رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

محمد سلعان المري

MohammedSelaan@

[email protected]

مساحة إعلانية

مقالات

273

محمد سلعان المري

التربية الإعلامية: سلاح الوعي في زمن الشاشة

04 أغسطس 2025 , 02:40ص

لم يعد الإعلام مجرد نافذة نُطلّ منها على العالم، بل صار مرآة تُرينا صورًا نصدقها دون أن نُدرك أحيانًا مَن رسمها، وبأي غرض وصلت إلينا. وبين مشهدٍ دراميٍّ يبيع الحب كلغزٍ ساحر، وخبرٍ سياسي يتقنع بالحياد، وصورة تروّج لجسد مثالي أو منتج فاخر، يجد المتلقي نفسه محاطًا برسائل متوالدة، تتكاثر كل ساعة، وتُعيد تشكيل وعيه بهدوء.

ووسط هذا الزخم، باتت أحكامنا ذاتها تحت الاختبار اليومي. فالعقل، مهما بدا يقظاً، لا ينجو من تأثير التكرار المستمر، والحذر وحده لا يحمي من اختلاط الحقيقة بما نراه على الشاشات. ولهذا، تبرز الحاجة إلى تربية إعلامية حقيقية، لا تُلقّننا الإجابات الجاهزة، بل تُدرّبنا على طرح الأسئلة: من ينتج هذه الرسالة؟ لأي غرض؟ وما الذي أُخفي خلف الكاميرا أو أسفل العنوان؟

والتربية الإعلامية، في جوهرها، مهارة حياة لا غنى عنها، تبدأ بالقدرة على رؤية ما وراء البريق، وتمتد إلى قراءة الرسائل الخفية التي تحملها الصور، وتتطور لتصبح فناً في تحليل الخطابات التي تتقنع بالموضوعية بينما تخفي مرجعياتها ومصالحها الحقيقية. ومن دون هذه التربية، نتحول إلى متلقين سلبيين، أشبه بشاشات تعكس ما يُعرض عليها دون أدنى تساؤل أو مقاومة. ومع صعود ما يُعرف بـ«المُنتِج/ المُستخدِم»، وهو الفرد الذي يستهلك الإعلام وينتجه في الوقت ذاته، انهارت الحدود التقليدية بين المتلقي وصانع الخطاب الإعلامي، فجميعنا الآن نشارك ونُعلّق، نصوّر وننشر، نحرّر ونُعيد الصياغة، على نحو يضاعف فيه هذا التداخل مسؤوليتنا، طالما لم نعد مجرد مستهلكين للخطاب، وإنما شركاء في نسج محتوى قد يشكل رؤى الآخرين ويؤثر في اختياراتهم.

ولما كانت وظيفة الإعلام قد تجاوزت مجرد نقل الأحداث إلى صناعة المعنى ذاته، وبات القارئ يملك أدوات السرد التي لطالما اقترنت بالصحفي التقليدي، فإن الرسالة الإعلامية تحولت حتماً من أحادية الاتجاه إلى تفاعلية، ومن تعليمية إلى تشاركية. بيد أن هذا التحول، رغم إيجابيته، ينطوي على مفارقة خفية؛ فتعدد مصادر الرسائل لا يضمن بالضرورة تنوعاً حقيقياً في الرؤى، مادام مجرد صدى واحد يتردد بأصوات مختلفة.

كلّ يوم، نستفيق على سيلٍ جارف من الأخبار والمحتوى الذي يغمر شاشات هواتفنا. وقد نتساءل: كيف نميّز الحقيقي من الزائف؟ ما المعيار الذي يجعلنا نُصدّق رواية ونُشكّك في أخرى؟ وإذا كانت الخلفية الثقافية تسهم في تشكيل قناعاتنا إزاء هذه التساؤلات، فإنّ التربية الإعلامية تُعدّ عاملًا حاسمًا في تحصين الوعي إزاء ما يشوب المشهد الرقمي من فوضى وتشويش.

إن المحتوى الذي نتلقّاه ليس مجرد معلومة عابرة، بل هو بنية رمزية تُعيد تشكيل تصوّراتنا عن الواقع، والآخر، والذات. وهو محتوى قد يُسهم في ترسيخ الانحيازات أو في توسيع آفاق الفهم، تبعًا لقدرة المتلقّي على التمييز بين ما يُقدَّم على أنه معنى، وما يُوظَّف كأداة للتأثير أو التضليل. ومن هنا، تبرز قيمة إضافية للتربية الإعلامية، بوصفها أداة فعّالة في تفكيك وهم الحياد؛ إذ تُعلّمنا أن لكل وسيلة إعلامية أجندتها، ولكل رسالة سياقًا وغرضًا، وأن الصورة، وإن لم تكذب، فإنها لا تقول الحقيقة كاملة. 

في زمن يتداخل فيه الخبر مع الترفيه، وتتنكّر فيه الإعلانات في هيئة محتوى معرفي، تشتدّ الحاجة إلى وعي لا يُعلّب، ووجدان لا ينجرف مع الضجيج. وإذا كنا مع كل ضغطة على زر المشاركة، أو تعليق على منشور، أو تعبير عن رأي، نُمارس شكلًا من أشكال التأثير ونُعيد صياغة السرد، فإنه يصبح لزامًا علينا أن نُسائل أنفسنا: هل نفعل ذلك بوعي كامل ومسؤول؟ أم أننا نتشارك، في غفلة منا، روايات تخدم مصالح من يصيغونها، فنكون بذلك أدوات في إعادة إنتاج سردياتهم التي لا تعكس بالضرورة قناعاتنا الخاصة!

 

مساحة إعلانية