رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
الافتراض المتداول بكثرة على لسان أكثر من محلل ومسؤول أمريكي وغربي هو أن ضربات ما بات يُعرف بالتحالف الدولي بقيادة أمريكا ستُضعف (الدولة الإسلامية) بَيْدَ أنها لن تقضيَ عليها. ذلك لأن المطلوب حسب محللين ومسؤولين أمريكيين كثر هو تغيير نظرة العرب والمسلمين عن (الدولة الإسلامية) أنها ليست حركة مقاومة للإمبريالية الصهيوأمريكية الغربية في العالمين العربي "الشرق الأوسط" والإسلامي، لتعيد رسم الخريطة العربية قبل (سايكس-بيكو) 1917 وإنما التأكيد إعلاميا وإعلانيا وعبر برامج ممنهجة لغسيل المخ العربي والمسلم أن (الدولة الإسلامية) دولة إرهابية تقتل باسم الإسلام والإسلام منها براء.
الملاحظ أن عمليات (الدولة الإسلامية) ضد الحكومة العراقية في ازدياد وهي تمتلك عنصر المباغتة في هجومها وعامل "القنبلة البشرية" يسهم إلى حد كبير في نجاح عملياتها وقد كان ذلك واضحاً في اليومين الأخيرين في مناطق عراقية مختلفة منها (الفلوجة). هذا يفسر محدودية تأثير ضربات ما يوصف أو لا يوصف بالتحالف التحالف الدولي الأمريكي، لأن حسب التحليل العسكري فإن الضربات الجوية لا تحسم الحرب على الأرض. قطعاً، الذي لا يريه الإعلام الموجه أمريكيا وغربيا (وهو في مجمله صهيونيا) والإعلام العربي التابع له والذي ينفذ أجنداته (تأملوا في تقارير "صناعة القادة والمؤسسات في العالم العربي" وفقاً للمفهوم الأمريكي وأنا أسميه "صناعة الخونة" المنتشرة بكثرة هذه الأيام وهو يحمل بصمات صهيونية بامتياز) هو أن (الدولة الإسلامية) رغم ما يُروَّج عن دقة إصابة أهدافها من الجو تعلمت من (القاعدة) الحركة الأم في أفغانستان وباكستان واليمن كيف تتلافى صواريخ الطائرات الأمريكية (بصرف النظر عن جنسيات الطيارين المدرَّبين أمريكيا وغربيا ضمن "صناعة الخونة") بتقنيات وتكنيكات وتكتيكات إذا ما تم كشفها للعالم في يوم من الأيام فسوف تُدهش الأمريكيين والغربيين ومن لف لفيفهم وتسرول في سراويلهم. هذا يفسر أيضاً لماذا لم تستخدم أمريكا حتى الآن طائرات من دون طيار لقصف (الدولة الإسلامية؟).
بعض مراكز الدراسات الإستراتيجية الأمريكية بالتحديد تتحدث عن أن أمريكا درست هذا الخيار ووجدته غير مجدٍ عسكريا وإستراتيجيا، دعك عن الكلفة المادية والبشرية في الأرواح البريئة من بين سكان عين العرب (كوباني).
المتابع لإعلام (الدولة الإسلامية) لاسيَّما المسموع (ليس للدولة الإسلامية محطة تلفزة وإن كانت لديها منشورات وجريدة) من خلال (مجموعة راديو الدولة الإسلامية) أنها تعتِّم بشكل ملحوظ على تكنيكاتها لتلافي التفوق الجوي لأعدائها. هذا أيضاً يفسر لماذا رغم الضربات الألف تقريباً (التي وجهتها حتى اللحظة طائرات التحالف الأمريكية والفرنسية والبريطانية (للدولة الإسلامية) فقط في منطقة صغيرة جغرافيا وهي عين العرب (كوباني) التي هي جزء من محافظة (حلب) شمال سوريا والتي لا يتعدى عدد سكانها زهاء مائة واثنين وتسعين ألفا وخمسمائة نسمة) تتجاهل (الدولة الإسلامية) كل ذلك وتضرب بقوة في العمق العراقي بشكل خاص.
إعلاميا، لا شك مطلقاً في أن ما تذيعه (الدولة الإسلامية) له تأثير كبير على مستمعيها وقد زادت شعبية (الدولة الإسلامية) كما لوحظ مؤخراً، خاصة بعد أحداث (باريس) التي أفرد لها مذياعها مساحاتٍ كبيرةً أيدت من خلالها العمليتين وأشادت بهما وذكرت أنهما تدخلان في الحرب الأمريكية الغربية الصهيونية على الإسلام وعلى أهم رموزه وهو النبي الكريم. ولا شكَّ أيضاً أن أحداث (باريس) خدمت كثيراً قضية (الدولة الإسلامية) واستقطبت مزيداً من المؤيدين، عرباً ومسلمين، حول العالم.
نعود للتحليل الأمريكي عن (الدولة الإسلامية.) لم ولن يجد آذاناً صاغية حتى من أولئك العرب والمسلمين وغيرهم ممن لا يؤيدونَ خط (الدولة الإسلامية)، لأن كثيراً من العرب والمسلمين والأحرار في العالم (مؤيدين أو غير مؤيدين للدولة الإسلامية) يضحكون على المنطق الأمريكي ويتندرون عليه. لأن ما يسمى بإرهاب (الدولة الإسلامية) مستجَد مقارنة بإرهاب (الدولة الصهيونية "إسرائيل") المستمر لأكثر من سبعة عقود والمدعوم في المطلق أمريكيا وغربيا. وبالتالي، ليس للدعوة الأمريكية أي مصداقية أو صدقية في العالم العربي والعالم الإسلامي والعالم قاطبة.
طبعاً، نحن نقول هذا الكلام كله بعيداً عن افتراضات الكثيرين (وأحياناً تخرُّصات) أن (الدولة الإسلامية) صناعة أمريكية غربية صهيونية. إذن، بمنأى عن ذلك كله وبمعزلٍ عن نظرية المؤامرة في تفسير الأحداث (التي كثيراً وسريعاً ما تتبادر للذهن العربي والمسلم تحديداً وتفسيره هو أن العربي أو المسلم عموماً ما يقفز إلى خلاصات جاهزة كي لا يرهق تفكيره بالتحليل لِما يجري من أحداث) يُلاحظ أن (الدولة الإسلامية) تستفيد من أخطاء الحركة الأم (القاعدة) تنظيميا وبدأت بالفعل في خطوات لإقامة نواة دولة قوية. لعل الظروف الإقليمية تساعدها، إذ إن أمريكا لا تفضل استخدام قوة على الأرض لانشغالها بالشأن الآسيوي وانسحابها مما تسميه "الشرق الأوسط". أما قيادتها للتحالف الدولي فإنه يدخل ضمن حرصها على ألا تضيِّع مكتسباتها في العراق على وجه الخصوص. فأمريكا هي التي قضت على الحكم السني الليبرالي بقيادة (صدام حسين) وأحلت محله بقصد أو بغير قصد حكماً شيعيا وبذلك هي لا تريد أن ترى عودة للحكم السني السلفي الذي قد يشكل خطراً جيوإستراتيجيا على "إسرائيل". المعروف من السياسة الأمريكية الغربية في "الشرق الأوسط" بالضرورة هو حماية أمن وبقاء "إسرائيل" حسب كتب صدرت في أمريكا نفسها تم منعها وملاحقة كتابها لمفكرين أمريكيين وآخرين أمريكيين يهود معادين للصهيونية، ولما كانت "إسرائيل" وأمريكا والغرب قد تضررت جميعاً من حقبة نظام (صدام حسين) فإنها تفترض (على الأقل) أن (الدولة الإسلامية) لديها دوافع أقوى للإضرار بأمريكا والغرب و"إسرائيل" إذا ما تمكنت من حكم العراق. كل المؤشرات على الأرض تصب في أن (الدولة الإسلامية) الآن تتبع تكنيكاً خطيراً وهو خلخلة الأمن في العراق وفي داخل بغداد التي تفيد التحليلات أن (الدولة الإسلامية) ستكثف هجماتها الانتحارية أو الاستشهادية تمهيداً للإطاحة بالحكم القائم حاليا في (المنطقة الخضراء) على غرار ما فعله المجاهدون الأفغان عندما أطاحوا بنجيب الله الموالي للسوفييت (في عهد الاتحاد السوفييتي) السابق ومن ثَمَّ شنقه أمام قصر الرئاسة في (كابول)، أيضاً كل المؤشرات تصب في أن (الدولة الإسلامية) ليست في عجلة من أمرها وأنها في المدى البعيد (إن لم يكن في المدى المنظور) ستتخذ من بغداد عاصمة لدولتها.
الدوحة مركز عالمي لدعم جهود مكافحة الفساد
جاءت استضافة الدوحة لأعمال مؤتمر الدول الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، في دورته الحادية عشرة، بحضور... اقرأ المزيد
93
| 16 ديسمبر 2025
القوة الناعمة للصين.. التطور والتحديات
مع بداية الصحوة القوية لما يسمى (الصعود الصيني) في أوائل الألفينات، بدأت الصين في إيلاء مزيد من الاهتمام... اقرأ المزيد
168
| 16 ديسمبر 2025
الفجوة الصامتة بين التعليم والمستقبل
لا يزال التعليم في كثير من مدارسنا وجامعاتنا قائمًا على نموذج قديم، جوهره الحفظ واسترجاع المعلومة، لا فهمها... اقرأ المزيد
282
| 16 ديسمبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
لم يكن خروج العنابي من بطولة كأس العرب مجرد خيبة رياضية عابرة، بل كانت صدمة حقيقية لجماهير كانت تنتظر ظهوراً مشرفاً يليق ببطل آسيا وبمنتخب يلعب على أرضه وبين جماهيره. ولكن ما حدث في دور المجموعات كان مؤشراً واضحاً على أزمة فنية حقيقية، أزمة بدأت مع اختيارات المدرب لوبيتيغي قبل أن تبدأ البطولة أصلاً، وتفاقمت مع كل دقيقة لعبها المنتخب بلا هوية وبلا روح وبلا حلول! من غير المفهوم إطلاقاً كيف يتجاهل مدرب العنابي أسماء خبرة صنعت حضور المنتخب في أكبر المناسبات! أين خوخي بوعلام و بيدرو؟ أين كريم بوضياف وحسن الهيدوس؟ أين بسام الراوي وأحمد سهيل؟ كيف يمكن الاستغناء عن أكثر اللاعبين قدرة على ضبط إيقاع الفريق وقراءة المباريات؟ هل يعقل أن تُستبعد هذه الركائز دفعة واحدة دون أي تفسير منطقي؟! الأغرب أن المنتخب لعب البطولة وكأنه فريق يُجرَّب لأول مرة، لا يعرف كيف يبني الهجمة، ولا يعرف كيف يدافع، ولا يعرف كيف يخرج بالكرة من مناطقه. ثلاث مباريات فقط كانت كفيلة بكشف حجم الفوضى: خمسة أهداف استقبلتها الشباك مقابل هدف يتيم سجله العنابي! هل هذا أداء منتخب يلعب على أرضه في بطولة يُفترض أن تكون مناسبة لتعزيز الثقة وإعادة بناء الهيبة؟! المؤلم أن المشكلة لم تكن في اللاعبين الشباب أنفسهم، بل في كيفية إدارتهم داخل الملعب. لوبيتيغي ظهر وكأنه غير قادر على استثمار طاقات عناصره، ولا يعرف متى يغيّر، وكيف يقرأ المباراة، ومتى يضغط، ومتى يدافع. أين أفكاره؟ أين أسلوبه؟ أين بصمته التي قيل إنها ستقود المنتخب إلى مرحلة جديدة؟! لم نرَ سوى ارتباك مستمر، وخيارات غريبة، وتبديلات بلا معنى، وخطوط مفككة لا يجمعها أي رابط فني. المنتخب بدا بلا تنظيم دفاعي على الإطلاق. تمريرات سهلة تخترق العمق، وأطراف تُترك بلا رقابة، وتمركز غائب عند كل هجمة. أما الهجوم، فقد كان حاضراً بالاسم فقط؛ لا حلول، لا جرأة، لا انتقال سريع، ولا لاعب قادر على صناعة الفارق. كيف يمكن لفريق بهذا الأداء أن ينافس؟ وكيف يمكن لجماهيره أن تثق بأنه يسير في الطريق الصحيح؟! الخروج من دور المجموعات ليس مجرد نتيجة سيئة، بل مؤشر مخيف! فهل يدرك الجهاز الفني حجم ما حدث؟ هل يستوعب لوبيتيغي أنه أضاع هوية منتخب بطل آسيا؟ وهل يتعلم من أخطاء اختياراته وإدارته؟ أم أننا سننتظر صدمة جديدة في استحقاقات أكبر؟! كلمة أخيرة: الأسئلة كثيرة، والإجابات حتى الآن غائبة، لكن من المؤكّد أن العنابي بحاجة إلى مراجعة عاجلة وحقيقية قبل أن تتكرر الخيبة مرة أخرى.
2328
| 10 ديسمبر 2025
عندما يصل شاب إلى منصب قيادي مبكرًا، فهذا لا يعني بالضرورة أنه الأفضل والأذكى والأكثر كفاءة، بل قد تكون الظروف والفرص قد أسهمت في وصوله. وهذه ليست انتقاصًا منه، بل فرصة يجب أن تُستثمر بحكمة. ومن الطبيعي أن يواجه القائد الشاب تحفظات أو مقاومة ضمنية من أصحاب الخبرة والكفاءات. وهنا يظهر أول اختبار له: هل يستفيد من هذه الخبرات أم يتجاهلها ؟ وكلما استطاع القائد الشاب احتواء الخبرات والاستفادة منها، ازداد نضجه القيادي، وتراجع أثر الفجوة العمرية، وتحوّل الفريق إلى قوة مشتركة بدل أن يكون ساحة تنافس خفي. ومن الضروري أن يدرك القائد الشاب أن أي مؤسسة يتسلّمها تمتلك تاريخًا مؤسسيًا وإرثًا طويلًا، وأن ما هو قائم اليوم هو حصيلة جهود وسياسات وقرارات صاغتها أجيال متعاقبة عملت تحت ظروف وتحديات قد لا يدرك تفاصيلها. لذلك، لا ينبغي أن يبدأ بهدم ما مضى أو السعي لإلغائه؛ فالتطوير والبناء على ما تحقق سابقًا هو النهج الأكثر نضجًا واستقرارًا وأقل كلفة. وهو وحده ما يضمن استمرارية العمل ويُجنّب المؤسسة خسائر الهدم وإعادة البناء. وإذا أراد القائد الشاب أن يرد الجميل لمن منحه الثقة، فعليه أن يعي أن خبرته العملية لا يمكن أن تضاهي خبرات من سبقه، وهذا ليس نقصًا بل فرصة للتعلّم وتجنّب الوقوع في وهم الغرور أو الاكتفاء بالذات. ومن هنا تأتي أهمية إحاطة نفسه بدائرة من أصحاب الخبرة والكفاءة والمشورة الصادقة، والابتعاد عن المتسلقين والمجاملين. فهؤلاء الخبراء هم البوصلة التي تمنعه من اتخاذ قرارات متسرّعة قد تكلّف المؤسسة الكثير، وهم في الوقت ذاته إحدى ركائز نجاحه الحقيقي ونضجه القيادي. وأي خطأ إداري ناتج عن حماس أو عناد قد يربك المسار الاستراتيجي للمؤسسة. لذلك، ينبغي أن يوازن بين الحماس ورشادة القرار، وأن يتجنب الارتجال والتسرع. ومن واجبات القائد اختيار فريقه من أصحاب الكفاءة (Competency) والخبرة (Experience)، فنجاحه لا يتحقق دون فريق قوي ومتجانس من حوله. أما الاجتماعات والسفرات، فالأصل أن تُعقَد معظم الاجتماعات داخل المؤسسة (On-Site Meetings) ليبقى القائد قريبًا من فريقه وواقع عمله. كما يجب الحدّ من رحلات العمل (Business Travel) إلا للضرورة؛ لأن التواجد المستمر يعزّز الانضباط، ويمنح القائد فهمًا أعمق للتحديات اليومية، ويُشعر الفريق بأن قائده معهم وليس منعزلًا عن بيئة عملهم. ويمكن للقائد الشاب قياس نجاحه من خلال مؤشرات أداء (KPIs) أهمها هل بدأت الكفاءات تفكر في المغادرة؟ هل ارتفع معدل دوران الموظفين (Turnover Rate)؟ تُمثل خسارة الكفاءات أخطر تهديد لاستمرارية المؤسسة، فهي أشد وطأة من خسارة المناقصات أو المشاريع أو أي فرصة تجارية عابرة. وكتطبيق عملي لتعزيز التناغم ونقل المعرفة بين الأجيال، يُعدّ تشكيل لجنة استشارية مشتركة بين أصحاب الخبرة الراسخة والقيادات الصاعدة آلية ذات جدوى مضاعفة. فإلى جانب ضمانها اتخاذ قرارات متوازنة ومدروسة ومنع الاندفاع أو التفرد بالرأي، فإن وجود هذه اللجنة يُغني المؤسسة عن اللجوء المتكرر للاستشارات العالمية المكلفة في كثير من الخطط والأهداف التي يمكن بلورتها داخليًا بفضل الخبرات المتراكمة. وفي النهاية، تبقى القيادة الشابة مسؤولية قبل أن تكون امتيازًا، واختبارًا قبل أن تكون لقبًا. فالنجاح لا يأتي لأن الظروف منحت القائد منصبًا مبكرًا، بل لأنه عرف كيف يحوّل تلك الظروف والفرص إلى قيمة مضافة، وكيف يبني على خبرات من سبقه، ويستثمر طاقات من حوله.
1245
| 09 ديسمبر 2025
في عالمٍ يزداد انقسامًا، وفي إقليم عربي مثقل بالتحزّبات والصراعات والاصطفافات، اختارت قطر أن تقدّم درسًا غير معلن للعالم: أن الرياضة يمكن أن تكون مرآة السياسة حين تكون السياسة نظيفة، عادلة، ومحلّ قبول الجميع واحترام عند الجميع. نجاح قطر في استضافة كأس العرب لم يكن مجرد تنظيم لبطولة رياضية، بل كان حدثًا فلسفيًا عميقًا، ونقلاً حياً ومباشراً عن واقعنا الراهن، وإعلانًا جديدًا عن شكلٍ مختلف من القوة. قوة لا تفرض نفسها بالصوت العالي، ولا تتفاخر بالانحياز، ولا تقتات على تفتيت الشعوب، بل على القبول وقبول الأطراف كلها بكل تناقضاتها، هكذا تكون عندما تصبح مساحة آمنة، وسطٌ حضاري، لا يميل، لا يخاصم، ولا يساوم على الحق. لطالما وُصفت الدوحة بأنها (وسيط سياسي ناجح ) بينما الحقيقة أكبر من ذلك بكثير. الوسيط يمكن أن يُستَخدم، يُستدعى، أو يُستغنى عنه. أما المركز فيصنع الثقل، ويعيد التوازن، ويصبح مرجعًا لا يمكن تجاوزه. ما فعلته قطر في كأس العرب كان إثباتاً لهذه الحقيقة: أن الدولة الصغيرة جغرافيًا، الكبيرة حضاريًا، تستطيع أن تجمع حولها من لا يجتمع. ولم يكن ذلك بسبب المال، ولا بسبب البنية التحتية الضخمة، بل بسبب رأس مال سياسي أخلاقي حضاري راكمته قطر عبر سنوات، رأس مال نادر في منطقتنا. لأن البطولة لم تكن مجرد ملاعب، فالملاعب يمكن لأي دولة أن تبنيها. فالروح التي ظهرت في كأس العرب روح الضيافة، الوحدة، الحياد، والانتماء لكل القضايا العادلة هي ما لا يمكن فعله وتقليده. قطر لم تنحز يومًا ضد شعب. لم تتخلّ عن قضية عادلة خوفًا أو طمعًا. لم تسمح للإعلام أو السياسة بأن يُقسّما ضميرها، لم تتورّط في الظلم لتكسب قوة، ولم تسكت عن الظلم لتكسب رضا أحد. لذلك حين قالت للعرب: حيهم إلى كأس العرب، جاؤوا لأنهم يأمنون، لأنهم يثقون، لأنهم يعلمون أن قطر لا تحمل أجندة خفية ضد أحد. في المدرجات، اختلطت اللهجات كما لم تختلط من قبل، بلا حدود عسكرية وبلا قيود أمنية، أصبح الشقيق مع الشقيق لأننا في الأصل والحقيقة أشقاء فرقتنا خيوط العنكبوت المرسومة بيننا، في الشوارع شعر العربي بأنه في بلده، فلا يخاف من رفع علم ولا راية أو شعار. نجحت قطر مرة أخرى ولكن ليس كوسيط سياسي، نجحت بأنها أعادت تعريف معنى «العروبة» و»الروح المشتركة» بطريقة لم تستطع أي دولة أخرى فعلها. لقد أثبتت أن الحياد العادل قوة. وأن القبول العام سياسة. وأن الاحترام المتبادل أكبر من أي خطاب صاخب. الرسالة كانت واضحة: الدول لا تُقاس بمساحتها، بل بقدرتها على جمع المختلفين. أن النفوذ الحقيقي لا يُشترى، بل يُبنى على ثقة الشعوب. أن الانحياز للحق لا يخلق أعداء، بل يصنع احترامًا. قطر لم تنظّم بطولة فقط، قطر قدّمت للعالم نموذج دولة تستطيع أن تكون جسرًا لا خندقًا، ومساحة لقاء لا ساحة صراع، وصوتًا جامعًا لا صوتًا تابعًا.
801
| 10 ديسمبر 2025