رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
بعدما أولغ الأسد وعصابته ولم يستجب لنداء الحكمة والعقل من أي طرف يريد وضع حد فاصل لحفلات الإبادة الجماعية ومسلسلها المتواصل في جميع المدن والأرياف والمواقع في سورية وخاصة حمص وبالأخص حي بابا عمرو حيث يسقط الشهداء على محراب الحرية، لم يعد من المقبول في قانون الشرع أو الوضع أن يبقى نهر الدم جاريا وألا يكون حل أمام اللاحل وألا يكون منطق في مجابهة اللامنطق وألا يقف الشعب السوري البطل المصطبر حيال آلات القمع الوحشية التي مازالت تسحق العباد والبلاد دون معالجة عملية تخفف من آلام هذا الوباء إن لم تستطع استئصاله، أو تقضي عليه بالتداوي الفعال الذي يعيد الجسم السوري إلى المعافاة ولو كان المشوار طويلا ولابد أن للحرية ثمنا باهظا، ولذا فإن الدعوات التي انطلقت – ومازالت لتسليح الجيش الحر الذي انتفض ضد الجلادين العسكريين والمدنيين من مجرمي هذه العصابة الباغية منذ أشهر وقدم تضحيات جساما لنصرة الثورة المباركة هي دعوات ونداءات محقة بلا أدنى ريب وذلك لأن الحراك السلمي الذي استمر معظم هذه السنة بالجهاد اللاعنفي لم يجد المتظاهرين والشعب فتيلاً بالمعنى العملي لتحقيق أهداف الثورة والانتقال بالبلاد من نفق الاستبداد والاستعباد إلى ضوء الحرية والعدالة والكرامة بل أخذت هذه العصابة المجرمة تتسلى باصطياد المدنيين والأبرياء وأفرطت في العنف ضد الأطفال والشيوخ والنساء ولم تذر شيئاً من ممتلكات الناشطين والمؤيدين بل والصامتين القاعدين إلا واعتدت عليه هدما وحرقا ونهبا واحتلالا، والأمثلة الموثقة أكثر من أن تحصر والواقع لكل مشاهد وسامع أكبر دليل ويالها من جرائم ضد الإنسانية مهما عارض الموالون لهذه العصابة واسترخصوا دم أهل الشام كروسيا والصين وإيران وحزب الله ومالكي العراق ومن يدور في فلكهم، ولا شك أنهم مشتركون فعليا في هذه الجرائم فهم يعينون هذا القاتل بالسلاح والمال بل والرجال ويتدخلون في شؤون وطننا الغالي مباشرة ثم يرفعون عقيرتهم لرفض أي تدخل خارجي لحماية الشعب وكأن ما يفعلونه هو الحلال وما قد يدعو إليه الآخرون من العرب والغربيين هو الحرام، نحن نعرف أن المصالح السياسية والعسكرية والاقتصادية والطائفية هي المحرك الأول والأخير لمن يعادي خيار الشعب، ونعرف أن الذين يصطفون إلى جانبه بين مخلص وبين منتفع ولكن الشرع الحنيف دعانا إلى اختيار أخف الضررين وأهون الشرين سيما أنه ليس هناك أدنى شك أن أعظم الشر هو ما يأتي من الطرف المناجز للجماهير الحرة سيما أن القائد الموجه لحراك هؤلاء هو إسرائيل التي ما فتئت تحافظ على ما يسمى نظام الأسد الذي تباركه كما أشرنا إلى تصريحات ساستها وعسكرييها في مقالات سابقة وما جرى التصريح به على لسان رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أنه يعارض خلع الأسد كما نقلت هآرتس 16/2/2012م، مع وزير دفاعه ايهود باراك بعد أن صرح قبل شهرين أن عائلة الأسد ستزول خلال أسابيع ومتى صدق اليهود في التاريخ، ثم جاءت يديعوت أحرونوت في 20/2/2012م، لتؤكد أن سورية الجديدة بعد الثورة سوف تعادي إسرائيل وأن السلطة بيد العلويين أفضل لهم منها بيد السنة والإخوان المسلمين الذين سيعادون الديمقراطية وإسرائيل، بل إنهم تحركوا أمس بطائرات تجسس فوق المدن السورية لمراقبة ناشطي الثورة كما أكد عدد من المراسلين منهم مراسل الجزيرة أحمد موفق زيدان، وفي ذلك شريط فيديو موثق، ولذا فقد بات محسوماً لدى الجيش الحر والمعارضة بشتى أطيافها وجماهير غفيرة من الشعب السوري أنه لابد من تفعيل المقاومة الشعبية بالسلاح المتاح لحماية الثوار والمدنيين كضرورة ملحة الآن:
إذا لم يكن إلا الأسنة مركب
فما حيلة المضطر إلا ركوبها
حقاً إنها ضرورة ويجب أن تبيح المحظور وتقدر بقدرها بناء على قول العزيز الحكيم سبحانه "وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه..." الأنعام 119، ومن يدري إذا كان الجهاد والمواجهة المسلحة بقصد الدفع وحماية الأعراض والممتلكات هو الحل المجدي كلياً أو جزئياً للإنقاذ بعد ان سدت السلطة الغاشمة كل حل للأزمة والمعضلة المستمرة وطنياً وإقليمياً ودولياً ونحن كمسلمين كثرة نعيش في هذا الوطن يسعنا أن نتبع توجيه ربنا تعالى في هذا الصدد بقوله: "كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون" البقرة 216.
قال المفسر ابن كثير 1/336: هذا إيجاب منه تعالى للجهاد على المسلمين ونقل عن الزهري أنه واجب على كل أحد غزا أو قعد فالقاعد عليه إذا استعين أن يعين وإذا استغيث أن يغيث وإذا استنفر أن ينفر ولهذا ثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن الرسول صلى الله عليه وسلم "من مات ولم يفز ولم يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة من نفاق" ومع أن النفس تكره القتال لشدته ومشقته إذ فيه القتل والجرح ومجالدة الأعداء إلا أنه يعقبه نصر وفيه دفع المذلة كما يقول ثوار سوريا اليوم: الموت ولا المذلة لأنها تؤدي إلى غلبة الرجال واستضفافهم.
كما يقول المفسر الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير 2/335 ويقول سيد قطب في الظلال 1/203: لا تجزع عند الصدمة الأولى فقد تكره النفس القاصرة أمراً ويكون كل الخير فيه، بل إن القتال ضد الظلم المبين هو دخول في السلم من بابه الواسع أي من حيث النتيجة وذلك لمن يدوسون المقدسات ويقتلون الناس ويخرجونهم من ديارهم لأنهم عادون باغون أشرار ولابد للحق أن يقلم أظفار الباطل ولو ادعى أهله أنهم يتترسون بالحرمات أي باسم الوطن والسيادة مثلاً مع أنهم يضربون هذه الحرمات، فعلى المسلمين ألا يستسلموا بل يصبروا على الحرب قدر الاستطاعة وأن يشحذوا كل أداة جهادية عامة وخاصة أمام الأعداء، أقول: وفي ذلك تحقيق مبدأ قانون التدافع في الأرض، فالحياة ليست كلها سلم وسلام ظاهر بل كما قال تعالى مؤكدا أنه هو الأعلم بالعواقب والمصالح ويجب أن ننقاد له دنيا وأخرى ولا ريب أن هذه العصابة الباغية الوحشية التي فاقت بقمعها كل التوقعات يجب أن تلجم عن عدوانها بتعاون المسلمين وغيرهم لتسود الطمأنينة وينتشر الأمان وقد ذكر العلامة ابن عابدين في حاشيته رد المختار 3/252 أنه إذا قامت جماعة ضد إمام ظالم لا شبهة في ظلمه وجب على جميع الناس معاونتهم.. فعلى الجيش الحر والمعارضة والوطنيين في سورية وخارجها من الشعوب العربية وغيرها أن تعين ما استطاعت لتحقيق هذا الهدف ولابد لليل أن ينجلي ولابد للقيد أن ينكسر مع أهمية الملاحظة الشرعية والوضعية التي لا محيد عنها وهي أن كل شيء خاضع للدراسة حسب الظروف فإذا ما سلحت المعارضة والجيش الحر، فيجب أن يحكم هذا الشأن التنظيم الدقيق والبعد عن أي فوضى تأتي ببعض الأضرار على الثورة وكذلك أن تقوم في مقام الدفاع غالبا إلا عند الضرورات القصوى وأن تعمل جنبا إلى جنب مع المظاهرات السلمية اللاعنفية وتحافظ على حمايتها وأن تقمع الجواسيس المنافقين وهكذا وبالشروط المعتبرة فإنه لا مهرب عن تسليح الثورة ليس فقط للقضاء على النظام بل وللحفاظ على حياة الناس.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
في منتصف العام الدراسي، تأتي الإجازات القصيرة كاستراحة ضرورية للطلبة والأسر، لكنها في الوقت ذاته تُعد محطة حساسة تتطلب قدراً عالياً من الوعي في كيفية التعامل معها. فهذه الإجازات، على قِصر مدتها، قد تكون عاملاً مساعداً على تجديد النشاط الذهني والنفسي، وقد تتحول إن أُسيء استغلالها إلى سبب مباشر في تراجع التحصيل الدراسي وصعوبة العودة إلى النسق التعليمي المعتاد. من الطبيعي أن يشعر الأبناء برغبة في كسر الروتين المدرسي، وأن يطالبوا بالسفر والتغيير، غير أن الانصياع التام لهذه الرغبات دون النظر إلى طبيعة المرحلة الدراسية وتوقيتها يحمل في طياته مخاطر تربوية لا يمكن تجاهلها. فالسفر إلى دول تختلف بيئتها ومناخها وثقافتها عن بيئتنا، وفي وقت قصير ومزدحم دراسياً، يؤدي غالباً إلى انفصال ذهني كامل عن أجواء الدراسة، ويضع الطالب في حالة من التشتت يصعب تجاوزها سريعاً عند العودة. توقيت الإجازة وأثره المباشر على المسار الدراسي التجربة التربوية تؤكد أن الطالب بعد الإجازات القصيرة التي تتخلل العام الدراسي يحتاج إلى قدر من الاستقرار والروتين، لا إلى مزيد من التنقل والإرهاق الجسدي والذهني. فالسفر، مهما بدا ممتعاً، يفرض تغييرات في مواعيد النوم والاستيقاظ، ويُربك النظام الغذائي، ويُضعف الالتزام بالواجبات والمتابعة الدراسية، وهو ما ينعكس لاحقاً على مستوى التركيز داخل الصف، ويجعل العودة إلى الإيقاع المدرسي عملية بطيئة ومجهدة. وتكمن الخطورة الحقيقية في أن هذه الإجازات لا تمنح الطالب الوقت الكافي للتكيّف مرتين: مرة مع السفر، ومرة أخرى مع العودة إلى المدرسة. فيضيع جزء غير يسير من زمن الفصل الدراسي في محاولة استعادة النشاط الذهني والانخراط مجدداً في الدروس، وهو زمن ثمين كان الأولى الحفاظ عليه، خصوصاً في المراحل التي تكثر فيها الاختبارات والتقييمات. قطر وجهة سياحية غنية تناسب الإجازات القصيرة في المقابل، تمتلك دولة قطر بيئة مثالية لاستثمار هذه الإجازات القصيرة بشكل متوازن وذكي، فالأجواء الجميلة خلال معظم فترات العام، وتنوع الوجهات السياحية والترفيهية، من حدائق ومتنزهات وشواطئ ومراكز ثقافية وتراثية، تمنح الأسر خيارات واسعة لقضاء أوقات ممتعة دون الحاجة إلى مغادرة البلاد. وهي خيارات تحقق الترفيه المطلوب، وتُشعر الأبناء بالتجديد، دون أن تخلّ باستقرارهم النفسي والتعليمي. كما أن قضاء الإجازة داخل الوطن يتيح للأسرة المحافظة على جزء من الروتين اليومي، ويمنح الأبناء فرصة للعودة السلسة إلى مدارسهم دون صدمة التغيير المفاجئ. ويمكن للأسر أن توظف هذه الفترة في أنشطة خفيفة تعزز مهارات الأبناء، مثل القراءة، والرياضة، والأنشطة الثقافية، وزيارات الأماكن التعليمية والتراثية، بما يحقق فائدة مزدوجة: متعة الإجازة واستمرارية التحصيل. ترشيد الإنفاق خلال العام الدراسي ومن زاوية أخرى، فإن ترشيد الإنفاق خلال هذه الإجازات القصيرة يمثل بُعداً مهماً لا يقل أهمية عن البعد التربوي. فالسفر المتكرر خلال العام الدراسي يستهلك جزءاً كبيراً من ميزانية الأسرة، بينما يمكن ادخار هذه المبالغ وتوجيهها إلى إجازة صيفية طويلة، حيث يكون الطالب قد أنهى عامه الدراسي، وتصبح متطلبات الاسترخاء والسفر مبررة ومفيدة نفسياً وتعليمياً. الإجازة الصيفية، بطولها واتساع وقتها، هي الفرصة الأنسب للسفر البعيد، والتعرف على ثقافات جديدة، وخوض تجارب مختلفة دون ضغط دراسي أو التزامات تعليمية. حينها يستطيع الأبناء الاستمتاع بالسفر بكامل طاقتهم، وتعود الأسرة بذكريات جميلة دون القلق من تأثير ذلك على الأداء المدرسي. دور الأسرة في تحقيق التوازن بين الراحة والانضباط في المحصلة، ليست المشكلة في الإجازة ذاتها، بل في كيفية إدارتها، فالإجازات التي تقع في منتصف العام الدراسي ينبغي أن تُفهم على أنها استراحة قصيرة لإعادة الشحن، لا قطيعة مع المسار التعليمي. ودور الأسرة هنا محوري في تحقيق هذا التوازن، من خلال توجيه الأبناء، وضبط رغباتهم، واتخاذ قرارات واعية تضع مصلحة الطالب التعليمية في المقام الأول، دون حرمانه من حقه في الترفيه والاستمتاع. كسرة أخيرة إن حسن استثمار هذه الإجازات يعكس نضجاً تربوياً، ووعياً بأن النجاح الدراسي لا يُبنى فقط داخل الصفوف، بل يبدأ من البيت، ومن قرارات تبدو بسيطة، لكنها تصنع فارقاً كبيراً في مستقبل الأبناء.
1659
| 24 ديسمبر 2025
في هذا اليوم المجيد من أيام الوطن، الثامن عشر من ديسمبر، تتجدد في القلوب مشاعر الفخر والولاء والانتماء لدولة قطر، ونستحضر مسيرة وطنٍ بُني على القيم، والعدل، والإنسان، وكان ولا يزال نموذجًا في احتضان أبنائه جميعًا دون استثناء. فالولاء للوطن ليس شعارًا يُرفع، بل ممارسة يومية ومسؤولية نغرسها في نفوس أبنائنا منذ الصغر، ليكبروا وهم يشعرون بأن هذا الوطن لهم، وهم له. ويأتي الحديث عن أبنائنا من ذوي الإعاقة تأكيدًا على أنهم جزء أصيل من نسيج المجتمع القطري، لهم الحق الكامل في أن يعيشوا الهوية الوطنية ويفتخروا بانتمائهم، ويشاركوا في بناء وطنهم، كلٌ حسب قدراته وإمكاناته. فالوطن القوي هو الذي يؤمن بأن الاختلاف قوة، وأن التنوع ثراء، وأن الكرامة الإنسانية حق للجميع. إن تنمية الهوية الوطنية لدى الأبناء من ذوي الإعاقة تبدأ من الأسرة، حين نحدثهم عن الوطن بلغة بسيطة قريبة من قلوبهم، نعرّفهم بتاريخ قطر، برموزها، بقيمها، بعَلَمها، وبإنجازاتها، ونُشعرهم بأنهم شركاء في هذا المجد، لا متلقّين للرعاية فقط. فالكلمة الصادقة، والقدوة الحسنة، والاحتفال معهم بالمناسبات الوطنية، كلها أدوات تصنع الانتماء. كما تلعب المؤسسات التعليمية والمراكز المتخصصة دورًا محوريًا في تعزيز هذا الانتماء، من خلال أنشطة وطنية دامجة، ومناهج تراعي الفروق الفردية، وبرامج تُشعر الطفل من ذوي الإعاقة أنه حاضر، ومسموع، ومقدَّر. فالدمج الحقيقي لا يقتصر على الصفوف الدراسية، بل يمتد ليشمل الهوية، والمشاركة، والاحتفال بالوطن. ونحن في مركز الدوحة العالمي لذوي الإعاقة نحرص على تعزيز الهوية الوطنية لدى أبنائنا من ذوي الإعاقة من خلال احتفال وطني كبير نجسّد فيه معاني الانتماء والولاء بصورة عملية وقريبة من قلوبهم. حيث نُشرك أبناءنا في أجواء اليوم الوطني عبر ارتداء الزي القطري التقليدي، وتزيين المكان بأعلام دولة قطر، وتوزيع الأعلام والهدايا التذكارية، بما يعزز شعور الفخر والاعتزاز بالوطن. كما نُحيي رقصة العرضة القطرية (الرزيف) بطريقة تتناسب مع قدرات الأطفال، ونُعرّفهم بالموروث الشعبي من خلال تقديم المأكولات الشعبية القطرية، إلى جانب تنظيم مسابقات وأنشطة وطنية تفاعلية تشجّع المشاركة، وتنمّي روح الانتماء بأسلوب مرح وبسيط. ومن خلال هذه الفعاليات، نؤكد لأبنائنا أن الوطن يعيش في تفاصيلهم اليومية، وأن الاحتفال به ليس مجرد مناسبة، بل شعور يُزرع في القلب ويترجم إلى سلوك وهوية راسخة. ولا يمكن إغفال دور المجتمع والإعلام في تقديم صورة إيجابية عن الأشخاص ذوي الإعاقة، وإبراز نماذج ناجحة ومُلهمة منهم، مما يعزز شعورهم بالفخر بذواتهم وبوطنهم، ويكسر الصور النمطية، ويؤكد أن كل مواطن قادر على العطاء حين تتوفر له الفرصة. وفي اليوم الوطني المجيد، نؤكد أن الولاء للوطن مسؤولية مشتركة، وأن غرس الهوية الوطنية في نفوس أبنائنا من ذوي الإعاقة هو استثمار في مستقبل أكثر شمولًا وإنسانية. فهؤلاء الأبناء ليسوا على هامش الوطن، بل في قلبه، يحملون الحب ذاته، ويستحقون الفرص ذاتها، ويشاركون في مسيرته كلٌ بطريقته. حفظ الله قطر، قيادةً وشعبًا، وجعلها دائمًا وطنًا يحتضن جميع أبنائه… لكل القدرات، ولكل القلوب التي تنبض بحب الوطن كل عام وقطر بخير دام عزّها، ودام مجدها، ودام قائدها وشعبها فخرًا للأمة.
1113
| 22 ديسمبر 2025
«فنّ التّأريخ فنّ عزيز المذهب جمّ الفوائد شريف الغاية، إذ هو يوقفنا على أحوال الماضين من الأمم في أخلاقهم، والأنبياء في سيرهم، والملوك في دولهم وسياستهم، حتّى تتمّ فائدة الاقتداء في ذلك لمن يرومه في أحوال الدّين والدّنيا». يؤصل ابن خلدون في تاريخه بهذه العبارة، قاعدة بالغة الأهمية في دراسة التاريخ، مفادها أن استدعاء صفحات الماضي والنظر في التاريخ، لا يكون بغرض التسلية بحكايات الغابرين، ولا للانحباس في حالة انبهار بصفحات مجد تليد، إنما هو أداة لتغيير الحاضر والتهيئة لتحديات المستقبل. لكن أمتنا قد دبّ فيها داء الهروب إلى التاريخ، نعم نحن نهرب من مواجهة واقعنا باستدعاء التاريخ وأمجاده والاكتفاء بذلك، فهي حيلة نفسية نواري بها عجزنا عن مسايرة الغرب الذي أخذ بأسباب القوة والتقدم بينما توقفنا نحن عند حدود الماضي، وأسعد بلادنا حظًا من قطعت بضع خطوات في مجالات محددة، دون أن تكون هناك نهضة شاملة تجعلها على قدم المساواة مع وحوش العالم. نحن نعاني فوضى التفاخر بالماضي، أصبح المجد السابق هو بضاعتنا في التعريف بأنفسنا، مع أن التفاخر بالتاريخ لن يدفع عجلة الاقتصاد، ولن يحل المشكلات والأزمات الاجتماعية، ولن يسهم في التطور التقني والتكنولوجي، ولن يجعل القوى العسكرية في مصاف القوى الكبرى. ما فائدة أن يتراشق أهل كل بلد من بلدان الأمة بسالف أمرها، هذا يتفاخر على هذا بأن له حضارة عمرها كذا ألف سنة، وهذا يتفاخر على ذاك بأن أجداده هم من اخترعوا كذا، وأصبحت كلمة «كنا، وكنا» ديباجة في خطاب الشعوب. أجدادكم فعلوا، فماذا فعلتم أنتم؟ كان هذا ماضيكم فأين حاضركم؟ ليست المشكلة في أن تعتزّ الأمم بتاريخها، فالتاريخ هو الذاكرة الجماعية والرصيد الرمزي الذي يمنح الشعوب هويتها ومعناها، لكن المعضلة الكبرى التي تعانيها أمتنا تكمن في أنّها حبست نفسها داخل الماضي، واكتفت بالنظر إلى تاريخها المجيد نظرة تمجيد وتقديس، دون أن تحوّل هذا التاريخ إلى مصدر للعبرة، أو إلى جسر يعينها على فهم واقعها ومواجهة تحديات عصرها والعبور بثقة نحو المستقبل. لقد علّمنا التاريخ ذاته أن الحضارة لا تُورّث، وأن المجد لا يُستعاد بالتغنّي به، بل بالعمل وفق السنن التي أقامته أول مرة: العلم، والعمل، والهوية، فأسلافنا لم يتقدموا لأنهم عاشوا على أمجاد من سبقهم، بل لأنهم واجهوا واقعهم بشجاعة، وأبدعوا حلولًا تناسب زمانهم، واستثمروا معارف الأمم الأخرى. إنّ أخطر ما تواجهه أمتنا اليوم هو تحويل الماضي إلى بديل عن الحاضر، وإلى مبرر للعجز بدل أن يكون دافعًا للنهوض. فالعالم من حولنا يتغيّر بسرعة هائلة، تُقاس فيها قوة الأمم بقدرتها على الابتكار، وعلى استيعاب التحولات العلمية والتكنولوجية، بينما لا تزال كثير من مجتمعاتنا أسيرة النظر المجرد إلى الماضي انبهارًا واكتفاءً. التذكير بالماضي والأجداد العظام يفلح فحسب مع من يعتبر بذلك الماضي ويتخذ منه نبراسًا ويقتبس منه ما يضيء به الطريق نحو المستقبل المزهر، وهذا هو منهج القرآن الكريم، فهو يذكر بتاريخ الأمم السابقة التي هلكت رغم إغراقها في النعم وأوجه التقدم بسبب حيدتها عن طريق الله، يذكر بذلك من أجل الاتعاظ والاعتبار بأن القوة لابد وأن تُساس بالمنهج الإلهي. يذكرنا القرآن الكريم بالتاريخ المشرق والأجداد العظام حتى نسير سيرهم ونحذو حذوهم لا لنقف عند قول الشاعر: أولئك آبائي فجئني بمثلهم، إذا جمعتنا يا جرير المجامعُ. فالله تعالى يقول في سورة الإسراء: {ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا}، وحولها يقول الإمام ابن كثير في تفسيره: «تقديره: يا ذرية من حملنا مع نوح. فيه تهييج وتنبيه على المنة، أي: يا سلالة من نجينا فحملنا مع نوح في السفينة، تشبهوا بأبيكم، {إنه كان عبدا شكورا}. فالقرآن هنا لم يذكر سلالة نوح بأبيهم ليتفاخروا به ويقفوا عند هذا التفاخر، بل من أجل التشبه به في خصاله وأفعاله وقيامه بشكر المُنعم على ما أنعم به من النعم. النظر إلى التاريخ لا يصلح أن يكون مهجعًا للاستغراق في النوم، وإنما هو منطلق لأن نستلهم من الماضي لإصلاح الحاضر والعبور المتزن الآمن إلى مستقبل مزهر.
690
| 21 ديسمبر 2025