رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
دخلت التكنولوجيا الحديثة وملحقاتها بقوة وبسرعة في كثير من مجالات الحياة. وأصبح العالم كما قيل — قبل سنة — مختزلاً في شاشة تبلغ 14 بوصة، وتطورت اليوم في شاشات اجهزة الهواتف النقالة والألواح الرقمية بشاشات لا تتعدى البوصتين. كما ان دخول الإنترنت وغيرها من وسائل التكنولوجيا الحديثة في حياتنا العملية اليومية، جعلنا نعتمد عليها بشكل أساسي في انجاز الكثير من الامور، التي لو انقطعت لأحسسنا أن الحياة توقفت معها. ففي الولايات المتحدة مثلاً تستطيع ان تطلب اي نوع من الخدمات بدون ان تقوم عن كرسيك. بل وصل الامر الى إجرء اطباء عمليات جراحية دقيقة والمريض يبعد عنهم آلاف الكيلومترات.
في عالمنا السريع والمتطور استطاعت بعض الوزارات والمؤسسات القطرية اللحاق بالجديد في عالم الحوسبة والاتصالات وتطويعها لتكون في خدمة الوطن والمواطن، وذلك بتقديم العديد من الخدمات عن طريق الانترنت وتكنولوجيا الهاتف النقال. في حين تخلف البعض الآخر عن الاستفادة منها بشكل صحيح.. إما جهلاً بإمكانياتها او عجزاً من الجهاز البشري عن التعامل معها.
من الوزارات القليلة التي استطاعت أن تطور خدماتها للجمهور بشكل جيد وتطوع التكنولوجيا لخدمة الوطن والمواطن، وزارة الداخلية التي ما فتئت تقدم الخدمة تلو الاخرى عن طريق الإنترنت والهاتف النقال، كما انشأت العديد من المنافذ الخدمية واختصرت مدد الإنجاز، وقضت على الروتين الذي كان سائدا في الماضي. وباتت حاجتك للذهاب للوزارة في أضيق نطاق ممكن.
وعلى النقيض من ذلك تقبع وزارة الأعمال والتجارة — في نظري — في آخر الركب بالنسبة للاستفادة من التكنولوجيا في إنجاز اعمال المواطنين.. فزيارة واحدة لمبنى الوزارة ورؤيتك للازدحام الحاصل، وضياع الناس بين الموظفين، ونوعية الخدمات المقدمة والاوراق المطلوبة؛ تجعلك ترثي لحال من سيدخل الوزارة لإنجاز معاملاته.
إدارة التسجيل والتراخيص التجارية بالوزارة تختص بإنشاء السجلات التجارية، وهو المكان الوحيد الموجود فى قطر — فرع الوزارة في السد يختص بإجراء التعديلات على السجل وإصدار المستخرجات التجارية فقط — ولايوجد اى فروع اخرى تؤدي ذات الخدمة، مما يجعله مكتظا على آخره بالمراجعين.
يقول احد المراجعين إنه جاء لتأسيس شركة مقاولات جديدة فاستغرق منه الرجوع إلى السجل 6 مرات مختلفة، لأن الموظف يرجعه مرة تلو الاخرى لأن أوراقه ناقصة او هناك إمضاءات غير موجودة. وعندما يطلب المراجع من الموظف ان يفهمه ويشرح له ماهي الاجراءات والاوراق المطلوبة، يرفض ان يعطيه المعلومة كاملة او يحيله ببساطة الى موظف آخر.
اما ادارة التراخيص التجارية بالسد بلازا وهي تختص بإجراء التعديلات على السجل وإصدار المستخرجات التجارية، فلم تسلم هي الأخرى من الشكاوى والازدحامات وتأخر انجاز المعاملات، بسبب قلة الموظفين مقارنة بعدد المقاعد واجهزة الكمبيوتر الخاصة بهم. كما ان الوزارة تعتمد نظام إنجاز المعاملات بالارقام الممنوحة للمراجعين. وكثيراً ما ينتهي تقديم الارقام بين الساعة الثامنة والعاشرة صباحا، او يتم الاكتفاء بعدد معين من الارقام قد يصل الى 50 رقما فقط.. والطامة أن يأتي دورك لتتفاجأ بأنه لا يوجد نماذج للأوراق الرسمية المطلوب تعبئتها، مما يحتم عليك الانتظار لحين وصول النماذج من مقر الوزارة الرئيسي أو الرجوع في يوم آخر للحصول على رقم لإنجاز المطلوب.
احد المراجعين كان يجلس وقد بدت على وجهه علامات الضيق والغضب، فسألناه عن السبب، فقال انه حضر إلى مبنى البلدية لتجديد الرخصة منذ الساعة السادسة والنصف حتى يحصل على رقم، وبالفعل حصل على الرقم 32، إلا ان نماذج الأوراق نفدت من المكان والآن الساعة العاشرة والنصف وهو مازال منتظرا. كما عبر عن استيائه من التطويل في إنهاء المعاملة، حيث حضر أكثر من مرة لإنهاء المعاملة الواحدة.
كما يشكو هو والمراجعين من ارتفاع رسوم الخدمات التي تقدمها الوزارة ممثلة بإدارة السجل التجاري، ويتساءل: لماذا تتقاضى الوزارة رسوما مرتفعة، دون أن يحصل المراجع على خدمة جيدة أو سريعة؟ ويضيف انه يعمل في تجارة الاثاث وان متطلبات ذكر الانشطة تجبي فيها الوزارة رسوما عالية على كل صنف، فهو قد دفع 1000 ريال لنشاط تجارة الأثاث المنزلي، وسيدفع 1000 ريال اخرى ليضيف كلمة الاثاث المكتبي و1000 ريال ثالثه للأثاث المدرسي و1000 ريال اخرى للأثاث الفندقي.. الخ.
الرسوم المطلوب دفعها من المواطنين والمقيمين من قبل الوزارة والغرامات المبالغ فيها، قضية اخرى يتطلب ان يُنظر لها.. فهناك تفنن بين وزارات الدولة بشكل عام في فرض الرسوم على كل صغيرة وكبيرة للخدمات المختلفة. وكأنهم في تنافس فيمن يجبي للحكومة اكبر قدر ممكن من الريالات من جيوب المواطنين.
مشكلة اخرى لن تجدها الا في وزارة الاعمال والتجارة، وهي اختيار المسميات التجارية. فأنت اذا اردت ان تسجل مؤسستك التجارية عليك ان تحضر معك 20 الى 30 اسما، وستكون محظوظاً اذا حاز اسم منها القبول، والا كان مصيرك العوده مرة تلو الاخرى لحين الحصول على الاسم المناسب. مع ان حل هذه المعضلة هو تجهيز كمبيوتر لإدخال المراجعين الأسماء واختيار الاسم المطلوب للمؤسسة. ولكن الوزارة رأت ان تقدم هذه الخدمة مقابل 1000 ريال كما يشير اليه الموقع الالكتروني للوزارة.
واسعار الخدمات المقدمة من الوزارة فيها تفاوت غريب، فتغيير عنوان الشركة الكترونياً سيكلفك 500 ريال، في حين ان طلب تحديد جلسة لسماع اقوال في نزاع بشأن علامة تجارية سيكلفك 25 ريالا حسب ما هو مذكور في موقع الوزارة!!
والشكوى العامه من المراجعين في الوزارة، ان الموظفين لايعطونهم المعلومات كاملة ويرفضون مساعدتهم لأتفه الاسباب، مثل نقص كلمة او ان المعاملة تحتوى على كلمة معينة مختلفة فى المسمى، حيث يجب ان يكون الكلام الموجود حرفيا. يقول احد المراجعين إنه حضر الى السجل لإضافة انشطة جديدة على الترخيص، وعندما سأل الموظف ما هي الصيغة المطلوبة قال اضف ما تريده انت، وعندما قام بإضافة اسم النشاط اعترض على الكلمة حيث انه مرتبط بمسميات بعينها. باختصار وبالعامية.. "الموظفين نفوسهم في خشومهم".
يقول احد رجال الاعمال ان شريكه — رجل اعمال سوداني — جاء في زيارة عمل الى الدوحة لمدة يومين لإنهاء معاملات إنشاء شركة معه لاستيراد لحوم من السودان، وإنه قام بملاحقة العديد من المتطلبات والمعاملات الحكومية والمالية المصرفية لغرض إنشاء الشركة واستخراج السجل التجاري، وقد استغرقه ذلك حوالي أسبوعين لإنجاز ما انجزه رجل الاعمال السوداني مع شريكه الإماراتي في دبي خلال يومين فقط!!.
واذا تتبعت الإجراءات المطلوبه لإنشاء الشركة حسب متطلبات الوزارة لرأيت أن الامر يتطلب التالي:
❶ يتقدم التاجر بالطلب الخاص بقيد الشركات مرفقاً بالمستندات الرسمية.
❷ يتم اختيار الاسم التجاري وأخذ الموافقة من قسم السجل التجاري والعلامات التجارية.
❸ يتم توثيق عقد التأسيس بوزارة العدل.
❹ يتم الاطلاع على النظام الأساسي وإقراره للشركة.
❺ يتم أخذ الموافقة على النشاط التجاري من الجهة المعنية إذا لزم الأمر.
❻ إرسال خطاب للبنك بإيداع رأس المال المحدد للشركة.
❼ يتم الاشتراك في الغرفة التجارية.
❽ يتم إصدار السجل التجاري.
❾ يتم إصدار الرخصة التجارية لمزاولة النشاط.
والمضحك ان الموقع الالكترونى للوزارة يحدد لك نوعية الخدمات والوقت اللازم لإجراء العملية والذي يتراوح حسبما هو مذكور بين 10 — 15 دقيقة، وهذا بعيد عن ارض الواقع، والاقرب ان تستبدل كلمة الدقيقة باليوم. كما ان اغلى الخدمات الالكترونية هي لتنزيل الاستمارات والفورمات المطلوبة.
لا ادري ما الذي يستطيع الآخرون إنجازه في يومين، ويتطلب منا أن نؤديه في اسبوعين.. ولكني اعرف أن الامر لا يتعلق بقلة الموارد ولا بقلة الموظفين، ولكنه يتعلق بإرادة التغيير وتحمل الأمانة والعمل الجاد لمعرفة المعوقات وحلها بأسرع وقت ممكن.. موقع الوزارة يذكر لك 20 حقاً من حقوقنا كمستهلكين وتجار، ونحن نطالب بحق اساسي واحد وهو تذليل وتسهيل الخدمات المقدمة لنا.
لا شك ان وزارة الأعمال والتجارة تعاني من ضعف كبير في أداء عملها المتمثل في تدني خدماتها للمجتمع وللدولة، وأبرز دليل عدم تجاوبها مع المشاكل المزمنة للمراجعين من رجال الاعمال والمواطنين، والتكدس اليومي امام كاونترات الوزارة.. إذ يرى عدد من رجال الأعمال والمستثمرين أن وزارة الأعمال والتجارة مطالبة بجهد اكبر في مجال تطوير بيئة الأعمال وتذليل العقبات، وتطوير الخدمات المقدمة، وتحسين فرص المنافسة لترتقي الى المستوى الذي يليق بهذه الوزارة الأساسية في تطوير اقتصاد الدولة.
◄ فاصلة أخيرة:
يقول أحد الإخوة: اذا رأيت المندوبين او المخلصين امام اي وزارة فاعرف انها وزارة لم تستطع ان تطور خدماتها لتمكين المواطنين من تخليص امورهم بطريقة حضارية.. واذا قننت خدماتها بصرف ارقام للخدمة لا تتعدى حدا معينا يومياً، فاعرف أنها وزارة فاشلة ليس لها القدرة على مواكبة متطلبات النهضة السريعة التي تشهدها الدولة في كافة المجالات وعلى مختلف الأصعدة..
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
في منتصف العام الدراسي، تأتي الإجازات القصيرة كاستراحة ضرورية للطلبة والأسر، لكنها في الوقت ذاته تُعد محطة حساسة تتطلب قدراً عالياً من الوعي في كيفية التعامل معها. فهذه الإجازات، على قِصر مدتها، قد تكون عاملاً مساعداً على تجديد النشاط الذهني والنفسي، وقد تتحول إن أُسيء استغلالها إلى سبب مباشر في تراجع التحصيل الدراسي وصعوبة العودة إلى النسق التعليمي المعتاد. من الطبيعي أن يشعر الأبناء برغبة في كسر الروتين المدرسي، وأن يطالبوا بالسفر والتغيير، غير أن الانصياع التام لهذه الرغبات دون النظر إلى طبيعة المرحلة الدراسية وتوقيتها يحمل في طياته مخاطر تربوية لا يمكن تجاهلها. فالسفر إلى دول تختلف بيئتها ومناخها وثقافتها عن بيئتنا، وفي وقت قصير ومزدحم دراسياً، يؤدي غالباً إلى انفصال ذهني كامل عن أجواء الدراسة، ويضع الطالب في حالة من التشتت يصعب تجاوزها سريعاً عند العودة. توقيت الإجازة وأثره المباشر على المسار الدراسي التجربة التربوية تؤكد أن الطالب بعد الإجازات القصيرة التي تتخلل العام الدراسي يحتاج إلى قدر من الاستقرار والروتين، لا إلى مزيد من التنقل والإرهاق الجسدي والذهني. فالسفر، مهما بدا ممتعاً، يفرض تغييرات في مواعيد النوم والاستيقاظ، ويُربك النظام الغذائي، ويُضعف الالتزام بالواجبات والمتابعة الدراسية، وهو ما ينعكس لاحقاً على مستوى التركيز داخل الصف، ويجعل العودة إلى الإيقاع المدرسي عملية بطيئة ومجهدة. وتكمن الخطورة الحقيقية في أن هذه الإجازات لا تمنح الطالب الوقت الكافي للتكيّف مرتين: مرة مع السفر، ومرة أخرى مع العودة إلى المدرسة. فيضيع جزء غير يسير من زمن الفصل الدراسي في محاولة استعادة النشاط الذهني والانخراط مجدداً في الدروس، وهو زمن ثمين كان الأولى الحفاظ عليه، خصوصاً في المراحل التي تكثر فيها الاختبارات والتقييمات. قطر وجهة سياحية غنية تناسب الإجازات القصيرة في المقابل، تمتلك دولة قطر بيئة مثالية لاستثمار هذه الإجازات القصيرة بشكل متوازن وذكي، فالأجواء الجميلة خلال معظم فترات العام، وتنوع الوجهات السياحية والترفيهية، من حدائق ومتنزهات وشواطئ ومراكز ثقافية وتراثية، تمنح الأسر خيارات واسعة لقضاء أوقات ممتعة دون الحاجة إلى مغادرة البلاد. وهي خيارات تحقق الترفيه المطلوب، وتُشعر الأبناء بالتجديد، دون أن تخلّ باستقرارهم النفسي والتعليمي. كما أن قضاء الإجازة داخل الوطن يتيح للأسرة المحافظة على جزء من الروتين اليومي، ويمنح الأبناء فرصة للعودة السلسة إلى مدارسهم دون صدمة التغيير المفاجئ. ويمكن للأسر أن توظف هذه الفترة في أنشطة خفيفة تعزز مهارات الأبناء، مثل القراءة، والرياضة، والأنشطة الثقافية، وزيارات الأماكن التعليمية والتراثية، بما يحقق فائدة مزدوجة: متعة الإجازة واستمرارية التحصيل. ترشيد الإنفاق خلال العام الدراسي ومن زاوية أخرى، فإن ترشيد الإنفاق خلال هذه الإجازات القصيرة يمثل بُعداً مهماً لا يقل أهمية عن البعد التربوي. فالسفر المتكرر خلال العام الدراسي يستهلك جزءاً كبيراً من ميزانية الأسرة، بينما يمكن ادخار هذه المبالغ وتوجيهها إلى إجازة صيفية طويلة، حيث يكون الطالب قد أنهى عامه الدراسي، وتصبح متطلبات الاسترخاء والسفر مبررة ومفيدة نفسياً وتعليمياً. الإجازة الصيفية، بطولها واتساع وقتها، هي الفرصة الأنسب للسفر البعيد، والتعرف على ثقافات جديدة، وخوض تجارب مختلفة دون ضغط دراسي أو التزامات تعليمية. حينها يستطيع الأبناء الاستمتاع بالسفر بكامل طاقتهم، وتعود الأسرة بذكريات جميلة دون القلق من تأثير ذلك على الأداء المدرسي. دور الأسرة في تحقيق التوازن بين الراحة والانضباط في المحصلة، ليست المشكلة في الإجازة ذاتها، بل في كيفية إدارتها، فالإجازات التي تقع في منتصف العام الدراسي ينبغي أن تُفهم على أنها استراحة قصيرة لإعادة الشحن، لا قطيعة مع المسار التعليمي. ودور الأسرة هنا محوري في تحقيق هذا التوازن، من خلال توجيه الأبناء، وضبط رغباتهم، واتخاذ قرارات واعية تضع مصلحة الطالب التعليمية في المقام الأول، دون حرمانه من حقه في الترفيه والاستمتاع. كسرة أخيرة إن حسن استثمار هذه الإجازات يعكس نضجاً تربوياً، ووعياً بأن النجاح الدراسي لا يُبنى فقط داخل الصفوف، بل يبدأ من البيت، ومن قرارات تبدو بسيطة، لكنها تصنع فارقاً كبيراً في مستقبل الأبناء.
1686
| 24 ديسمبر 2025
في هذا اليوم المجيد من أيام الوطن، الثامن عشر من ديسمبر، تتجدد في القلوب مشاعر الفخر والولاء والانتماء لدولة قطر، ونستحضر مسيرة وطنٍ بُني على القيم، والعدل، والإنسان، وكان ولا يزال نموذجًا في احتضان أبنائه جميعًا دون استثناء. فالولاء للوطن ليس شعارًا يُرفع، بل ممارسة يومية ومسؤولية نغرسها في نفوس أبنائنا منذ الصغر، ليكبروا وهم يشعرون بأن هذا الوطن لهم، وهم له. ويأتي الحديث عن أبنائنا من ذوي الإعاقة تأكيدًا على أنهم جزء أصيل من نسيج المجتمع القطري، لهم الحق الكامل في أن يعيشوا الهوية الوطنية ويفتخروا بانتمائهم، ويشاركوا في بناء وطنهم، كلٌ حسب قدراته وإمكاناته. فالوطن القوي هو الذي يؤمن بأن الاختلاف قوة، وأن التنوع ثراء، وأن الكرامة الإنسانية حق للجميع. إن تنمية الهوية الوطنية لدى الأبناء من ذوي الإعاقة تبدأ من الأسرة، حين نحدثهم عن الوطن بلغة بسيطة قريبة من قلوبهم، نعرّفهم بتاريخ قطر، برموزها، بقيمها، بعَلَمها، وبإنجازاتها، ونُشعرهم بأنهم شركاء في هذا المجد، لا متلقّين للرعاية فقط. فالكلمة الصادقة، والقدوة الحسنة، والاحتفال معهم بالمناسبات الوطنية، كلها أدوات تصنع الانتماء. كما تلعب المؤسسات التعليمية والمراكز المتخصصة دورًا محوريًا في تعزيز هذا الانتماء، من خلال أنشطة وطنية دامجة، ومناهج تراعي الفروق الفردية، وبرامج تُشعر الطفل من ذوي الإعاقة أنه حاضر، ومسموع، ومقدَّر. فالدمج الحقيقي لا يقتصر على الصفوف الدراسية، بل يمتد ليشمل الهوية، والمشاركة، والاحتفال بالوطن. ونحن في مركز الدوحة العالمي لذوي الإعاقة نحرص على تعزيز الهوية الوطنية لدى أبنائنا من ذوي الإعاقة من خلال احتفال وطني كبير نجسّد فيه معاني الانتماء والولاء بصورة عملية وقريبة من قلوبهم. حيث نُشرك أبناءنا في أجواء اليوم الوطني عبر ارتداء الزي القطري التقليدي، وتزيين المكان بأعلام دولة قطر، وتوزيع الأعلام والهدايا التذكارية، بما يعزز شعور الفخر والاعتزاز بالوطن. كما نُحيي رقصة العرضة القطرية (الرزيف) بطريقة تتناسب مع قدرات الأطفال، ونُعرّفهم بالموروث الشعبي من خلال تقديم المأكولات الشعبية القطرية، إلى جانب تنظيم مسابقات وأنشطة وطنية تفاعلية تشجّع المشاركة، وتنمّي روح الانتماء بأسلوب مرح وبسيط. ومن خلال هذه الفعاليات، نؤكد لأبنائنا أن الوطن يعيش في تفاصيلهم اليومية، وأن الاحتفال به ليس مجرد مناسبة، بل شعور يُزرع في القلب ويترجم إلى سلوك وهوية راسخة. ولا يمكن إغفال دور المجتمع والإعلام في تقديم صورة إيجابية عن الأشخاص ذوي الإعاقة، وإبراز نماذج ناجحة ومُلهمة منهم، مما يعزز شعورهم بالفخر بذواتهم وبوطنهم، ويكسر الصور النمطية، ويؤكد أن كل مواطن قادر على العطاء حين تتوفر له الفرصة. وفي اليوم الوطني المجيد، نؤكد أن الولاء للوطن مسؤولية مشتركة، وأن غرس الهوية الوطنية في نفوس أبنائنا من ذوي الإعاقة هو استثمار في مستقبل أكثر شمولًا وإنسانية. فهؤلاء الأبناء ليسوا على هامش الوطن، بل في قلبه، يحملون الحب ذاته، ويستحقون الفرص ذاتها، ويشاركون في مسيرته كلٌ بطريقته. حفظ الله قطر، قيادةً وشعبًا، وجعلها دائمًا وطنًا يحتضن جميع أبنائه… لكل القدرات، ولكل القلوب التي تنبض بحب الوطن كل عام وقطر بخير دام عزّها، ودام مجدها، ودام قائدها وشعبها فخرًا للأمة.
1116
| 22 ديسمبر 2025
«فنّ التّأريخ فنّ عزيز المذهب جمّ الفوائد شريف الغاية، إذ هو يوقفنا على أحوال الماضين من الأمم في أخلاقهم، والأنبياء في سيرهم، والملوك في دولهم وسياستهم، حتّى تتمّ فائدة الاقتداء في ذلك لمن يرومه في أحوال الدّين والدّنيا». يؤصل ابن خلدون في تاريخه بهذه العبارة، قاعدة بالغة الأهمية في دراسة التاريخ، مفادها أن استدعاء صفحات الماضي والنظر في التاريخ، لا يكون بغرض التسلية بحكايات الغابرين، ولا للانحباس في حالة انبهار بصفحات مجد تليد، إنما هو أداة لتغيير الحاضر والتهيئة لتحديات المستقبل. لكن أمتنا قد دبّ فيها داء الهروب إلى التاريخ، نعم نحن نهرب من مواجهة واقعنا باستدعاء التاريخ وأمجاده والاكتفاء بذلك، فهي حيلة نفسية نواري بها عجزنا عن مسايرة الغرب الذي أخذ بأسباب القوة والتقدم بينما توقفنا نحن عند حدود الماضي، وأسعد بلادنا حظًا من قطعت بضع خطوات في مجالات محددة، دون أن تكون هناك نهضة شاملة تجعلها على قدم المساواة مع وحوش العالم. نحن نعاني فوضى التفاخر بالماضي، أصبح المجد السابق هو بضاعتنا في التعريف بأنفسنا، مع أن التفاخر بالتاريخ لن يدفع عجلة الاقتصاد، ولن يحل المشكلات والأزمات الاجتماعية، ولن يسهم في التطور التقني والتكنولوجي، ولن يجعل القوى العسكرية في مصاف القوى الكبرى. ما فائدة أن يتراشق أهل كل بلد من بلدان الأمة بسالف أمرها، هذا يتفاخر على هذا بأن له حضارة عمرها كذا ألف سنة، وهذا يتفاخر على ذاك بأن أجداده هم من اخترعوا كذا، وأصبحت كلمة «كنا، وكنا» ديباجة في خطاب الشعوب. أجدادكم فعلوا، فماذا فعلتم أنتم؟ كان هذا ماضيكم فأين حاضركم؟ ليست المشكلة في أن تعتزّ الأمم بتاريخها، فالتاريخ هو الذاكرة الجماعية والرصيد الرمزي الذي يمنح الشعوب هويتها ومعناها، لكن المعضلة الكبرى التي تعانيها أمتنا تكمن في أنّها حبست نفسها داخل الماضي، واكتفت بالنظر إلى تاريخها المجيد نظرة تمجيد وتقديس، دون أن تحوّل هذا التاريخ إلى مصدر للعبرة، أو إلى جسر يعينها على فهم واقعها ومواجهة تحديات عصرها والعبور بثقة نحو المستقبل. لقد علّمنا التاريخ ذاته أن الحضارة لا تُورّث، وأن المجد لا يُستعاد بالتغنّي به، بل بالعمل وفق السنن التي أقامته أول مرة: العلم، والعمل، والهوية، فأسلافنا لم يتقدموا لأنهم عاشوا على أمجاد من سبقهم، بل لأنهم واجهوا واقعهم بشجاعة، وأبدعوا حلولًا تناسب زمانهم، واستثمروا معارف الأمم الأخرى. إنّ أخطر ما تواجهه أمتنا اليوم هو تحويل الماضي إلى بديل عن الحاضر، وإلى مبرر للعجز بدل أن يكون دافعًا للنهوض. فالعالم من حولنا يتغيّر بسرعة هائلة، تُقاس فيها قوة الأمم بقدرتها على الابتكار، وعلى استيعاب التحولات العلمية والتكنولوجية، بينما لا تزال كثير من مجتمعاتنا أسيرة النظر المجرد إلى الماضي انبهارًا واكتفاءً. التذكير بالماضي والأجداد العظام يفلح فحسب مع من يعتبر بذلك الماضي ويتخذ منه نبراسًا ويقتبس منه ما يضيء به الطريق نحو المستقبل المزهر، وهذا هو منهج القرآن الكريم، فهو يذكر بتاريخ الأمم السابقة التي هلكت رغم إغراقها في النعم وأوجه التقدم بسبب حيدتها عن طريق الله، يذكر بذلك من أجل الاتعاظ والاعتبار بأن القوة لابد وأن تُساس بالمنهج الإلهي. يذكرنا القرآن الكريم بالتاريخ المشرق والأجداد العظام حتى نسير سيرهم ونحذو حذوهم لا لنقف عند قول الشاعر: أولئك آبائي فجئني بمثلهم، إذا جمعتنا يا جرير المجامعُ. فالله تعالى يقول في سورة الإسراء: {ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا}، وحولها يقول الإمام ابن كثير في تفسيره: «تقديره: يا ذرية من حملنا مع نوح. فيه تهييج وتنبيه على المنة، أي: يا سلالة من نجينا فحملنا مع نوح في السفينة، تشبهوا بأبيكم، {إنه كان عبدا شكورا}. فالقرآن هنا لم يذكر سلالة نوح بأبيهم ليتفاخروا به ويقفوا عند هذا التفاخر، بل من أجل التشبه به في خصاله وأفعاله وقيامه بشكر المُنعم على ما أنعم به من النعم. النظر إلى التاريخ لا يصلح أن يكون مهجعًا للاستغراق في النوم، وإنما هو منطلق لأن نستلهم من الماضي لإصلاح الحاضر والعبور المتزن الآمن إلى مستقبل مزهر.
690
| 21 ديسمبر 2025