رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
يشكل قطاع المعرفة في الاقتصاد العالمي لبنة أساسية في توجهات النمو الجديدة، التي تسعى إلى فتح أسواق أكثر تنوعاً وتأقلماً مع واقع الحياة المتغير، وأعني بقطاع المعرفة هو التقنية والمعلومات والوسائط المتعددة في وسائل الترفيه والخدمات والبنوك والشركات، وبات مرتكزا أساسيا لزيادة فعالية أي مؤسسة.
وما دعاني إلى تناول هذا الموضوع ما نشرته دراسة عالمية مؤخراً، أن دولة قطر تحتل المرتبة السابعة عالمياً من حيث انتشار شبكات الألياف الضوئية على مستوى المنازل التي تنفذها ooredoo بتكلفة مليار ريال، واحتلت المرتبة الثانية على مستوى منطقة الشرق الأوسط، وأن هذه التقنية تجمع بين الخدمة والضرورة الاقتصادية، إذ أن الربط التقني بين شركة الاتصالات والمنازل هو ربط بينها والخدمات الحكومية أيضاً.
ونوهت الدراسة أن التوجه الحالي هو تحفيز قطاع الاتصالات والحكومات والهيئات لتعزيز ربط خدماتهم بالأفراد، لدعم النمو الاقتصادي بما يترتب عليه تحديث البنية التحتية لجميع الخدمات.
وما أود التأكيد عليه أن قطاع المعرفة بات من أوجه النمو الاقتصادي العصري، وربط الأفراد والأسر والشركات بخدمات تواصلية مع الأجهزة الحكومية بمثابة نقلة إلى مجالات متنوعة. وكان قد أصدرت الدولة قانون رقم "16" لسنة2010 بشأن المعاملات والتجارة الإلكترونية لتمكين المؤسسات من استخدام التكنولوجيا كرديف للاستدامة، خاصة ً الشبكة العنكبوتية التي قربت مفاهيم المجتمعات وسهلت الوصول إلى المستهلكين.
فقد وضع القانون جميع التعاملات الإلكترونية في إطار الأدوات القانونية التي تتماشى مع المعايير العالمية، وفي الوقت نفسه تصدى لمحاولات التلاعب والتجاوز في الخدمات التجارية المقدمة للمستهلكين.
ويأتي صدوره في وقت تعزز فيه الشبكة المعلوماتية من مكانتها بتنوع أوجه الخدمات التواصلية سعياً لبناء اقتصاد مجتمع المعلومات.
وأكدته أيضاً مؤشرات التنمية المستدامة لجهاز الإحصاء التي رصدت السنوات العشر الأخيرة، فقد ارتفع معدل استخدام الإنترنت من "19.6%" مستخدماً لكل مئة من السكان في 2003 إلى "38.0%" مستخدماً لكل مئة من السكان في 2008 أي بمعدل نمو سنوي قدره "11.7%".
هذه الجهود ستدفع المؤشرات إلى الأمام نتيجة تبني الدولة سياسات تعمل على تخفيض تكاليف الاشتراك والاستخدام في قطاع الاتصالات، وتطوير تطبيقات خدمية مختلفة تزيد من التفاعل البشري مع مؤسسات الأعمال.
بالانتقال إلى مثال آخر وهو مؤشر انتشار استخدام الحواسيب الشخصية التي تعد بوابة الشبكة المعلوماتية وتهيئ للعاملين في مجال التجارة التواصل في أي وقت، فقد شهد زيادة ملحوظة خلال العامين الماضيين حيث ارتفع من "26.3%" في 2007 إلى "32.3%" في 2008، ويرجع السبب إلى مبادرات الدولة في زيادة استخدام الأفراد والشركات لخدمات الاتصال الرقمي.
وهنا يتبين حجم استخدام الأفراد للشبكة التواصلية والأجهزة المحمولة التي تسهل أمر استغلالها في أوجه التعامل الاقتصادي.
ويعنى قطاع المعرفة بمجتمع المعلومات وهو وجه اقتصادي حديث يسعى للتحول من إنتاج البضائع إلى إنتاج المعلومات، وهي عملية اقتصادية تشترك فيها مؤسسات وشركات اتصالات وأجهزة مطورة وبرمجيات، لزيادة كفاءة هذا القطاع وتحسين الاقتصاد الكلي. تشير البيانات الدولية إلى أن قطاع المعرفة يشكل ٥٠% من الناتج الإجمالي للدول المتقدمة، فقد بلغ حجم التجارة الإلكترونية في ١٩٩٨ تريليونات دولارات، وفي ١٩٩٩ بلغت ٥،٣ تريليونات دولارات، وبلغ سوق الإنترنت في ٢٠٠٣ "6،14" مليارات دولارات، وبلغ حجم صناعة المعلومات في أوروبا والولايات المتحدة بلايين الدولارات، وتظهر الإحصاءات أن ٤٠٪ من الدخل القومي للاقتصاد الأوروبي انبثق من أنشطة المعلومات. وتضاعف في السنوات الأخيرة ببيانات ضخمة تبرز أهمية هذا القطاع ودوره الحيوي في الحراك الاقتصادي.
وقد أدى التوسع الهائل في شبكة الإنترنت إلى إيجاد سوق ضخمة لمستخدمي التقنية، مما أدى إلى تشعب المجالات في الخدمات والاتصالات والبيئة والسياحة والإعلانات والشركات والشراء والبيع والخدمات المالية والترفيه.
ويسعى هذا الاقتصاد إلى إدخال المعرفة في الصناعة والتجارة والتسويق، ليكون قوة دافعة للنمو، وبالتالي يعمل على زيادة فعالية الشركات والاستثمار في المعرفة كأحد عوامل الإنتاج.
مع التطور الهائل لقطاع التكنولوجيا إلا أن الشركات والأفراد وأصحاب المشاريع ما زالت لم ترتق بعد لمستوى الاستخدام الأمثل، والكثير منها ينحو الشكلية أو تقديم بعض الخدمات البسيطة، ولم تتمكن من الوصول بمنتجاتها من المحلية إلى الدولية أضف التنافسية التي تعد مطلبا للشركات.
ولا يخفى على أحد الأهمية التي تشكلها البيانات والمؤشرات الاقتصادية من لعب دور مهم في النمو، وهي متوافرة لجميع القطاعات التنموية على المواقع الإلكترونية للأجهزة الحكومية والشركات ومراكز الرصد الاقتصادي، وتفيد صانعي السياسات من وضع خطط مستقبلية، وتعمل على تمكين مستخدميها سواء مؤسسات وأفرادا من الاستفادة من البيانات المتاحة في خدمة أنشطتها.
وختاماً.. فإنّ قطاع المعرفة يتطلب تفاعلاً حقيقياً بين المؤسسات والأفراد لتمكنهم من الاستفادة المثلى من المؤشرات الاقتصادية في بناء إستراتيجيات نمو أكثر تعايشاً مع تقلبات العصر، فالبيانات والإحصاءات تعتبر أرضية خصبة وفعالة لأيّ قطاع يريد زيادة كفاءته، كما أنه وجه اقتصادي واعد باعتبار أنّ الكيانات العالمية اليوم تنحو إلى دمج التقنية في مختلف أنشطتها.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
المشهد الغريب.. مؤتمر بلا صوت! هل تخيّلتم مؤتمرًا صحفيًا لا وجود فيه للصحافة؟ منصة أنيقة، شعارات لامعة، كاميرات معلّقة على الحائط، لكن لا قلم يكتب، ولا ميكروفون يحمل شعار صحيفة، ولا حتى سؤال واحد يوقظ الوعي! تتحدث الجهة المنظمة، تصفق لنفسها، وتغادر القاعة وكأنها أقنعت العالم بينما لم يسمعها أحد أصلًا! لماذا إذن يُسمّى «مؤتمرًا صحفيًا»؟ هل لأنهم اعتادوا أن يضعوا الكلمة فقط في الدعوة دون أن يدركوا معناها؟ أم لأن المواجهة الحقيقية مع الصحفيين باتت تزعج من تعودوا على الكلام الآمن، والتصفيق المضمون؟ أين الصحافة من المشهد؟ الصحافة الحقيقية ليست ديكورًا خلف المنصّة. الصحافة سؤالٌ، وجرأة، وضمير يسائل، لا يصفّق. فحين تغيب الأسئلة، يغيب العقل الجمعي، ويغيب معها جوهر المؤتمر ذاته. ما معنى أن تُقصى الميكروفونات ويُستبدل الحوار ببيانٍ مكتوب؟ منذ متى تحوّل «المؤتمر الصحفي» إلى إعلان تجاري مغلّف بالكلمات؟ ومنذ متى أصبحت الصورة أهم من المضمون؟ الخوف من السؤال. أزمة ثقة أم غياب وعي؟ الخوف من السؤال هو أول مظاهر الضعف في أي مؤسسة. المسؤول الذي يتهرب من الإجابة يعلن – دون أن يدري – فقره في الفكرة، وضعفه في الإقناع. في السياسة والإعلام، الشفافية لا تُمنح، بل تُختبر أمام الميكروفون، لا خلف العدسة. لماذا نخشى الصحفي؟ هل لأننا لا نملك إجابة؟ أم لأننا نخشى أن يكتشف الناس غيابها؟ الحقيقة الغائبة خلف العدسة ما يجري اليوم من «مؤتمرات بلا صحافة» هو تشويه للمفهوم ذاته. فالمؤتمر الصحفي لم يُخلق لتلميع الصورة، بل لكشف الحقيقة. هو مساحة مواجهة بين الكلمة والمسؤول، بين الفعل والتبرير. حين تتحول المنصّة إلى monologue - حديث ذاتي- تفقد الرسالة معناها. فما قيمة خطاب بلا جمهور؟ وما معنى شفافية لا تُختبر؟ في الختام.. المؤتمر بلا صحفيين، كالوطن بلا مواطنين، والصوت بلا صدى. من أراد الظهور، فليجرب الوقوف أمام سؤال صادق. ومن أراد الاحترام فليتحدث أمام من يملك الجرأة على أن يسأله: لماذا؟ وكيف؟ ومتى؟
7881
| 13 أكتوبر 2025
انتهت الحرب في غزة، أو هكذا ظنّوا. توقفت الطائرات عن التحليق، وصمت هدير المدافع، لكن المدينة لم تنم. فمن تحت الركام خرج الناس كأنهم يوقظون الحياة التي خُيّل إلى العالم أنها ماتت. عادوا أفراداً وجماعات، يحملون المكان في قلوبهم قبل أن يحملوا أمتعتهم. رأى العالم مشهدًا لم يتوقعه: رجال يكنسون الغبار عن العتبات، نساء يغسلن الحجارة بماء بحر غزة، وأطفال يركضون بين الخراب يبحثون عن كرة ضائعة أو بين الركام عن كتاب لم يحترق بعد. خلال ساعات معدودة، تحول الخراب إلى حركة، والموت إلى عمل، والدمار إلى إرادة. كان المشهد إعجازًا إنسانيًا بكل المقاييس، كأن غزة بأسرها خرجت من القبر وقالت: «ها أنا عدتُ إلى الحياة». تجاوز عدد الشهداء ستين ألفًا، والجراح تزيد على مائة وأربعين ألفًا، والبيوت المدمرة بالآلاف، لكن من نجا لم ينتظر المعونات، ولم ينتظر أعذار من خذلوه وتخاذلوا عنه، ولم يرفع راية الاستسلام. عاد الناس إلى بقايا منازلهم يرممونها بأيديهم العارية، وكأن الحجارة تُقبّل أيديهم وتقول: أنتم الحجارة بصمودكم لا أنا. عادوا يزرعون في قلب الخراب بذور الأمل والحياة. ذلك الزحف نحو النهوض أدهش العالم، كما أذهله من قبل صمودهم تحت دمار شارك فيه العالم كله ضدهم. ما رآه الآخرون “عودة”، رآه أهل غزة انتصارًا واسترجاعًا للحق السليب. في اللغة العربية، التي تُحسن التفريق بين المعاني، الفوز غير النصر. الفوز هو النجاة، أن تخرج من النار سليم الروح وإن احترق الجسد، أن تُنقذ كرامتك ولو فقدت بيتك. أما الانتصار فهو الغلبة، أن تتفوق على خصمك وتفرض عليه إرادتك. الفوز خلاص للنفس، والانتصار قهر للعدو. وغزة، بميزان اللغة والحق، (فازت لأنها نجت، وانتصرت لأنها ثبتت). لم تملك الطائرات ولا الدبابات، ولا الإمدادات ولا التحالفات، بل لم تملك شيئًا البتة سوى الإيمان بأن الأرض لا تموت ما دام فيها قلب ينبض. فمن ترابها خُلِقوا، وهم الأرض، وهم الركام، وهم الحطام، وها هم عادوا كأمواج تتلاطم يسابقون الزمن لغد أفضل. غزة لم ترفع سلاحًا أقوى من الصبر، ولا راية أعلى من الأمل. قال الله تعالى: “كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ”. فانتصارها كان بالله فقط، لا بعتاد البشر. لقد خسر العدو كثيرًا مما ظنّه نصرًا. خسر صورته أمام العالم، فصار علم فلسطين ودبكة غزة يلفّان الأرض شرقًا وغربًا. صار كلُّ حر في العالم غزاويًّا؛ مهما اختلف لونه ودينه ومذهبه أو لغته. وصار لغزة جوازُ سفرٍ لا تصدره حكومة ولا سلطة، اسمه الانتصار. يحمله كل حر وشريف لايلزم حمله إذنٌ رسمي ولا طلبٌ دبلوماسي. أصبحت غزة موجودة تنبض في شوارع أشهر المدن، وفي أكبر الملاعب والمحافل، وفي اشهر المنصات الإعلامية تأثيرًا. خسر العدو قدرته على تبرير المشهد، وذهل من تبدل الأدوار وانقلاب الموازين التي خسرها عليها عقوداً من السردية وامولاً لا حد لها ؛ فالدفة لم تعد بيده، والسفينة يقودها أحرار العالم. وذلك نصر الله، حين يشاء أن ينصر، فلله جنود السماوات والأرض. أما غزة، ففازت لأنها عادت، والعود ذاته فوز. فازت لأن الصمود فيها أرغم السياسة، ولأن الناس فيها اختاروا البناء على البكاء، والعمل على العويل، والأمل على اليأس. والله إنه لمشهدُ نصر وفتح مبين. من فاز؟ ومن انتصر؟ والله إنهم فازوا حين لم يستسلموا، وانتصروا حين لم يخضعوا رغم خذلان العالم لهم، حُرموا حتى من الماء، فلم يهاجروا، أُريد تهجيرهم، فلم يغادروا، أُحرقت بيوتهم، فلم ينكسروا، حوصرت مقاومتهم، فلم يتراجعوا، أرادوا إسكاتهم، فلم يصمتوا. لم… ولم… ولم… إلى ما لا نهاية من الثبات والعزيمة. فهل ما زلت تسأل من فاز ومن انتصر؟
6549
| 14 أكتوبر 2025
منذ صدور قانون التقاعد الجديد لسنة 2023، استبشر الموظفون والمتقاعدون في قطر بمرحلة جديدة من العدالة الاجتماعية والتقدير العملي لعطاءاتهم الطويلة. فقد نصت المادة (31) من القانون على أن الموظف الذي أكمل أكثر من ثلاثين سنة في الخدمة يستحق مكافأة عن السنوات الزائدة، وهو ما اعتُبر نقلة نوعية في التشريعات، ورسالة وفاء وعرفان من الدولة لأبنائها الذين أفنوا أعمارهم في خدمة مؤسساتها. غير أن هذا التفاؤل لم يدم طويلاً، إذ جاءت اللائحة التنفيذية لتضع قيداً لم يرد في النص الأصلي، حيث حصرت استحقاق مكافأة السنوات الزائدة فيمن تجاوزت خدمته الثلاثين سنة ابتداءً من عام 2023 فقط، متجاهلة بذلك آلاف المتقاعدين الذين أنهوا خدماتهم الطويلة قبل هذا التاريخ. هذا التفسير الضيّق أثار جدلاً واسعاً بين القانونيين والمتقاعدين، لأنه خالف صراحة روح المادة (31) وأفرغها من مضمونها العادل. النص التشريعي والغاية المقصودة: لا جدال في أن المشرّع حين أقر المادة (31) كان يبتغي تحقيق مبدأ المساواة والعدل بين كل من خدم الوطن أكثر من ثلاثين عاماً، دون التفريق بين من انتهت خدمته قبل أو بعد 2023. فالقانون قاعدة عامة مجردة، ومقاصده تتجاوز اللحظة الزمنية لتغطي جميع الحالات المماثلة. فإذا جاء النص واضحاً في تقرير الاستحقاق، فإن أي تفسير لاحق يجب أن يكون شارحاً ومكملاً، لا مقيّداً أو مفرغاً من المضمون. إن حصر المكافأة بفئة زمنية محددة يتنافى مع المبادئ العامة للتشريع، ويجعل القانون غير منصف في تطبيقه. فالذين تقاعدوا قبل 2023 قدّموا جهدهم وعرقهم طوال عقود، ومن غير المنطقي أن يُحرموا من حق أثبته النص لمجرد أن توقيت تقاعدهم سبق صدور القانون الجديد. أثر التمييز الزمني على المتقاعدين: إن استبعاد فئة كبيرة من المتقاعدين من حق المكافأة يخلق شعوراً بالغبن واللامساواة، ويؤدي إلى اهتزاز الثقة في العدالة التشريعية. هؤلاء المتقاعدون خدموا في الوزارات والهيئات والمؤسسات العامة، وأسهموا في بناء نهضة الدولة منذ بداياتها، وتحملوا ظروف العمل في فترات صعبة لم تكن فيها الامتيازات والرواتب كما هي اليوم. إن تجاهل هذه الفئة يرسل رسالة سلبية مفادها أن جهد العقود الطويلة يمكن أن يُطوى بجرة قلم، وأن التقدير مرهون بتاريخ تقاعد لا بعطاء حقيقي. وهذا يتناقض مع قيم الوفاء والعرفان التي اعتادت الدولة على إظهارها لأبنائها. الحديث عن مكافأة السنوات الزائدة ليس مجرد نقاش مالي أو قانوني، بل هو في جوهره قضية عدالة اجتماعية وكرامة إنسانية. فالمكافأة تمثل تقديراً رمزياً لمشوار طويل من الخدمة، وتساهم في تحسين أوضاع المتقاعدين الذين يواجهون أعباء الحياة المتزايدة بعد انتهاء عملهم. ومن هنا فإن إعادة النظر في تفسير المادة (31) ليس مجرد إجراء قانوني، بل هو استجابة طبيعية لقيم العدالة التي تميز نظامنا القانوني والإداري. الحق لا يسقط بالتقادم: ومن المهم التأكيد على أن الحق لا يسقط بالتقادم، خاصة إذا كان مرتبطاً بسنوات خدمة طويلة بذل فيها المواطن جهده وطاقته في سبيل وطنه. إن مكافأة السنوات الزائدة تظل حقاً أصيلاً لصاحبها، يحق له المطالبة به ولو بعد حين، ما دام القانون قد أقرّه صراحة في نصوصه. إن محاولة إسقاط هذا الحق بمرور الزمن أو تقييده بتاريخ صدور اللائحة التنفيذية أمر يتعارض مع المبادئ القانونية الراسخة ومع قواعد العدالة والإنصاف. المقارنة بتجارب خليجية سابقة: من المفيد أن نشير إلى أن دولاً خليجية أخرى اعتمدت أنظمة تقاعدية أكثر مرونة في هذا الجانب، حيث شملت مكافآت أو بدلات السنوات الزائدة جميع المتقاعدين دون تمييز زمني، إيماناً منها بأن العطاء لا يُقاس بتاريخ انتهاء الخدمة بل بعدد السنوات التي قضاها الموظف في خدمة وطنه. هذا يعكس أن المبدأ ليس غريباً أو صعب التطبيق، بل هو إجراء ممكن وواقعي أثبت نجاحه في بيئات مشابهة. المطلوب هو أن تشمل مكافأة السنوات الزائدة جميع من تجاوز ثلاثين عاماً خدمة، سواء تقاعد قبل 2023 أو بعده. فذلك هو التطبيق الأمثل لروح القانون، والتجسيد الحقيقي للعدل، والضمانة لردّ الاعتبار لمن حُرموا من حقهم رغم استحقاقهم. إن مكافأة السنوات الزائدة ليست ترفاً ولا منحة عابرة، بل هي استحقاق مشروع وواجب وطني في حق كل من خدم الدولة أكثر من ثلاثة عقود. تجاهل هذا الاستحقاق يفتح باب التمييز ويضعف الثقة في التشريع، بينما إنصاف المتقاعدين يرسخ مبادئ العدالة ويؤكد أن الدولة لا تنسى أبناءها الذين حملوا على عاتقهم مسؤولية البناء والتطوير. وليطمئن كل متقاعد أن عطاءه محفوظ في سجل الوفاء الوطني، وأن سنوات الخدمة الزائدة لن تضيع هدراً، بل ستُكافأ بالعدل والإنصاف.
3438
| 12 أكتوبر 2025