رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
لا يزال العالم العربي يعاني من أزمات متلاحقة ودمار مستمر منذ سنوات طويلة. وفي مقال نُشر العام الماضي، أشرنا إلى أن السودان سيكون الضحية الثانية في عام 2024 بعد غزة. وبالفعل، شهد هذا العام مآسي إنسانية كبيرة في كل من غزة والسودان، غير أن الأزمة السودانية لم تحظَ باهتمام كافٍ على الساحة الدولية. ومع دخول العام الجديد واستمرار الدمار في غزة، بدأت تظهر بوادر انفراج في السودان، حيث تبدو الأزمة الدامية التي استمرت لعامين، وشهدت جرائم قتل ونهب واغتصاب وتهجير، في طريقها إلى الانتهاء، مما يمنح الشعب السوداني فرصة لالتقاط الأنفاس. ولم تقتصر تداعيات هذه الأزمة على الداخل السوداني فحسب، بل أثّرت بشكل مباشر على استقرار المنطقة بأكملها. فقد سعت قوات الدعم السريع، التي تلقت دعماً واضحاً من دولة الإمارات العربية المتحدة، إلى الاستيلاء على السلطة عبر انقلاب عسكري في عام 2023، مما فاقم حالة الفوضى وأدى إلى تصعيد خطير في الصراع الداخلي.
خلال العامين الماضيين شهد السودان دماراً واسعاً. فإلى جانب الاشتباكات المتبادلة، ارتكبت قوات الدعم السريع، التي جنّدت مرتزقة من عدة دول إفريقية، انتهاكات جسيمة في المناطق التي تسيطر عليها. وقد انعكست هذه الانتهاكات على تقارير لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة. وقد تم تهجير ما لا يقل عن 14 مليون سوداني من مناطقهم ويعانون حالياً من أزمات اقتصادية حادة. كما تتكرر الانتقادات بشأن نهب المساعدات الإنسانية أو منع إيصالها في المناطق الخاضعة لسيطرة قوات الدعم السريع. ويُذكر أن السودان، الذي يُعد «سلة غذاء إفريقيا»، يعاني اليوم من أزمة غذائية خطيرة، حيث تشير التقارير إلى أن نحو 25 مليون شخص داخل البلاد يواجهون نقصاً حاداً في الغذاء.
بعد اشتباكات عنيفة، تمكنت القوات المسلحة السودانية (SAF) خلال الأشهر الأخيرة من السيطرة الكاملة على العاصمة الخرطوم، مما منحها أفضلية كبيرة وغير من توازن الحرب ونفسيتها. أما قوات الدعم السريع التي انسحبت من الخرطوم، فعودتها التكتيكية باتت شبه مستحيلة. وتحمل هذه التطورات أيضاً أهمية على صعيد الشرعية الدولية، إذ كانت بعض الدول تروج لفكرة أن ما يجري في السودان هو حرب أهلية وأن الطرفين متساويان في القوة والشرعية. بل إن قائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو ويُلقب بـ»حميدتي»، استُقبل العام الماضي في بعض العواصم الإفريقية وكأنه رئيس دولة.
* مع اقتراب نهاية الأزمة، ستخرج الدول التي لم تدعم الانقلاب في السودان - وعلى رأسها مصر والسعودية وقطر وتركيا - مستفيدة من الوضع الجديد. فقد أبدت الحكومة المصرية انزعاجاً شديداً من الأزمة في السودان، وكانت تخشى من تكرار فوضى مماثلة داخل أراضيها. ويُعد استقرار السودان، الذي يشكل ممراً حيوياً لمياه النيل، أمراً بالغ الأهمية لمصر، كما أن الضغط الناتج عن اللاجئين السودانيين على الأراضي المصرية قد يتراجع. ومن الطبيعي أن تُعتبر تركيا وقطر أيضاً من الرابحين في هذه التطورات، إذ إن كلا البلدين ينظران إلى الاستقرار الإقليمي كميزة استراتيجية، ويعارضان الانقلابات العسكرية والتدخلات الخارجية، ويعتبران السودان القوي حليفاً طبيعياً في المنطقة.
إن حل الأزمة في السودان من شأنه أن يُعزز الاستقرار في منطقة القرن الأفريقي، ومنطقة الساحل، وحوض البحر الأحمر، وهي مناطق عانت من تداعيات النزاعات المسلحة وحركات النزوح الواسعة. وقد تضررت الزراعة والتجارة داخل السودان وعلى مستوى الإقليم بشكل كبير بسبب الحرب، إلا أن الأمل معقود اليوم على تحسن هذه الأوضاع في ظل التهدئة الجارية. انتهاء حالة الفوضى في السودان يُعد أيضًا مكسبًا للدول التي استقبلت أعدادًا كبيرة من اللاجئين السودانيين، كمصر وتشاد وجنوب السودان وحتى إثيوبيا، وهي دول تواجه أصلاً تحديات اقتصادية صعبة، ما يجعل من عودة الاستقرار في السودان أمرًا بالغ الأهمية بالنسبة لها.
* لن تكون التطورات الأخيرة في السودان محل ترحيب لدى الدول الغربية التي تسعى لإبقاء حالة الفوضى في الشرق الأوسط، وعلى رأسها إسرائيل. فعلى الرغم من أن الغرب دعم الجناح الليبرالي الذي أسقط نظام البشير عبر الاحتجاجات، إلا أنه لم يكن يرغب فعليًا في انتقال حقيقي للديمقراطية في البلاد. أما اليوم، فقد أعلن الجنرال عبد الفتاح البرهان، الذي يقود البلاد حاليًا، أن الجيش سيسلم السلطة للمدنيين بعد انتهاء الحرب. وعلى الرغم من الأزمات المتعددة التي يواجهها السودان، فإن توقف العقوبات الغربية والتدخلات الخارجية، وترك القرار للسودانيين أنفسهم، قد يفتح الباب أمام نهضة حقيقية. فالسودان بلد غني بالموارد الطبيعية كالبترول والذهب، إضافة إلى الأراضي الخصبة والطاقات البشرية، ما يؤهله لتحقيق تقدم سريع إذا توفرت له الظروف الملائمة.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
أستاذ العلاقات الدولية بجامعة إسطنبول
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
حين ننظر إلى المتقاعدين في قطر، لا نراهم خارج إطار العطاء، بل نراهم ذاكرة الوطن الحية، وامتداد مسيرة بنائه منذ عقود. هم الجيل الذي زرع، وأسّس، وساهم في تشكيل الملامح الأولى لمؤسسات الدولة الحديثة. ولأن قطر لم تكن يومًا دولة تنسى أبناءها، فقد كانت من أوائل الدول التي خصّت المتقاعدين برعاية استثنائية، وعلاوات تحفيزية، ومكافآت تليق بتاريخ عطائهم، في نهج إنساني رسخته القيادة الحكيمة منذ أعوام. لكن أبناء الوطن هؤلاء «المتقاعدون» لا يزالون ينظرون بعين الفخر والمحبة إلى كل خطوة تُتخذ اليوم، في ظل القيادة الرشيدة لحضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني – حفظه الله – فهم يرون في كل قرار جديد نبض الوطن يتجدد. ويقولون من قلوبهم: نحن أيضًا أبناؤك يا صاحب السمو، ما زلنا نعيش على عهدك، ننتظر لمستك الحانية التي تعودناها، ونثق أن كرمك لا يفرق بين من لا يزال في الميدان، ومن تقاعد بعد رحلة شرف وخدمة. وفي هذا الإطار، جاء اعتماد القانون الجديد للموارد البشرية ليؤكد من جديد أن التحفيز في قطر لا يقف عند حد، ولا يُوجّه لفئة دون أخرى. فالقانون ليس مجرد تحديث إداري أو تعديل في اللوائح، بل هو رؤية وطنية متكاملة تستهدف الإنسان قبل المنصب، والعطاء قبل العنوان الوظيفي. وقد حمل القانون في طياته علاوات متعددة، من بدل الزواج إلى بدل العمل الإضافي، وحوافز الأداء، وتشجيع التطوير المهني، في خطوة تُكرس العدالة، وتُعزز ثقافة التحفيز والاستقرار الأسري والمهني. هذا القانون يُعد امتدادًا طبيعيًا لنهج القيادة القطرية في تمكين الإنسان، سواء كان موظفًا أو متقاعدًا، فالجميع في عين الوطن سواء، وكل من خدم قطر سيبقى جزءًا من نسيجها وذاكرتها. إنه نهج يُترجم رؤية القيادة التي تؤمن بأن الوفاء ليس مجرد قيمة اجتماعية، بل سياسة دولة تُكرم العطاء وتزرع في الأجيال حب الخدمة العامة. في النهاية، يثبت هذا القانون أن قطر ماضية في تعزيز العدالة الوظيفية والتحفيز الإنساني، وأن الاستثمار في الإنسان – في كل مراحله – هو الاستثمار الأجدر والأبقى. فالموظف في مكتبه، والمتقاعد في بيته، كلاهما يسهم في كتابة الحكاية نفسها: حكاية وطن لا ينسى أبناءه.
8769
| 09 أكتوبر 2025
كثير من المراكز التدريبية اليوم وجدت سلعة سهلة الترويج، برنامج إعداد المدربين، يطرحونه كأنه عصا سحرية، يَعِدون المشترك بأنه بعد خمسة أيام أو أسبوع من «الدروس» سيخرج مدربًا متمكنًا، يقف على المنصة، ويُدير القاعة، ويعالج كل التحديات، كأن التدريب مجرد شهادة تُعلق على الجدار، أو بطاقة مرور سريعة إلى عالم لم يعرفه الطالب بعد. المشكلة ليست في البرنامج بحد ذاته، بل في الوهم المعبأ معه. يتم تسويقه للمشتركين على أنه بوابة النجومية في التدريب، بينما في الواقع هو مجرد خطوة أولى في طريق طويل. ليس أكثر من مدخل نظري يضع أساسيات عامة: كيف تُصمم عرضًا؟ كيف ترتب محتوى؟ كيف تُعرّف التدريب؟. لكنه لا يمنح المتدرب أدوات مواجهة التحديات المعقدة في القاعة، ولا يصنع له كاريزما، ولا يضع بين يديه لغة جسد قوية، ولا يمنحه مهارة السيطرة على المواقف. ومع ذلك، يتم بيعه تحت ستار «إعداد المدربين» وكأن من أنهى البرنامج صار فجأة خبيرًا يقود الحشود. تجارب دولية متعمقة في دول نجحت في بناء مدربين حقيقيين، نرى الصورة مختلفة تمامًا: • بريطانيا: لدى «معهد التعلم والأداء» (CIPD) برامج طويلة المدى، لا تُمنح فيها شهادة «مدرب محترف» إلا بعد إنجاز مشاريع تدريبية عملية وتقييم صارم من لجنة مختصة. • الولايات المتحدة: تقدم «جمعية تطوير المواهب – ATD» مسارات متعددة، تبدأ بالمعارف، ثم ورش تطبيقية، تليها اختبارات عملية، ولا يُعتمد المدرب إلا بعد أن يُثبت قدرته في جلسات تدريب واقعية. • فنلندا: يمر المدرب ببرنامج يمتد لأشهر، يتضمن محاكاة واقعية، مراقبة في الصفوف، ثم تقييما شاملا لمهارات العرض، إدارة النقاش، والقدرة على حل المشكلات. هذه التجارب تثبت أن إعداد المدرب يتم عبر برامج متعمقة، اجتيازات، وتدرّج عملي. المجتمع يجب أن يعي الحقيقة: الحقيقة التي يجب أن يعرفها الجميع أن TOT ليس نقطة الانطلاق، بل الخطوة المعرفية الأولى فقط. المدرب الحقيقي لا يُصنع في أسبوع، بل يُبنى عبر برامج تخصصية أعمق مثل «اختصاصي تدريب»، التي تغوص في تفاصيل لغة الجسد، السيطرة على الحضور، مواجهة المواقف الحرجة، وبناء الكاريزما. هذه هي المراحل التي تُشكل شخصية المدرب، لا مجرد ورقة مكتوب عليها «مدرب معتمد». لكي نحمي المجتمع من أوهام «الشهادات الورقية»، يجب أن يُعتمد مبدأ الاختبار قبل الدخول، بحيث لا يُقبل أي شخص في برنامج إعداد مدربين إلا بعد اجتياز اختبار قبلي يقيس مهاراته الأساسية في التواصل والعرض. ثم، بعد انتهاء البرنامج، يجب أن يخضع المتدرب لاختبار عملي أمام لجنة تقييم مستقلة، ليُثبت أنه قادر على التدريب لا على الحفظ. الشهادة يجب أن تكون شهادة اجتياز، لا مجرد «شهادة حضور». هل يُعقل أن يتحول من حضر خمسة أيام إلى «قائد قاعة»؟ هل يكفي أن تحفظ شرائح عرض لتصير مدربًا؟ أين الارتباك والتجربة والخطأ؟ أين الكاريزما التي تُبنى عبر سنوات؟ أم أن المسألة مجرد صور على إنستغرام تُوهم الناس بأنهم أصبحوا «مدربين عالميين» في أسبوع؟ TOT مجرد مدخل بسيط للتدريب، فالتدريب مهنة جادة وليس عرضا استهلاكيا. المطلوب وعي مجتمعي ورقابة مؤسسية وآليات صارمة للاجتياز، فمن دون ذلك سيبقى سوق التدريب ساحة لبيع الوهم تحت عناوين براقة.
6936
| 06 أكتوبر 2025
المشهد الغريب.. مؤتمر بلا صوت! هل تخيّلتم مؤتمرًا صحفيًا لا وجود فيه للصحافة؟ منصة أنيقة، شعارات لامعة، كاميرات معلّقة على الحائط، لكن لا قلم يكتب، ولا ميكروفون يحمل شعار صحيفة، ولا حتى سؤال واحد يوقظ الوعي! تتحدث الجهة المنظمة، تصفق لنفسها، وتغادر القاعة وكأنها أقنعت العالم بينما لم يسمعها أحد أصلًا! لماذا إذن يُسمّى «مؤتمرًا صحفيًا»؟ هل لأنهم اعتادوا أن يضعوا الكلمة فقط في الدعوة دون أن يدركوا معناها؟ أم لأن المواجهة الحقيقية مع الصحفيين باتت تزعج من تعودوا على الكلام الآمن، والتصفيق المضمون؟ أين الصحافة من المشهد؟ الصحافة الحقيقية ليست ديكورًا خلف المنصّة. الصحافة سؤالٌ، وجرأة، وضمير يسائل، لا يصفّق. فحين تغيب الأسئلة، يغيب العقل الجمعي، ويغيب معها جوهر المؤتمر ذاته. ما معنى أن تُقصى الميكروفونات ويُستبدل الحوار ببيانٍ مكتوب؟ منذ متى تحوّل «المؤتمر الصحفي» إلى إعلان تجاري مغلّف بالكلمات؟ ومنذ متى أصبحت الصورة أهم من المضمون؟ الخوف من السؤال. أزمة ثقة أم غياب وعي؟ الخوف من السؤال هو أول مظاهر الضعف في أي مؤسسة. المسؤول الذي يتهرب من الإجابة يعلن – دون أن يدري – فقره في الفكرة، وضعفه في الإقناع. في السياسة والإعلام، الشفافية لا تُمنح، بل تُختبر أمام الميكروفون، لا خلف العدسة. لماذا نخشى الصحفي؟ هل لأننا لا نملك إجابة؟ أم لأننا نخشى أن يكتشف الناس غيابها؟ الحقيقة الغائبة خلف العدسة ما يجري اليوم من «مؤتمرات بلا صحافة» هو تشويه للمفهوم ذاته. فالمؤتمر الصحفي لم يُخلق لتلميع الصورة، بل لكشف الحقيقة. هو مساحة مواجهة بين الكلمة والمسؤول، بين الفعل والتبرير. حين تتحول المنصّة إلى monologue - حديث ذاتي- تفقد الرسالة معناها. فما قيمة خطاب بلا جمهور؟ وما معنى شفافية لا تُختبر؟ في الختام.. المؤتمر بلا صحفيين، كالوطن بلا مواطنين، والصوت بلا صدى. من أراد الظهور، فليجرب الوقوف أمام سؤال صادق. ومن أراد الاحترام فليتحدث أمام من يملك الجرأة على أن يسأله: لماذا؟ وكيف؟ ومتى؟
2922
| 13 أكتوبر 2025