رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

محمد القدوسي

محمد القدوسي

مساحة إعلانية

مقالات

1651

محمد القدوسي

شعراء في البيت الأبيض

06 أغسطس 2014 , 01:28ص

الشعر هو فن رثاء ضعف الإنسان والتغني بنواقصه، هو التعبير عن أشواق إنسانية، سحرها في أنها لا تصل إلى غايتها أبدا. فأي أشواق ونواقص يمكن أن يجيش بها صدر "رئيس الولايات المتحدة الأمريكية" وينطق بها لسانه؟ أي ضعف جادت به قريحة الرئيس الأمريكي ـ الذي يوصف بـ"أقوى رجل في العالم" ـ حتى تلاه شعرا؟

في قافلة سكان البيت الأبيض يمكننا أن نميز ستة شعراء أصبحوا رؤساء، أو ستة رؤساء استهواهم الشعر، واختلفت حظوظهم فيه، ولم لا؟ كما اختلفت في ساحة السياسة وحسابات الثروة وشارات المجد.

ستة بينهم "أبو الأمة" توماس جيفرسون، و"أبو الدستور" جيمس ماديسون، و"محرر العبيد" أبراهام لنكولن. وبينهم أيضا جون تايلر، رئيس الصدفة الذي لم يفز فى انتخابات أبدا، والوحيد الذي تخلى عنه حزبه وهجره وزراؤه وهو في السلطة، والذي عرض نفسه على الأحزاب فأبته كلها، رئيس هامشي يضعه التاريخ والمواطن الأمريكي في مرتبة شديدة التأخر بين سكان البيت الأبيض، لكن الشعر ينصفه ويضعه في مكانة متميزة على رأس ستة الشعراء الرؤساء.

ومن الملحوظات التي نسجلها على "شعراء البيت الأبيض" أن خمسة منهم جاءوا في القرن التاسع عشر، هم: جيفرسون، ماديسون، أدامز الابن، تايلر، لنكولن.

وواحد وحيد جاء قرب نهاية القرن العشرين، وبعد نحو 115 سنة من رحيل لنكولن، هو جيمي كارتر.

وثانية الملحوظات، أن الشعراء لا يطيلون المكث في البيت الأبيض، إذ لم يبق منهم لدورتين رئاسيتين إلا جيفرسون وماديسون، وقد كانا من آباء الأمة وقادة الثورة وواضعي الدستور والشعار الأمريكي، وهو تراث ورصيد يفسر ما حظيا به من ميزة البقاء الاستثنائي لمدة أطول. أما "جون كوينسي أدامز" و"جيمي كارتر" فكلاهما حكم لفترة واحدة غادر بعدها البيت الأبيض، الأول على يد "أندرو جاكسون" والثاني على يد "رونالد ريغان". وكذلك حكم "أبراهام لنكولن" فترة واحدة، إذ حرمته يد الاغتيال من التمتع بفترته الثانية حين امتدت لتنهي حياته بعد شهر واحد من بداية تلك الفترة، وكانت "الحرب الأهلية" قد حرمت "لنكولن" من التمتع بفترته الأولى، إذ اندلعت الحرب بعد شهر واحد من بداية حكمه، لتصبح ولايات الجنوب خارج سلطة الدولة الاتحادية ورئيسها. ويبقى "جون تايلر"، أقلهم حظا، الذي حكم لفترة واحدة إلا قليلا، إذ كان أول نائب يستكمل فترة حكم الرئيس بعد وفاته.

وعلى صعيد "الأداء الفني" نلاحظ أننا نقف ـ بحكم الزمن ـ بين اتجاهين، الأول يمثله الشعراء الخمسة الأوائل، على تفاوت حظهم من الإجادة، من "تايلر" الأكثر عذوبة وتجديدا، إلى "أدامز" الذي يكتب كأنه ينحت في صخر، ومن ماديسون الساخر الصريح، إلى لنكولن الساذج البسيط. لكن الخمسة ـ وبشيء من التبسيط غير المخل ـ أبناء اتجاه واحد، يكتب الشعر "الموزون المقفى". أما الاتجاه الثاني ـ ويمثله "كارتر" وحده ـ فاتجاه نثري، تغيب قوافيه وأوزانه، ويغلب عليه التأمل واستبطان الذات. ولا أخفيكم أنني عانيت مع "جلاميد" أدامز، وفي المقابل استمتعت بشعر كارتر. ومنتبها إلى الفرق في تعاملي مع الشاعرين قلت لنفسي ـ وها أنا أقول لكم ـ إنها "العولمة" إذا. العولمة في مسيرتها من نقطة بعيدة لم تكن فيها شيئا مذكورا، عند مطلع القرن التاسع عشر، ثم عند اكتمال بشاراتها وبداية بزوغها قرب نهاية القرن العشرين. العولمة التي تلغي حدود المكان، وتتوقع رد فعل متماثل ـ أو متقارب ـ للمؤثر الواحد بغض النظر عن الاختلافات الجغرافية. وفي سبيل تحقيق هذا الهدف راحت تتخلص من "مقومات الخصوصية" المرتبطة باللغة ـ روحها وزخرفها ـ وبالتراث ـ سحره وأطره ـ وتحافظ على فكرة مجردة، أقرب إلى الحقائق العلمية والمعادلات الرياضية، لتكون قادرة على إحداث الأثر نفسه في الجماعات البشرية المختلفة.

مساحة إعلانية