رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

نعيم محمد عبد الغني

نعيم محمد عبد الغني

مساحة إعلانية

مقالات

14767

نعيم محمد عبد الغني

عادات الصلح في الجاهلية

04 يوليو 2014 , 01:57ص

إذا اشتد أوار الحرب في الجاهلية وأنهكت المعارك الطرفين فإن الرغبة تكون كامنة في النفوس لهدنة قد تتحول إلى صلح، ولهم في ذلك عادات، منها مسح اللحى، والإشارة بالرماح وإرسال السهم في السماء فإن رجع نقيا كان علامة على قبول الدية والتصالح في القتلى وإن جاء مضرجا بالدم كان دليلا على القصاص، وهم في قرارة أنفسهم لا يعتقدون بأنه سيكون مضرجا بالدم، وإنما حيلة يحفظون بها ماء وجوههم وقت التصالح. لقد ذكرت كتب الأدب هذه العادات وفيما يأتي سرد لبعضها..

أولا: إمساك اللحى

وكان من عاداتهم عند الصلح أن يمسكوا اللحى، يقول الأسعر الجعفي:

مَسَحُوا لِحَاهم ثمَّ قَالُوا سَالمِوُا

يَا لَيْتَنِي فِي القَوْمِ إِذَ مَسَحُوا اللِّحَى

(انظر الوحشيات لأبي تمام ص44)

ففي البيت السابق تظهر عادة مسح اللحى عند الصلح، قال الأصمعي: هذا سنّة العرب كان أحدهم إذا أراد أن يخطب مسح لحيته وعثنونه، وقال أبو عمر: سألنا ثعلباً عن هذا البيت فقلنا ما كان يصنع فيهم؟ قال: يحلق لحاهم مجازاة لهم على الموادعة (سمط الآلي 1/129)

ومسك اللحى موقف حدث مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلح الحديبية عندما جاء عروة بن مسعود الثقفي ليصالح النبي، وفي مشهد تتواتر كتب السير عليه نرى أن عروة جعل يكلم النبي صلى الله عليه وسلم كلما كلمه أخذ بلحيته والمغيرة بن شعبة قائم على رأس النبي صلى الله عليه وسلم ومعه السيف وعليه المغفر، فكلما أهوى عروة إلى لحية النبي صلى الله عليه وسلم ضرب يده بنعل السيف، وقال: أخر يدك عن لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرفع عروة رأسه فقال: من هذا؟ قالوا: المغيرة بن شعبة، قال: أي غدر؟ أولست أسعى في غدرتك؟ قال: وكان المغيرة صحب قوما في الجاهلية، فقتلهم وأخذ أموالهم، ثم جاء فأسلم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أما الإسلام فأقبل، وأما المال فلست منه في شيء"، ثم إن عروة جعل يرمق (43) من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم، فوالله ما تنخم رسول الله صلى الله عليه وسلم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم يدلك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم ابتدروا لأمره، وإذا توضأ ثاروا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده، وما يجدن إليه النظر تعظيما له. قال: فرجع عروة إلى أصحابه فقال: أي قوم، والله لقد وفدت على الملوك؛ وفدت على قيصر، وكسرى، والنجاشي، والله إن رأيت ملكا قط يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد محمدا، والله إن تنخم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلموا خفضوا أصواتهم عنده، وما يحدون إليه النظر تعظيما له، وإنه قد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوه.

ثانيا: العقيقة

وقد ورد البيت السابق برواية أخرى هي:

عقّوا بسهم ثم قالوا سالموا

يا ليتني في القوم إذ مسحوا اللحى

انظر سمط اللآلي 1/163

وفي هذه الرواية تظهر عادة أخرى تسمى العقيقة، وهي سهم الاعتذار، قال ابن الأعرابي قالت العرب: إن أصل هذا أن يقتل الرجل من القبيلة فيطالب القاتل بدمه فيجتمع جماعة من الرؤساء إلى أولياء المقتول بدية مكمّلة، ويسألونهم العفو وقبول الدية، فإن كان أولياؤه ذوي قوّة أبوا ذلك وإلاّ قالوا لهم إن بيننا وبين خالقنا علامة للأمر والنهي، فيقول الآخرون ما علامتكم؟ فيقولون أن نأخذ سهماً فنرمي به نحو السماء فإن رجع إلينا مضرّجاً دماً فقد نهينا عن أخذ الدية وإن رجع كما صعد فقد أمرنا بأخذها. قال ابن الأعرابيّ قال أبو المكارم وغيره: فما رجع السهم قطّ إلاّ نقيّاً، ولكنهم لهم في هذا المقال عذر عند الجهّال انظر سمط اللآلي 1/163.

ومن عاداتهم في الصلح أنهم يستقبلون العدو بأزجة الرماح، فإن أجابوهم إلى الصلح فبها ونعمت، وإن رفضوا الصلح قلبوا الرماح فقاتلوهم، وهذه العادة يتحدث عنها زهير بن أبي سلمى فيقول:

ومَنْ يَعصِ أَطْرَافَ الزِّجاجِ، فإنَّهُ

يُطيعُ العَوَالي رُكِّبَتْ كُلَّ لَهْذَمِ

حماسة البحتري 169

والمعنى كما يقول النويري: "من لم يرض بأحكام الصلح رضي بأحكام الحرب، وذلك أنهم كانوا إذا طلبوا الصلح قلبوا أزجة الرماح وجعلوها قدامها مكان الأسنة، وإذا أرادوا الحرب أشرعوا الأسنة" نهاية الأرب في فنون الأدب، للنويري، 2/282

وإلى لقاء آخر إن شاء الله

مساحة إعلانية