رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
عندما نتصور الدولة ككائن حي، يتكون من أعضاء تعمل في تناغم لتحقيق البقاء والتطور، ندرك أن أي خلل في الانسجام الداخلي يهدد وجوده ذاته، ففي زمن تتزايد فيه الدعوات إلى اللامركزية والفيدرالية كحلول سياسية لدول متعددة الأعراق أو الطوائف، تبرز تساؤلات جوهرية: هل تُعد الفيدرالية وسيلة لتعزيز وحدة الدولة أم أنها خطوة نحو التفكك؟ وهل يمكن لدولة غير متجانسة أن تستقر إداريًا دون أن تُصيب بنيتها الوطنية بالتآكل؟
الفلسفة السياسية وتصورها للفيدرالية
في الفلسفة السياسية، لا تُبنى الدولة القوية على مجرد مؤسسات أو حدود مرسومة، بل على قدرة تلك المؤسسات على العمل بتناغم تحت غطاء هوية جامعة. فحين تختلف الهويات، وتتضارب الولاءات، يصبح الجسد السياسي عرضة للتشظي، كما الجسد البيولوجي حين تهاجم خلاياه بعضها بعضًا فيما يُعرف بالداء المناعي الذاتي.
الفيدرالية في ذاتها ليست عيبًا، لكن عندما تكون لها حاجة أو تعددا منفصلا، شرط أن يُضبط هذا التعدد بإطار جامع، الفيدرالية الأمريكية، تكاملت حين بُنيت على أساس المواطنة المشتركة والنظام المؤسساتي القوي، لا على اعتبارات عرقية أو طائفية، وفشلت الكونفدرالية، لكن حين تُمنح الفيدرالية لكيانات وتثار متجسدة صنمية المتباينات، فإنها تصبح وصفة للتفكك وإيقاف التنمية.
الدولة التي يراد لها النجاح وقد خرجت من صراعات أو خُطِّط لها خارجيًا هي التي يُصنع لها “تجانس إداري» راسخ، وليس قوالب بنى تحتية مناسبة وليس وصفة الفيدرالية فعندها تكون الفيدرالية وصفة مفروضة، يُراد منها تقاسم النفوذ والمنافع لا بناء دولة، تضخم ليس مطلوبا في هيكل إداري يسلب واردات التنمية، مع تحول الإقليم إلى كيان شبه مستقل، وتفقد الاتحادية هيبتها، وتنشأ تدريجيًا عقلية «الدولة داخل الدولة»، وهو ما يفتح الباب للنزاعات المزمنة ويفرّغ الدولة من مضمونها لتكون مرابح ومصالح على حساب الاستقرار والمواطن.
إنّ إصلاح الدولة لا يبدأ بمنح صلاحيات خاصة للمحيط أو لفئات، بل بتقوية الاتحادية بمشروع وطني يُقنع الجميع بأنه الضامن العادل للجميع، التجانس لا يأتي بالقهر، بل التشارك في المصير والمصلحة، وفي ظل ذلك، يمكن للفيدرالية أن تكون ناجعة، أما إذا غابت هذه النواة، فإن أي شكل إداري — ولو بدا عادلاً — قد يتحول إلى مدخل للتفتت واستنزاف الموارد، فليس عقلا أن يكون الجهاز الإداري متفرعا متضخما ولا إنتاجية تستدعي ذلك مجرد قالب اختير لإرضاء الأطراف والمنافع؛ فتُمنح الأقاليم صلاحيات واسعة بمسمى «العدالة»، لكنها في الواقع تُستخدم لبناء جزر سلطوية معزولة، تُربّى فيها نخب محلية ترى نفسها بديلاً عن الدولة، لا جزءًا منها، عندما الولاء يتوزع بين الطائفة، العِرق، والمتصدر المحلي فلن تكون أمة ولا دولة، دواوين ومجالس لا حاجة لها وتحاول أن تجد لها وظيفة فتعرقل التنمية التي هي احد مستنزفي مواردها ومنفذ لتلاقح الفساد الإداري على الأقل.
غياب التجانس، وخصوصًا غياب مشروع وطني جامع، يُسهم في فوضى الإدارة والثقافة وإحساس الظالم والمظلوم بالظلم، ففي المدن، لا نحتاج إلى مجالس منتخبة من ممثلي الأحزاب بل مجلس للإعمار والخدمات وهذا ممكن أن يكون من موظفي الدولة للتنسيق مع دوائر المحافظة وتسهيل مهمة الدائرة الهندسية مثلا فيها وهكذا.
نحن أمام مفارقة: الدولة الحديثة بحاجة إلى قدر من المرونة لتستوعب التعدد، واستيعاب التعدد ليس بإعطاء نفوذ لمتصدر أو حزب أو تعميم معنى السلطة على الهياكل الإدارية للبلد لأننا نحتاج إلى نواة صلبة من الهوية والانضباط المؤسسي حتى لا تتحول فكرة المرونة إلى فوضى، هذه النواة يمكن أن تكون فكرة دستورية كالتي طرحت هنا جعل المجالس المحلية من موظفي الدولة وتعزيز فاعلية دوائر المحافظات، والاهم هو القانون المناسب لضبط السلوك واستنهاض الكينونة التي جرى تمزيقها.
خلاصات:
ليس نظريًا، بل عمليا، الدول التي نجحت في الفيدرالية كانت قد حسمت هويتها الوطنية أولًا، ثم وزّعت السلطات كنظام لا مركزي لسعة الأرض أو فيدرالية مهام، أما الدول التي بدأت بالتوزيع قبل الحسم، فقد غرقت في النزاعات حتى تدرك أن الفيدرالية صيغة اتحاد إدارية ليست أيديولوجيا وعندما تؤدلج تكون صيغة متحد لافتراق وبالتالي عدم استقرار وصراعات.
إن التجانس الوطني، الإداري والثقافي، ليس ترفًا، بل أساس وجود، فأنت لا يمكن أن تقيم دولة تقوم على أساس رفض الآخر أو احتقاره أو كراهية بين الأطياف وعصبيات مثارة، ناهيك عن شرعنة عرفية للفساد.
الإصلاح والتمكين لن يأتي بالتمايز والاستقطاب أو تعال سخيف يظنه الجاهل مظهرا للتمكين، فهذا جهل وتخلف، بل بالمحبة والاستيعاب، والغاية هي البناء الذي هو بناء هوية الأمة ولا نعني بناء ناطحات السحاب بلا هوية، أما تقسيم الولاءات وغنى طبقة بزعمها الدفاع عن فئة فهذا ليس مستديما منطقا وان طال الزمن وجهَّلت واستعمرت الأدمغة، نحن أمام سؤال تفرضه ولادة عسرة ويحتضر جنينها، هل سنسلك الحكمة أم كما يقال «انكسرت الجرة وتفرق أبناء الحرة».
تحسبونــه هينا وهو عند الله عظيم
وصلت صباحا وكلي همة وتفكير من أين سوف أبدأ، فإذا بي أدخل المكتب وأجد مكتب زميلتي ليس على... اقرأ المزيد
24
| 17 ديسمبر 2025
قطر.. قصة وطن يتألّق في يومه الوطني
في الثامن عشر من ديسمبر من كل عام، تكون دولة قطر على موعدٍ مع ذاكرتها الوطنية، وتفتح صفحات... اقرأ المزيد
33
| 17 ديسمبر 2025
1878.. الفَيصَل
في الثامن عشر من ديسمبر من كل عام، تستعيد دولة قطر لحظة مفصلية في تاريخها الحديث؛ ففي 18... اقرأ المزيد
30
| 17 ديسمبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية



مساحة إعلانية
لم يكن خروج العنابي من بطولة كأس العرب مجرد خيبة رياضية عابرة، بل كانت صدمة حقيقية لجماهير كانت تنتظر ظهوراً مشرفاً يليق ببطل آسيا وبمنتخب يلعب على أرضه وبين جماهيره. ولكن ما حدث في دور المجموعات كان مؤشراً واضحاً على أزمة فنية حقيقية، أزمة بدأت مع اختيارات المدرب لوبيتيغي قبل أن تبدأ البطولة أصلاً، وتفاقمت مع كل دقيقة لعبها المنتخب بلا هوية وبلا روح وبلا حلول! من غير المفهوم إطلاقاً كيف يتجاهل مدرب العنابي أسماء خبرة صنعت حضور المنتخب في أكبر المناسبات! أين خوخي بوعلام و بيدرو؟ أين كريم بوضياف وحسن الهيدوس؟ أين بسام الراوي وأحمد سهيل؟ كيف يمكن الاستغناء عن أكثر اللاعبين قدرة على ضبط إيقاع الفريق وقراءة المباريات؟ هل يعقل أن تُستبعد هذه الركائز دفعة واحدة دون أي تفسير منطقي؟! الأغرب أن المنتخب لعب البطولة وكأنه فريق يُجرَّب لأول مرة، لا يعرف كيف يبني الهجمة، ولا يعرف كيف يدافع، ولا يعرف كيف يخرج بالكرة من مناطقه. ثلاث مباريات فقط كانت كفيلة بكشف حجم الفوضى: خمسة أهداف استقبلتها الشباك مقابل هدف يتيم سجله العنابي! هل هذا أداء منتخب يلعب على أرضه في بطولة يُفترض أن تكون مناسبة لتعزيز الثقة وإعادة بناء الهيبة؟! المؤلم أن المشكلة لم تكن في اللاعبين الشباب أنفسهم، بل في كيفية إدارتهم داخل الملعب. لوبيتيغي ظهر وكأنه غير قادر على استثمار طاقات عناصره، ولا يعرف متى يغيّر، وكيف يقرأ المباراة، ومتى يضغط، ومتى يدافع. أين أفكاره؟ أين أسلوبه؟ أين بصمته التي قيل إنها ستقود المنتخب إلى مرحلة جديدة؟! لم نرَ سوى ارتباك مستمر، وخيارات غريبة، وتبديلات بلا معنى، وخطوط مفككة لا يجمعها أي رابط فني. المنتخب بدا بلا تنظيم دفاعي على الإطلاق. تمريرات سهلة تخترق العمق، وأطراف تُترك بلا رقابة، وتمركز غائب عند كل هجمة. أما الهجوم، فقد كان حاضراً بالاسم فقط؛ لا حلول، لا جرأة، لا انتقال سريع، ولا لاعب قادر على صناعة الفارق. كيف يمكن لفريق بهذا الأداء أن ينافس؟ وكيف يمكن لجماهيره أن تثق بأنه يسير في الطريق الصحيح؟! الخروج من دور المجموعات ليس مجرد نتيجة سيئة، بل مؤشر مخيف! فهل يدرك الجهاز الفني حجم ما حدث؟ هل يستوعب لوبيتيغي أنه أضاع هوية منتخب بطل آسيا؟ وهل يتعلم من أخطاء اختياراته وإدارته؟ أم أننا سننتظر صدمة جديدة في استحقاقات أكبر؟! كلمة أخيرة: الأسئلة كثيرة، والإجابات حتى الآن غائبة، لكن من المؤكّد أن العنابي بحاجة إلى مراجعة عاجلة وحقيقية قبل أن تتكرر الخيبة مرة أخرى.
2328
| 10 ديسمبر 2025
في عالمٍ يزداد انقسامًا، وفي إقليم عربي مثقل بالتحزّبات والصراعات والاصطفافات، اختارت قطر أن تقدّم درسًا غير معلن للعالم: أن الرياضة يمكن أن تكون مرآة السياسة حين تكون السياسة نظيفة، عادلة، ومحلّ قبول الجميع واحترام عند الجميع. نجاح قطر في استضافة كأس العرب لم يكن مجرد تنظيم لبطولة رياضية، بل كان حدثًا فلسفيًا عميقًا، ونقلاً حياً ومباشراً عن واقعنا الراهن، وإعلانًا جديدًا عن شكلٍ مختلف من القوة. قوة لا تفرض نفسها بالصوت العالي، ولا تتفاخر بالانحياز، ولا تقتات على تفتيت الشعوب، بل على القبول وقبول الأطراف كلها بكل تناقضاتها، هكذا تكون عندما تصبح مساحة آمنة، وسطٌ حضاري، لا يميل، لا يخاصم، ولا يساوم على الحق. لطالما وُصفت الدوحة بأنها (وسيط سياسي ناجح ) بينما الحقيقة أكبر من ذلك بكثير. الوسيط يمكن أن يُستَخدم، يُستدعى، أو يُستغنى عنه. أما المركز فيصنع الثقل، ويعيد التوازن، ويصبح مرجعًا لا يمكن تجاوزه. ما فعلته قطر في كأس العرب كان إثباتاً لهذه الحقيقة: أن الدولة الصغيرة جغرافيًا، الكبيرة حضاريًا، تستطيع أن تجمع حولها من لا يجتمع. ولم يكن ذلك بسبب المال، ولا بسبب البنية التحتية الضخمة، بل بسبب رأس مال سياسي أخلاقي حضاري راكمته قطر عبر سنوات، رأس مال نادر في منطقتنا. لأن البطولة لم تكن مجرد ملاعب، فالملاعب يمكن لأي دولة أن تبنيها. فالروح التي ظهرت في كأس العرب روح الضيافة، الوحدة، الحياد، والانتماء لكل القضايا العادلة هي ما لا يمكن فعله وتقليده. قطر لم تنحز يومًا ضد شعب. لم تتخلّ عن قضية عادلة خوفًا أو طمعًا. لم تسمح للإعلام أو السياسة بأن يُقسّما ضميرها، لم تتورّط في الظلم لتكسب قوة، ولم تسكت عن الظلم لتكسب رضا أحد. لذلك حين قالت للعرب: حيهم إلى كأس العرب، جاؤوا لأنهم يأمنون، لأنهم يثقون، لأنهم يعلمون أن قطر لا تحمل أجندة خفية ضد أحد. في المدرجات، اختلطت اللهجات كما لم تختلط من قبل، بلا حدود عسكرية وبلا قيود أمنية، أصبح الشقيق مع الشقيق لأننا في الأصل والحقيقة أشقاء فرقتنا خيوط العنكبوت المرسومة بيننا، في الشوارع شعر العربي بأنه في بلده، فلا يخاف من رفع علم ولا راية أو شعار. نجحت قطر مرة أخرى ولكن ليس كوسيط سياسي، نجحت بأنها أعادت تعريف معنى «العروبة» و»الروح المشتركة» بطريقة لم تستطع أي دولة أخرى فعلها. لقد أثبتت أن الحياد العادل قوة. وأن القبول العام سياسة. وأن الاحترام المتبادل أكبر من أي خطاب صاخب. الرسالة كانت واضحة: الدول لا تُقاس بمساحتها، بل بقدرتها على جمع المختلفين. أن النفوذ الحقيقي لا يُشترى، بل يُبنى على ثقة الشعوب. أن الانحياز للحق لا يخلق أعداء، بل يصنع احترامًا. قطر لم تنظّم بطولة فقط، قطر قدّمت للعالم نموذج دولة تستطيع أن تكون جسرًا لا خندقًا، ومساحة لقاء لا ساحة صراع، وصوتًا جامعًا لا صوتًا تابعًا.
804
| 10 ديسمبر 2025
هناك ظاهرة متنامية في بعض بيئات العمل تجعل التطوير مجرد عنوان جميل يتكرر على الورق، لكنه لا يعيش على الأرض (غياب النضج المهني) لدى القيادات. وهذا الغياب لا يبقى وحيدًا؛ بل ينمو ويتحوّل تدريجيًا إلى ما يمكن وصفه بالتحوّذ المؤسسي، حالة تبتلع القرار، وتحدّ من المشاركة، وتقصي العقول التي يُفترض أن تقود التطوير. تبدأ القصة من نقطة صغيرة: مدير يطلب المقترحات، يجمع الآراء، يفتح الباب للنقاش… ثم يُغلقه فجأة. يُسلَّم له كل شيء، لكنه لا يعيد شيئًا، مقترحات لا يُرد عليها، أفكار لا تُناقش، وملاحظات تُسجَّل فقط لتكملة المشهد، لا لتطبيقها. هذا السلوك ليس مجرد إهمال، بل علامة واضحة على غياب النضج المهني في إدارة الحوار والمسؤولية. ومع الوقت، يصبح هذا النمط قاعدة: يُطلب من المختصين أن يقدموا رؤاهم، لكن دون أن يكونوا جزءًا من القرار. يُستدعون في مرحلة السماع، ويُستبعدون في مرحلة الفعل. ثم تتساءل القيادات لاحقًا: لماذا لا يتغير شيء؟ الجواب بسيط: التطوير لا يتحقق بقرارات تُصاغ في غرف مغلقة، بل بمنظومة تشاركية حقيقية. أحد أكثر المظاهر خطورة هو إصدار أنظمة تطوير بلا آلية تنفيذ، تظهر اللوائح كأحلام مشرقة، لكنها تُترك دون أدوات تطبيق، ودون تدريب، ودون خط سير واضح. تُلزم بها الجهات، لكن لا أحد يعرف “كيف”، ولا “من”، ولا “متى”. وهنا، يتحول النظام إلى حِمل إضافي بدل أن يكون حلاً تنظيميًا. في كثير من الحالات، تُنشر أنظمة جديدة، ثم يُترك فريق العمل ليخمن طريقة تطبيقها، وعندما يتعثر التطبيق، يُحمَّل المنفذون المسؤولية وتصاغ خطابات الإنذار. هذا المشهد لا يدل فقط على غياب النضج المهني، بل على عدم فهم عميق لطبيعة التطوير المؤسسي الحقيقي. ثم يأتي الوجه الأوضح للخلل: المركزية المفرطة، مركزية لا تُعلن، لكنها تُمارس بصمت. كل خطوة تحتاج موافقة عليا، كل فكرة يجب أن تُصفّى، وكل مقترح يمر عبر «فلترة» شخصية، لا منهجية. في هذا المناخ، يفقد الناس الرغبة في المبادرة، لأن المبادرة تصبح مخاطرة، لا قيمة. وهنا تتحول المركزية تدريجيًا إلى تحوّذ مؤسسي كامل. القرار محتكر. المبادرات محجوزة. المعرفة مقيّدة. والنظام الإداري يُدار بعقلية الاستحواذ، لا بعقلية التمكين. التحوّذ المؤسسي هو الفخ الذي تقع فيه الإدارات حين يغيب عنها النضج. يبدأ من عقلية مدير، ثم ينتقل إلى أسلوب إدارة، ثم يتحول إلى ثقافة صامتة في المؤسسة. والنتيجة؟ - تجميد للأفكار. - هروب للعقول. - فقدان للروح المهنية. - تطوير شكلي لا يترك أثرًا. أخطر ما في التحوّذ أنه يرتدي ثياب التنظيم والجودة واللوائح، بينما هو في جوهره خوف مؤسسي من المشاركة، ومن نجاح الآخرين، ومن توزيع الصلاحيات. القيادة غير الناضجة ترى الأفكار تهديدًا، وترى الكفاءات منافسة، وترى التغيير خطرًا، لذلك تفضّل أن تُبقي كل شيء في يدها حتى لو تعطلت المؤسسة بأكملها. القيادة الناضجة لا تعمل بهذه الطريقة. القيادة الناضجة تستنير بالعقول، لا تستبعدها. تسأل لتبني، لا لتجمّل المشهد. تُصدر القرار بعد فهم كامل لآلية تطبيقه. وتعرف أن التطوير المؤسسي الحقيقي لا يقوم على السيطرة، بل على الثقة، والتفويض، والوضوح، وبناء أنظمة تعيش بعد القائد لا معه فقط. ويبقى السؤال الذي يجب أن يُطرح بصراحة لا تخلو من الجرأة: هل ما نراه هو تطوير مؤسسي حقيقي… أم تحوّذ إداري مغطّى بشعارات التطوير؟ المؤسسات التي تريد أن ترتقي عليها أن تراجع النضج المهني لقياداتها قبل أن تراجع خططها، لأن الخطط يمكن تعديلها… لكن العقليات هي التي تُبقي المؤسسات في مكانها أو تنهض بها.
702
| 11 ديسمبر 2025