رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

عبد اللطيف آل محمود

عبد اللطيف آل محمود

مساحة إعلانية

مقالات

597

عبد اللطيف آل محمود

"تسونامي" يضرب جزيرة اللؤلؤة

03 أبريل 2011 , 12:00ص

كانت أولى بشارات الخير حصول قطر على حق استضافة مونديال 2022 نهاية العام الماضي وما سيترتب عليه ذلك من إنفاق المليارات على البنية الاساسية والإنشاءات الرياضية في الدولة، وآخرها عزم الدولة والشركات على إنفاق أكثر من 820 مليار ريال قطري في استراتيجيتها الوطنية للتنمية (2011 — 2016) التي أعلنتها الأسبوع الماضي.

الدولة، وبتوجيهات من سمو أمير البلاد المفدى وولي عهده الأمين — حفظهما الله — عملت الكثير للتخفيف من أعباء الأزمة العالمية على قطاعات الدولة الاقتصادية، وكان لها دور فعال في تجنيب الكثير من البنوك خسائر كبيرة في قيامها بشراء المحافظ والاستثمارات العقارية التي كانت عالقة كشوكة في حلوق البنوك المحلية. فقد مولت البنوك وضخت مبالغ كبيرة في استثمارات عقارية كبيرة في الدولة وخارجها خلال الطفرة الاقتصادية التي شهدها العالم في أواخر القرن الماضي وبدايات القرن الحالي. ولما انتهت الطفرة وجاءت الفكرة لم يستطع الدائنون تسديد استحقاقات البنوك نظراً لانخفاض الأسعار وتقلص رغبات الشراء وقلة السيولة النقدية في أيديهم. وكانت الخطوة الحكومية في شراء المديونيات طوق النجاة للقطاع المالي.

خلال الفترة الماضية، كنا نجادل زوارنا في أن الأزمة التي عصفت بالعالم لم تصب قطر إلا شطحاً، وأن الاقتصاد القطري قوي بما فيه الكفاية ليمضي قدما في إنجاز تطلعات الدولة لبناء دولة يفتخر بها زوارها قبل ابنائها (وهو كذلك إن شاء الله). وكنا نغض الطرف عن رافعات البناء المتوقفة والأبراج غير المكتملة وخاصه في جزيرة اللؤلؤة، أملاً في أن نراها بعد مدة وقد عاد العمل فيها بشكل سريع يتوافق مع وتيرة وسرعة تطور النهضة القطرية. البعض عاد للعمل، إلا أن المدة طالت للبعض الآخر أكثر مما توقع أكثر المتشائمين.

مناسبة حديثي هذا، هي "معرض قطر السادس للعقار والاستثمار" الذي عقد خلال الفترة من 22 : 25 مارس الماضي. لم يتسن لي — للأسف — زيارة المعرض، ولكني استمعت إلى مدير إحدى الشركات العقارية المشاركة وإلى بعض الأخوة من زوار المعرض.

يقول صاحبنا مدير الشركة إنه انفق أكثر من مليون ونصف المليون للمشاركة بالمعرض المذكور ومعارض أخرى مشابهة في دول الخليج للترويج عن الوحدات التي يرغب في بيعها بمشروع جزيرة اللؤلؤة. إلا أنه صُدم من ضعف الإقبال في المعرض بالنسبة للشركات المشاركة محلياً ودولياً وقلة عدد الزوار. فقد شاركت 11 شركة محلية فقط و33 شركة خليجية ودولية في المعرض. وغاب عنه العديد من الشركات الكبرى، أهمها الشركة المتحدة (UDC) وهي الشركة المالكة والمطورة لمشروع جزيرة اللؤلؤة، وشركة الأرض التي تملك 17 برجاً وشركة الصبان التي تملك أكثر من برج في الجزيرة. كما أن عدد الزائرين كان ضئيلاً مقارنة بالأعوام السابقة. وكانت اهتمامات أكثرهم تنحصر في تجميع الكتلوجات والهدايا التعريفية، ولم تكن لهم أي رغبة في مناقشة عروض الشراء أو الاستماع لمندوبي الشركة. ويسترسل أخونا في انه ذهل من أن القلة التي أبدت رغبة في مناقشة العروض التي قدمتها الشركة (3 أشخاص فقط)، عزفت تماما عن التباحث في الأسعار لدى علمها بأن المشروع يتعلق بجزيرة اللؤلؤة. فقد كانت ملاحظاتهم أن مشروع اللؤلؤة يواجه مشاكل جمة وأن الأسعار لا تقارب المستوى المعروف لمثل هذه المشاريع. كما أن الشروط والرسوم الشهرية والسنوية المفروضة على سكان الجزيرة لا تشجع أحدا على الاستثمار أو السكن. وكما يقول أحدهم: "أن أعيش في باريس أرخص من أن أسكن في اللؤلؤة".

يقول مديرو الشركات المستثمرة وشركات التطوير إنهم استنفدوا جميع سبل التسويق خلال الفترة الماضية ولم يحققوا أي نتيجة خلال المعرض السادس ولم يبق لهم إلا المشاحنات القانونية في المحاكم. وقد بلغ اليأس بأحد المستثمرين أن قام بالدعاء "أن يغرق تسونامي الجزيرة بكاملها حتى يتخلص من التزاماته ومشاكله بشكل قانوني وتحت بند الظروف القاهرة. وكما يقول: أخسر دفعة الـ 20% ولا أخسر مجهود عمري كله على هذه الجزيرة ".

تحدثت لاحقاً مع أحد الزملاء المستثمرين في أحد الأبراج بجزيرة اللؤلؤة، وكان انطباعه أن الوضع في المشروع بالنسبة للمستثمرين سيئ جداً. فهم بين نارين، نار التزاماتهم مع المقاولين والملاك والشركة المتحدة UDC في اتمام البناء، ونار توقف حركة بيع الوحدات السكنية ومطالبات البنوك.

الدولة تدخلت مشكورة بشكل إيجابي في تقليل الآثار السلبية التي عصفت بالعديد من قطاعات الاقتصاد. فقد اسعفت البنوك كما ذكرنا سالفاً وضخت المليارات في مشاريع تقوم عليها المئات من الشركات، وفيما يتعلق بمشروع جزيرة اللؤلؤة، فقد كان دعم الدولة لها غير محدود في العديد من المجالات. وكمثال، فقد ذكر لي احد العاملين بقطاع الكهرباء والماء ان الدولة قامت بشراء شبكة الكهرباء والمياه في الجزيرة من الشركة المتحدة بـ 1.4 مليار ريال بعد أن تورطت الشركة في عدم قدرتها على ادارتها وصيانتها بالشكل الصحيح، بالرغم من ان تجهيزات الشبكة في الجزيرة لا تتوافق مع الشبكة المعمول بها في الدولة، وقامت أجهزة الدولة ممثلة في كهرماء بصرف مئات الملايين لعمل التعديلات اللازمة لإدارتها وصيانتها بشكل صحيح.

يقول صاحب الشأن إن الشركات المستثمرة تعرض الوحدات السكنية في أبراج اللؤلؤة بأقل من أسعار التكلفة، إلا أن السعر يظل أعلى من القيمة السوقية لمشاريع مماثلة في اللؤلؤة أو خارجها، وأنهم بالرغم من اجتماعاتهم المتكررة مع مسؤولي الشركة المتحدة وطلبهم إعادة النظر في الأسعار والرسوم وتخفيضها ليتمكنوا من مجاراة الأسعار السائدة في السوق، إلا أن الشركة لم تبد اي تجاوب في هذا الشأن. فهي اقل المتضررين وأقل المتحمسين لإيجاد حل لهذه المعضلة.

نعرف أن أسعار التكلفة للمستثمرين وللشركات التي باعت بها الشركة المتحدة في بداية المشروع تراوحت بين 6،000 و 8،000 ريال للمتر المربع. أي أن الجدوى الاقتصادية المبني عليها تطوير الجزيرة كانت أقل من هذا السعر. ونعرف أنها وصلت بأسعار البيع الى 19،000 ريال مع الطفرة العقارية بسبب حمى الشراء وبسبب ارتفاع تكلفة البناء. ونعرف ايضاً أن زيادة تكلفة البناء لم تصل اطلاقاً الى 100% من الأسعار التي كانت سائدة قبل الطفرة. وعليه، فإن مجال ومرونة تعديل الأسعار قائمة اذا رغبت الشركة المتحدة في تسهيل الأمور لتحويل الجمود القائم حالياً الى حركة بيع وشراء تحيي الجزيرة.

وأقول إن الظروف الاستثنائية التي مرت بها المنطقة والعالم، تتطلب التفكير في حلول استثنائية للخروج بأقل الأضرار للشركات وللمستثمرين في جزيرة اللؤلؤة. ولن نكون اتكاليين في الاعتماد على الدولة في كل شيء لنطلب منها التدخل بشكل مباشر بالشراء لإنقاذ المشروع، ولكن نطلب منها النظر لإيجاد حلول تفرض على الأطراف المعنية تقديم تنازلات تمثل أهون الضرر للخروج من أزمة الجمود القائمة حالياً في الجزيرة.

بالنسبة للمستثمرين والمطورين، فقد أبدوا الاستعداد لتقديم تنازلات مؤلمة لتقليص خسائرهم، وعلى الشركة المتحدة واي أطراف أخرى أن تفعل الشيء نفسه. ويمكن للحكومة تحمل تكاليف الرسوم التي تفرضها الشركة المتحدة على ملاك الوحدات السكنية وتسقطها من حساباتهم لتشجيع المستثمرين على الشراء في وحدات اللؤلؤة، وذلك باعتبار الجزيرة كأي منطقة في الدوحة. إذ أن امتلاك أي وحدة سكنية في الدوحة لا يتطلب دفع رسوم، في حين أنه يتم تحصيل رسوم تغطي كل جزئية من أجزاء جزيرة اللؤلؤة. فأنت تدفع لصيانة الطرق وإزالة القمامة والتمتع بالمساحات الخضراء... إلخ.

وكما تقوم الدوله مشكورة بنشاطها المعروف للتوسط لحل معضلات ومشاكل عربية ودولية، فإننا ندعوها للتوسط لحل هذه المعضلة ودعوة الأطراف المعنية (الشركة المتحدة — المستثمرين — المطورين — البنوك) للجلوس على طاولة المفاوضات بجزيرة اللؤلؤة، والتباحث لإيجاد حل يعيد للجزيرة روحها المفقودة.

تضافر الجهود وتقديم التنازلات سيؤديان بعون الله إلى إعادة حركة البناء والبيع والشراء، وبالأخص إعادة إحياء الجزيرة كمعلم من معالم قطر الحديثة.

عندما ضربت الأزمة الاقتصادية العالم في أواخر 2007 وتداعياتها في السنين التي تلتها، كانت قطر — والحمدلله - الأقل تضررا مقارنة بدول مجلس التعاون الخليجي. فقد استطاعت الدولة أن تصمد أمام العاصفة بثوابت اقتصادية كثيرة، اهمها عزم الدولة في عدم الانكفاء على نفسها تقشفاً كما حدث في السابق بعد انهيار أسعار البترول في الثمانينيات من القرن الماضي. بل أظهرت عزيمة جيدة في التزامها بالمضي قدما بجميع المشاريع التي سبق أن أعلنتها. العزيمة هذه أعطت انطباعا جيداً للسوق وللمستثمرين - محليين وخارجيين - بأن الانفاق الحكومي سيظل يجري في عروق ومفاصل الدولة في كافة المجالات، لتظل حركة الاقتصاد على وتيرتها السابقة.

مساحة إعلانية