رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
حاز كتاب "يوميات غوانتنامو" للمواطن الموريتاني المعتقل ظلما من قبل السلطات الأمريكية محمدو ولد صلاحي اهتماما متزايدا على المستوى العالمي؛ باعتباره صرخة قوية بنفس أدبي وأخلاقي في وجه العسف الأمريكي تنبعث من ضلوع أحد الضحايا الذي لا يزال منذ 13عاما قيد الحبس التحكمي الظالم، مما جعل كبريات دور النشر الأمريكية والبريطانية تتسابق لنشر الكتاب في أكثر من عشرين بلدا على المستوى العالمي، ويتوقع أن يشهد الكتاب رواجا كبيرا في المرحلة القادمة، وهو ما يعيد إلى الأذهان قصة نجاح كتاب سابق يتحدث عن مأساة مواطن موريتاني آخر هو "كنتا كنتي" الذي خطف من ديار أخواله في غامبيا عام 1767م، وليستعبد في أمريكا، قبل أن يخرج الله من صلبه من ينقل للدنيا فصول مأساته، حيث خلدها حفيده أليكس هايلي في روايته "الجذور" التي نشرت أول مرة عام 1976م وترجمت إلى 37 لغة وبيع منها 50 مليون نسخة، وجسدت في مسلسل "كونتا كنتي" الذي لقي رواجا كبيرا. مما يثير الانتباه ويدعو للتأمل العميق حول قصة الموريتانيين مع الظلم الأمريكي العابر للأجيال، وجذور المعجزة الموريتانية التي تُبدل الضعف إلى قوة، وتحول مخزون الألم والمعاناة إلى طاقة إبداعية، وتواجه عسف الجبابرة بمرافعات أخلاقية وقانونية، تكشف الوجه الحقيقي للأمريكان سلفا وخلفا، وتعريه على مرأى الإنسانية وأسماع التاريخ .
جذور غوانتنامو
بدأت رحلة محمدو ولد صلاحي في التعذيب والإهانة، من بلده موريتانيا قبل 13 عاما، ومنها إلى الأردن وأفغانستان، قبل نقله أخيرا إلى معتقل غوانتنامو في كوبا في أغسطس عام 2002، حيث أصبح السجين رقم 760، وبسبب سابقته الجهادية في أفغانستان أيام السوفيت، أخضع لأشد أنواع التعذيب البدني والنفسي على خلفية أعمال قامت بها القاعدة التي غادر صفوفها عام 1992م، أما قصة سلفه "كونتا كنتي" مع أمريكيي القرن 18م، فهي كما صاغها حفيده أليكس هيللي (1921-1992م) في كتابه المجلجل (الجذور) بعد رحلة بحث وتقصٍ استمرت 12 عاما قادته إلى السنغال وغامبيا حيث قارن بين مرويات أهله في أمريكا والمعلومات لتي استقاها من رواة التاريخ المحلي والمعمرين من قرية أسلافه "جوفر" التي ينحدر منها جده الخلاسي كونتا كنتي والذي ولد عام 1750م من أم تدعى بينتا من قبيلة المانديغ الزنجية وأب موريتاني من قبيلة كنتة العربية يدعى عمر، والذي اختار له هذا الاسم تيمنا بجده "كيرابا كونتا كنتي" الذي جاء من موريتانيا إلى غامبيا حيث أنقذ أهل "جوفر" من المجاعة التي حطت بقريتهم نتيجة القحط والجفاف، حيث ظل ولخمسة أيام متتالية يتضرع إلى الله لإمطار "جوفر" التي أوشكت على الموت بسبب القحط، فأمطرها الله من فضله ببركة دعاء الرجل الصالح.
لكن الطفل "كونتا كنتي" سوف يتعرض على غرار أفارقة كثر للخطف من قبل القراصنة البيض وهو لم يتجاوز السادسة عشر ربيعا وينقل على متن سفينة لورد ليجونيار إلى ميناء أنابوليس، والتي وصلها يوم 29 سبتمبر 1767م، وعلى كل حال كان محظوظا عكس مواطنه صلاحي لكونه لم يمر في طريقه لأمريكا بمسالخ المخابرات الأردنية، وفي أمريكا بدأت معانات "كونتا" القاسية مع أسياده الأجلاف والتي واجهها بكل رجولة وصبر مما أهله ليصبح في مصاف الآباء المؤسسين للوعي الجمعي الزنجي وأحد رموز الثورة على العبودية في أمريكا، على غرار مالكوم أكس ومارتن لوثر كينج.
فتش عن الخونة المحليين :
تؤكد قصة خطف "كونتا كنتي" في السابق ومحمدو ولد الصلاحي في الحاضر أنه ما كان للأحرار أن يُتخطفوا من أرضهم ويسلموا للقراصنة المتوحشين لولا الملوك الظلمة والخونة المأجورين، حيث تنقل رواية جذور أن العجوز "نيوبوتو" حكت للطفل "كونتا كنتي" في صغره كيف رأت الأحرار يساقون إلى سفن النخاسة حيث "كان في انتظارهم المغيرون البيض ومعهم مساعدوهم من السود الخونة" (الجذور ،ص 63)، فيما شرح له والده عمر السياق العام للظاهرة حيث : "أن عملاء الملك الشخصيين هم الذين يوفرون معظم من يأسرهم "الطوبوب" (الاسم المحلي للقراصنة البيض ) وعادة ما هم مجرمون أو مدينون أو أي شخص أدين بالاشتباه في التآمر ضد الملك ويبدو أن المزيد من الناس قد يدانون في الجرائم عندما تبحر سفن "الطوبوب" في نهر جامبي بولونج بحثا عن عبيد للبيع" (الجذور ص 66)، لقد طعن الخونة وعملاء الملك الشخصيون محمدو ولد صلاحي كما طعن أسلافهم من قبل "كونتا كنتي" وآلاف المعذبين الأفارقة، إنه تقليد راسخ في السواحل الإفريقية منذ قرون.
ولو بعد حين ..
برزت رواية الجذور عام 1976م أي بعد مرور 210 سنوات على حادثة الخطف والاستعباد التي تعرض لها "كونتا كنتي" ، في حين خرجت صرخة "يوميات غواتنامو" بعد 13عاما من تاريخ مأساة ولد صلاحي، ولاشك أن للفارق العلمي والتقني دوره الهائل في تقليص المسافة بين تاريخ المأساة ومجريات فصولها وبين وصول أخبارها الموثقة لأسماع العالم، لقد خرجت الصرخة الأولى على لسان أحد أحفاد الضحية الأولى بعد قرنين من الزمن، لكنه نقلها بأمانة وجرأة هزت وجدان الإنسانية، في حين خرجت الصرخة الثانية على لسان الضحية نفسه، والذي قال عنه ناشر الكتاب "جيمي بينج"، إن قصة ولد صلاحي هي من أهم الكتب التي تصدرها دار "كانونغيت"، واصفا الكتاب بأنه "كتاب لطيف، قاس، يجعلنا نتواضع أمام تجربته (...) كتبها كاتب موهوب. ونأمل مع بقية الناشرين الدوليين أن نقدم قصته للعالم، ونسهم في نهاية سجنه القاسي والبربري".
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
حين ننظر إلى المتقاعدين في قطر، لا نراهم خارج إطار العطاء، بل نراهم ذاكرة الوطن الحية، وامتداد مسيرة بنائه منذ عقود. هم الجيل الذي زرع، وأسّس، وساهم في تشكيل الملامح الأولى لمؤسسات الدولة الحديثة. ولأن قطر لم تكن يومًا دولة تنسى أبناءها، فقد كانت من أوائل الدول التي خصّت المتقاعدين برعاية استثنائية، وعلاوات تحفيزية، ومكافآت تليق بتاريخ عطائهم، في نهج إنساني رسخته القيادة الحكيمة منذ أعوام. لكن أبناء الوطن هؤلاء «المتقاعدون» لا يزالون ينظرون بعين الفخر والمحبة إلى كل خطوة تُتخذ اليوم، في ظل القيادة الرشيدة لحضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني – حفظه الله – فهم يرون في كل قرار جديد نبض الوطن يتجدد. ويقولون من قلوبهم: نحن أيضًا أبناؤك يا صاحب السمو، ما زلنا نعيش على عهدك، ننتظر لمستك الحانية التي تعودناها، ونثق أن كرمك لا يفرق بين من لا يزال في الميدان، ومن تقاعد بعد رحلة شرف وخدمة. وفي هذا الإطار، جاء اعتماد القانون الجديد للموارد البشرية ليؤكد من جديد أن التحفيز في قطر لا يقف عند حد، ولا يُوجّه لفئة دون أخرى. فالقانون ليس مجرد تحديث إداري أو تعديل في اللوائح، بل هو رؤية وطنية متكاملة تستهدف الإنسان قبل المنصب، والعطاء قبل العنوان الوظيفي. وقد حمل القانون في طياته علاوات متعددة، من بدل الزواج إلى بدل العمل الإضافي، وحوافز الأداء، وتشجيع التطوير المهني، في خطوة تُكرس العدالة، وتُعزز ثقافة التحفيز والاستقرار الأسري والمهني. هذا القانون يُعد امتدادًا طبيعيًا لنهج القيادة القطرية في تمكين الإنسان، سواء كان موظفًا أو متقاعدًا، فالجميع في عين الوطن سواء، وكل من خدم قطر سيبقى جزءًا من نسيجها وذاكرتها. إنه نهج يُترجم رؤية القيادة التي تؤمن بأن الوفاء ليس مجرد قيمة اجتماعية، بل سياسة دولة تُكرم العطاء وتزرع في الأجيال حب الخدمة العامة. في النهاية، يثبت هذا القانون أن قطر ماضية في تعزيز العدالة الوظيفية والتحفيز الإنساني، وأن الاستثمار في الإنسان – في كل مراحله – هو الاستثمار الأجدر والأبقى. فالموظف في مكتبه، والمتقاعد في بيته، كلاهما يسهم في كتابة الحكاية نفسها: حكاية وطن لا ينسى أبناءه.
8853
| 09 أكتوبر 2025
انتهت الحرب في غزة، أو هكذا ظنّوا. توقفت الطائرات عن التحليق، وصمت هدير المدافع، لكن المدينة لم تنم. فمن تحت الركام خرج الناس كأنهم يوقظون الحياة التي خُيّل إلى العالم أنها ماتت. عادوا أفراداً وجماعات، يحملون المكان في قلوبهم قبل أن يحملوا أمتعتهم. رأى العالم مشهدًا لم يتوقعه: رجال يكنسون الغبار عن العتبات، نساء يغسلن الحجارة بماء بحر غزة، وأطفال يركضون بين الخراب يبحثون عن كرة ضائعة أو بين الركام عن كتاب لم يحترق بعد. خلال ساعات معدودة، تحول الخراب إلى حركة، والموت إلى عمل، والدمار إلى إرادة. كان المشهد إعجازًا إنسانيًا بكل المقاييس، كأن غزة بأسرها خرجت من القبر وقالت: «ها أنا عدتُ إلى الحياة». تجاوز عدد الشهداء ستين ألفًا، والجراح تزيد على مائة وأربعين ألفًا، والبيوت المدمرة بالآلاف، لكن من نجا لم ينتظر المعونات، ولم ينتظر أعذار من خذلوه وتخاذلوا عنه، ولم يرفع راية الاستسلام. عاد الناس إلى بقايا منازلهم يرممونها بأيديهم العارية، وكأن الحجارة تُقبّل أيديهم وتقول: أنتم الحجارة بصمودكم لا أنا. عادوا يزرعون في قلب الخراب بذور الأمل والحياة. ذلك الزحف نحو النهوض أدهش العالم، كما أذهله من قبل صمودهم تحت دمار شارك فيه العالم كله ضدهم. ما رآه الآخرون “عودة”، رآه أهل غزة انتصارًا واسترجاعًا للحق السليب. في اللغة العربية، التي تُحسن التفريق بين المعاني، الفوز غير النصر. الفوز هو النجاة، أن تخرج من النار سليم الروح وإن احترق الجسد، أن تُنقذ كرامتك ولو فقدت بيتك. أما الانتصار فهو الغلبة، أن تتفوق على خصمك وتفرض عليه إرادتك. الفوز خلاص للنفس، والانتصار قهر للعدو. وغزة، بميزان اللغة والحق، (فازت لأنها نجت، وانتصرت لأنها ثبتت). لم تملك الطائرات ولا الدبابات، ولا الإمدادات ولا التحالفات، بل لم تملك شيئًا البتة سوى الإيمان بأن الأرض لا تموت ما دام فيها قلب ينبض. فمن ترابها خُلِقوا، وهم الأرض، وهم الركام، وهم الحطام، وها هم عادوا كأمواج تتلاطم يسابقون الزمن لغد أفضل. غزة لم ترفع سلاحًا أقوى من الصبر، ولا راية أعلى من الأمل. قال الله تعالى: “كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ”. فانتصارها كان بالله فقط، لا بعتاد البشر. لقد خسر العدو كثيرًا مما ظنّه نصرًا. خسر صورته أمام العالم، فصار علم فلسطين ودبكة غزة يلفّان الأرض شرقًا وغربًا. صار كلُّ حر في العالم غزاويًّا؛ مهما اختلف لونه ودينه ومذهبه أو لغته. وصار لغزة جوازُ سفرٍ لا تصدره حكومة ولا سلطة، اسمه الانتصار. يحمله كل حر وشريف لايلزم حمله إذنٌ رسمي ولا طلبٌ دبلوماسي. أصبحت غزة موجودة تنبض في شوارع أشهر المدن، وفي أكبر الملاعب والمحافل، وفي اشهر المنصات الإعلامية تأثيرًا. خسر العدو قدرته على تبرير المشهد، وذهل من تبدل الأدوار وانقلاب الموازين التي خسرها عليها عقوداً من السردية وامولاً لا حد لها ؛ فالدفة لم تعد بيده، والسفينة يقودها أحرار العالم. وذلك نصر الله، حين يشاء أن ينصر، فلله جنود السماوات والأرض. أما غزة، ففازت لأنها عادت، والعود ذاته فوز. فازت لأن الصمود فيها أرغم السياسة، ولأن الناس فيها اختاروا البناء على البكاء، والعمل على العويل، والأمل على اليأس. والله إنه لمشهدُ نصر وفتح مبين. من فاز؟ ومن انتصر؟ والله إنهم فازوا حين لم يستسلموا، وانتصروا حين لم يخضعوا رغم خذلان العالم لهم، حُرموا حتى من الماء، فلم يهاجروا، أُريد تهجيرهم، فلم يغادروا، أُحرقت بيوتهم، فلم ينكسروا، حوصرت مقاومتهم، فلم يتراجعوا، أرادوا إسكاتهم، فلم يصمتوا. لم… ولم… ولم… إلى ما لا نهاية من الثبات والعزيمة. فهل ما زلت تسأل من فاز ومن انتصر؟
5385
| 14 أكتوبر 2025
المشهد الغريب.. مؤتمر بلا صوت! هل تخيّلتم مؤتمرًا صحفيًا لا وجود فيه للصحافة؟ منصة أنيقة، شعارات لامعة، كاميرات معلّقة على الحائط، لكن لا قلم يكتب، ولا ميكروفون يحمل شعار صحيفة، ولا حتى سؤال واحد يوقظ الوعي! تتحدث الجهة المنظمة، تصفق لنفسها، وتغادر القاعة وكأنها أقنعت العالم بينما لم يسمعها أحد أصلًا! لماذا إذن يُسمّى «مؤتمرًا صحفيًا»؟ هل لأنهم اعتادوا أن يضعوا الكلمة فقط في الدعوة دون أن يدركوا معناها؟ أم لأن المواجهة الحقيقية مع الصحفيين باتت تزعج من تعودوا على الكلام الآمن، والتصفيق المضمون؟ أين الصحافة من المشهد؟ الصحافة الحقيقية ليست ديكورًا خلف المنصّة. الصحافة سؤالٌ، وجرأة، وضمير يسائل، لا يصفّق. فحين تغيب الأسئلة، يغيب العقل الجمعي، ويغيب معها جوهر المؤتمر ذاته. ما معنى أن تُقصى الميكروفونات ويُستبدل الحوار ببيانٍ مكتوب؟ منذ متى تحوّل «المؤتمر الصحفي» إلى إعلان تجاري مغلّف بالكلمات؟ ومنذ متى أصبحت الصورة أهم من المضمون؟ الخوف من السؤال. أزمة ثقة أم غياب وعي؟ الخوف من السؤال هو أول مظاهر الضعف في أي مؤسسة. المسؤول الذي يتهرب من الإجابة يعلن – دون أن يدري – فقره في الفكرة، وضعفه في الإقناع. في السياسة والإعلام، الشفافية لا تُمنح، بل تُختبر أمام الميكروفون، لا خلف العدسة. لماذا نخشى الصحفي؟ هل لأننا لا نملك إجابة؟ أم لأننا نخشى أن يكتشف الناس غيابها؟ الحقيقة الغائبة خلف العدسة ما يجري اليوم من «مؤتمرات بلا صحافة» هو تشويه للمفهوم ذاته. فالمؤتمر الصحفي لم يُخلق لتلميع الصورة، بل لكشف الحقيقة. هو مساحة مواجهة بين الكلمة والمسؤول، بين الفعل والتبرير. حين تتحول المنصّة إلى monologue - حديث ذاتي- تفقد الرسالة معناها. فما قيمة خطاب بلا جمهور؟ وما معنى شفافية لا تُختبر؟ في الختام.. المؤتمر بلا صحفيين، كالوطن بلا مواطنين، والصوت بلا صدى. من أراد الظهور، فليجرب الوقوف أمام سؤال صادق. ومن أراد الاحترام فليتحدث أمام من يملك الجرأة على أن يسأله: لماذا؟ وكيف؟ ومتى؟
4992
| 13 أكتوبر 2025