رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
كررت كثيرا القول: إن الحياة علمتني كما علمني التاريخ أن الصمام الأول للتقدم هو مجانية التعليم الجيد، وفي الحقيقة فإن التعليم هو التعليم، وليس هناك شيء اسمه التعليم غير الجيد. فالتعليم غير الجيد ليس تعليما لا هو ولا التعليم الصوري ولا التعليم الزائف ولا التعليم المظهري ولا التعليم الشكلي.. الخ فكل هذه صور من تشويه التعليم (ولا نقول من التعليم المشوه) الذي تتباهى به الدول الخادعة لنفسها وقد تسد به الخانات دون أن تستفيد منه. التعليم كيان معنوي له مدخلات ومخرجات وأسلوب ونسق ومعايير وجودة، وهو يعبر عن نفسه بوضوح في شخصيات من حصلوا عليه واجتهدوا فيه.
ونحن قد نعرف من خبراتنا المباشرة أن بعض الدول الشمولية التي عنيت بصورتها أكثر مما عنيت بشعوبها كانت قد صورت للناس ولرعاياها أنها حققت مجانية التعليم أو حققت انتشاراً للتعليم ومحوا للأمية، بينما هي فعلت ذلك على الورق فقط، فلم تنفع أبناءها في واقع الأمر وإنما ضيعت أوقاتهم وآذت شخصياتهم.
وما بالك بهذا الخريج الجامعي الذي لا يكاد يعرف كتابة اسمه، وقد تدرج في الانتقال مما يسمى: أولى ابتدائي إلى ما يسمى: رابعة جامعة بطريقة التنقل الجماعي الآلي التي تنقل "الجماهير" من السنة الأولى الجامعية إلى السنة الثانية لأن هناك "جماهير" أخرى قادمة لاحتلال مقاعدهم في السنة الأولى ولأنهم لو بقوا في السنة الأولى عاماً دراسياً آخر فلن يتحسن مستواهم عما هو عليه الآن بل إنه ربما يزداد سوءاً بحكم الاستكانة إلى تضييع الوقت.
هل تعتقد أن مثل هذا التعليم قد أفاد صاحبه؟ أو قد أفاد مجتمعه؟ أو قد أفاد دولته؟ يقول لك هؤلاء جميعا: وماذا نفعل في الأعداد الكبيرة؟ والإجابة: هل ستظل شماعة الأعداد الكبيرة جزءاً من المنظومة التعليمية؟
◄ شماعة الأعداد الكبيرة وكيف نشأت؟
نشأت هذه الشماعة قبل حرب 1967 بدعوة القصور الذي انتاب الخطط الشاملة لأسباب كثيرة كانت معظمها تتعلق بالخطة وعدم التوفيق في قدرتها على الاستمرار، وذلك في ظل عنايتها بالمظهرية، ثم سرعان ما كرستها حرب 1967 وخلدتها حرب الاستنزاف، حيث توقفت خطط التنمية الاجتماعية الشاملة والمؤقتة معا فكفت الدولة تماماً عن بناء المدارس وبناء مباني الخدمات، فقد كانت بالطبع مشغولة في أن تبني قواعد الصواريخ، والمواقع الهيكلية التي تنقذ سلاحنا الجوي بأن تتظاهر للعدو بأنها تضم الطائرات! بينما هي لا تضمها.
انتهت حالة الحرب مع اقتصاد منهك، ومع ارتفاع في الأسعار نتيجة زيادة الدخول والتحويلات القادمة من الخليج، وبينما كان الاقتصاد لا يزال منهكاً كانت الحياة تتسارع، وقد تعود المواطنون على الإهمال والتقصير في واجباتهم نحو أنفسهم كمجتمع، بل إنهم بنوا حالة من التوافق المستمر ثم إعادة التوافق مع الأوضاع الاستثنائية، حتى أصبحت الأوضاع الاستثنائية نفسها بمثابة استثمار بتوفير الموارد.
وعلى سبيل المثال فإن طريقة اللجوء إلى المدارس ذات الفترتين أصبحت تبدو وكأنها ذات فائدة كبيرة ومباشرة، لأنها تقلل العمل من على عاتق المدرسين والمديرين، فالحصص تختصر مبدئيا إلى 80% من وقتها، وعدد الحصص المقررة لكل مادة في الأسبوع ينخفض تحت الشعار الذي تحمله ظروف الطوارئ، وهكذا فانه في محور/ مورد واحد وهو محور أو مورد الساعات التعليمية المتاحة للتلميذ ليتلقى تعليم مادة دراسية كاللغة العربية تنخفض ساعات الدراسة من مائتي ساعة في العام الدراسي إلى مائة فقط.
◄ انتشار التدني في الموارد والمعايير التعليمية
وتبعاً لهذا المتغير الجديد، كان لا بد من أن يصيب التدني كل الموارد والمعايير التعليمية فتختصر المناهج وتختصر متطلبات النجاح، وتختصر مستويات الحضور والاستيعاب والتحصيل والاجادة والتفوق ويصل الحال تلقائيا في النهاية أي عند "التخريج" إلى أن ما أنتجته هذه العملية التعليمية لم يكن تعليما ولا تربية ولا تخريجا ولا تخرجا بأية حال، وإنما كان درجة قريبة من "تخزين" موسمي للطلبة في الفصول المبنية التي يحركون إليها ومنها تحت شعار التعليم فحسب. وهكذا ينتهي الحال عاماً بعد عام بهذا الجيل إلى مزاج نفسي وتعليمي مختلف ينتهي الى أن تتأسس بل تنتعش ظاهرة اللاإيمان وظاهرة اللايقين فضلاً عن الظاهرة التي يمكن تسميتها بظاهرة اللا تعليم.
◄ فقدان ثقة المتعلمين بالشهادات التي حصلوا عليها
أصبح هذا الجيل الذي فرض عليه هذا النمط من الضياع لا يثق بأية شهادة دراسية وبالتالي فإنه لا يثق بأية شهادة تعليمية أو غير تعليمية وكيف له أن يثق بمثل تلك الشهادة وقد حصل عليها بالتقادم فقط، وبأدنى درجات المعرفة، وبأدنى درجات التعلم، وبأدنى درجات التعليم.
قد يبدأ المواطن "الصالح" الذي يحصل على العمل بشهادته هذه محاولة جادة ومجتهدة في استكمال مقومات القدرة في شخصيته باللجوء إلى السؤال أو التجربة أو الالتقاط أو الحوار المستنبط أو المحاكاة لتكنولوجيا العمل والتعامل، وينتظم في معاهد أو مراكز تربوية تجارية موازية كمراكز تعليم اللغة والكمبيوتر، وهو يفعل هذا كله مع شعور متنام بالألم لأنه لا يفعله إلا بعد فوات الأوان الذي كان قادراً فيه على أن يجيد كل شيء في وقت واسع عريض كان متاحاً له، لكن ذلك الوقت كان يضيع في شكليات تعليمية أو في عبث غير منظم، أو في لعب غير مبرمج ولا هادف إلى الاتقان.
◄ المقارنة تفرض نفسها بلا رحمة
في مقابل هذا كله كان هذا المواطن يسمع الكثير ويعرف الكثير عن التجارب الأخرى الناجحة التي حققت إنجازاتها بفضل اختلاف الزمان والمكان: فهو يسمع ويرى ثمار التعليم في أوطان غير وطنه، فيراها مضت بمواطنيها في سلاسة ويسر إلى مستويات قادرة على الكسب الأوفر والأسهل والى تكوين الشخصية الأمهر والأبهر. ويسمع أيضا عن تجارب الأجيال السابقة في وطنه نفسه وفي عائلته هو نفسه، فيعجب من هذا التردي الذي انزلق بالمواطنين (المعاصرين) وهو منهم إلى هذه الوهدة التي تجعله يعاني بلا تعويض، ويتمنى بلا أمل.
المصدر: الجزيرة
قطر.. صمود وطن وصناعة مجد
شهدت بلادُنا الغالية خلال العقد الأخير سلسلةً من التحدّيات الكبرى التي عصفت بالمنطقة، بدءًا من الأزمة الخليجية، مرورًا... اقرأ المزيد
27
| 18 ديسمبر 2025
قطر كحل العين...
• نحب الوطن لأنه ولد فينا، ونحبه لأنه يحتوينا ويحسن إلينا، حتى يصبح الحب والإخلاص والوفاء سلوكا متجذرا... اقرأ المزيد
21
| 18 ديسمبر 2025
بِر الوطن
في اليوم الوطني، كثيرًا ما نتوقف عند ما قدّمه الوطن لمواطنيه ومقيميِه من أمنٍ واستقرار وفرص. غير أن... اقرأ المزيد
30
| 18 ديسمبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
هناك ظاهرة متنامية في بعض بيئات العمل تجعل التطوير مجرد عنوان جميل يتكرر على الورق، لكنه لا يعيش على الأرض (غياب النضج المهني) لدى القيادات. وهذا الغياب لا يبقى وحيدًا؛ بل ينمو ويتحوّل تدريجيًا إلى ما يمكن وصفه بالتحوّذ المؤسسي، حالة تبتلع القرار، وتحدّ من المشاركة، وتقصي العقول التي يُفترض أن تقود التطوير. تبدأ القصة من نقطة صغيرة: مدير يطلب المقترحات، يجمع الآراء، يفتح الباب للنقاش… ثم يُغلقه فجأة. يُسلَّم له كل شيء، لكنه لا يعيد شيئًا، مقترحات لا يُرد عليها، أفكار لا تُناقش، وملاحظات تُسجَّل فقط لتكملة المشهد، لا لتطبيقها. هذا السلوك ليس مجرد إهمال، بل علامة واضحة على غياب النضج المهني في إدارة الحوار والمسؤولية. ومع الوقت، يصبح هذا النمط قاعدة: يُطلب من المختصين أن يقدموا رؤاهم، لكن دون أن يكونوا جزءًا من القرار. يُستدعون في مرحلة السماع، ويُستبعدون في مرحلة الفعل. ثم تتساءل القيادات لاحقًا: لماذا لا يتغير شيء؟ الجواب بسيط: التطوير لا يتحقق بقرارات تُصاغ في غرف مغلقة، بل بمنظومة تشاركية حقيقية. أحد أكثر المظاهر خطورة هو إصدار أنظمة تطوير بلا آلية تنفيذ، تظهر اللوائح كأحلام مشرقة، لكنها تُترك دون أدوات تطبيق، ودون تدريب، ودون خط سير واضح. تُلزم بها الجهات، لكن لا أحد يعرف “كيف”، ولا “من”، ولا “متى”. وهنا، يتحول النظام إلى حِمل إضافي بدل أن يكون حلاً تنظيميًا. في كثير من الحالات، تُنشر أنظمة جديدة، ثم يُترك فريق العمل ليخمن طريقة تطبيقها، وعندما يتعثر التطبيق، يُحمَّل المنفذون المسؤولية وتصاغ خطابات الإنذار. هذا المشهد لا يدل فقط على غياب النضج المهني، بل على عدم فهم عميق لطبيعة التطوير المؤسسي الحقيقي. ثم يأتي الوجه الأوضح للخلل: المركزية المفرطة، مركزية لا تُعلن، لكنها تُمارس بصمت. كل خطوة تحتاج موافقة عليا، كل فكرة يجب أن تُصفّى، وكل مقترح يمر عبر «فلترة» شخصية، لا منهجية. في هذا المناخ، يفقد الناس الرغبة في المبادرة، لأن المبادرة تصبح مخاطرة، لا قيمة. وهنا تتحول المركزية تدريجيًا إلى تحوّذ مؤسسي كامل. القرار محتكر. المبادرات محجوزة. المعرفة مقيّدة. والنظام الإداري يُدار بعقلية الاستحواذ، لا بعقلية التمكين. التحوّذ المؤسسي هو الفخ الذي تقع فيه الإدارات حين يغيب عنها النضج. يبدأ من عقلية مدير، ثم ينتقل إلى أسلوب إدارة، ثم يتحول إلى ثقافة صامتة في المؤسسة. والنتيجة؟ - تجميد للأفكار. - هروب للعقول. - فقدان للروح المهنية. - تطوير شكلي لا يترك أثرًا. أخطر ما في التحوّذ أنه يرتدي ثياب التنظيم والجودة واللوائح، بينما هو في جوهره خوف مؤسسي من المشاركة، ومن نجاح الآخرين، ومن توزيع الصلاحيات. القيادة غير الناضجة ترى الأفكار تهديدًا، وترى الكفاءات منافسة، وترى التغيير خطرًا، لذلك تفضّل أن تُبقي كل شيء في يدها حتى لو تعطلت المؤسسة بأكملها. القيادة الناضجة لا تعمل بهذه الطريقة. القيادة الناضجة تستنير بالعقول، لا تستبعدها. تسأل لتبني، لا لتجمّل المشهد. تُصدر القرار بعد فهم كامل لآلية تطبيقه. وتعرف أن التطوير المؤسسي الحقيقي لا يقوم على السيطرة، بل على الثقة، والتفويض، والوضوح، وبناء أنظمة تعيش بعد القائد لا معه فقط. ويبقى السؤال الذي يجب أن يُطرح بصراحة لا تخلو من الجرأة: هل ما نراه هو تطوير مؤسسي حقيقي… أم تحوّذ إداري مغطّى بشعارات التطوير؟ المؤسسات التي تريد أن ترتقي عليها أن تراجع النضج المهني لقياداتها قبل أن تراجع خططها، لأن الخطط يمكن تعديلها… لكن العقليات هي التي تُبقي المؤسسات في مكانها أو تنهض بها.
708
| 11 ديسمبر 2025
لم يكن ما فعلته منصة (إكس) مؤخرًا مجرّد تحديثٍ تقني أو خطوةٍ إدارية عابرة، بل كان دون مبالغة لحظةً كاشفة. فحين سمحت منصة (إكس) بقرارٍ مباشر من مالكها إيلون ماسك، بظهور بيانات الهوية الجغرافية للحسابات، لم تنكشف حسابات أفرادٍ فحسب، بل انكشفت منظوماتٌ كاملة، دولٌ وغرف عمليات، وشبكات منظمة وحسابات تتحدث بلسان العرب والمسلمين، بينما تُدار من خارجهم. تلك اللحظة أزاحت الستار عن مسرحٍ رقميٍّ ظلّ لسنوات يُدار في الخفاء، تُخاض فيه معارك وهمية، وتُشعل فيه نيران الفتنة بأيدٍ لا نراها، وبأصواتٍ لا تنتمي لما تدّعيه. وحين كُشفت هويات المستخدمين، وظهرت بلدان تشغيل الحسابات ومواقعها الفعلية، تبيّن بوضوحٍ لا يحتمل التأويل أن جزءًا كبيرًا من الهجوم المتبادل بين العرب والمسلمين لم يكن عفويًا ولا شعبيًا، بل كان مفتعلًا ومُدارًا ومموّلًا. حساباتٌ تتكلم بلهجة هذه الدولة، وتنتحل هوية تلك الطائفة، وتدّعي الغيرة على هذا الدين أو ذاك الوطن، بينما تُدار فعليًا من غرفٍ بعيدة، خارج الجغرافيا. والحقيقة أن المعركة لم تكن يومًا بين الشعوب، بل كانت ولا تزال حربًا على وعي الشعوب. لقد انكشفت حقيقة مؤلمة، لكنها ضرورية: أن كثيرًا مما نظنه خلافًا شعبيًا لم يكن إلا وقودًا رقميًا لسياسات خارجية، وأجندات ترى في وحدة المسلمين خطرًا، وفي تماسكهم تهديدًا، وفي اختلافهم فرصةً لا تُفوّت. فتُضخ التغريدات، وتُدار الهاشتاقات، ويُصنع الغضب، ويُعاد تدوير الكراهية، حتى تبدو وكأنها رأي عام، بينما هي في حقيقتها رأيٌ مُصنَّع. وما إن سقط القناع، حتى ظهر التناقض الصارخ بين الواقع الرقمي والواقع الإنساني الحقيقي. وهنا تتجلى حقيقة أعترف أنني لم أكن أؤمن بها من قبل، حقيقة غيّرت فكري ونظرتي للأحداث الرياضية، بعد ابتعادي عنها وعدم حماسي للمشاركة فيها، لكن ما حدث في قطر، خلال كأس العرب، غيّر رأيي كليًا. هنا رأيت الحقيقة كما هي: رأيت الشعوب العربية تتعانق لا تتصارع، وتهتف لبعضها لا ضد بعضها. رأيت الحب، والفرح، والاحترام، والاعتزاز المشترك، بلا هاشتاقات ولا رتويت، بلا حسابات وهمية، ولا جيوش إلكترونية. هناك في المدرجات، انهارت رواية الكراهية، وسقط وهم أن الشعوب تكره بعضها، وتأكد أن ما يُضخ في الفضاء الرقمي لا يمثل الشعوب، بل يمثل من يريد تفريق الأمة وتمزيق لُحمتها. فالدوحة لم تكن بطولة كرة قدم فحسب، بل كانت استفتاءً شعبيًا صامتًا، قال فيه الناس بوضوح: بلادُ العُرب أوطاني، وكلُّ العُربِ إخواني. وما حدث على منصة (إكس) لا يجب أن يمرّ مرور الكرام، لأنه يضع أمامنا سؤالًا مصيريًا: هل سنظل نُستدرج إلى معارك لا نعرف من أشعلها، ومن المستفيد منها؟ لقد ثبت أن الكلمة قد تكون سلاحًا، وأن الحساب الوهمي قد يكون أخطر من طائرةٍ مُسيّرة، وأن الفتنة حين تُدار باحتراف قد تُسقط ما لا تُسقطه الحروب. وإذا كانت بعض المنصات قد كشفت شيئًا من الحقيقة، فإن المسؤولية اليوم تقع علينا نحن، أن نُحسن الشك قبل أن نُسيء الظن، وأن نسأل: من المستفيد؟ قبل أن نكتب أو نشارك أو نرد، وأن نُدرك أن وحدة المسلمين ليست شعارًا عاطفيًا، بل مشروع حياة، يحتاج وعيًا، وحماية، ودراسة. لقد انفضحت الأدوات، وبقي الامتحان. إما أن نكون وقود الفتنة أو حُرّاس الوعي ولا خيار ثالث لمن فهم الدرس والتاريخ.. لا يرحم الغافلين
708
| 16 ديسمبر 2025
تمتاز المراحل الإنسانية الضبابية والغامضة، سواء على مستوى الدول أو الأفراد، بظهور بعض الشخصيات والحركات، المدنية والمسلحة، التي تحاول القيام بأدوار إيجابية أو سلبية، وخصوصا في مراحل بناء الدول وتأسيسها. ومنطقيا ينبغي على مَن يُصَدّر نفسه للقيام بأدوار عامة أن يمتاز ببعض الصفات الشخصية والإنسانية والعملية والعلمية الفريدة لإقناع غالبية الناس بدوره المرتقب. ومن أخطر الشخصيات والكيانات تلك التي تتعاون مع الغرباء ضد أبناء جلدتهم، وهذا ما حدث في غزة خلال «طوفان الأقصى» على يَد «ياسر أبو شباب» وأتباعه!. و»أبو شباب» فلسطيني، مواليد 1990، من مدينة رفح بغزة، وَمَسيرته، وفقا لمصادر فلسطينية، لا تُؤهّله للقيام بدور قيادي ما!. ومَن يقرأ بعض صفحات تاريخ «أبو شباب»، الذي ينتمي لعائلة «الترابية» المستقرة في النقب وسيناء وجنوبي غزة، يجد أنه اعتُقِل في عام 2015، في غزة، حينما كان بعمر 25 سنة، بتهمة الاتّجار بالمخدّرات وترويجها، وحكم عليه بالسجن 25 سنة. وخلال مواجهات «الطوفان» القاسية والهجمات الصهيونية العشوائية على غزة هَرَب «أبو شباب» من سجنه بغزة، بعدما أمضى فيه أكثر من ثماني سنوات، وشكّل، لاحقا، «القوات الشعبية» بتنسيق مع الشاباك «الإسرائيلي»، ولم يلتفت إليها أحد بشكل ملحوظ بسبب ظروف الحرب والقتل والدمار والفوضى المنتشرة بالقطاع!. وبمرور الأيام بَرَزَ الدور التخريبي لهذه الجماعة، الذي لم يتوقف عند اعترافها بالتعاون مع أجهزة الأمن «الإسرائيلية» بل بنشر التخريب الأمني، والفتن المجتمعية، وقطع الطرق واعتراض قوافل المساعدات الإنسانية ونهبها!. وأبو شباب أكد مرارًا أن جماعته تَتَلقّى الدعم «دعماً من الجيش الإسرائيلي»، وأنهم عازمون على «مواصلة قتال حماس حتى في فترات التهدئة»!. وهذا يعني أنهم مجموعة من الأدوات الصهيونية والجواسيس الذين صورتهم بعض وسائل الإعلام العبرية كأدوات بديلة لتخفيف «خسائر الجيش الإسرائيلي باستخدامهم في مهام حسّاسة بدل الاعتماد المباشر على القوات النظامية»!. ويوم 4 كانون الأول/ ديسمبر 2025 أُعلن عن مقتل «أبو شباب» على يد عائلة «أبو سنيمة»، التي أعلنت مسؤوليتها عن الحادث: وأنهم «واجهوا فئة خارجة عن قيم المجتمع الفلسطيني». وبحيادية، يمكن النظر لهذا الكيان السرطاني، الذي أسندت قيادته بعد مقتل «أبو شباب» إلى رفيقه «غسان الدهيني» من عِدّة زوايا، ومنها: - الخيانة نهايتها مأساوية لأصحابها، وماذا يَتوقّع أن تكون نهايته مَن يَتفاخر بعلاقته مع الاحتلال «الإسرائيلي»؟ - دور جماعة «أبو شباب» التخريبي على المستويين الأمني والإغاثي دفنهم وهم أحياء، مِمّا جعل مقتل «أبو شباب» مناسبة قُوْبِلت بالترحيب من أكثرية الفلسطينيين وغيرهم. - مقتل «أبو شباب» يؤكد فشل الخطة «الإسرائيلية» بجعل مجموعته المُتَحكِّم بمدينة «رفح» وجعلها منطقة «حكم ذاتي» خارج سيطرة المقاومة، وبهذا فهي ضربة أمنية كبيرة «لإسرائيل» التي كانت تُعوّل عليهم بعمليات التجسّس والتخريب. - قد تكون «إسرائيل» تَخلّصت منه، قبل إرغامها، بضغوط أمريكية، على المضي بالمرحلة الثانية من اتّفاق وقف إطلاق النار وذلك بتركه ليواجه مصيره كونه قُتِل بمنطقة سيطرة جيشها!. - الحادثة كانت مناسبة لدعم دور المقاومة على أرض غزة، ونقلت هيئة البثّ «الإسرائيلية»، الأحد الماضي، عن مصادر فلسطينية أن «مسلحين ينتمون لمليشيات عشائرية معارضة لحماس سَلّموا أنفسهم طواعية لأجهزة (حماس) الأمنية في غزة». منطقيًا، لو كانت جماعة «أبو شباب» جماعة فلسطينية خالصة ومنافسة بعملها، السياسي والعسكري، للآخرين بشفافية وصدق لأمكن قبول تشكيلها، والتعاطي معه على أنه جزء من المشاريع الهادفة لخدمة القطاع، ولكن حينما تَبرز خيوط مؤكدة، وباعترافات واضحة، بارتباط هذا الكيان وشخوصه بالاحتلال «الإسرائيلي» فهنا تكون المعضلة والقشّة التي تَقصم ظهر الكيان لأن التعاون مع المحتل جريمة لا يُمكن تبريرها بأيّ عذر من الأعذار. مقتل «أبو شباب» كان متوقعا، وهي النهاية الحتمية والسوداء للخونة والعملاء الذين لا يَجدون مَن يُرحب بهم من مواطنيهم، ولا مَن يَحْتَرِمهم من الأعداء، ولهذا هُم أموات بداية، وإن كانوا يمشون على الأرض، لأنهم فقدوا ارتباطهم بأهلهم وقضيتهم وإنسانيتهم.
639
| 12 ديسمبر 2025