بالعمل الفوري الجاد على منع سقوط الفاشر والذي يعني تفتيت وحدة السودان وما له من تداعيات على الجوار، وذلك عبر مسارين، الأول هو كسر هذا الحصار على المدينة وإدخال المساعدات، والثاني تقدم الدعم العسكري واللوجستي للجيش السوداني المنهك لفرض سيطرته التامة على ولاية شمال دارفور ومنع سقوطها في أيدي حميدتي، والضغط كذلك على الدول والجهات التي تدعم ميلشيات الدعم السريع المتمردة. وعلى المستوى الشعبي، يتعين على نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي وضع مأساة الفاشر والملف السوداني بشكل عام في بؤرة الاهتمام، وتسليط الضوء على الأحوال الكارثية التي يعانيها أهل المدينة، وأهميتها الإستراتيجية وخطورة سقوطها في أيدي قوات الدعم على وحدة السودان، لتكوين رأي عام عربي ضاغط على الأنظمة والحكومات العربية لسرعة التدخل، إضافة إلى لفت أنظار الشعوب الغربية إلى هذه المأساة لإحراج حكوماتها والعمل على التدخل الفوري لإدخال المساعدات الإنسانية.
1350
| 28 سبتمبر 2025