رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
توفي الجنرال الفرنسيبول أوساريس الذي كان يعيش بعين واحدة المشهور بدفاعه عن استخدام القوات الفرنسية للتعذيب في الجزائر عن عمر يناهز الـ95، حسبما أعلن اتحاد المظليين السابقين الأربعاء4ديسمبر الجاري في منطقة ستراسبورج شرق فرنسا. وكان أوساريس وهو بطل المقاومة ضد النازية خلال الحرب العالمية الثانية، شخصية مثيرة للجدل في فرنسا.
الجنرال أوساريس، كان أكثر الرجال تكتما للأمور في الجهاز الأمني الفرنسي، وكان رئيس الاستخبارات تحت قيادة الجنرال ماسو أثناء معركة الجزائر عام 1957، وكان رجل الأعمال الشريرة والإعدامات بلا محاكمة والتعذيب المنظم، وضع فرنسا مجدداً أمام الجرائم التي ارتكبتها قواتها خلال الثورة الجزائرية. وفي كتاب صدر عن دار"بيران" الفرنسية، ويحمل العنوان التالي:"الأجهزة الخاصة.الجزائر 1955-1957"، عام 2001 اعترف الجنرال أوساريس بتعذيب وقتل 24 أسير حرب جزائريا خلال حرب استقلال الجزائر عن فرنسا 1954 – 1962.
في مقابلة مع صحيفة لومند الفرنسية بتاريخ 23نوفمبر 2000، قال الجنرال أوساريس، إنه أعدم بنفسه مساجين من "جبهة التحرير الوطني"الجزائرية، وأمر بإعدام مئات المشبوهين من دون محاكمة، وأضاف أن نحو ثلاثة آلاف مشتبه بهم قتلوا، وكان من الضروري أن "تختفي جثثهم"، وأنه كره الأساليب المستخدمة، ولكنه سوف يتصرف بالطريقة نفسها إذا وضع في ظروف مشابهة.
أما الجديد الآخر الذي كشفه أوساريس في كتابه، فهو أن هذه الممارسات لم تكن مجرد انتهاكات يتحمل مسؤوليتها العسكريون المنخرطون في المواجهات على الأرض، بل إنها كانت تحظى بتغطية من قبل المسؤولين السياسيين في فرنسا، لاسيَّما من قبل وزير العدل آنذاك الرئيس الراحل فرانسوا ميتران. ويؤكد أوساريس أن التعذيب والإعدامات السريعة وقتل المدنيين التي تقدم لاحقاً على أنها"أعمال انتحارية" كانت من الممارسات الشائعة لدى الأجهزة الأمنية الفرنسية في الجزائر عند التحاقه بها عام 1955، كما يدافع عن هذه الأساليب بقوله: إنها " فعالة، فبدافع الخوف ينهار المعتقلون ويبدأون في الكلام، وينتهي الأمر بتصفيتهم". واعترف الجنرال أوساريس للمرة الأولى بقتله عام 1957 المحامي الجزائري علي بومنجل، والزعيم التاريخي المسؤول عن جبهة التحرير الوطني في الجزائر الشهيد العربي بن مهيدي.
وأثار كتاب أوساريس سلسلة من ردود الفعل لدى الطبقة السياسية الفرنسية الحاكمة آنذاك، التي وصفته بالشخص"القبيح"و"المقيت"و"المثير للاشمئزاز"، فيما صرح رئيس الحكومة الفرنسية السابق ليونيل جوسبان بأن اعترافاته"تنطوي على انتهاكات رهيبة، تستدعي إدانة أخلاقية". وقال الرئيس السابق جاك شيراك في بيان له: إن "رئيس الجمهورية الذي صعق لتصريحات الجنرال أوساريس يدين مرة جديدة الفظاعات وأعمال التعذيب والإعدامات الفورية والاغتيالات التي ارتكبت خلال حرب الجزائر. ليس هناك من شيء يمكن أن يبررها أبداً". وخلص البيان إلى أن " رئيس الجمهورية يأمل أن يتمكن المؤرخون من إلقاء الضوء سريعاً على المسؤوليات من خلال الإطلاع على محفوظات تلك الحقبة".
ويبدو من كلام زعماء الطبقة السياسية الفرنسية أن الميل السائد في السياسة الخارجية الفرنسية يقضي بحصر الأعمال الشنيعة التي ارتكبت إبان حرب الجزائر بأوساريس وسواه من العسكريين الذين مارسوا التعذيب، والهروب مرة أخرى إلى الأمام بدلاً من مواجهة الواقع. لقد أغلقت فرنسا خزائن التاريخ المحشوة بالذكريات الأليمة طيلة القرن الماضي، ولكن أين تنام الأشباح التي يمكن أن تعود إلى الظهور يوماً ما، لتفرض نفسها على مسرح الأحداث السياسية في فرنسا؟
وإذا كانت فرنسا قد فتحت خزائن الذاكرة التاريخية بسبب الجرائم التي ارتكبت في الحرب العالمية الأولى 1914-1918، وفي الحرب العالمية الثانية 1939-1945، حين تعاون نظام الماريشال بيتان مع النازيين، فإنه آن الأوان لكي تفتح الخزانة الثالثة للذاكرة التي تحتوي على جرائم ارتكبت باسم فرنسا إبان الثورة الجزائرية، فيما كان يعرف فيما مضى بالحقيقة التاريخية أصبح الآن حقيقة سياسية يبين فيها الواجب والأخلاق.
إن صعوبة المقاوم للنازية فرانسوا ميتران في مواجهة العميل فيشي، هي الصعوبة عينها التي يواجهها اليوم زعماء فرنسا بسبب جرائم فرنسا في الجزائر، إذ عن الوقائع التاريخية ماثلة اليوم أمام الجميع. وهي معلنة وصريحة، وتتحمل مسؤوليتها حكومة الجمهورية الفرنسية الرابعة المتمتعة بسلطات استثنائية، والتي خططت وأمرت وغطت على الجرائم التي ارتكبتها القوات الفرنسية في الجزائر في مواجهة المقاومة الوطنية التحررية، بوصفها تتناقض كليا مع كل القوانين الإنسانية، بما فيها قوانين الحرب.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
يطلّ عليك فجأة، لا يستأذن ولا يعلن عن نفسه بوضوح. تمرّ في زقاق العمر فتجده واقفًا، يحمل على كتفه صندوقًا ثقيلًا ويعرض بضاعة لا تشبه أي سوق عرفته من قبل. لا يصرخ مثل الباعة العاديين ولا يمد يده نحوك، لكنه يعرف أنك لن تستطيع مقاومته. في طفولتك كان يأتيك خفيفًا، كأنه يوزّع الهدايا مجانًا. يمد يده فتتساقط منها ضحكات بريئة وخطوات صغيرة ودهشة أول مرة ترى المطر. لم تكن تسأله عن السعر، لأنك لم تكن تفهم معنى الثمن. وحين كبُرت، صار أكثر استعجالًا. يقف للحظة عابرة ويفتح صندوقه فتلمع أمامك بضاعة براقة: أحلام متوهجة وصداقات جديدة وطرق كثيرة لا تنتهي. يغمرك بالخيارات حتى تنشغل بجمعها، ولا تنتبه أنه اختفى قبل أن تسأله: كم ستدوم؟ بعد ذلك، يعود إليك بهدوء، كأنه شيخ حكيم يعرف سرّك. يعرض ما لم يخطر لك أن يُباع: خسارات ودروس وحنين. يضع أمامك مرآة صغيرة، تكتشف فيها وجهًا أنهكته الأيام. عندها تدرك أن كل ما أخذته منه في السابق لم يكن بلا مقابل، وأنك دفعت ثمنه من روحك دون أن تدري. والأدهى من ذلك، أنه لا يقبل الاسترجاع. لا تستطيع أن تعيد له طفولتك ولا أن تسترد شغفك الأول. كل ما تملكه منه يصبح ملكك إلى الأبد، حتى الندم. الغريب أنه لا يظلم أحدًا. يقف عند أبواب الجميع ويعرض بضاعته نفسها على كل العابرين. لكننا نحن من نتفاوت: واحد يشتري بتهور وآخر يضيّع اللحظة في التفكير وثالث يتجاهله فيفاجأ أن السوق قد انفض. وفي النهاية، يطوي بضاعته ويمضي كما جاء، بلا وداع وبلا عودة. يتركك تتفقد ما اشتريته منه طوال الطريق، ضحكة عبرت سريعًا وحبًا ترك ندبة وحنينًا يثقل صدرك وحكاية لم تكتمل. تمشي في أثره، تفتش بين الزوايا عن أثر قدميه، لكنك لا تجد سوى تقاويم تتساقط كالأوراق اليابسة، وساعات صامتة تذكرك بأن البائع الذي غادرك لا يعود أبدًا، تمسح العرق عن جبينك وتدرك متأخرًا أنك لم تكن تتعامل مع بائع عادي، بل مع الزمن نفسه وهو يتجول في حياتك ويبيعك أيامك قطعةً قطعة حتى لا يتبقى في صندوقه سوى النهاية.
2403
| 26 سبتمبر 2025
في عالم اليوم المتسارع، أصبحت المعرفة المالية ليست مجرد مهارة إضافية، بل ضرورة تمس حياة كل فرد وإذا كان العالم بأسره يتجه نحو تنويع اقتصادي يخفف من الاعتماد على مصدر واحد للدخل، فإن قطر – بما تمتلكه من رؤية استراتيجية – تدرك أن الاستدامة الاقتصادية تبدأ من المدارس القطرية ومن وعي الطلاب القطريين. هنا، يتحول التعليم من أداة محلية إلى بوابة عالمية، ويصبح الوعي المالي وسيلة لإلغاء الحدود الفكرية وبناء أجيال قادرة على محاكاة العالم لا الاكتفاء بالمحلية. التعليم المالي كاستثمار في الاستدامة الاقتصادية القطرية: عندما يتعلم الطالب القطري إدارة أمواله، فهو لا يضمن استقراره الشخصي فقط، بل يساهم في تعزيز الاقتصاد الوطني. فالوعي المالي يساهم في تقليل الديون وزيادة الادخار والاستثمار. لذا فإن إدماج هذا التعليم يجعل من الطالب القطري مواطنا عالمي التفكير، مشاركا في الاقتصاد العالمي وقادرا على دعم قطر لتنويع الاقتصاد. كيف يمكن دمج الثقافة المالية في المناهج القطرية؟ لكي لا يبقى الوعي المالي مجرد شعار، يجب أن يكون إدماجه في التعليم واقعًا ملموسًا ومحاكيًا للعالمية ومن المقترحات: للمدارس القطرية: • حصص مبسطة تدرّب الطلاب على إدارة المصروف الشخصي والميزانية الصغيرة. • محاكاة «المتجر الافتراضي القطري» أو «المحفظة الاستثمارية المدرسية». للجامعات القطرية: • مقررات إلزامية في «الإدارة المالية الشخصية» و»مبادئ الاستثمار». • منصات محاكاة للتداول بالأسهم والعملات الافتراضية، تجعل الطالب يعيش تجربة عالمية من داخل قاعة قطرية. • مسابقات ريادة الأعمال التي تدمج بين الفكر الاقتصادي والابتكار، وتبني «وعيًا قطريًا عالميًا» في آن واحد. من التجارب الدولية الملهمة: - تجربة الولايات المتحدة الأمريكية: تطبيق إلزامي للتعليم المالي في بعض الولايات أدى إلى انخفاض الديون الطلابية بنسبة 15%. تجربة سنغافورة: دمجت الوعي المالي منذ الابتدائية عبر مناهج عملية تحاكي الأسواق المصغرة - تجربة المملكة المتحدة: إدراج التربية المالية إلزاميًا في الثانوية منذ 2014، ورفع مستوى إدارة الميزانيات الشخصية للطلاب بنسبة 60%. تجربة استراليا من خلال مبادرة (MONEY SMART) حسنت وعي الطلاب المالي بنسبة 35%. هذه النماذج تبيّن أن قطر قادرة على أن تكون رائدة عربيًا إذا نقلت التجارب العالمية إلى المدارس القطرية وصياغتها بما يناسب الوعي القطري المرتبط بهوية عالمية. ختاما.. المعرفة المالية في المناهج القطرية ليست مجرد خطوة تعليمية، بل خيار استراتيجي يفتح أبواب الاستدامة الاقتصادية ويصنع وعيًا مجتمعيًا يتجاوز حدود الجغرافيا، قطر اليوم تملك فرصة لتقود المنطقة في هذا المجال عبر تعليم مالي حديث، يحاكي التجارب العالمية، ويجعل من الطالب القطري أنموذجًا لمواطن عالمي التفكير، محلي الجذور، عالمي الأفق فالعالمية تبدأ من إلغاء الحدود الفكرية، ومن إدراك أن التعليم ليس فقط للحاضر، بل لصناعة مستقبل اقتصادي مستدام.
2304
| 22 سبتمبر 2025
في قاعة الأمم المتحدة كان خطاب صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني حفظه الله مشهدا سياسيا قلب المعادلات، الكلمة التي ألقاها سموه لم تكن خطابًا بروتوكوليًا يضاف إلى أرشيف الأمم المتحدة المكدّس، بل كانت كمن يفتح نافذة في قاعة خانقة. قطر لم تطرح نفسها كقوة تبحث عن مكان على الخريطة؛ بل كصوت يذكّر العالم أن الصِغَر في المساحة لا يعني الصِغَر في التأثير. في لحظة، تحوّل المنبر الأممي من مجرد منصة للوعود المكررة والخطابات المعلبة إلى ساحة مواجهة ناعمة: كلمات صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني وضعتهم في قفص الاتهام دون أن تمنحهم شرف ذكر أسمائهم. يزورون بلادنا ويخططون لقصفها، يفاوضون وفودًا ويخططون لاغتيال أعضائها.. اللغة العربية تعرف قوة الضمير، خصوصًا الضمير المستتر الذي لا يُذكر لفظًا لكنه يُفهم معنى. في خطاب الأمير الضمير هنا مستتر كالذي يختبئ خلف الأحداث، يحرّكها في الخفاء، لكنه لا يجرؤ على الظهور علنًا. استخدام هذا الأسلوب لم يكن محض صدفة لغوية، بل ذكاء سياسي وبلاغي رفيع ؛ إذ جعل كل مستمع يربط الجملة مباشرة بالفاعل الحقيقي في ذهنه من دون أن يحتاج إلى تسميته. ذكاء سياسي ولغوي في آن واحد».... هذا الاستخدام ليس صدفة لغوية، بل استراتيجية بلاغية. في الخطاب السياسي، التسمية المباشرة قد تفتح باب الردّ والجدل، بينما ضمير الغائب يُربك الخصم أكثر لأنه يجعله يتساءل: هل يقصدني وحدي؟ أم يقصد غيري معي؟ إنّه كالسهم الذي ينطلق في القاعة فيصيب أكثر من صدر. محكمة علنية بلا أسماء: لقد حول الأمير خطابًا قصيرًا إلى محكمة علنية بلا أسماء، لكنها محكمة يعرف الجميع من هم المتهمون فيها. وهنا تتجلى العبارة الأبلغ، أن الضمير المستتر في النص كان أبلغ حضورًا من أي تصريح مباشر. العالم في مرآة قطر: في النهاية، لم يكن ضمير المستتر في خطاب صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني – حفظه الله - مجرد أداة لغوية؛ بل كان سلاحًا سياسيًا صامتًا، أشد وقعًا من الضجيج. لقد أجبر العالم على أن يرى نفسه في مرآة قطر. وما بين الغياب والحضور، تجلت الحقيقة أن القيمة تُقاس بجرأة الموقف لا باتساع الأرض، وأن الكلمة حين تُصاغ بذكاء قادرة على أن تهز أركان السياسات الدولية كما تعجز عنها جيوش كاملة. فالمخاطَب يكتشف أن المرآة وُضعت أمامه من دون أن يُذكر اسمه. تلك هي براعة السياسة: أن تُدين خصمك من دون أن تمنحه شرف الذكر.
2295
| 25 سبتمبر 2025