رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

عبدالله تاجر السادة

عبدالله تاجر السادة

مساحة إعلانية

مقالات

1928

عبدالله تاجر السادة

تصحيح المسار

05 أغسطس 2013 , 12:00ص

"...وسوف نعلن فى الوقت المناسب عن خطط لاعادة هيكلة الوزارات لتقليل الازدواجية ولكى تكون جميع المجالات العامة تحت مسئولية وزارات واضحة ومحددة" هكذا قال سيدى حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثانى أمير البلاد المفدى فى خطابه التاريخى للشعب القطرى بتاريخ 26/6/2013  الذى وضح خلاله التوجه العام للدولة فى الفترة القادمة، الا ان هناك من يختزل كلمات سموه فقط فى موضوع تحويل بعض المجالس العليا والهيئات بالدولة الى وزارات معتقدين ان هذا هو الحل السحرى للقضاء على الازدواجية (مثال: تحويل المجلس الاعلى للتعليم الى وزارة التعليم) وكأن المسميات هى من تخلق الازدواجية وضعف الاداء، ونسوا ان الازدواجية هى التشابه والتداخل فى الاختصاصات بين الجهات المختلفة.

ان الخبراء والمستشارين الاجانب فى المرحلة السابقة حاولوا حل هذه المشكلة ولكن ليس عن طريق اعادة هيكلة الوزارات والمؤسسات التى يتميز عملها بالتداخل والازدواجية كما هو الحال اليوم، ولكن عن طريق تبنى فكرة جديدة تستند الى انشاء هيئات ومجالس عليا ذات استقلالية مالية وادارية، ورغم أن هذه الفكرة كانت فى مضمونها تعد جيدة الا انها تسببت فى خلق المزيد من الازدواجية فى الفترة الماضية، وكانت بوابة لاهدار المال العام كما انها ادت وفى نفس الوقت الى ازدياد عدد الموظفين القطريين المحالين الى البند المركزي، لأنهم كما رأهم الخبراء والمستشارون الاجانب، هم السبب الرئيسى فى تأخر النمو والتنمية فى الدولة.

ان القضية الجوهرية التى أثارها سمو الأمير المفدى قد حركت المياه الراكدة حول مشكلة الازدواج الادارى والتداخل فى الاختصاصات، وما خلفته من سلبيات خلال الفترة الماضية، حيث مثلت صورة من صور البيروقراطية الادارية التى تستنزف موارد الدولة وتهدر الوقت والجهد والمال وتسمح بتضخم الكادر الادارى بلا مبرر، كما تعنى ايضا تعقيد المعاملات وتصعيبها على المستثمر والمواطن على حد سواء وذلك بسبب تنصل كل جهة من القيام بما هو مطلوب بحجة أنها تقع فى اختصاص جهات أخرى وهو ما لا يحقق المصلحة العامة للدولة، كما انه يزيد من احتمال فكرة أن تكون هنالك ازدواجية فى بعض المجالات، وأن توجد فى الوقت ذاته مجالات مهمة ورئيسية من دون مؤسسات حكومية تغطيها، وهو ما يعتبر من الامور غير المنطقية وغير المقبولة على الاطلاق، لما لها من دور كبير فى تعطيل العمل ومصالح المواطنين ورجال الأعمال، كل هذا ما يبرر استحداث بعض الوزارات الجديدة (مثل وزارة التنمية الادارية) ودمج وزارات وهيئات اخرى فى محاولة للقضاء على مشكلة الازدواجية أو على الأقل التقليل منها.

لقد واجه المراجعون والمتعاملون مع الاجهزة الحكومية المختلفة فى الفترة الماضية الكثير من المشاكل المتعلقة بالازدواجية والبيروقراطية الادارية والتى لا يمكن حصرها فى اسطر هذه المقالة، ولكن ربما يمكن ذكر بعضها هنا وذلك للتوضيح فقط، حيث ان افضل الامثلة على ذلك هو ما حدث فى موسم الحج العام الماضى من صعوبة بالغة فى تحديد الجهة المسؤولة عن بعض التقصير فى العمل وذلك بسبب تبادل الاتهامات النابع من تضارب وتنازع ثلاث  جهات مشرفة على الحج وهى ادارة الحج ولجنة الحج وبعثة الحج!! وهو ما الحق الضرر طبعا ببعض الاخوان المقاولين القائمين على الحج، حيث يعد هذا المثال من ابرز الامثلة على الازدواجية التى اهتم بها الرأى العام وتم التطرق اليها كثيرا فى الاعلام العام الماضي، الا ان هناك امثلة اخرى كثيرة على الازدواجية يمكن التنويه اليها ومنها موضوع حقوق الانسان، فلدينا اللجنة الوطنية لحقوق الانسان، وادارة حقوق الانسان — بوزارة الداخلية، ومكتب حقوق الانسان — بوزارة الخارجية، وادارة علاقات العمل والعمال — بوزارة العمل، والمؤسسة القطرية لمكافحة الاتجار بالبشر، وجميعها طبعا تتشابه وتتداخل فى الاختصاصات.

كذلك المشكلة التى يواجهها المتعاملون مع وزارة العمل ووزارة الشؤون الاجتماعية بسبب الانفصال والاندماج المتأرجح وعلى مدار سنوات فى هيكلة الوزارتين، فوزارة العمل عرفت باكثر من مسمى مختلف فبدأت بوزارة العمل والشؤون الاجتماعية ثم انتقلت تحت مظلة وزارة شؤون الخدمة المدنية والاسكان قبل الغائها لتعود مرة أخرى وزارة العمل والشؤون الاجتماعية ولتمر سنوات قليلة حتى يتم تقسيم الوزارة مرة اخرى الى وزارتين احداهما للعمل والثانية للشؤون الاجتماعية ليكون الشيء الوحيد الثابت فقط هو المقر الذى مازال واحدا فى نفس البرج منذ سنوات، وايضا ما يواجهه المتعاملون مع مؤسسة حمد الطبية والمجلس الاعلى للصحة بسبب تداخل الاختصاصات فيما بينهما، وكذلك ازدواج الاختصاصات بين العديد من ادارات وزارتى البلدية والبيئة مما يجعل المتعامل فى حيرة شديدة.

كل هذه الامثلة تتعلق بتضارب وازدواجية الوزارات والمؤسسات المختلفة دون التطرق الى التضارب والازدواج الادارى بين بعض الادارات فى الوزارة الواحدة الذى يجعل الموضوع بالطبع اكثر تعقيدا، ناهيك عن تعدد الجهات المتقاطعة لانهاء بعض المعاملات والذى يفاقم بلا شك المشاكل البيروقراطية ايضا، فاقامة منشأة صناعية مثلاً يتطلب الذهاب الى عدة جهات للموافقة على المشروع، حيث يتعين على صاحب المنشأة اولا التوجه الى وزارة الطاقة والصناعة للحصول على الترخيص والتى بدورها تقوم بارساله الى وزارة البيئة للكشف على الأرض ودراسة المشروع مثلما فعلت وزارة الصناعة، ثم يتوجه بعد ذلك الى وزارة الأعمال للحصول على السجل التجارى ثم وزارة البلدية للحصول على ترخيص البناء ثم يذهب اخيرا لوزارة الداخلية للحصول على قيد المنشأة.

لا شك أن الدعوة لهيكلة الوزارات ولفك الازدواج الادارى بين الجهات الحكومية سوف يؤدى الى جعل أجهزة الدولة تعمل وفق منظومة موحدة تفادياً للتداخل فى الاختصاصات والصلاحيات، ومنعاً لتشتيت الجهود خاصة فى تلك الجهات التى تتشابه وتتقاطع فى مجال أعمالها الخدمية، حيث ان هنالك مجموعة من المؤسسات قد تتشابه مسمياتها للعوام الا أنها اُنشئت لتلعب أدواراً مختلفة، لذلك فاننى ارى أن عملية اعادة هيكلة الوزارات يجب أن تهدف للوصول الى هياكل تنظيمية واضحة للجميع تغلب عليها البساطة والشفافية، وتوائم مهام الجهات الحكومية مع التخصصات الموجودة بها مع مراعاة حجم مواردها المالية والبشرية، ومدى قدرتها على تنفيذ هذه المهام بكفاءة وفاعلية عاليتين، كما أرجو أيضا أن يصاحب اعادة هيكلة الوزارات الاهتمام بالموظف القطرى الذى هو اساس التنمية، وذلك عن طريق اعادة تدريبه وتأهيله، واكسابه مهارات جديدة، ورفع معدلات الأداء والانتاجية لديه، وتزويده بالامكانات التى تساعده على أداء وظيفته بدلاً مما كان يحدث فى السابق من تحويله الى البند المركزي!!.

وفى النهاية اعود لأؤكد ان توجه سمو الامير المفدى — حفظه الله — نحو العمل على تقليل الازدواجية الادارية لهو خطوة كبيرة جدا على طريق استكمال مسيرة الانجازات والازدهار الذى تعيشه قطر اليوم، المتمثل فى تحقيق رفاهية المواطنين وتخفيف الأعباء عن كاهلهم ومعاناتهم مع الروتين والبيروقراطية والتى تحدث من جراء الازدواجية والتداخل فى الاختصاصات والصلاحيات، والذى نحن بدورنا جميعا ندعم ونقف خلف قيادتنا الرشيدة للمضى قدما فى مثل هذا النوع من التوجه المحمود والاصلاح المطلوب نحو الاتجاه الصحيح.

مساحة إعلانية