رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

د. فاطمة سعد النعيمي

* أستاذ التفسير وعلوم القرآن- كلية الشريعة والدراسات الإسلامية جامعة قطر

مساحة إعلانية

مقالات

219

د. فاطمة سعد النعيمي

الغفلة.. سُبات القلوب في زمن الصحوة

08 مايو 2025 , 02:00ص

في زحمة الحياة وتسارع الأيام، قد تنشغل الجوارح وتغفل القلوب، وتبهت البصائر وسط ضجيج الدنيا. ومن أخطر ما يصيب القلب في هذا الزمن، داءٌ خفيّ لا يُرى، ولكنه يُميت الروح ويُعطل البصيرة، ألا وهو الغفلة.

الغفلة ليست مجرد نسيان مؤقت، بل هي إعراض دائم عن ذكر الله، وانشغال بالدنيا عن الآخرة. قال الله تعالى: ﴿وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ﴾ [الأعراف: 205]. وفي هذه الآية توجيهٌ إلهيّ صريح لليقظة، وتنبيهٌ من الغفلة التي تجرّ إلى المهالك.

إن القلب الغافل كالأرض القاحلة، لا تُثمر ولا تُزهر، بل قد تموت وهي في ظاهرها حيّة. والغفلة تبدأ من صغيرة، كتأخير الصلاة، أو تجاهل القرآن، أو الركض خلف الدنيا، حتى تصبح حالة دائمة تُظلم معها النفس وتضعف الصلة بالخالق.

وقد حذّر النبي صلى الله عليه وسلم من هذا الداء، فقال: «تُعرض الفتن على القلوب كالحصير عودًا عودًا، فأيُّ قلبٍ أُشربها نُكِتَ فيه نكتةٌ سوداء…» [رواه مسلم].

وفي الحديث إشارة إلى أن القلب الغافل يصبح معرّضًا للفتن، وتُطمس فطرته شيئًا فشيئًا حتى يصبح منكوسًا لا يعرف معروفًا ولا يُنكر منكرًا.

ولكن رغم خطر هذا الداء، فإن الدواء متاح، والشفاء قريب. فاليقظة تبدأ من لحظة صدق مع النفس، ومن عودة خاشعة إلى الله، ومن إحياء القلب بذكر الله وتلاوة القرآن، ومجالسة الصالحين، والتفكّر في الموت والآخرة.

فلنُراجع أنفسنا، ولنُطهر قلوبنا من الغفلة قبل أن يُقال: ﴿لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ﴾ [ق: 22].

إنها دعوة صادقة لاستيقاظ القلب، قبل أن يُطبع عليه، وقبل أن يأتي يومٌ لا ينفع فيه مالٌ ولا بنون، إلا من أتى الله بقلبٍ سليم.

مساحة إعلانية