رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

علي المسعودي

مساحة إعلانية

مقالات

297

علي المسعودي

دمشق.. عودة الحياة للذاكرة الثقافية

06 يوليو 2025 , 07:00ص

كأنَّ دمشق تُعيد ضبط نبضها على إيقاع الروح، وكأنّها بعدما أنهكتها المحن، تتنفس بيتًا من الشعر فيرتدّ لها صوت الحياة.

فقد فقدت دمشق في العقود الأخيرة، شيئًا فشيئًا وهجها التنويري الذي طالما تفرّدت به في التاريخ العربي، حين كانت منارة للفكر والأدب، ومجالًا رحبًا للجدل الفلسفي والشعر الحرّ والمسرح النابض بالحياة. لكن ذلك الألق انطفأ تدريجيًا حين حوّل النظام البائد الثقافة إلى أداة دعائية، لا تبحث عن الحقيقة بل تصنع صنمًا للسلطة. لم يعد الكتاب فعل حرية، بل وثيقة ولاء؛ ولم يعد المسرح سؤالًا مفتوحًا، بل مشهدًا مصمَّمًا لخدمة خطاب طائفي موجه.

حتى وصلت الحالة الثقافية إلى شبه موت سريري، حيث زُرعت ثقافة منحرفة تُزيِّن وجه الطغيان وتُشوّه كل ما هو تنويري. أُقصي المفكرون، وحوصرت التجارب الجريئة، وسُمِح فقط لمن يُجيدون فن التهليل بالبقاء. هكذا تحوّلت دمشق – التي أنجبت عباقرة الشعر – إلى مدينة بلا أسئلة، تلهث خلف فعاليات شكلية، بينما الجوهر الثقافي الحقيقي كان يُسحق تحت وطأة الأمن والمخابرات والطائفية المبطّنة.

وعلى منابر الثقافة، عادت القصائد تطرق أبواب الذاكرة، وتعلن على الملأ أن سوريا التي أنجبت أبا تمام والمعري ونزار قباني، لا تموت.

ففي واحدة من أجمل أمسيات العام، نظّمت وزارة الثقافة السورية أمسية شعرية استثنائية للشاعرين أنس الدغيم وحذيفة العرجي، فغصّت القاعة بالحضور، وجاء الناس من أطياف متعددة، يسبقهم شوقهم إلى القصيدة، وتعطّشهم لحضور أدبي يروي أرواحًا أنهكتها الأخبار، وأضناها الصمت. لم تكن مجرّد فعالية، بل كانت احتفالًا بعودة الكلمة إلى مكانها الطبيعي، فوق المنصات، في العلن، وبحضور كثيف يفيض شوقًا للغة، للوجدان، وللوطن.

سمعت إحدى الحاضرات تقول: هذه القصائد كنا في السابق نهمسها همساً حتى لا يسمعنا أحد، لأن تناقلها يعتبر جريمة ضد النظام، وها نحن اليوم نصدح بها ونصفق لها.

لقد دار الزمن دورته إلى الجانب المشرق من الحياة..

لم تكن الأمسية مجرد عرض فني بل كانت فعلاً ثقافيًا واعيًا، حرّك سكون الساحة وأعاد وهج الشعر إلى الصدارة. هذه المبادرة التي استقبلها جمهور نوعي وكثيف، لم تأتِ من فراغ، بل كانت حصيلة إدراك عميق لقيمة الإبداع في زمن يبحث عن صوتٍ يليق بالوجدان العربي.

لقد جسّد وزير الثقافة السوري الأستاذ محمد ياسين صالح، من خلال هذه المبادرة، رؤية جديدة تنأى بالوزارة عن الدور البروتوكولي الجامد، نحو موقعها الطبيعي كمحرك للوعي وحاضن للمواهب. فدعمه للأمسية لم يقتصر على الإشراف والتنظيم، بل تجلّى في حشد الطاقات لإنجاحها، وتوفير المساحة اللازمة لعودة الكلمة إلى منصاتها، في زمن كثرت فيه الضوضاء وقلّ فيه النُطق بالشعر الرفيع. حضور الشاعرين الدغيم والعرجي — بما يحملانه من تجربة وجدانية راسخة وتجربة نضال قاسية — أكد أن الكلمة ما زالت قادرة على أن تجمع الناس وتوقظ ما تراكم من غبار على الروح.

لقد أعادت وزارة الثقافة بهذه الخطوة الثقة إلى الأوساط الأدبية، وأسهمت في كسر سنوات من التراجع والجمود الثقافي الذي فرضته ظروف التشريد التي مرت بها البلاد. فإحياء الأمسيات، ودعم الشعراء، وبعث اللقاءات الإبداعية، ليست مجرد فعاليات موسمية، بل هي بداية استعادة دور الثقافة كقوة ناعمة تنهض بالمجتمع وتمنحه مناعته الفكرية والوجدانية. وما هذه الأمسية وما سبقها وما تلاها من فعاليات مكثفة ومتنوعة ونوعيّة إلا قصيدة أولى في ديوان العودة السورية إلى الحضور الثقافي العربي.

اقرأ المزيد

alsharq انتهاء الحرب وتوازن الردع

في مشهد درامي يعكس تحوّلاً تاريخيًا في مسار الصراع الفلسطيني مع الكيان الصهيوني، أعلنت حركة حماس التوصل إلى... اقرأ المزيد

108

| 12 أكتوبر 2025

alsharq إدارة ترامب تُعمّق علاقتها الإستراتيجية مع دولة قطر

قدمت وأوضحت في مقالي في الشرق الأسبوع الماضي: دلالات وأهمية قرار الرئيس ترامب الشراكة الأمنية مع دولة قطر... اقرأ المزيد

252

| 12 أكتوبر 2025

alsharq قطر عنوان الدبلوماسية الهادئة

في زمنٍ تتنازع فيه القوى الإقليمية والدولية على النفوذ السيادي وتغيب فيه لغة العقل أمام صخب المصالح تبرز... اقرأ المزيد

162

| 12 أكتوبر 2025

مساحة إعلانية