رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مؤخرا أعلن الرئيس الفرنسي ماكرون عزمه الاعتراف بدولة فلسطين في خطابه بالأمم المتحدة في سبتمبر المقبل، ثم لاحقه رئيس الوزراء البريطاني الذى أعلن عن نية بريطانيا الاعتراف بفلسطين، ثم جاء بعده موقف كندا التي أكدت إمكانية الاعتراف بفلسطين. وفي العامين السابقين اعترفت عدة دول أوروبية رسميا بدولة فلسطين من أبرزها إسبانيا والنرويج وإيرلندا.
وتباينت التعليقات حول خطوة فرنسا وبريطانيا لما لهما من مكانة أوروبية ودولية كبيرة، إذ رأى جانب وهو الأوسع أن خطوة الاعتراف-التي لا تزال مجرد إقرارات مبدئية أو شبه تأكيدات يمكن النكوص عنها- لا تعدو كونها خطوة رمزية حال تنفيذها. بينما يرى جانب آخر أن الخطوة شديدة الأهمية وتعكس تحولا جذريا في الموقف الأوروبي تجاه القضية الفلسطينية.
وينطلق الجانب الذى يرى رمزية الخطوة من عدة منطلقات واقعية من أهمها، أن اعتراف الدولتين بل أوروبا كلها بدولة فلسطين لن يغير من الأمر شيئاً في شأن القضية الفلسطينية خاصة حل الدولتين وردع حرب الإبادة ومخطط التهجير للكيان الصهيوني، لأن زمام الأمر كله في يد الولايات المتحدة، فهي الوحيدة القادرة على تحديد مستوى فعل وطموح للكيان داخل فلسطين. علاوة على ذلك، وهو تأكيدا على ما سبق، أن قرابة 70% من دول العالم تعترف بفلسطين وعلى رأسها روسيا والصين، ولن يؤدى ذلك إلى حلحلة القضية، بل يزداد الكيان توحشا وثقة يوما بعد يوم.
يعد توقع حدوث تحول أو حل سريع جذري خاصة في سياق التعاطي مع القضية الفلسطينية-المصنفة كأعقد قضية في التاريخ- أمرا لا يستقيم في السياسة الدولية. إذ بطبيعة الحال، من غير المتوقع أو المرجح مطلقا أن يؤدى الاعتراف الأوروبي ولو برمته بقيادة دوله الكبرى (فرنسا، إنجلترا، ألمانيا، إيطاليا) إلى حل القضية الفلسطينية بين ليلة وضحاها، بل زد على ذلك، أن أوروبا لوحدها ليس بمقدورها حل القضية، فهي عامل حاسم بالقطع لكن في إطار تكاتف دولي يضم الولايات المتحدة والقوى الكبرى والصاعدة والمؤثرة.
هل معنى ذلك أن الاعتراف الأوروبي مجرد خطوة رمزية؟!، بالقطع لا. عندما تقوم دولتان كبريان عضوان في مجلس الأمن، كانتا من أكبر الداعمين المطلقين لإسرائيل، خاصة إنجلترا، بالاعتراف بدولة فلسطين في سياق موجة عالمية بالاعتراف بدولة فلسطين، إذ من المرجح أن تنضم لهما على الأقل أوروبيا كل من هولندا، ومالطا، وكرواتيا، خلال عام؛ فهذا يعنى أن مساحة العزلة الدولية لإسرائيل بدأت في التوسع، مما يعنى مزيدا من الضغط على إسرائيل وأكبر داعميها.
إذ أن الاعتراف سيعقبه بالضرورة خطوات أخرى ربما بصورة متدرجة للضغط المستمر على إسرائيل، كتحجيم العلاقات التجارية أو منع تصدير بعض الأسلحة، ولدينا أمثلة أوروبية حية حاليا، إذ أعلنت هولندا مؤخراً منع بن غفير وسموتريتش من دخول أراضيها على خلفية الدعوة للتطهير العرقي في قطاع غزة وتوسيع الاستيطان في الضفة، وفى العام الماضي علقت ألمانيا في مفارقة لافتة-التي ستكون آخر دولة تعترف بفلسطين، وربما لا تعترف نهائيا-تصدير أية أسلحة لإسرائيل على خلفية حملة الإبادة في غزة.
الاعتراف الفرنسي الإنجليزي والأوروبي عامة قد جاء على خلفيتين، الأولى وهى الظاهرية أو غير الحاسمة وهى استمرار حملة الإبادة في غزة التي طورتها إسرائيل بحملة تجويع ممنهجة ومنع دخول المساعدات للقطاع. والثانية الحاسمة، نوايا إسرائيل الواضحة بالهيمنة التامة على الضفة، أي الإجهاز على القضية الفلسطينية كلها، وهو ما تجسد في تصويت الكنيست على قرار-غير ملزم- بضم الضفة ورفض أية خطط لإقامة دولة فلسطينية.
وبالنسبة لأوروبا عامة يعد ذلك غير مقبول على الإطلاق، لاعتبارات تاريخية وقانونية، وأخلاقية ناجمة عن ضغوط داخلية، ومصلحية أيضا، إذ تدرك أوروبا كم الفوضى التي ستحل بالمنطقة حال استمرت الحكومة اليمينية الإسرائيلية في مشاريعها الجنونية.
ومن هنا، نذهب إلى أهم جانب على الإطلاق من وراء الاعتراف بفلسطين، هو إيقاف نزيف التدهور للقضية، والضغط الشديد على إسرائيل وفلسطين أيضا نحو حل الدولتين. ونجزم أن الاعتراف الأوروبي سيكون عامل ضغط حاسم في إطار ذلك، فهو غير رمزي عندما تتقدمه فرنسا وإنجلترا، وعاكس في الوقت نفسه لسياق دولى جديد تبرز أهم معالمه في رأى عام أوروبي وعالمي أيضا بات أكثر نفورا من إسرائيل، وضاغط بقوة على الحكومات المنحازة لها، وانفصال أوروبي تدريجي عن الولايات المتحدة، أو استقلالية أوروبية ناشئة.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
في عالم اليوم المتسارع، أصبحت المعرفة المالية ليست مجرد مهارة إضافية، بل ضرورة تمس حياة كل فرد وإذا كان العالم بأسره يتجه نحو تنويع اقتصادي يخفف من الاعتماد على مصدر واحد للدخل، فإن قطر – بما تمتلكه من رؤية استراتيجية – تدرك أن الاستدامة الاقتصادية تبدأ من المدارس القطرية ومن وعي الطلاب القطريين. هنا، يتحول التعليم من أداة محلية إلى بوابة عالمية، ويصبح الوعي المالي وسيلة لإلغاء الحدود الفكرية وبناء أجيال قادرة على محاكاة العالم لا الاكتفاء بالمحلية. التعليم المالي كاستثمار في الاستدامة الاقتصادية القطرية: عندما يتعلم الطالب القطري إدارة أمواله، فهو لا يضمن استقراره الشخصي فقط، بل يساهم في تعزيز الاقتصاد الوطني. فالوعي المالي يساهم في تقليل الديون وزيادة الادخار والاستثمار. لذا فإن إدماج هذا التعليم يجعل من الطالب القطري مواطنا عالمي التفكير، مشاركا في الاقتصاد العالمي وقادرا على دعم قطر لتنويع الاقتصاد. كيف يمكن دمج الثقافة المالية في المناهج القطرية؟ لكي لا يبقى الوعي المالي مجرد شعار، يجب أن يكون إدماجه في التعليم واقعًا ملموسًا ومحاكيًا للعالمية ومن المقترحات: للمدارس القطرية: • حصص مبسطة تدرّب الطلاب على إدارة المصروف الشخصي والميزانية الصغيرة. • محاكاة «المتجر الافتراضي القطري» أو «المحفظة الاستثمارية المدرسية». للجامعات القطرية: • مقررات إلزامية في «الإدارة المالية الشخصية» و»مبادئ الاستثمار». • منصات محاكاة للتداول بالأسهم والعملات الافتراضية، تجعل الطالب يعيش تجربة عالمية من داخل قاعة قطرية. • مسابقات ريادة الأعمال التي تدمج بين الفكر الاقتصادي والابتكار، وتبني «وعيًا قطريًا عالميًا» في آن واحد. من التجارب الدولية الملهمة: - تجربة الولايات المتحدة الأمريكية: تطبيق إلزامي للتعليم المالي في بعض الولايات أدى إلى انخفاض الديون الطلابية بنسبة 15%. تجربة سنغافورة: دمجت الوعي المالي منذ الابتدائية عبر مناهج عملية تحاكي الأسواق المصغرة - تجربة المملكة المتحدة: إدراج التربية المالية إلزاميًا في الثانوية منذ 2014، ورفع مستوى إدارة الميزانيات الشخصية للطلاب بنسبة 60%. تجربة استراليا من خلال مبادرة (MONEY SMART) حسنت وعي الطلاب المالي بنسبة 35%. هذه النماذج تبيّن أن قطر قادرة على أن تكون رائدة عربيًا إذا نقلت التجارب العالمية إلى المدارس القطرية وصياغتها بما يناسب الوعي القطري المرتبط بهوية عالمية. ختاما.. المعرفة المالية في المناهج القطرية ليست مجرد خطوة تعليمية، بل خيار استراتيجي يفتح أبواب الاستدامة الاقتصادية ويصنع وعيًا مجتمعيًا يتجاوز حدود الجغرافيا، قطر اليوم تملك فرصة لتقود المنطقة في هذا المجال عبر تعليم مالي حديث، يحاكي التجارب العالمية، ويجعل من الطالب القطري أنموذجًا لمواطن عالمي التفكير، محلي الجذور، عالمي الأفق فالعالمية تبدأ من إلغاء الحدود الفكرية، ومن إدراك أن التعليم ليس فقط للحاضر، بل لصناعة مستقبل اقتصادي مستدام.
2259
| 22 سبتمبر 2025
في قاعة الأمم المتحدة كان خطاب صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني حفظه الله مشهدا سياسيا قلب المعادلات، الكلمة التي ألقاها سموه لم تكن خطابًا بروتوكوليًا يضاف إلى أرشيف الأمم المتحدة المكدّس، بل كانت كمن يفتح نافذة في قاعة خانقة. قطر لم تطرح نفسها كقوة تبحث عن مكان على الخريطة؛ بل كصوت يذكّر العالم أن الصِغَر في المساحة لا يعني الصِغَر في التأثير. في لحظة، تحوّل المنبر الأممي من مجرد منصة للوعود المكررة والخطابات المعلبة إلى ساحة مواجهة ناعمة: كلمات صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني وضعتهم في قفص الاتهام دون أن تمنحهم شرف ذكر أسمائهم. يزورون بلادنا ويخططون لقصفها، يفاوضون وفودًا ويخططون لاغتيال أعضائها.. اللغة العربية تعرف قوة الضمير، خصوصًا الضمير المستتر الذي لا يُذكر لفظًا لكنه يُفهم معنى. في خطاب الأمير الضمير هنا مستتر كالذي يختبئ خلف الأحداث، يحرّكها في الخفاء، لكنه لا يجرؤ على الظهور علنًا. استخدام هذا الأسلوب لم يكن محض صدفة لغوية، بل ذكاء سياسي وبلاغي رفيع ؛ إذ جعل كل مستمع يربط الجملة مباشرة بالفاعل الحقيقي في ذهنه من دون أن يحتاج إلى تسميته. ذكاء سياسي ولغوي في آن واحد».... هذا الاستخدام ليس صدفة لغوية، بل استراتيجية بلاغية. في الخطاب السياسي، التسمية المباشرة قد تفتح باب الردّ والجدل، بينما ضمير الغائب يُربك الخصم أكثر لأنه يجعله يتساءل: هل يقصدني وحدي؟ أم يقصد غيري معي؟ إنّه كالسهم الذي ينطلق في القاعة فيصيب أكثر من صدر. محكمة علنية بلا أسماء: لقد حول الأمير خطابًا قصيرًا إلى محكمة علنية بلا أسماء، لكنها محكمة يعرف الجميع من هم المتهمون فيها. وهنا تتجلى العبارة الأبلغ، أن الضمير المستتر في النص كان أبلغ حضورًا من أي تصريح مباشر. العالم في مرآة قطر: في النهاية، لم يكن ضمير المستتر في خطاب صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني – حفظه الله - مجرد أداة لغوية؛ بل كان سلاحًا سياسيًا صامتًا، أشد وقعًا من الضجيج. لقد أجبر العالم على أن يرى نفسه في مرآة قطر. وما بين الغياب والحضور، تجلت الحقيقة أن القيمة تُقاس بجرأة الموقف لا باتساع الأرض، وأن الكلمة حين تُصاغ بذكاء قادرة على أن تهز أركان السياسات الدولية كما تعجز عنها جيوش كاملة. فالمخاطَب يكتشف أن المرآة وُضعت أمامه من دون أن يُذكر اسمه. تلك هي براعة السياسة: أن تُدين خصمك من دون أن تمنحه شرف الذكر.
2037
| 25 سبتمبر 2025
يطلّ عليك فجأة، لا يستأذن ولا يعلن عن نفسه بوضوح. تمرّ في زقاق العمر فتجده واقفًا، يحمل على كتفه صندوقًا ثقيلًا ويعرض بضاعة لا تشبه أي سوق عرفته من قبل. لا يصرخ مثل الباعة العاديين ولا يمد يده نحوك، لكنه يعرف أنك لن تستطيع مقاومته. في طفولتك كان يأتيك خفيفًا، كأنه يوزّع الهدايا مجانًا. يمد يده فتتساقط منها ضحكات بريئة وخطوات صغيرة ودهشة أول مرة ترى المطر. لم تكن تسأله عن السعر، لأنك لم تكن تفهم معنى الثمن. وحين كبُرت، صار أكثر استعجالًا. يقف للحظة عابرة ويفتح صندوقه فتلمع أمامك بضاعة براقة: أحلام متوهجة وصداقات جديدة وطرق كثيرة لا تنتهي. يغمرك بالخيارات حتى تنشغل بجمعها، ولا تنتبه أنه اختفى قبل أن تسأله: كم ستدوم؟ بعد ذلك، يعود إليك بهدوء، كأنه شيخ حكيم يعرف سرّك. يعرض ما لم يخطر لك أن يُباع: خسارات ودروس وحنين. يضع أمامك مرآة صغيرة، تكتشف فيها وجهًا أنهكته الأيام. عندها تدرك أن كل ما أخذته منه في السابق لم يكن بلا مقابل، وأنك دفعت ثمنه من روحك دون أن تدري. والأدهى من ذلك، أنه لا يقبل الاسترجاع. لا تستطيع أن تعيد له طفولتك ولا أن تسترد شغفك الأول. كل ما تملكه منه يصبح ملكك إلى الأبد، حتى الندم. الغريب أنه لا يظلم أحدًا. يقف عند أبواب الجميع ويعرض بضاعته نفسها على كل العابرين. لكننا نحن من نتفاوت: واحد يشتري بتهور وآخر يضيّع اللحظة في التفكير وثالث يتجاهله فيفاجأ أن السوق قد انفض. وفي النهاية، يطوي بضاعته ويمضي كما جاء، بلا وداع وبلا عودة. يتركك تتفقد ما اشتريته منه طوال الطريق، ضحكة عبرت سريعًا وحبًا ترك ندبة وحنينًا يثقل صدرك وحكاية لم تكتمل. تمشي في أثره، تفتش بين الزوايا عن أثر قدميه، لكنك لا تجد سوى تقاويم تتساقط كالأوراق اليابسة، وساعات صامتة تذكرك بأن البائع الذي غادرك لا يعود أبدًا، تمسح العرق عن جبينك وتدرك متأخرًا أنك لم تكن تتعامل مع بائع عادي، بل مع الزمن نفسه وهو يتجول في حياتك ويبيعك أيامك قطعةً قطعة حتى لا يتبقى في صندوقه سوى النهاية.
1530
| 26 سبتمبر 2025