رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

إبراهيم عبد المجيد

كاتب وروائي مصري

مساحة إعلانية

مقالات

339

إبراهيم عبد المجيد

الأمل.. الدافع الخفي

04 سبتمبر 2025 , 02:52ص

كتب الصحفي والشاعر والروائي وائل السمري على صفحته في الفيسبوك، عبارة أخذتني بقوة على لسان بطل روايته «لعبة الخواجة» أدريان دانينوس، ينحاز فيها إلى الأمل. هذه الرواية كانت من أعظم الروايات التي قرأتها هذا العام، وكتبت عنها رغم أنها روايته الأولى بعد دواوين رائعة، وتحقيقات صحفية مغامرة. هي رواية عن يوناني مصري هو أدريان دانينوس كان هو صاحب فكرة بناء السد العالي منذ بدايات القرن العشرين، ولم يتوقف عن ذلك حتى تم بناء السد في عهد عبد الناصر، لكن لم يُذكر اسمه كصاحب للفكرة قط. عثر وائل السمري على وثائق كثيرة عن ذلك تخص أدريان وزمنه، استطاع أن يحولها إلى عمل أدبي رفيع عن الرجل وعصره.

أعود إلى العبارة التي أقامت حولي التاريخ الإنساني، وكيف كان ولا يزال الأمل هو الدافع الأكبر للحياة، سواء أقرَّ الإنسان بذلك أم لا. أشعار ملء الفضاء عن الأمل قرأناها، وأغانٍ استمعنا إليها عن أمل الأحباء والعشاق. لكن أيضا أمما وحضارات قامت وتقدمت والأمل يحدوها، رغم كل التفسيرات السياسية لقيام الحضارات واندثارها. اشترك ويشترك في الأمل كل البشر على اختلاف دياناتهم رغم أنه ليس له أنبياء ولا أولياء. القول المعروف بأن الإنسان يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصِّرانه أو يجعلانه مسلما» وتستطيع أن تضيف أو بوذيا أو هندوسيا، قول صحيح، لكن الأمل راية يرفعها الجميع أمامه. حتى النزاعات الدينية بين الأمم وبين أصحاب الدين الواحد، التي جعلت المسيحية تنقسم بين أرثوذكس وكاثوليك وبروتستانت وإنجيليين، وجعلت المسلمين بين سنة وشيعة، ومذاهب مثل الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة، كان الأمل يراود أصحابها في رغبتهم في سيادة مذاهبهم أو حروبهم. الأمل خارج التصنيف ولابد أن الخواجة اليوناني أدريان دانينوس كان يعرف ذلك، خاصة إنه أمضى سنوات طويلة حتى تحقق أمله في بناء السد العالي. لكن الذين يرفعون راية الأمل الكاذبة في سرقة أو احتلال بلاد غيرهم، يأتي يوم تنكشف فيه كل أفعالهم ويعودون بخيبتهم، ولا يختلفون عن اللص الذي يأمل في السرقة ويعيش عليها، غير مدرك أنه سيأتي اليوم الذي تقيده فيه جدران السجون. كانت الحروب الصليبية ترفع راية الأمل في احتلال فلسطين، وهي مدركة أن من حاول صلب المسيح أو من شبّهه الله لهم، هم اليهود وليس أهل فلسطين من العرب، فباءت الحملات بالفشل. نجح أمل الأوروبيين في احتلال الأمريكتين ليس لصحة أملهم، لكن لأن السكان الأصليين من الهنود الحمر، كانوا في حالة من الضعف أمام التطور في السلاح الذي وصلت إليه أوروبا. قاوم الهنود الحمر مقاومة كبيرة عظيمة، لكن السينما الأمريكية نجحت في تقديمهم كشعب من البرابرة يستحق الفناء، وإن استيقظ ضميرها ولو متأخرا، فصنعت أفلاما توضح كم كان الهنود الحمر غير ذلك، لكنها كانت أفلاما قليلة مثل فيلم «الأباش» لبيرت لانكستر الذي ظهر عام 1954 وغيره. الآن ترفع إسرائيل راية الأمل الكاذب في أرض الميعاد غير مدركة أن أمل أصحاب الأرض الفلسطينيين والعرب هو الصادق وسيتحقق. تساندها أمريكا وإنجلترا وفرنسا على سبيل المثال، ولا تدرك أمريكا أن الفلسطينيين والعرب ليسوا في حالة الضعف التي كان عليها الهنود الحمر. وكذلك لا تدرك فرنسا ولا إنجلترا أن زمن الاستعمار، وهو المصطلح الذي أخفوا وراءه النهب المنظم للشعوب، قد ولَّى. الأمل ينشده الجميع دون أن يدركوا، لكنه يتحقق للصادقين، ومهما تحقق للكاذبين سيأتي يوم ضياعهم.

مساحة إعلانية