رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
إن سياسة البشر وإدارة المجتمعات هي من أجَلّ وأدق المسؤوليات، فالاختلافات الكائنة بين النوع الإنساني تتطلب عقلا رجيحا ومنطقا صحيحا لإدارة النزاعات وترشيد القرارات وتحويل الاختلافات إلى طاقة خلاقة للبناء والاستثمار، وهذا المرتقى الصعب لا يمكن أن يَتَسَنَّمه إلا العارفون بالسياسة علما وفكرا وممارسة.
أولا: مفهوم علم السياسة
عرّف ابن الأثير السياسة فقال: "السياسة: القيام على الشيء بما يصلحه."وتابعه على ذلك أكثر علماء اللغة، قال ابن منظور:"وسَاس الأَمرَ سِياسةً: قَامَ بِهِ، وَرَجُلٌ ساسٌ مِنْ قَوْمٍ سَاسَةٍ وسُوَّاس.. وسَوَّسَه القومُ: جَعَلوه يَسُوسُهم. وَيُقَالُ: "سُوِّسَ فلانٌ أَمرَ بَنِي فُلَانٍ أَي كُلِّف بسِياستِهم". وقال أيضًا: "السياسةُ: فِعْلُ السَّائِسِ، يقال: هو يَسُوسُ الدوابَّ إذا قام عليها وراضَهَا، وَالْوَالِي يَسُوسُ رَعِيَّتَه. "وقال الجوهري: "سُسْتُ الرعيّة سِياسَةً، وسُوِّسَ الرجلُ أمورَ الناس، على مالم يُسَمَّ فاعله، إذا مُلِّكَ أمرهم. "وقال الفيومي في المصباح المنير: "وساسَ زيدٌ الأمرَ يسوسه سياسةً دبرهُ وقام بأمره".
وأخرج البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء "باب ما ذكر عن بني إسرائيل" أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ تَسُوسُهُمُ الأَنْبِيَاءُ، كُلَّمَا هَلَكَ نَبِيٌّ خَلَفَهُ نَبِيٌّ، وَإِنَّهُ لاَ نَبِيَّ بَعْدِي". قال النووي في شرحه للحديث: "أي يتولّون أمورهم كما تفعل الأمراء والولاة بالرعية، والسياسةُ: القيام على الشيء بما يصلحه"(1). وقد ورد تعريف السياسة في أدبيات الفكر الإسلامي القديم بأنها:
1- تعريف ابن عقيل: "السياسة ما كان فعلا يكون الناس معه أقرب إلى الصلاح وأبعد عن الفساد وإن لم يضعه الرسول ولا نزل به الوحي".
2- تعريف ابن الملقن: "السياسة: القيام على الشيء والتعهّد له بما يصلحه".
3- تعريف المقريزي بأنّها: "القانون الموضوع لرعاية الآداب والمصالح وانتظام الأحوال".
4- تعريف بن نجيم الحنفي: "السياسة هي فعل شيء من الحاكم لمصلحة يراها، وإن لم يرد بذلك الفعل دليل جزئي"(2).
ومع تطور العلوم ومناهجها وأدواتها وتخصصاتها، انتقلت السياسة من مجال الفن والمهارة إلى مجال المعرفة الإبستيمولوجية والإختصاص العلمي، فأضحت معالمها أكثر وضوحا ونضوجا، فعرفت جامعة كولومبيا علم السياسة بأنه: "علم دراسة الحكومة، ودراسة عملية ممارسة السلطة السياسية ودراسة المؤسسات السياسية والسلوك السياسي"(3). أي أن هذا العلم يهتم بدراسة آلية الحكم والمؤسسات السياسيّة بكلتا نوعيْها (التشريعيّة والتنفيذيّة) والتنظيمات غير الرسميّة كجماعات الرأي العام والأحزاب، كما أن هذا العلم يُعنى بدراسة جميع النشاطات السياسيّة للأفراد، كعمليات الاقتراع والتصويت في الانتخابات وغيرها. وفي مايلي نقدم بعض تعاريف وخصائص هذا العلم:
1 - علم السياسة هو علم إدارة الدول والأنساق المجتمعية، والعلاقات الدولية من منظور تفاعلي.
2 - هو العلم الذي يضطلع بتقديم المقاربات والمناهج العلمية لبناء الدول الحديثة وإدارة الأزمات وحل المشكلات على الصعيد الداخلي والخارجي.
3 - هو العلم الذي يدرس شكل الدولة ونظامها وأنساقها ومرتكزاتها والفواعل والمتغيرات المرتبطة بها.
4 - هو علم جامع للأدوات والمقاربات التحليلية في العلوم الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية والإدارية والقانونية إضافة إلى خصوصيته الموضوعية.
5- هو العلم الذي يبحث في كل السبل الآمنة والممكنة لحل الأزمات بعيدا عن العنف، إذ بغياب السياسة تحضر الحرب والصدام والدمار.
6- هو علم تتماهى فيه ملكات الإبداع والتحليل والاستنباط والاستشراف والنظر الاستراتيجي، والتأسيس والتجديد بروح الواقعية والموضوعية.
7- السياسة هي علم على مستوى التأصيل والتنظير وفن وإبداع على مستوى الممارسة والتطبيق.
ثانيا: أهم اختصاصات العلوم السياسية
اختصاصات علم السياسة تجمع بين العديد من العلوم والمقاربات المعرفية التي توفر للباحث السياسي شموليةً في الفكر، وعمقًا في التحليل، وتعددًا في المقاربات العلاجية، واستغراقًا لكافة أبعاد الظاهرة ومتغيراتها، وأهم هذه الاختصاصات: تاريخ الفكر السياسي، نظريات الدولة، مدخل إلى العلاقات الدولية، الأنظمة السياسية المقارنة، الاقتصاد السياسي، علم الاجتماع السياسي، مدخل لعلم القانون والالتزامات، مدخل لعلم الإدارة، التنظيم السياسي والإداري، المنظمات الدولية، المالية العامة، المجتمع المدني، إدارة الجماعات المحلية، الإدارة العامة المقارنة، الحكم الراشد، نظم التشريع، المؤسسات المالية والنقدية، نماذج أنظمة الحكم، النظم الانتخابية والحزبية، إدارة الموارد البشرية، إدارة الجودة الشاملة، التنمية الإدارية، رسم السياسة العامة وصنع القرار، التنمية الشاملة والمستدامة، منهجية البحث العلمي، الدبلوماسية والتفاوض، الجغرافيا السياسية، نظريات التكامل والاندماج، الدراسات الإستراتيجية.
فعلم السياسة بالمجمل يتناول بالتحليل والتأصيل المواضيع التالية:
1- الدولة والمجتمع والسلطة وكيفية تأسيسها وتوزيعها وإدارتها.
2 - أنواع السلطات (القضائية والتشريعية والتنفيذية) وصلاحياتها والعلاقة بينها.
3 - النظام العام للحكم ومؤسساته وأدواته.
4 - النظام السياسي وأشكاله وطرائق تداول السلطة وتوظيفها.
5 - تنظيم الدولة وسيادتها ومؤسساتها وتنمية المجتمع.
6 - العلاقات الدولية وأصول الدبلوماسية وإدارة النزاعات الدولية.
7 - السياسة الخارجية والمنظمات الدولية والتكامل والاندماج.
8 - التنمية الإدارية والإدارة العامة والمحلية.
9 - الفكر الإستراتيجي والاستشراف المستقبلي.
10 - الاقتصاد السياسي الوطني والدولي وتفاعلاته السياسية.
ثالثا: أهمية العلوم السياسية في إدارة المجتمعات الحديثة
لقد أبانت الأزمات السياسية التي ألمت بالدول العربية منذ 2011 على الأهمية الاستراتيجية لتخصص العلوم السياسية والعلاقات الدولية، ودور النخب العلمية والعقول السياسية الاستراتيجية في مأسسة التفكير والتخطيط السياسي وفق رؤى منهجية وتصورات واقعية وعلمية، فالتنظير السياسي لحل الأزمات وإدارتها ينطلق من المعاهد البحثية وغرف وعلب التفكير الاستراتيجي THINK TANKS ومراكز البحث المتخصصة في الاستشراف والمستقبليات، وهي بنوك لجمع رأسِ مالِ الأفكار وإنتاجها وهندسة الاستراتيجيات وتطويرها.
ومما يثير العَجَبَ؛ أنه في الوقت الذي يحظى فيه هذا التخصص بالاهتمام البالغ لدى الدول الرائدة، والتمكين المستحق والتطوير الدائم لأدواته المنهجية ومقارباته العلمية ومؤسساته البحثية، نجد الكثير من الدول العربية تحارب هذا التخصص والبعض منها تمنع دراسته كليا، ظنا منها أنه تخصص يسبب "وجع الرأس" وينمي حاسية "الوعي السياسي" لدى الشعوب المستَبَدَّةِ ويفتح أقْفَالَ عقولها حول مفاهيم: الشرعية والمشروعية والمجتمع المدني والتنشئة السياسية والنظام السياسي وأشكاله والديمقراطية التشاركية والتمثيلية، التداول على السلطة، والحكم الأوتوقراطي والثيوقراطي والديمقراطي، أنواع السلطة، والحكم الراشد والمساءلة، وغيرها من المفاهيم المركزية التي تذكي جذوة الوعي السياسي في المجتمع، وطبعا هذا النوع من "الوعي المريب" لا يحبذه المستبد الموتور الشغوف باحتكار السلطة لا بناء الدولة.
لقد أضحت السياسة في بلادنا العربية -للأسف- بعد أن حُرّفت معانيها ومراميها بممارسات شوهاء، لصيقة بفنون الكذب والاحتيال والختل والمكر والدهاء، وأصبح وسم "محلل سياسي" يطلق على كل مُتَحَذْلِقٍ متلون كالحرباء، فَسَقِمَتْ فُهُومُها عندما اقتحم حرمتها الأدعياء، وتَسَوّرَ محرابها الدخلاء، وأصبحت حرفة من لا طموح له ولا رجاء، ومهنة من لا علم له ولا ذكاء، وسُلَّمًا للتزلف والتسلق بلا حياء.
المصدر: الجزيرة
لماذا تكتب؟..
من أكثر الأسئلة التي توجه لي في حواراتي الثقافية، أو توجه إلى غيري من الكتاب، هو لماذا تكتب؟.... اقرأ المزيد
126
| 30 أكتوبر 2025
الإزعاج الصوتي.. تعدٍ على الهدوء والهوية
في السنوات الأخيرة، أصبحت الأغاني تصدح في كل مكان نذهب إليه تقريبًا؛ في المطاعم والمقاهي والفنادق والأندية الرياضية،... اقرأ المزيد
195
| 30 أكتوبر 2025
وجوه صامتة
• ما معنى أن يعم الهدوء كل الأرجاء والوجوه؟ وما معنى ان تصادف إنسانا يلتزم الصمت في معظم... اقرأ المزيد
159
| 30 أكتوبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية



مساحة إعلانية
نعم، أصبحنا نعيش زمنًا يُتاجر فيه بالفكر كما يُتاجر بالبضائع، تُباع فيه الشهادات كما تُباع السلع، وتُؤجّر فيه المنصات التدريبية كما تُؤجّر القاعات لحفلات المناسبات. هو زمنٌ تحوّلت فيه «المعرفة إلى سلعة» تُسعَّر، لا رسالة تُؤدَّى. تتجلّى مظاهر «الاتّجار المعرفي» اليوم في صور عديدة، لعلّ أبرزها «المؤتمرات والملتقيات التدريبية والأكاديمية» التي تُقام بأسماء لامعة وشعارات براقة، يدفع فيها الحضور مبالغ طائلة تحت وعودٍ بالمحتوى النوعي والتبادل العلمي، ثم لا يخرج منها المشاركون إلا بأوراق تذكارية وصورٍ للمنصات! وهنا «العجيب من ذلك، والأغرب من ذلك»، أنك حين تتأمل هذه الملتقيات، تجدها تحمل أربعة أو خمسة شعارات لمؤسساتٍ وجهاتٍ مختلفة، لكنها في الحقيقة «تعود إلى نفس المالك أو الجهة التجارية ذاتها»، تُدار بأسماء متعدّدة لتُعطي انطباعًا بالتنوّع والمصداقية، بينما الهدف الحقيقي هو «تكرار الاستفادة المادية من الجمهور نفسه». هذه الفعاليات كثير منها أصبح سوقًا مفتوحًا للربح السريع، لا للعلم الراسخ؛ تُوزَّع فيها الجوائز بلا معايير، وتُمنح فيها الألقاب بلا استحقاق، وتُقدَّم فيها أوراق بحثية أو عروض تدريبية «مكرّرة، منسوخة، أو بلا أثرٍ معرفي حقيقي». وهذا الشكل من الاتّجار لا يقل خطورة عن سرقة البيانات أو بيع الحقائب التدريبية، لأنه يُفرغ الفضاء الأكاديمي من جوهره، ويُحوّل «الجهد العلمي إلى طقسٍ استعراضي» لا يصنع معرفة ولا يضيف قيمة. فالمعرفة الحقيقية لا تُشترى بتذكرة حضور، ولا تُختزل في شعار مؤتمر، ولا تُقاس بعدد الصور المنشورة في مواقع التواصل. من جهةٍ أخرى، يتخذ الاتّجار بالمعرفة اليوم وجهًا «رقميًا سيبرانيًا أكثر تعقيدًا»؛ إذ تُباع البيانات البحثية والمقررات الإلكترونية في «الأسواق السوداء للمعلومات»، وتُسرق الأفكار عبر المنصات المفتوحة، ويُعاد تسويقها تحت أسماء جديدة دون وعيٍ أو مساءلة. لقد دخلنا مرحلة جديدة من الاتّجار لا تقوم على الجسد، بل على «استغلال العقول»، حيث يُسرق الفكر ويُباع الإبداع تحت غطاء “التعاون الأكاديمي” أو “الفرص البحثية”. ولذلك، فإن الحديث عن «أمن المعرفة» و»السلامة السيبرانية في التعليم والتدريب» لم يعد ترفًا، بل ضرورة وجودية لحماية رأس المال الفكري للأمم. على الجامعات ومراكز التدريب أن تنتقل من مرحلة التباهي بعدد المؤتمرات إلى مرحلة «قياس الأثر المعرفي الحقيقي»، وأن تُحاكم جودة المحتوى لا عدد المشاركين. الاتّجار بالمعرفة جريمة صامتة، لكنها أخطر من كل أشكال الاتّجار الأخرى، لأنها «تسرق الإنسان من داخله»، وتقتل ضميره المهني قبل أن تمس جيبه. وحين تتحوّل الفكرة إلى تجارة، والمعرفة إلى وسيلة للشهرة، يفقد العلم قدسيته، ويصبح المتعلم مستهلكًا للوهم لا حاملًا للنور.
6609
| 27 أكتوبر 2025
في زمنٍ تتسارع فيه التكنولوجيا وتتصارع فيه المفاهيم، باتت القيم المجتمعية في كثيرٍ من المجتمعات العربية أقرب إلى «غرفة الإنعاش» منها إلى الحياة الطبيعية. القيم التي كانت نبض الأسرة، وعماد التعليم، وسقف الخطاب الإعلامي، أصبحت اليوم غائبة أو في أحسن الأحوال موجودة بلا ممارسة. والسؤال الذي يفرض نفسه: من يُعلن حالة الطوارئ لإنقاذ القيم قبل أن تستفحل الأزمات؟ أولاً: التشخيص: القيم تختنق بين ضجيج المظاهر وسرعة التحول: لم يعد ضعف القيم مجرد ظاهرة تربوية؛ بل أزمة مجتمعية شاملة فنحن أمام جيلٍ محاط بالإعلانات والمحتوى السريع، لكنه يفتقد النماذج التي تجسّد القيم في السلوك الواقعي. ثانياً: الأدوار المتداخلة: من المسؤول؟ إنها مسؤولية تكاملية: - وزارة التربية والتعليم: إعادة بناء المناهج والأنشطة اللاصفية على قيم العمل والانتماء والمسؤولية، وربط المعرفة بالسلوك. - وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية: تجديد الخطاب الديني بلغة العصر وتحويل المساجد إلى منصات توعية مجتمعية. - وزارة الثقافة: تحويل الفنون والمهرجانات إلى رسائل تُنعش الوعي وتُعيد تعريف الجمال بالقيمة لا بالمظهر. - وزارة الإعلام: ضبط المحتوى المرئي والرقمي بما يرسّخ الوعي الجمعي ويقدّم نماذج حقيقية. - وزارة التنمية الاجتماعية: تمكين المجتمع المدني، ودعم المبادرات التطوعية، وترسيخ احترام التنوع الثقافي باعتباره قيمة لا تهديدًا. ثالثاً: الحلول: نحو حاضنات وطنية للقيم: إن مواجهة التراجع القيمي لا تكون بالشعارات، بل بإنشاء حاضنات للقيم الوطنية تعمل مثل حاضنات الأعمال، لكنها تستثمر في الإنسان لا في المال. هذه الحاضنات تجمع التربويين والإعلاميين والمثقفين وخبراء التنمية لتصميم برامج عملية في المدارس والجامعات ومراكز الشباب تُترجم القيم إلى ممارسات يومية، وتنتج مواد تعليمية وإعلامية قابلة للتكرار والقياس. كما يمكن إطلاق مؤشر وطني للقيم يُقاس عبر استطلاعات وسلوكيات مجتمعية، لتصبح القيم جزءًا من تقييم الأداء الوطني مثل الاقتصاد والتعليم. رابعا: تكامل الوزارات:غرفة عمليات مشتركة للقيم: لا بد من إطار حوكمة ؛ • إنشاء مجلس وطني للقيم يُمثّل الوزارات والجهات الأهلية، يضع سياسة موحّدة وخطة سنوية ملزِمة. مؤشرات أداء مشتركة • تُدرج في اتفاقيات الأداء لكل وزارة • منصة بيانات موحّدة لتبادل المحتوى والنتائج تُعلن للناس لتعزيز الشفافية. • حملات وطنية متزامنة تُبث في المدارس والمساجد والمنصات الرقمية والفنون، بشعار واحد ورسائل متناسقة. • عقود شراكة مع القطاع الخاص لرعاية حاضنات القيم وبرامج القدوة، وربط الحوافز الضريبية أو التفضيلية بحجم الإسهام القيمي. الختام..... من يُعلن حالة الطوارئ؟ إنقاذ القيم لا يحتاج خطابًا جديدًا بقدر ما يحتاج إرادة جماعية وإدارة محترفة. المطلوب اليوم حاضنات قيم، ومجلس تنسيقي، ومؤشرات قياس، وتمويل مستدام. عندها فقط سننقل القيم من شعارات تُرفع إلى سلوك يُمارس، ومن دروس تُتلى إلى واقع يُعاش؛ فيحيا المجتمع، وتموت الأزمات قبل أن تولد.
6483
| 24 أكتوبر 2025
تُخلّف بعض اللحظات أثرًا لا يُمحى، لأنها تزرع في القلب وجعًا عميقًا يصعب نسيانه.. في الجولة الثالثة من دوري أبطال آسيا للنخبة، كانت الصفعة مدوية! الغرافة تلقى هزيمة ثقيلة برباعية أمام الأهلي السعودي، دون أي رد فعل يُذكر. ثم جاء الدور على الدحيل، الذي سقط أمام الوحدة الإماراتي بنتيجة ٣-١، ليظهر الفريق وكأنه تائه، بلا هوية. وأخيرًا، السد ينهار أمام الهلال السعودي بنفس النتيجة، في مشهد يوجع القلب قبل العين. الأداء كان مخيبًا بكل ما تحمله الكلمة من وجع. لا روح، لا قتال، لا التزام داخل المستطيل الأخضر. اللاعبون المحترفون الذين تُصرف عليهم الملايين كانوا مجرد ظلال تتحرك بلا هدف و لا حس، ولا بصمة، ولا وعي! أما الأجهزة الفنية، فبدت عاجزة عن قراءة مجريات المباريات أو توظيف اللاعبين بما يناسب قدراتهم. لاعبون يملكون قدرات هائلة ولكن يُزج بهم في أدوار تُطفئ طاقتهم وتشل حركتهم داخل المستطيل الأخضر، وكأنهم لا يُعرفون إلا بالاسم فقط، أما الموهبة فمدفونة تحت قرارات فنية عقيمة. ما جرى لا يُحتمل. نحن لا نتحدث عن مباراة أو جولة، بل عن انهيار في الروح، وتلاشي في الغيرة، وكأن القميص لم يعد له وزن ولا معنى. كم كنا ننتظر من لاعبينا أن يقاتلوا، أن يردّوا الاعتبار، أن يُسكتوا كل من شكك فيهم، لكنهم خذلونا، بصمت قاسٍ وأداء بارد لا يشبه ألوان الوطن. نملك أدوات النجاح: المواهب موجودة، البنية التحتية متقدمة، والدعم لا حدود له. ما ينقصنا هو استحضار الوعي بالمسؤولية، الالتزام الكامل، والقدرة على التكيّف الذهني والبدني مع حجم التحديات. نحن لا نفقد الأمل، بل نطالب بأن نرى بشكل مختلف، أن يعود اللاعبون إلى جوهرهم الحقيقي، ويستشعروا معنى التمثيل القاري بما يحمله من شرف وواجب. لا نحتاج استعراضًا، بل احترافًا ناضجًا يليق باسم قطر، وبثقافة رياضية تعرف كيف تنهض من العثرات لتعود أقوى. آخر الكلام: هذه الجولة ليست سوى بداية لإشراقة جديدة، وحان الوقت لنصنع مجدًا يستحقه وطننا، ويظل محفورًا في ذاكرته للأجيال القادمة.
3252
| 23 أكتوبر 2025