رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

د. بثينة محمد الجناحي

مساحة إعلانية

مقالات

4939

د. بثينة محمد الجناحي

المشهد الثقافي: بين الماضي والحاضر

06 أبريل 2021 , 02:00ص

الوقوف عند الماضي والتغني على حقبة سابقة، أجدها من السرديات التي لا تساهم في عملية الإصلاح الثقافي المتجدد. أجد الاختصار في جملة واضحة ومباشرة، أفضل بكثير من اللف والدوران خلال الجلسات النقاشية البناءة على استرجاع ذكريات سابقة من الصعب إعادتها بنفس الإطار الزمني والإنساني الذي بنى من خلاله الانسان مسيرته الاجتماعية وعكس على نفسه هوية وثقافة ما. لذلك، عندما نتحدث عن المشهد الثقافي في دولة قطر، من المفترض أن لا تكون المشاعر متجمدة في ترانيم "الله يا عمري قطر" فقط ( على سبيل المثال) والتي تحد من تقبل أي عمل آخر بطابعه الحديث للتعبير عن الوطنية. بلا شك، بأن ابداع الموسيقار عبدالعزيز ناصر رحمه الله ساهم في إثراء المشاعر الوطنية المخلصة عند جيل بالكامل وأجيال تبعتها بالتأكيد، حيث عكس الجانب الثقافي والحس الوطني بحسب الزمان والمكان والنطاق المعيشي المعتمد بين المجتمع.

الأمر الطبيعي أننا نربط الانتماء من خلال عملية استرجاع التاريخ والذكريات، وارتباطنا بالتاريخ بطريقة يصعب علينا أحيانا الخروج منه إلى حقبة معاصرة أكثر. أما ما هو غير طبيعي، التغني على الماضي وكأن الماضي الممثل الزمني والإطار المفاهيمي المعتمد للثقافة لأجيال مستقبلية يفصلها عند الحقب السابقة كم من المخزون الثقافي عبر المسيرة الاجتماعية. وهنا يكمن الخلل فعلياً، الربط بالماضي وعدم القدرة على التوسع في المفهوم نحو المستقبل وما تقتضيه الحاجة الوطنية الجديدة لاكتساب مفهوم متجدد قادر أن يعكس الإمكانيات والفرص المتاحة لمواطن اليوم للتعبير، كما كان يعبر الجيل السابق بتلك الأغاني التي ترمز للوطن وبتلك الشخصيات التي ترمز للثقافة.

لم يعاصر الجيل الحالي الحقبة السابقة، ولا الحقبة السابقة عاصرت وتقبلت الجيل الحالي. وذلك لا يعني في واقع الأمر بأن عدم التقبل هذا يحتم علينا التقيد بالمفهوم الثقافي وتضييق تعريفه على زمن معين وبين شخصيات وأغانٍ معينة. فأنا لست انعكاساً كاملاً لما كان عليه المواطن في السابق، مواطن اليوم يعاصر الحداثة والفرص المتاحة باختلاف منافذها. أما مواطن الأمس فاختلفت لديه تلك الفرص وعاصر الحداثة بحسب تلك الحقبة وما أتيحت له من إمكانيات. أليس الأمر بطبيعي؟ ألا يكون للمفهوم الثقافي حدود ولا يلتزم بالتعايش مع جيل عن آخر! لذلك، علينا أن نتقدم حتى عندما نتحاور ونتناقش في المواضيع التي تحدنا على الرجوع للوراء. إذ علينا قياس مدى فائدة الوراء وانعكاسه على مصلحة اليوم. هل أستطيع أن أسترجع الماضي الثقافي، بطابع وطني بسيط في زمن اليوم بأساليبه المتقدمة وبمشروع الانسان المتجدد!.

الثقافة ليست حكراً على أحد، كما هي ليست حكراً على زمن معين. فلو كان العصر الذهبي ذهبيا بالفعل لتمكن أن يكون تأثيره مباشرا حتى على زمن اليوم باختلاف وسائطه الثقافية. إنما ينبغي أن نرى الأريحية في المفهوم الثقافي الذي يتيح لنا أن نحدد نوعية الزمان الذي نمر فيه وبحسب إمكانياته الثقافية التي تقدم لمواطن اليوم من أدوات التعبير وفرص الابداع وتعكس اهتماماته واكتشاف إمكانياته. من هنا، نستطيع أن نعتبر الثقافة ككائن الأميبا المتأقلم، الخلية التي بإمكانها أن تتعايش في البيئة الملائمة لها. الملائمة في هذا الحال لا تقف في عصر واحد وعند انتماء لوسائط فنية معينة.

فالمشهد الثقافي اليوم قادر أن يكتسب الصدى الواسع ليس فقط على الصعيد المؤسسي لعملية الإنتاج والابداع الثقافي والفني. إنما هو قادر أن يكون جزءاً من إمكانيات أفراد وقطاع خاص يعملون سوياً في تعزيز إمكانيات الانسان المبدع من حيث تمكين الأدوات التي تساهم في مسألة الانتماء والتعبير لمشهد ثقافي معاصر متأقلم بشكل كبير مع ظروف وبيئة الإنسان المحيطة.

[email protected]

مساحة إعلانية