رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

المهندس إبراهيم بن هاشم السادة

[email protected]

مساحة إعلانية

مقالات

786

المهندس إبراهيم بن هاشم السادة

كيف نعيد صياغة أساليب الإدارة في عالم متغير؟

08 أكتوبر 2025 , 02:23ص

في زمن تتسارع فيه التحولات الاقتصادية والتقنية والاجتماعية، لم يعد بإمكان القادة والإداريين التمسّك بأساليب الأمس وكأن شيئاً لم يتغيّر، وليست القيادة اليوم مجرّد قراراتٍ تُتخذ خلف أبوابٍ مغلقة، ولا تعليماتٍ تُساق إلى موظفين ينتظرون التنفيذ، نحن أمام عالم متشابك تُعيد فيه الابتكارات الرقمية تشكيل الأسواق، وتُعيد فيه الأزمات العالمية تعريف الأولويات، ويتطلّع فيه الجيل الجديد إلى معنى أعمق للانتماء والعمل.

أول ما تحتاجه الإدارة الحديثة هو المرونة الذهنية؛ فالقائد الذي يتعامل مع التغيير كتهديد سيفقد بوصلته سريعاً، روح العصر تتطلّب قائداً يقرأ الاتجاهات، لا الأرقام وحدها، قائداً يستمع لفريقه بقدر ما يوجّههم، يحسن التواصل معهم بأفضل السبل المتاحة، ويستفيد من النقد كما يستفيد من المديح، إن الفارق بين إدارة راكدة وأخرى نابضة بالحياة قد يكون مجرّد استعداد المدير لتقبل الرأي ممن هم دونه ويشاركهم في إيجاد الحلول.

كما أن تمكين الأفراد أصبح حجر الزاوية في أيّ بيئة عمل ناجحة، فالموظفون اليوم ليسوا تروساً في آلة؛ إنهم شركاء في صياغة الرؤية وتحقيقها، إن منح الثقة لهم، وتوسيع صلاحيات اتخاذ القرار، وخلق مساحات للحوار، كلها أدوات تجعل الفريق أكثر التزاماً وإبداعاً، الإدارة التقليدية التي تكتفي بالرقابة والمساءلة، وتفتقر مهارات مثل القيادة، التواصل، التفكير الإستراتيجي، بناء الفريق، ولا تخلق روح عمل جماعي، تُقصي الكفاءات وتخسر طاقاتهم في أول فرصة.

من ناحية أخرى، لا يمكن للقيادة بروح العصر أن تغفل عن القيم والمسؤولية الاجتماعية، في بيئة تتشابك فيها المؤسسات مع المجتمع، لا يكفي تحقيق الأرباح، ولا صعود مؤشرات الأداء، القائد المعاصر مسؤول عن الأثر الأخلاقي والبيئي لقراراته أيضًا، وهو يدرك أن النجاح المستدام لا يُقاس فقط بالميزانيات، بل بقدرة المؤسسة على بناء الثقة داخل المجتمع وخارجه.

التقنية بدورها ليست مجرّد أدوات، بل عقل جديد يُعيد تشكيل العلاقات داخل المؤسسات، التحول الرقمي، تحليل البيانات الضخمة، والذكاء الاصطناعي لم تعد رفاهية، بل أساس للتنافسية، لكن التكنولوجيا وحدها لا تصنع قيادة ناجحة؛ بل كيفية توظيفها لخدمة البشر وتبسيط حياتهم.

أما ثقافة التعلّم المستمر فهي درع القائد في مواجهة الغد، المدير الذي يتوقف عن التعلم يترك موقعه دون أن يشعر، حضور الدورات، قراءة أحدث الأبحاث، ومتابعة تجارب الآخرين ليست ترفاً، ولا مشاركةً جوفاء، بل شرط للبقاء، كذلك تشجيع الموظفين على التعلم، وتقبّل الأخطاء بوصفها فرصة للنمو، يحوّل المؤسسة إلى كيان حي يتجدّد باستمرار.

إن إعادة صياغة أساليب الإدارة ليست مهمة تُنجز في ورشة عمل أو مؤتمر سنوي تخلده الصور الجماعية، إنها رحلة تبدأ من عقلية القائد وسلوكه اليومي، فكل قرار مهما كان صغيرًا، وكل كلمة تشجيع، وكل مساحة يُفسحها للحوار، تُراكم ثقافة جديدة.

في عالم لا يرحم من يتأخر، لن ينجو إلا من قاد بروح العصر، لا بظل الماضي.

مساحة إعلانية