رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
جرت العادة بالمنطقة العربية الإشادة بتدفقات الاستثمار الأجنبي غير المباشر، والمتمثل في مشتريات الأجانب للأوراق المالية بالبورصات العربية، إلى جانب السندات والأذونات الحكومية، باعتباره يمثل إشارة إلى جاذبية الاستثمار بتلك البورصات، كما يمتد الأمر أحيانا إلى اعتبار ذلك برهانا على جودة اقتصادات الدول التي تجتذب تلك الاستثمارات غير المباشرة.
وتمثل تلك التدفقات الأجنبية مزيدا من السيولة والعمق للأسواق العربية، كما توفر تمويلا لعجز الموازنات في كثير من الدول العربية، إلا أنه لا يتم التعرض للنواحي السلبية لتلك الاستثمارات التي أسماها بعض الخبراء بالعصفور الطائر، حيث تنتقل تلك الاستثمارات من سوق إلى آخر سعيا وراء الفرص الاستثمارية بحيث لا تكاد تستقر في بلد واحد.
بما يكاد يلغي ميزة إسهامها في زيادة السيولة بالأسواق، الأمر الذي دفع كثيرا من الدول لفرض ضرائب على أرباحها، ترتفع نسبتها كلما قصرت مدة مكثها بالسوق، وتقل نسبتها كلما طالت تلك المدة، تشجيعا لإطالة فترة بقائها والاستفادة من وجودها.
الأمر الآخر هو ما تقوم به تلك الاستثمارات من نزح الثروات المحلية إلى الخارج، نتيجة ما تحققه من أرباح يتحمل تكلفتها المستثمرين المحليين، مع الأخذ في الاعتبار ما تتميز به الاستثمارات الأجنبية من استنادها إلى قاعدة أكثر خبرة في التحليل المالي والفني، بما يساهم في رشد قراراتها الاستثمارية، إلى جانب توافر سيولة أكثر لديها بما يمكنها من تنويع استثماراتها، وذلك بالمقارنة بالمستثمرين المحليين الأقل خبرة فنية والأقل سيولة.
وحسب بيانات المؤسسة العربية لضمان الاستثمار فقد أشارت بيانات موازين المدفوعات، لنحو 11 دولة عربية، إلى بلوغ صافي التدفقات للاستثمار الأجنبي غير المباشر خلال العام الماضي 12 مليار دولار، كفارق بين صافي تدفقات إيجابية إلى ست دول عربية هي: الإمارات والمغرب والبحرين وتونس والسودان والأردن بلغت 7ر1 مليار دولار، مقابل صافي خروج من خمس دول بلغ 7ر13 مليار دولار.
ويتوقع أن يزيد صافي التدفقات للخارج عن ذلك خلال العام الماضي، في ضوء غياب بيانات دول مثل سوريا وليبيا واليمن وسلطنة عمان والتي شهدت حالة من عدم الاستقرار، وبما يدفع للخروج منها سواء من جانب المستثمرين الأجانب أو حتى المستثمرين المحليين.
وخلال العام الماضي بلغ الصافي السلبي لتدفقات الاستثمارات الواردة لمحفظة الأوراق المالية، نحو 4ر10 مليار دولار في مصر و75ر1 مليار دولار بقطر، و732 مليون دولار بالسعودية و694 مليونا بلبنان و80 مليون دولار بالكويت.
بينما كانت التدفقات الصافية الموجبة في الإمارات بنحو 681 مليون دولار، وفي المغرب 438 مليونا والبحرين 419 مليون دولار وتونس 144 مليونا، والسودان 13 مليونا والأردن 11 مليون دولار.
ومن المهم أن نشير إلى الفرق بين الاستثمار الأجنبي المباشر وغير المباشر من حيث الإفادة للاقتصادات العربية، حيث يميل الاستثمار المباشر لإقامة مشروعات جديدة أساسا، بما يضيف إلى الطاقة الإنتاجية ولفرص العمل، بينما يتجه الاستثمار غير المباشر لشراء أسهم في شركات قائمة بالفعل، أو تمويل عجز بالموازنات غالبا ما يكون قصير الأجل.
للاستفادة من ارتفاع نسبة الفائدة على الأذون والسندات الحكومية في دول عربية تعاني العجز بالموازنات الحكومية ومن تدني تصنيفها الائتماني، وهكذا تحقق تلك الاستثمارات الأجنبية أرباحا رأسمالية تمثل الفرق بين سعر الشراء والبيع للأسهم، وأرباحا تمثل توزيعات الأسهم وفوائد السندات.
وهي أموال يتم تحويلها إلى الخارج، بما يؤثر على سعر الصرف في حالة كبر حجمها مثلما حدث في مصر، عكس الحال بالنسبة للأرباح التي يحققها المستثمرون المحليون والتي تبقى غالبا بالداخل.
وكانت بيانات صندوق النقد الدولي الخاصة باستثمارات محفظة الأوراق المالية والخاصة بعام 2010 للاستثمارات الأجنبية والعربية، في أسواق المال العربية قد أشارت إلى بلوغ تلك الاستثمارات خاصة الأسهم 3ر110 مليار دولار، منها 47 مليار دولار تمثل الاستثمارات العربية في البورصات العربية، و65 مليار دولار تمثل الاستثمارات غير العربية في البورصات العربية، وبما يعني أن النصيب الأكبر للأرصدة للاستثمارات المحلية.
وكانت أبرز الدول الأجنبية المستثمرة بالبورصات العربية بنهاية العام الأسبق، بريطانيا بقيمة 20 مليار دولار بنسبة 18 % من الإجمالي، والولايات المتحدة بقيمة 12 مليار دولار بنسبة 11 %، ولوكسمبورج 11 %، وكلا من ألمانيا وفرنسا بنسبة 3 % لكل منهما، وكلا من اليابان وأيرلندا بنسبة 2 %، وكلا من هولندا وهونج كونج وسويسرا والنمسا وتشيلي بنسبة 1 % من الإجمالي لكلا منهما.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
في عالم اليوم المتسارع، أصبحت المعرفة المالية ليست مجرد مهارة إضافية، بل ضرورة تمس حياة كل فرد وإذا كان العالم بأسره يتجه نحو تنويع اقتصادي يخفف من الاعتماد على مصدر واحد للدخل، فإن قطر – بما تمتلكه من رؤية استراتيجية – تدرك أن الاستدامة الاقتصادية تبدأ من المدارس القطرية ومن وعي الطلاب القطريين. هنا، يتحول التعليم من أداة محلية إلى بوابة عالمية، ويصبح الوعي المالي وسيلة لإلغاء الحدود الفكرية وبناء أجيال قادرة على محاكاة العالم لا الاكتفاء بالمحلية. التعليم المالي كاستثمار في الاستدامة الاقتصادية القطرية: عندما يتعلم الطالب القطري إدارة أمواله، فهو لا يضمن استقراره الشخصي فقط، بل يساهم في تعزيز الاقتصاد الوطني. فالوعي المالي يساهم في تقليل الديون وزيادة الادخار والاستثمار. لذا فإن إدماج هذا التعليم يجعل من الطالب القطري مواطنا عالمي التفكير، مشاركا في الاقتصاد العالمي وقادرا على دعم قطر لتنويع الاقتصاد. كيف يمكن دمج الثقافة المالية في المناهج القطرية؟ لكي لا يبقى الوعي المالي مجرد شعار، يجب أن يكون إدماجه في التعليم واقعًا ملموسًا ومحاكيًا للعالمية ومن المقترحات: للمدارس القطرية: • حصص مبسطة تدرّب الطلاب على إدارة المصروف الشخصي والميزانية الصغيرة. • محاكاة «المتجر الافتراضي القطري» أو «المحفظة الاستثمارية المدرسية». للجامعات القطرية: • مقررات إلزامية في «الإدارة المالية الشخصية» و»مبادئ الاستثمار». • منصات محاكاة للتداول بالأسهم والعملات الافتراضية، تجعل الطالب يعيش تجربة عالمية من داخل قاعة قطرية. • مسابقات ريادة الأعمال التي تدمج بين الفكر الاقتصادي والابتكار، وتبني «وعيًا قطريًا عالميًا» في آن واحد. من التجارب الدولية الملهمة: - تجربة الولايات المتحدة الأمريكية: تطبيق إلزامي للتعليم المالي في بعض الولايات أدى إلى انخفاض الديون الطلابية بنسبة 15%. تجربة سنغافورة: دمجت الوعي المالي منذ الابتدائية عبر مناهج عملية تحاكي الأسواق المصغرة - تجربة المملكة المتحدة: إدراج التربية المالية إلزاميًا في الثانوية منذ 2014، ورفع مستوى إدارة الميزانيات الشخصية للطلاب بنسبة 60%. تجربة استراليا من خلال مبادرة (MONEY SMART) حسنت وعي الطلاب المالي بنسبة 35%. هذه النماذج تبيّن أن قطر قادرة على أن تكون رائدة عربيًا إذا نقلت التجارب العالمية إلى المدارس القطرية وصياغتها بما يناسب الوعي القطري المرتبط بهوية عالمية. ختاما.. المعرفة المالية في المناهج القطرية ليست مجرد خطوة تعليمية، بل خيار استراتيجي يفتح أبواب الاستدامة الاقتصادية ويصنع وعيًا مجتمعيًا يتجاوز حدود الجغرافيا، قطر اليوم تملك فرصة لتقود المنطقة في هذا المجال عبر تعليم مالي حديث، يحاكي التجارب العالمية، ويجعل من الطالب القطري أنموذجًا لمواطن عالمي التفكير، محلي الجذور، عالمي الأفق فالعالمية تبدأ من إلغاء الحدود الفكرية، ومن إدراك أن التعليم ليس فقط للحاضر، بل لصناعة مستقبل اقتصادي مستدام.
2265
| 22 سبتمبر 2025
في قاعة الأمم المتحدة كان خطاب صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني حفظه الله مشهدا سياسيا قلب المعادلات، الكلمة التي ألقاها سموه لم تكن خطابًا بروتوكوليًا يضاف إلى أرشيف الأمم المتحدة المكدّس، بل كانت كمن يفتح نافذة في قاعة خانقة. قطر لم تطرح نفسها كقوة تبحث عن مكان على الخريطة؛ بل كصوت يذكّر العالم أن الصِغَر في المساحة لا يعني الصِغَر في التأثير. في لحظة، تحوّل المنبر الأممي من مجرد منصة للوعود المكررة والخطابات المعلبة إلى ساحة مواجهة ناعمة: كلمات صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني وضعتهم في قفص الاتهام دون أن تمنحهم شرف ذكر أسمائهم. يزورون بلادنا ويخططون لقصفها، يفاوضون وفودًا ويخططون لاغتيال أعضائها.. اللغة العربية تعرف قوة الضمير، خصوصًا الضمير المستتر الذي لا يُذكر لفظًا لكنه يُفهم معنى. في خطاب الأمير الضمير هنا مستتر كالذي يختبئ خلف الأحداث، يحرّكها في الخفاء، لكنه لا يجرؤ على الظهور علنًا. استخدام هذا الأسلوب لم يكن محض صدفة لغوية، بل ذكاء سياسي وبلاغي رفيع ؛ إذ جعل كل مستمع يربط الجملة مباشرة بالفاعل الحقيقي في ذهنه من دون أن يحتاج إلى تسميته. ذكاء سياسي ولغوي في آن واحد».... هذا الاستخدام ليس صدفة لغوية، بل استراتيجية بلاغية. في الخطاب السياسي، التسمية المباشرة قد تفتح باب الردّ والجدل، بينما ضمير الغائب يُربك الخصم أكثر لأنه يجعله يتساءل: هل يقصدني وحدي؟ أم يقصد غيري معي؟ إنّه كالسهم الذي ينطلق في القاعة فيصيب أكثر من صدر. محكمة علنية بلا أسماء: لقد حول الأمير خطابًا قصيرًا إلى محكمة علنية بلا أسماء، لكنها محكمة يعرف الجميع من هم المتهمون فيها. وهنا تتجلى العبارة الأبلغ، أن الضمير المستتر في النص كان أبلغ حضورًا من أي تصريح مباشر. العالم في مرآة قطر: في النهاية، لم يكن ضمير المستتر في خطاب صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني – حفظه الله - مجرد أداة لغوية؛ بل كان سلاحًا سياسيًا صامتًا، أشد وقعًا من الضجيج. لقد أجبر العالم على أن يرى نفسه في مرآة قطر. وما بين الغياب والحضور، تجلت الحقيقة أن القيمة تُقاس بجرأة الموقف لا باتساع الأرض، وأن الكلمة حين تُصاغ بذكاء قادرة على أن تهز أركان السياسات الدولية كما تعجز عنها جيوش كاملة. فالمخاطَب يكتشف أن المرآة وُضعت أمامه من دون أن يُذكر اسمه. تلك هي براعة السياسة: أن تُدين خصمك من دون أن تمنحه شرف الذكر.
2175
| 25 سبتمبر 2025
يطلّ عليك فجأة، لا يستأذن ولا يعلن عن نفسه بوضوح. تمرّ في زقاق العمر فتجده واقفًا، يحمل على كتفه صندوقًا ثقيلًا ويعرض بضاعة لا تشبه أي سوق عرفته من قبل. لا يصرخ مثل الباعة العاديين ولا يمد يده نحوك، لكنه يعرف أنك لن تستطيع مقاومته. في طفولتك كان يأتيك خفيفًا، كأنه يوزّع الهدايا مجانًا. يمد يده فتتساقط منها ضحكات بريئة وخطوات صغيرة ودهشة أول مرة ترى المطر. لم تكن تسأله عن السعر، لأنك لم تكن تفهم معنى الثمن. وحين كبُرت، صار أكثر استعجالًا. يقف للحظة عابرة ويفتح صندوقه فتلمع أمامك بضاعة براقة: أحلام متوهجة وصداقات جديدة وطرق كثيرة لا تنتهي. يغمرك بالخيارات حتى تنشغل بجمعها، ولا تنتبه أنه اختفى قبل أن تسأله: كم ستدوم؟ بعد ذلك، يعود إليك بهدوء، كأنه شيخ حكيم يعرف سرّك. يعرض ما لم يخطر لك أن يُباع: خسارات ودروس وحنين. يضع أمامك مرآة صغيرة، تكتشف فيها وجهًا أنهكته الأيام. عندها تدرك أن كل ما أخذته منه في السابق لم يكن بلا مقابل، وأنك دفعت ثمنه من روحك دون أن تدري. والأدهى من ذلك، أنه لا يقبل الاسترجاع. لا تستطيع أن تعيد له طفولتك ولا أن تسترد شغفك الأول. كل ما تملكه منه يصبح ملكك إلى الأبد، حتى الندم. الغريب أنه لا يظلم أحدًا. يقف عند أبواب الجميع ويعرض بضاعته نفسها على كل العابرين. لكننا نحن من نتفاوت: واحد يشتري بتهور وآخر يضيّع اللحظة في التفكير وثالث يتجاهله فيفاجأ أن السوق قد انفض. وفي النهاية، يطوي بضاعته ويمضي كما جاء، بلا وداع وبلا عودة. يتركك تتفقد ما اشتريته منه طوال الطريق، ضحكة عبرت سريعًا وحبًا ترك ندبة وحنينًا يثقل صدرك وحكاية لم تكتمل. تمشي في أثره، تفتش بين الزوايا عن أثر قدميه، لكنك لا تجد سوى تقاويم تتساقط كالأوراق اليابسة، وساعات صامتة تذكرك بأن البائع الذي غادرك لا يعود أبدًا، تمسح العرق عن جبينك وتدرك متأخرًا أنك لم تكن تتعامل مع بائع عادي، بل مع الزمن نفسه وهو يتجول في حياتك ويبيعك أيامك قطعةً قطعة حتى لا يتبقى في صندوقه سوى النهاية.
1569
| 26 سبتمبر 2025