رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
سؤال برسم الجواب: هل الانتفاضة قادمة؟
منذ زمن طويل ونحن نبشر بأن الانتفاضة الثالثة قادمة، لأن ممارسات الاحتلال وأساليبه القمعية تستفز الحجر، كما أن تعديات مستوطنيه وتعمد تدنيسهم للمقدسات أوصلت الفلسطينيين لحالة من الغليان والرغبة في الانتقام غير مسبوقة، ولكن واقع الحال القائم في فلسطين والمنطقة من حيث الانقسام والصراعات الدامية لا يشجع بما فيه الكفاية للتحرك والنهوض، وهذا لاعتبارات أوردها الأستاذ هاني المصري في النقاط التالية:
أولاً) عدم وجود قيادة للانتفاضة، فالرئيس أبو مازن أعلن - مراراً وتكراراً - معارضته لاندلاع انتفاضة جديدة، وعبَّر هذا الموقف عن نفسه من خلال منع العديد من المظاهرات، وأي شكل من أشكال الاحتكاك بين قوات الاحتلال وقطعان المستوطنين في مناطق سيطرة السلطة، ودعا مؤخراً إلى التهدئة في القدس التي تشهد تصعيدًا إسرائيلياً غير مسبوق. ولعل هذا الأمر، يفسر لماذا تشهد المناطق غير الخاضعة للسلطة مثل القدس مواجهات أقوى وأعمق من غيرها.
ثانياً) لعب الانقسام دوراً أساسياً في عدم اندلاع انتفاضة جديدة، كما لعب تعدد القيادات والمرجعيات والاستراتيجيات دوراً مهماً في الحؤول دون تحقيق الانتفاضات السابقة أهدافها، إضافة إلى أن الخلاف حول أهداف الانتفاضة وأشكال النضال المناسبة (سلميّة أو مسلحة) يلعب دورًا في تأخير اندلاع الانتفاضة.
ثالثًا) عدم تحقيق الانتفاضات السابقة لأهدافها برغم البطولات الأسطوريّة والتضحيات الغالية، وانتهاؤها إلى حالة من الفوضى والفلتان الأمني، يجعل الشعب يخشى من الانتفاضة وغير واثق من انتصارها، فالانتفاضات الكبرى يحركها الأمل والثقة بالانتصار أكثر ما يحركها اليأس والإحباط، وإذا أضفنا إلى ما سبق نشوء طبقة ما بعد أوسلو التي ازدادت نفوذًا وثروة، أصبح من مصلحتها عدم اندلاع الانتفاضة وعدم انتصارها إذا اندلعت، ووقوع ثمار "السلم والحرب" في بطنها يجعل الشعب يفكر أكثر من مرة قبل الانتفاض مجددًا، إلا إذا جاءت الانتفاضة ردة فعل على تصعيد عدواني لا يتحمله الإنسان الفلسطيني كما يجري حاليًا في القدس.
رابعاً) إن التغييرات العاصفة التي تشهدها المنطقة وما انتهت إليه من حروب داخليّة وطائفيّة ومذهبيّة تهدد في تفتيت - وحتى تقسيم - عدة بلدان عربيّة، تلعب دوراً في عدم إقدام الشعب الفلسطيني على الانتفاضة، لأنه يدرك أهميّة البعد العربي والإقليمي والدولي للقضيّة الفلسطينيّة ولمناصرة كفاح الشعب الفلسطيني لتحقيق أهدافه في تقرير المصير والعودة والاستقلال.
بصراحة، إن حسابات السلطة الفلسطينية والرئيس أبو مازن تختلف 180 درجة مع رغبات الشارع بالضفة الغربية وفصائله الوطنية والإسلامية في التصعيد والمواجهة، ولذلك نشهد محاولات الأجهزة الأمنية العمل - دائماً - على تهدئة الأوضاع، وقمع أي تحركات ومظاهر احتجاجية ضد الاحتلال بكل الوسائل السلمية والعنفية.
نتنياهو.. انقلاب السحر على الساحر
منذ أن بدأ يصعد نجم نتنياهو في الثمانينيات كدبلوماسي، ثم كرئيس للوزراء في التسعينيات، وحلفاء إسرائيل في الدول الغربية يتابعون أداءه السياسي، من حيث التزامه بالعهود والمواثيق مع الفلسطينيين ودول الجوار، ويبدو اليوم أن الكثيرين في دول الاتحاد الأوروبي قد فقدوا الثقة به، فهو بالنسبة لهم الآن ليس أكثر من كذَّاب أشر، ورجل يمتهن الدجل السياسي، ويعمل على التقرب من المستوطنين بهدف كسب أصواتهم، فكل ما يعنيه هو أن يبقى في السلطة إلى يوم يبعثون.
لذلك، فإن التوجه العام في الدول الغربية أن هذا الرجل لا يحترم القانون الدولي ولا القانون الدولي الإنساني، وليس لديه رؤية سياسية ولا توجهات باتجاه تحقيق السلام مع الفلسطينيين، وهو متهم بجرائم حرب، وكل ما يقوم به هو التهرب من أي استحقاقات أو التزامات تجاه الفلسطينيين، والتحايل لشراء الوقت وفرض المزيد من الحقائق الاستيطانية على الأرض، وذلك بهدف الإجهاض على فكرة "حل الدولتين"، والتي تمثل منذ توقيع اتفاقية أوسلو عام 1993م الرؤية الغربية لإنهاء الصراع في المنطقة، من خلال قيام دولة فلسطينية على الأراضي التي تمَّ احتلالها في الضفة الغربية وقطاع غزة عام 1967م، والقدس عاصمة لها.
لاشك أن هذه الرؤية تتآكل يوما بعد يوم، وهناك أكثر من شخصية إسرائيلية وغربية أشارت إلى أن "حل الدولتين" قد أصبح شيئاً من الماضي، حيث إن كل المعطيات على الأرض من حيث حجم الاستيطان وأعداد اليهود القاطنين في القدس والضفة الغربية، والتي وصلت إلى قرابة 750 ألف مستوطن لا تبعث على الاطمئنان، وهي بمثابة الحالقة لكل محاولات المجتمع الدولي تحقيق تسوية سلمية، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة.
إن نتنياهو من خلال كل مواقعه السياسية هو من عمل على تعطيل ذلك، وهو يتحرش اليوم بالقدس والمقدسيين، وذلك بغرض إنجاز آخر مخططاته الاستفزازية بالاستيلاء على أكثر من موطئ قدم لليهود داخل ساحات المسجد الأقصى، والتي تنذر بحرب دينية صواعق تفجيرها بيد هؤلاء الغلاة من المستوطنين.
ولعل هناك بعض التلميحات التي جاءت في هذا السياق على ألسنة الكثير من العرب واليهود محذرة من مخاطر وعواقب ذلك، ومنها ما صرَّح به يوفال ديسكين، الرئيس السابق لجهاز المخابرات الداخلية الإسرائيلي (الشاباك)، من أن دخول الاعتبارات الدينية في الصراع ستفضي إلى تأجيجه، محذراً من أن هذا التطور لا يهدد بتفجر الأوضاع مع الشعب الفلسطيني فقط، بل سيجلب أيضاً مواجهة مع العالمين العربي والإسلامي.
وفي نفس السياق، كانت التحذيرات التي أوردتها وسائل الإعلام على لسان الرئيس محمود عباس، ووزير الأوقاف الأردني محمد نوح القضاة، والمهندس عدنان الحسيني وزير شؤون القدس في الحكومة الفلسطينية، وكذلك بيان الجامعة العربية، وكلها تندد من استمرار سياسات الاستهتار بمشاعر المسلمين التي تقوم بها إسرائيل في المسجد الأقصى، وتحذر من اشتعال فتيل "الحرب الدينية"، التي قد تقود المنطقة بكاملها، ولن تقف تداعياتها عند حدود فلسطين فحسب بل ستمتد إلى مناطق أخرى من العالم.
ومن الجدير ذكره، أن الدول الغربية هي بصدد إنزال بعض العقوبات على إسرائيل، كما أن بعضها الآخر قد لوَّح بورقة الاعتراف بالدولة الفلسطينية كوسيلة للضغط على نتنياهو وحكومته اليمينية المتطرفة.. في الواقع، فإن ما نراه اليوم هو أن سحر نتنياهو قد انقلب عليه، وفقد بريقه السياسي، وأن مشروعه في السماح للمستوطنين في استباحة ساحات المسجد الأقصى وتدنيسه بأحذيتهم لن يؤتي أكله، وسوف تدفعه ردات فعل المقدسيين للتراجع والابتعاد وتجنب اللعب بالورقة الدينية مرة ثانية.
إن نتنياهو اليوم، ومن وجهة نظر المجتمع الدولي، هو مجرم حرب مطلوب للعدالة، وسرعان ما ستلاحقه القضايا بمحكمة الجنايات الدولية (ICC) في لاهاي، وهو في المشهد الإنساني يشكل تهديداً للسلم العالمي، كما أنه "يشكل التهديد الأكبر لوجود إسرائيل" كما عبر عن ذلك بصراحة أستاذ القانون الدولي ويليام شاباس، رئيس لجنة تقصي الحقائق في جرائم الحرب الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة.
لن ينجو نتنياهو في علاقاته المتوترة مع أمريكا والمجتمع الدولي، وستكون المواجهات في القدس هي الحبل الذي يلفه بغباء حول عنقه أو الرصاصة التي تصيب ساقه وتشل حركته، ليعيش معها – كمعاق - مذموماً مدحورا.
ختاماً: في القدس.. من في القدس؟
ويبقى السؤال الذي يردده الفلسطينيون – باستنكار وغضب - حيال حالة التخاذل العربي والصمت الإسلامي تجاه ما يجري في القدس، والتي تستفز مشاعر المدافعين عن المسجد الأقصى والمرابطين فيه من شباب الحركة الإسلامية، أين العرب؟ أين المسلمون؟
ولولا بعض كلمات المواساة التي أطلقتها تركيا على لسان رئيسها رجب طيب أردوغان، حيث قال في كلمة ألقاها أمام منتدى رجال الأعمال الجزائري - التركي في الجزائر:"عشنا وشاهدنا جميعنا بكل أسف العمليات البربرية الإسرائيلية التي لا يمكن السكوت عليها".. وأضاف: "إن المسجد الأقصى ليس للفلسطينيين وحدهم، بل هو أحد أهم مقدساتنا المشتركة جميعاً. إن الاعتداء على المسجد الأقصى يعتبر اعتداءً على مكة المكرّمة، وإنّ على الحكومة الإسرائيلية أن تنهي هذه الأفعال الشنيعة فوراً".
وبالتوازي مع تصريحات الرئيس أردوغان، فقد أكّد رئيس الوزراء أحمد داوود أوغلو أنّ الاعتداءات الإسرائيلية على الأقصى لا يمكن قبولها، وأنّ تركيا ستفعل ما يلزم لإنقاذ الأقصى من دنس اليهود.. وأوضح قائلاً: "إنّ القدس أمانة في أعناقنا من سيدنا عمر، وأمانة "ياووز" سليم الأول، وسليمان القانوني، والسلطان سليم. فلو تخلى العالم كله عن القدس، فلن نتخلى عنها، لأنّ القدس قضيّتنا، وستظل إلى الأبد قضيّتنا".
لقد كانت هذه المواقف هي الأقوى من بين كل التصريحات التي جاءت باهتة وهزيلة من جهات عربية وإسلامية أخرى.
إن القدس والأقصى هما بوصلة الأمة الإسلامية لاستعادة مجدها التليد، وهما فتيلُ ثورة سوف تنتصر، وإذا عدنا بالتاريخ إلى الوراء فسنجد أن فلسطين وأرضها المباركة كانت هي ساحة النصر والعنفوان لتجليات الظهور لأمتنا الإسلامية في كل معاركها الفاصلة عبر التاريخ، من اليرموك إلى حطين وعين جالوت. فالقدس هي عنوان الأمة ورايتها المنشودة، وأن الاحتلال ليس أكثر من ظاهرة عابرة وسيزول، وعن أرضها سيندثر، وسيبقى أبطال القدس ورجالها الأشاوس هم "رأس النفيضة" وسنان الرمح، وهم بمشاريعهم الاستشهادية لن يخذلوا مسجدهم المبارك وآثار الصحابة والتابعين في أكنافه، وسيان تحرك العرب أو استمروا في غفوتهم حتى حين، فستظل الصرخة التي أطلقها الشاعر تميم البرغوثي تدوي في الآفاق معبرة عن واقع الحال:
في القدسِ، من في القدسِ، لكنْ.. لا أَرَى في القدسِ إلا أَنْتْ!!
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية



مساحة إعلانية
هناك لحظات في تاريخ الدول لا تمرّ مرور الكرام… لحظات تُعلن فيها مؤسسات الدولة أنها انتقلت من مرحلة “تسيير الأمور” إلى مرحلة صناعة التغيير ونقل الجيل من مرحلة كان إلى مرحلة يكون. وهذا بالضبط ما فعلته وزارة التربية والتعليم والتعليم العالي في السنوات الأخيرة. الأسرة أولاً… بُعدٌ لا يفهمه إلا من يعي أهمية المجتمع ومكوناته، مجتمعٌ يدرس فيه أكثر من 300 ألف طالب وطالبة ويسند هذه المنظومة أكثر من 28 ألف معلم ومعلمة في المدارس الحكومية والخاصة، إلى جانب آلاف الإداريين والمتخصصين العاملين في الوزارة ومؤسساتها المختلفة. لذلك حين قررت الوزارة أن تضع الأسرة في قلب العملية التعليمية هي فعلاً وضعت قلب الوطن ونبضه بين يديها ونصب عينيها. فقد كان إعلانًا واضحًا أن المدرسة ليست مبنى، بل هي امتداد للبيت وبيت المستقبل القريب، وهذا ليس فقط في المدارس الحكومية، فالمدارس الخاصة أيضًا تسجل قفزات واضحة وتنافس وتقدم يداً بيد مع المدارس الحكومية. فمثلاً دور الحضانة داخل رياض الأطفال للمعلمات، خطوة جريئة وقفزة للأمام لم تقدّمها كثير من الأنظمة التعليمية في العالم والمنطقة. خطوة تقول للأم المعلمة: طفلك في حضن مدرستك… ومدرستك أمانة لديك فأنتِ المدرسة الحقيقية. إنها سياسة تُعيد تعريف “بيئة العمل” بمعناها الإنساني والحقيقي. المعلم… لم يعد جنديًا مُرهقًا بل عقلاً مُنطلقًا وفكرًا وقادًا وهكذا يجب أن يكون. لأول مرة منذ سنوات يشعر المُعلم أن هناك من يرفع عنه الحِمل بدل أن يضيف عليه. فالوزارة لم تُخفف الأعباء لمجرد التخفيف… بل لأنها تريد للمعلم أن يقوم بأهم وظيفة. المدرس المُرهق لا يصنع جيلاً، والوزارة أدركت ذلك، وأعادت تنظيم يومه المدرسي وساعاته ومهامه ليعود لجوهر رسالته. هو لا يُعلّم (أمة اقرأ) كيف تقرأ فقط، بل يعلمها كيف تحترم الكبير وتقدر المعلم وتعطي المكانة للمربي لأن التربية قبل العلم، فما حاجتنا لمتعلم بلا أدب؟ ومثقف بلا اخلاق؟ فنحن نحتاج القدوة ونحتاج الضمير ونحتاج الإخلاص، وكل هذه تأتي من القيم والتربية الدينية والأخلاق الحميدة. فحين يصدر في الدولة مرسوم أميري يؤكد على تعزيز حضور اللغة العربية، فهذا ليس قرارًا تعليميًا فحسب ولا قرارًا إلزاميًا وانتهى، وليس قانونًا تشريعيًا وكفى. لا، هذا قرار هوية. قرار دولة تعرف من أين وكيف تبدأ وإلى أين تتجه. فالبوصلة لديها واضحة معروفة لا غبار عليها ولا غشاوة. وبينما كانت المدارس تتهيأ للتنفيذ وترتب الصفوف لأننا في معركة فعلية مع الهوية والحفاظ عليها حتى لا تُسلب من لصوص الهوية والمستعمرين الجدد، ظهرت لنا ثمار هذا التوجه الوطني في مشاهد عظيمة مثل مسابقة “فصاحة” في نسختها الأولى التي تكشف لنا حرص إدارة المدارس الخاصة على التميز خمس وثلاثون مدرسة… جيش من المعلمين والمربين… أطفال في المرحلة المتوسطة يتحدثون بالعربية الفصحى أفضل منّا نحن الكبار. ومني أنا شخصيًا والله. وهذا نتيجة عمل بعد العمل لأن من يحمل هذا المشعل له غاية وعنده هدف، وهذا هو أصل التربية والتعليم، حين لا يعُدّ المربي والمعلم الدقيقة متى تبدأ ومتى ينصرف، هنا يُصنع الفرق. ولم تكتفِ المدارس الخاصة بهذا، فهي منذ سنوات تنظم مسابقة اقرأ وارتقِ ورتّل، ولحقت بها المدارس الحكومية مؤخراً وهذا دليل التسابق على الخير. من الروضات إلى المدارس الخاصة إلى التعليم الحكومي، كل خطوة تُدار من مختصين يعرفون ماذا يريدون، وإلى أين الوجهة وما هو الهدف. في النهاية… شكرًا لأنكم رأيتم المعلم إنسانًا، والطفل أمانة، والأسرة شريكًا، واللغة والقرآن هوية. وشكرًا لأنكم جعلتمونا: نفخر بكم… ونثق بكم… ونمضي معكم نحو تعليم يبني المستقبل.
13758
| 20 نوفمبر 2025
في قلب الإيمان، ينشأ صبر عميق يواجه به المؤمن أذى الناس، ليس كضعفٍ أو استسلام، بل كقوة روحية ولحمة أخلاقية. من منظور قرآني، الصبر على أذى الخلق هو تجلٍّ من مفهوم الصبر الأوسع (الصبر على الابتلاءات والطاعة)، لكنه هنا يختصّ بالصبر في مواجهة الناس — سواء بالكلام المؤذي أو المعاملة الجارحة. يحثّنا القرآن على هذا النوع من الصبر في آيات سامية؛ يقول الله تعالى: ﴿وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا﴾ (المزمل: 10). هذا الهجر «الجميل» يعني الانسحاب بكرامة، دون جدال أو صراع، بل بهدوء وثقة. كما يذكر القرآن صفات من هم من أهل التقوى: ﴿… وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ … وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ (آل عمران: 134). إن كظم الغيظ والعفو عن الناس ليس تهاونًا، بل خلق كريم يدل على الاتزان النفسي ومستوى رفيع من الإيمان. وقد أبرز العلماء أن هذا الصبر يُعدُّ من أرقى الفضائل. يقول البعض إن كظم الغيظ يعكس عظمة النفس، فالشخص الذي يمسك غضبه رغم القدرة على الردّ، يظهر عزمًا راسخًا وإخلاصًا في عبادته لله. كما أن العفو والكظم معًا يؤدّيان إلى بناء السلم الاجتماعي، ويطفئان نيران الخصام، ويمنحان ساحة العلاقات الإنسانية سلامًا. من السنة النبوية، ورد عن النبي ﷺ أن من كظم غيظه وهو قادر على الانتقام، دعاه الله على رؤوس الخلائق يوم القيامة، فكم هو عظيم جزاء من يضبط نفسه لصالح رضا الله. كما تبيّن المروءة الحقيقية في قوله ﷺ: ليس الشديد في الإسلام من يملك يده، بل من يملك نفسه وقت الغضب. أهمية هذا الصبر لم تذهب سدى في حياة المسلم. في مواجهة الأذى، يكون الصبر وسيلة للارتقاء الروحي، مظهراً لثقته بتقدير الله وعدله، ومعبّراً عن تطلع حقيقي للأجر العظيم عنده. ولكي ينمّي الإنسان هذا الخلق، يُنصح بأن يربّي نفسه على ضبط الغضب، أن يعرف الثواب العظيم للكاظمين الغيظ، وأن يدعو الله ليساعده على ذلك. خلاصة القول، الصبر على أذى الخلق ليس مجرد تحمل، بل هو خلق كرامة: كظم الغيظ، والعفو، والهجر الجميل حين لا فائدة من الجدال. ومن خلال ذلك، يرتقي المؤمن في نظر ربه، ويَحرز لذاته راحة وسموًا، ويحقّق ما وصفه الله من مكارم الأخلاق.
1818
| 21 نوفمبر 2025
أصبحت قطر اليوم واحدة من أفضل الوجهات الخليجية والعربية للسياحة العائلية بشكل خاص، فضلاً عن كونها من أبرز الوجهات السياحية العالمية بفضل ما تشهده من تطور متسارع في البنية التحتية وجودة الحياة. ومع هذا الحضور المتزايد، بات دور المواطن والمقيم أكبر من أي وقت مضى في تمثيل هذه الأرض الغالية خير تمثيل، فالسكان هم المرآة الأولى التي يرى من خلالها الزائر انعكاس هوية البلد وثقافته وقيمه. الزائر الذي يصل إلى الدوحة سواء كان خليجياً أو عربياً أو أجنبياً، هو لا يعرف أسماءنا ولا تفاصيل عوائلنا ولا قبائلنا، بل يعرف شيئاً واحداً فقط: أننا قطريون. وكل من يرتدي الزي القطري في نظره اسمه «القطري”، ذلك الشخص الذي يختزل صورة الوطن بأكمله في لحظة تعامل، أو ابتسامة عابرة، أو موقف بسيط يحدث في المطار أو السوق أو الطريق. ولهذا فإن كل تصرّف صغير يصدر منا، سواء كان إيجابياً أو سلبياً، يُسجَّل في ذاكرة الزائر على أنه «تصرف القطري”. ثم يعود إلى بلده ليقول: رأيت القطري … فعل القطري … وقال القطري. هكذا تُبنى السمعة، وهكذا تُنقل الانطباعات، وهكذا يترسّخ في أذهان الآخرين من هو القطري ومن هي قطر. ولا يقتصر هذا الدور على المواطنين فقط، بل يشمل أيضاً الإخوة المقيمين الذين يشاركوننا هذا الوطن، وخاصة من يرتدون لباسنا التقليدي ويعيشون تفاصيل حياتنا اليومية. فهؤلاء يشاركوننا المسؤولية، ويُسهمون مثلنا في تعزيز صورة الدولة أمام ضيوفها. ويزداد هذا الدور أهمية مع الجهود الكبيرة التي تبذلها هيئة السياحة عبر تطوير الفعاليات النوعية، وتجويد الخدمات، وتسهيل تجربة الزائر في كل خطوة. فبفضل هذه الجهود بلغ عدد الزوار من دول الخليج الشقيقة في النصف الأول من عام 2025 أكثر من 900 ألف زائر، وهو رقم يعكس جاذبية قطر العائلية ونجاح سياستها السياحية، وهو أمر يلمسه الجميع في كل زاوية من زوايا الدوحة هذه الأيام. وهنا يتكامل الدور: فالدولة تفتح الأبواب، ونحن نُكمل الصورة بقلوبنا وأخلاقنا وتعاملنا. الحفاظ على الصورة المشرّفة لقطر مسؤولية مشتركة، ومسؤولية أخلاقية قبل أن تكون وطنية. فحسن التعامل، والابتسامة، والاحترام، والإيثار، كلها مواقف بسيطة لكنها تترك أثراً عميقاً. نحن اليوم أمام فرصة تاريخية لنُظهر للعالم أجمل ما في مجتمعنا من قيم وكرم وذوق ونخوة واحترام. كل قطري هو سفير وطنه، وكل مقيم بحبه لقطر هو امتداد لهذه الرسالة. وبقدر ما نعطي، بقدر ما تزدهر صورة قطر في أعين ضيوفها، وتظل دائماً وجهة مضيئة تستحق الزيارة والاحترام.
1341
| 25 نوفمبر 2025