رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مع كل «ترند» أو موجة تقنية جديدة تكتسح العالم الرقمي، يندفع المستخدمون نحو تجربتها بحماس، مدفوعين بالفضول والرغبة في الاندماج مع الصيحات العالمية. لكن خلف هذه المغريات التكنولوجية – مثل تطبيقات تحويل الصور إلى شخصيات أنمي، أو فلاتر الذكاء الاصطناعي التي تعيد تشكيل الهوية البصرية – تكمن مخاطر جسيمة تهدد الخصوصية، وتُعيد تعريف مفهوم «المجانية» في عالم تتحول فيه البيانات الشخصية إلى سلعة تُباع وتُشترى بأبخس الأثمان.
إن خطورة التطبيقات التي تحوّل الصور إلى أعمال فنية – كتلك المستوحاة من أسلوب «جيبلي» – لا تُختزل في مجرد تغيير المظهر، بل في آلية عملها التي تعتمد على استخراج البيانات البيومترية (كملامح الوجه، وبُنية العظام، وتفاصيل البشرة). هذه التفاصيل، التي تُجمع عبر خوارزميات الذكاء الاصطناعي، قد تُدمج في قواعد بيانات ضخمة تُستخدم لأغراض تصل إلى تدريب أنظمة التعرف على الوجوه، أو إنشاء محتوى «ديبفيك» مُزيّف، أو حتى تزوير الهوية الرقمية. والأمر لا يتوقف عند الصور؛ فالكثير من التطبيقات تطلب صلاحيات الوصول إلى الموقع الجغرافي، قائمة جهات الاتصال، وحتى الملفات المخزنة على الهاتف، مما يفتح الباب أمام شبكات استهداف إعلاني أو ابتزاز محتمل.
السرّ الكامن وراء «المجانية» الظاهرة لهذه التطبيقات هو تحويل البيانات إلى عملة رقمية قابلة للتداول. فما يبدو خدمة بسيطة لتحويل الصور هو في الواقع صفقة غير متوازنة: تمنح المستخدمون حقوق استخدام بياناتهم دون وعي، بينما تحصد الشركات أرباحًا طائلة من بيعها لجهات تسويقية، أو استخدامها في تطوير تقنيات ذكاء اصطناعي تخدم أغراضًا تجارية أو أمنية. على سبيل المثال، قد تُستخدم صورتك المُسربة في إعلان عن منتج ما دون علمك، أو تُستغل في إنشاء شخصية افتراضية ضمن لعبة إلكترونية، أو تُدمج في نظام مراقبة حكومي!
تكمن الكارثة في أن معظم المستخدمين لا يدركون حجم التبعات، في حوالي 93% من الأشخاص – وفق دراسات – يوافقون على شروط الخصوصية دون قراءتها، بينما تعتمد الحكومات على قوانين قديمة لا تواكب سرعة تطور التكنولوجيا. حتى الاتفاقيات الدولية مثل «GDPR» في أوروبا، رغم صرامتها، لا تستطيع ملاحقة كل الانتهاكات في فضاء رقمي لا يعترف بالحدود. يضاف إلى ذلك تكتيكات شركات التكنولوجيا في إرباك المستخدمين عبر صياغة سياسات الخصوصية بلغة معقدة، أو إخفاء البنود الأكثر خطورة في ثنايا النصوص الطويلة.
ليست الشركات المطورة وحدها من يتحمل اللوم، فشبكات الاستغلال تمتد إلى وسطاء بيانات، ومنصات إعلانية، وحتى حكومات تشتري المعلومات لتعزيز أنظمة المراقبة. في عام 2023، كشفت تحقيقات عن بيع بيانات ملايين المستخدمين – تم جمعها عبر تطبيقات ترفيهية – لشركات تأمين لتحديد أسعار العقود بناءً على تحليل الصور! هذا التداخل بين الأطراف يجعل محاسبة المتورطين مهمة شبه مستحيلة، خاصة في ظل انعدام الشفافية.
تتضاعف المخاطر مع تطور الذكاء الاصطناعي القادر على تحويل أي صورة عابرة إلى أداة لاختراق الخصوصية. فباستخدام تقنيات مثل «التوليد الضوئي التكاملي» (GANs) يمكن إنشاء نسخ واقعية من وجوه المستخدمين لاستخدامها في عمليات نصب أو تشويه السمعة. كما أن مشاركة الصور العائلية – مثلاً – قد تعرّض أقاربك للمخاطر ذاتها، إذ يمكن استنساخ وجوههم من خلال صورة واحدة مشتركة!
الحل لا يكمن في الامتناع عن استخدام التكنولوجيا، بل في تبني عادات رقمية أكثر وعيًا:
1.التقليل من المشاركة: لا ترفع صورًا ذات خصوصية عالية (كصور الهوية أو الصور العائلية) على التطبيقات المجهولة.
2.قراءة البنود الأساسية: ابحث عن عبارات مثل «نملك الحق في استخدام صورتك» أو «نشارك البيانات مع أطراف ثالثة».
3. استخدم تطبيقات مفتوحة المصدر: بعض المنصات تتيح تحويل الصور دون اتصال بالإنترنت، مما يمنع تسريب البيانات.
4.تفعيل إعدادات الخصوصية: حدّد صلاحيات التطبيقات، وألغِ الاتصال بالتطبيقات غير المستخدمة.
5.ضغط الجهات الرقابية: دعم الحملات المطالبة بقوانين صارمة تجرّم بيع البيانات دون موافقة مستخدميها.
خلاصة ما تقدم، العالم الرقمي يشبه الغابة: مليء بالفرص، لكنه يحتاج إلى بطاقة مرور مكونة من الوعي والحذر. كل ضغطة زر ليست مجرد «إعجاب» أو «مشاركة»، بل هي إمضاء على عقد غير مكتوب، قد يُغير حياتك إلى الأبد. قبل أن تنجرف وراء الإثارة التكنولوجية، تذكّر: ما يُنشر في الفضاء السيبراني يُشبه الوشم – يسهل وضعه، ويصعب محوه.
لبعض الاختيارات ثمنُها الباهظ الذي يجب أن يُدفَع، وتكلفتُها الغالية التي لا بدّ أن تُسدّد، إذ لا يمضي... اقرأ المزيد
282
| 14 أكتوبر 2025
انتهيت من مشاهدة الحلقة الأخيرة من المسلسل الأمريكي Six Feet Under، وقصته تدور حول عائلة تملك دار جنائز،... اقرأ المزيد
270
| 14 أكتوبر 2025
لا يخفى على أحد الجهود الكبيرة التي تبذلها وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في العناية بالمساجد وصيانتها وتوفير سبل... اقرأ المزيد
705
| 14 أكتوبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
• متخصص بالسياسة السيبرانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
حين ننظر إلى المتقاعدين في قطر، لا نراهم خارج إطار العطاء، بل نراهم ذاكرة الوطن الحية، وامتداد مسيرة بنائه منذ عقود. هم الجيل الذي زرع، وأسّس، وساهم في تشكيل الملامح الأولى لمؤسسات الدولة الحديثة. ولأن قطر لم تكن يومًا دولة تنسى أبناءها، فقد كانت من أوائل الدول التي خصّت المتقاعدين برعاية استثنائية، وعلاوات تحفيزية، ومكافآت تليق بتاريخ عطائهم، في نهج إنساني رسخته القيادة الحكيمة منذ أعوام. لكن أبناء الوطن هؤلاء «المتقاعدون» لا يزالون ينظرون بعين الفخر والمحبة إلى كل خطوة تُتخذ اليوم، في ظل القيادة الرشيدة لحضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني – حفظه الله – فهم يرون في كل قرار جديد نبض الوطن يتجدد. ويقولون من قلوبهم: نحن أيضًا أبناؤك يا صاحب السمو، ما زلنا نعيش على عهدك، ننتظر لمستك الحانية التي تعودناها، ونثق أن كرمك لا يفرق بين من لا يزال في الميدان، ومن تقاعد بعد رحلة شرف وخدمة. وفي هذا الإطار، جاء اعتماد القانون الجديد للموارد البشرية ليؤكد من جديد أن التحفيز في قطر لا يقف عند حد، ولا يُوجّه لفئة دون أخرى. فالقانون ليس مجرد تحديث إداري أو تعديل في اللوائح، بل هو رؤية وطنية متكاملة تستهدف الإنسان قبل المنصب، والعطاء قبل العنوان الوظيفي. وقد حمل القانون في طياته علاوات متعددة، من بدل الزواج إلى بدل العمل الإضافي، وحوافز الأداء، وتشجيع التطوير المهني، في خطوة تُكرس العدالة، وتُعزز ثقافة التحفيز والاستقرار الأسري والمهني. هذا القانون يُعد امتدادًا طبيعيًا لنهج القيادة القطرية في تمكين الإنسان، سواء كان موظفًا أو متقاعدًا، فالجميع في عين الوطن سواء، وكل من خدم قطر سيبقى جزءًا من نسيجها وذاكرتها. إنه نهج يُترجم رؤية القيادة التي تؤمن بأن الوفاء ليس مجرد قيمة اجتماعية، بل سياسة دولة تُكرم العطاء وتزرع في الأجيال حب الخدمة العامة. في النهاية، يثبت هذا القانون أن قطر ماضية في تعزيز العدالة الوظيفية والتحفيز الإنساني، وأن الاستثمار في الإنسان – في كل مراحله – هو الاستثمار الأجدر والأبقى. فالموظف في مكتبه، والمتقاعد في بيته، كلاهما يسهم في كتابة الحكاية نفسها: حكاية وطن لا ينسى أبناءه.
8826
| 09 أكتوبر 2025
المشهد الغريب.. مؤتمر بلا صوت! هل تخيّلتم مؤتمرًا صحفيًا لا وجود فيه للصحافة؟ منصة أنيقة، شعارات لامعة، كاميرات معلّقة على الحائط، لكن لا قلم يكتب، ولا ميكروفون يحمل شعار صحيفة، ولا حتى سؤال واحد يوقظ الوعي! تتحدث الجهة المنظمة، تصفق لنفسها، وتغادر القاعة وكأنها أقنعت العالم بينما لم يسمعها أحد أصلًا! لماذا إذن يُسمّى «مؤتمرًا صحفيًا»؟ هل لأنهم اعتادوا أن يضعوا الكلمة فقط في الدعوة دون أن يدركوا معناها؟ أم لأن المواجهة الحقيقية مع الصحفيين باتت تزعج من تعودوا على الكلام الآمن، والتصفيق المضمون؟ أين الصحافة من المشهد؟ الصحافة الحقيقية ليست ديكورًا خلف المنصّة. الصحافة سؤالٌ، وجرأة، وضمير يسائل، لا يصفّق. فحين تغيب الأسئلة، يغيب العقل الجمعي، ويغيب معها جوهر المؤتمر ذاته. ما معنى أن تُقصى الميكروفونات ويُستبدل الحوار ببيانٍ مكتوب؟ منذ متى تحوّل «المؤتمر الصحفي» إلى إعلان تجاري مغلّف بالكلمات؟ ومنذ متى أصبحت الصورة أهم من المضمون؟ الخوف من السؤال. أزمة ثقة أم غياب وعي؟ الخوف من السؤال هو أول مظاهر الضعف في أي مؤسسة. المسؤول الذي يتهرب من الإجابة يعلن – دون أن يدري – فقره في الفكرة، وضعفه في الإقناع. في السياسة والإعلام، الشفافية لا تُمنح، بل تُختبر أمام الميكروفون، لا خلف العدسة. لماذا نخشى الصحفي؟ هل لأننا لا نملك إجابة؟ أم لأننا نخشى أن يكتشف الناس غيابها؟ الحقيقة الغائبة خلف العدسة ما يجري اليوم من «مؤتمرات بلا صحافة» هو تشويه للمفهوم ذاته. فالمؤتمر الصحفي لم يُخلق لتلميع الصورة، بل لكشف الحقيقة. هو مساحة مواجهة بين الكلمة والمسؤول، بين الفعل والتبرير. حين تتحول المنصّة إلى monologue - حديث ذاتي- تفقد الرسالة معناها. فما قيمة خطاب بلا جمهور؟ وما معنى شفافية لا تُختبر؟ في الختام.. المؤتمر بلا صحفيين، كالوطن بلا مواطنين، والصوت بلا صدى. من أراد الظهور، فليجرب الوقوف أمام سؤال صادق. ومن أراد الاحترام فليتحدث أمام من يملك الجرأة على أن يسأله: لماذا؟ وكيف؟ ومتى؟
4830
| 13 أكتوبر 2025
انتهت الحرب في غزة، أو هكذا ظنّوا. توقفت الطائرات عن التحليق، وصمت هدير المدافع، لكن المدينة لم تنم. فمن تحت الركام خرج الناس كأنهم يوقظون الحياة التي خُيّل إلى العالم أنها ماتت. عادوا أفراداً وجماعات، يحملون المكان في قلوبهم قبل أن يحملوا أمتعتهم. رأى العالم مشهدًا لم يتوقعه: رجال يكنسون الغبار عن العتبات، نساء يغسلن الحجارة بماء بحر غزة، وأطفال يركضون بين الخراب يبحثون عن كرة ضائعة أو بين الركام عن كتاب لم يحترق بعد. خلال ساعات معدودة، تحول الخراب إلى حركة، والموت إلى عمل، والدمار إلى إرادة. كان المشهد إعجازًا إنسانيًا بكل المقاييس، كأن غزة بأسرها خرجت من القبر وقالت: «ها أنا عدتُ إلى الحياة». تجاوز عدد الشهداء ستين ألفًا، والجراح تزيد على مائة وأربعين ألفًا، والبيوت المدمرة بالآلاف، لكن من نجا لم ينتظر المعونات، ولم ينتظر أعذار من خذلوه وتخاذلوا عنه، ولم يرفع راية الاستسلام. عاد الناس إلى بقايا منازلهم يرممونها بأيديهم العارية، وكأن الحجارة تُقبّل أيديهم وتقول: أنتم الحجارة بصمودكم لا أنا. عادوا يزرعون في قلب الخراب بذور الأمل والحياة. ذلك الزحف نحو النهوض أدهش العالم، كما أذهله من قبل صمودهم تحت دمار شارك فيه العالم كله ضدهم. ما رآه الآخرون “عودة”، رآه أهل غزة انتصارًا واسترجاعًا للحق السليب. في اللغة العربية، التي تُحسن التفريق بين المعاني، الفوز غير النصر. الفوز هو النجاة، أن تخرج من النار سليم الروح وإن احترق الجسد، أن تُنقذ كرامتك ولو فقدت بيتك. أما الانتصار فهو الغلبة، أن تتفوق على خصمك وتفرض عليه إرادتك. الفوز خلاص للنفس، والانتصار قهر للعدو. وغزة، بميزان اللغة والحق، (فازت لأنها نجت، وانتصرت لأنها ثبتت). لم تملك الطائرات ولا الدبابات، ولا الإمدادات ولا التحالفات، بل لم تملك شيئًا البتة سوى الإيمان بأن الأرض لا تموت ما دام فيها قلب ينبض. فمن ترابها خُلِقوا، وهم الأرض، وهم الركام، وهم الحطام، وها هم عادوا كأمواج تتلاطم يسابقون الزمن لغد أفضل. غزة لم ترفع سلاحًا أقوى من الصبر، ولا راية أعلى من الأمل. قال الله تعالى: “كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ”. فانتصارها كان بالله فقط، لا بعتاد البشر. لقد خسر العدو كثيرًا مما ظنّه نصرًا. خسر صورته أمام العالم، فصار علم فلسطين ودبكة غزة يلفّان الأرض شرقًا وغربًا. صار كلُّ حر في العالم غزاويًّا؛ مهما اختلف لونه ودينه ومذهبه أو لغته. وصار لغزة جوازُ سفرٍ لا تصدره حكومة ولا سلطة، اسمه الانتصار. يحمله كل حر وشريف لايلزم حمله إذنٌ رسمي ولا طلبٌ دبلوماسي. أصبحت غزة موجودة تنبض في شوارع أشهر المدن، وفي أكبر الملاعب والمحافل، وفي اشهر المنصات الإعلامية تأثيرًا. خسر العدو قدرته على تبرير المشهد، وذهل من تبدل الأدوار وانقلاب الموازين التي خسرها عليها عقوداً من السردية وامولاً لا حد لها ؛ فالدفة لم تعد بيده، والسفينة يقودها أحرار العالم. وذلك نصر الله، حين يشاء أن ينصر، فلله جنود السماوات والأرض. أما غزة، ففازت لأنها عادت، والعود ذاته فوز. فازت لأن الصمود فيها أرغم السياسة، ولأن الناس فيها اختاروا البناء على البكاء، والعمل على العويل، والأمل على اليأس. والله إنه لمشهدُ نصر وفتح مبين. من فاز؟ ومن انتصر؟ والله إنهم فازوا حين لم يستسلموا، وانتصروا حين لم يخضعوا رغم خذلان العالم لهم، حُرموا حتى من الماء، فلم يهاجروا، أُريد تهجيرهم، فلم يغادروا، أُحرقت بيوتهم، فلم ينكسروا، حوصرت مقاومتهم، فلم يتراجعوا، أرادوا إسكاتهم، فلم يصمتوا. لم… ولم… ولم… إلى ما لا نهاية من الثبات والعزيمة. فهل ما زلت تسأل من فاز ومن انتصر؟
4662
| 14 أكتوبر 2025