رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
بصراحةٍ مطلوبة في إطار الاعتراف بالحقائق والبحث عن وسائل التعامل معها، كتب عبد الرحمن الراشد، الإعلامي السعودي المعروف، مقالاً تضمن العبارة التالية: "طالما أن المشروع الروسي يقوم على فرض حل سياسي بالقوة، بتنصيب الأسد وتسليم إيران المنطقة، فإن واجب دول المنطقة على الجانب الآخر تغيير مفهوم دعمها للمعارضة، برفع مستوى تسليحها، الذي ظل دائماً محدوداً نتيجة الاشتراطات الدولية، وعلى أمل التوصل إلى حل سياسي يجمع كل الفئات السورية في مشروع حكم واحد. رفع دعم المعارضة قد يكون الطريق الوحيد لتحقيق التوازن على طاولة التفاوض. دون ذلك من الأفضل توفير الوقت، بتسليم الإيرانيين المهمة، ونقل المفاوضات إلى طهران، وتكليف جماعتها بحكم سوريا. وفي نفس الوقت على دول المنطقة، وأوروبا، نتيجة لذلك استقبال المزيد من ملايين الهاربين من سوريا والعراق، لأن المنطقة لن تستقر".
ثمة مؤشرات عديدة تؤكد بأن القضية السورية تواجه لحظةً حاسمة في الأسابيع القليلة القادمة. وحين نأخذ بالاعتبار حجم الجهد السياسي الذي تبذله السعودية، وغيرها من دول الخليج، لدعم موقف الشعب السوري ومعارضته، وطبيعة الاستحقاقات التي تتحملها في سبيل ذلك، سياسياً وأمنياً واقتصادياً، يُضحي الحديث طبيعياً عن جملةٍ من الإجراءات والقرارات التي قد تُعتبر (تكميلية)، مقارنةً بكل ذلك الجهد الكبير، لكنها في غاية الضرورة لضمان عائد الاستثمار المُكلف، بكل الحسابات، في هذا المسار.
أن تجتمع كل الفصائل السياسية والعسكرية المؤثرة للمعارضة السورية في الرياض، وأن توافق مجتمعةً على مسارٍ للحل السياسي من خلال وثيقةٍ مكتوبةٍ وقعَ عليها الجميع. وأن يحصل هذا بجهد السعودية وإشرافها، ويتم في إطار التزامها برؤيةٍ توافقت عليها، في فيينا، كل الأطراف المؤثرة في الوضع السوري. هذا المشهد، بكل عناصره، إنجازٌ إستراتيجيٌ يجب أن يعتبره الجميع اختراقاً حاسماً في المسألة السورية. ومن الهزلِ في مقام الجد أن يَنظر إليه البعض باستخفاف، كأنه مجرد عمليةٍ استعراضية، أو أسوأ من هذا، على أنه (توظيفٌ) للسعودية لخلق واقعٍ يسمح بتمرير اتفاقات جانبية، ترمي لتحقيق أهداف تتعرض كلياً مع أهداف السعودية في هذا الموضوع.
نفهم الملابسات المعقدة المُحيطة بالقضية السورية، والتغيرات المتسارعة المتعلقة بها، والتشابك الهائل في خيوط المصالح الإقليمية والعالمية، العاجلة والآجلة، وما ينبني عليها من توازنات في التحالفات والعلاقات. والواضح أن السياسة السعودية تدرك الحقائق المذكورة، أكثر من غيرها، وتتعامل معها بدرجةٍ عالية من المهارة السياسية التي تُولِّدُ مشاريع وممارسات مُبتكرة وخلاقة، يمكن القول إنها غير مسبوقة في الواقع السياسي العربي المعاصر.. وهي إذ تُصيب البعض بالدوار، وهذا أمرٌ محمودٌ أحياناً، فإنها تزرع، بهدوءٍ وتدرجٍ وشمول، الركائز والأسس المطلوبة لمرحلةٍ قادمة من الصراع السياسي على المنطقة، وربما فيها، بشكلٍ يأخذ بعين الاعتبار تجهيز كل أدوات ذلك الصراع ومقومات إثبات الوجود والتأثير فيه..
من هنا، تجدر الإشارة إلى أن الحديث، هنا، عن (ربع الساعة الأخير) في مسار القضية السورية، لا يَغفل عن احتمال كون هذه المرحلة، بكل ما يجري فيها، تمهيداً لشيءٍ آخر، ولا عن مقتضيات التخطيط الإستراتيجي طويل المدى للموضوع، بالطريقة التي تعمل وفقها الرؤية السعودية.
بكلامٍ آخر، رغم أهمية المسار الحالي المُعلن المتعلق بمفاوضات قادمة بين المعارضة السورية والنظام، واحتمالات حصوله فعلاً، إلا أن بدهيات التفكير السياسي توحي بإمكانية أن هناك أطرافاً تريد لهذا المسار أن يكون مجرد ساتر دخاني لشراء الوقت، في حين تعمل هي على خلق وقائع ميدانية وسياسية، محلية وإقليمية ودولية، يختلف هدفُها عن الهدف المُعلن للمفاوضات بشكلٍ جذري.
لكن هذا لا يتضارب، بالتفكير السياسي نفسه، مع الانتباه إلى ما تحدثنا عنه من إجراءات عملية تساعد على تكامل الأدوار وصولاً لتحقيق الأهداف المشتركة. وإذ تُدرك المعارضة السورية، خاصةً في إطارها الراهن، أبعادَ الصورة المذكورة أعلاه، غير أن واجبها يتمثل في التحضير الكامل والمحترف للمفاوضات وكأنها ستحصل دون شك، وفي تأمين جاهزيتها القصوى للدخول في مُعتركها الحساس. فرغم عملها الحثيث في هذا الإطار بكل قدراتها المتوفرة، وهذا أمرٌ نؤكدهُ من باب العِلم بالوقائع، غير أنه يحتاج إلى درجةٍ أكبر من الدعم اللوجستي والتقني في المجالات ذات العلاقة. ويصبﱡ في هذا المجال، من مدخلٍ آخر، ما أشار إليه الراشد في أول المقال من دعمٍ لقوى المعارضة العسكرية يتم من خلاله الحفاظ على حدٍ أدنى من التوازن الميداني المهم جداً كورقةٍ تفاوضية إن سارت عملية التفاوض، أو كواقعٍ يُبنى عليه إيجابياً إن مضت الأمور في اتجاهٍ آخر.
صحيحٌ أن تعدد المسارات هو من ثوابت السياسة الدولية، وأن توازنات القوى هي التي تؤثر في المسار النهائي الذي سيتم اعتماده نهايةَ المطاف. لكن من ثوابتها أيضاً أن ثمة (أوراقاً) محددة يمكن استخدامها بحيث لا تبقى، فقط، مفيدةً مهما كان ذلك المسار، بل ربما ساعدت أصحابها على التأثير بقوة في تحديد وُجهتهِ وطبيعته.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
هناك لحظات في تاريخ الدول لا تمرّ مرور الكرام… لحظات تُعلن فيها مؤسسات الدولة أنها انتقلت من مرحلة “تسيير الأمور” إلى مرحلة صناعة التغيير ونقل الجيل من مرحلة كان إلى مرحلة يكون. وهذا بالضبط ما فعلته وزارة التربية والتعليم والتعليم العالي في السنوات الأخيرة. الأسرة أولاً… بُعدٌ لا يفهمه إلا من يعي أهمية المجتمع ومكوناته، مجتمعٌ يدرس فيه أكثر من 300 ألف طالب وطالبة ويسند هذه المنظومة أكثر من 28 ألف معلم ومعلمة في المدارس الحكومية والخاصة، إلى جانب آلاف الإداريين والمتخصصين العاملين في الوزارة ومؤسساتها المختلفة. لذلك حين قررت الوزارة أن تضع الأسرة في قلب العملية التعليمية هي فعلاً وضعت قلب الوطن ونبضه بين يديها ونصب عينيها. فقد كان إعلانًا واضحًا أن المدرسة ليست مبنى، بل هي امتداد للبيت وبيت المستقبل القريب، وهذا ليس فقط في المدارس الحكومية، فالمدارس الخاصة أيضًا تسجل قفزات واضحة وتنافس وتقدم يداً بيد مع المدارس الحكومية. فمثلاً دور الحضانة داخل رياض الأطفال للمعلمات، خطوة جريئة وقفزة للأمام لم تقدّمها كثير من الأنظمة التعليمية في العالم والمنطقة. خطوة تقول للأم المعلمة: طفلك في حضن مدرستك… ومدرستك أمانة لديك فأنتِ المدرسة الحقيقية. إنها سياسة تُعيد تعريف “بيئة العمل” بمعناها الإنساني والحقيقي. المعلم… لم يعد جنديًا مُرهقًا بل عقلاً مُنطلقًا وفكرًا وقادًا وهكذا يجب أن يكون. لأول مرة منذ سنوات يشعر المُعلم أن هناك من يرفع عنه الحِمل بدل أن يضيف عليه. فالوزارة لم تُخفف الأعباء لمجرد التخفيف… بل لأنها تريد للمعلم أن يقوم بأهم وظيفة. المدرس المُرهق لا يصنع جيلاً، والوزارة أدركت ذلك، وأعادت تنظيم يومه المدرسي وساعاته ومهامه ليعود لجوهر رسالته. هو لا يُعلّم (أمة اقرأ) كيف تقرأ فقط، بل يعلمها كيف تحترم الكبير وتقدر المعلم وتعطي المكانة للمربي لأن التربية قبل العلم، فما حاجتنا لمتعلم بلا أدب؟ ومثقف بلا اخلاق؟ فنحن نحتاج القدوة ونحتاج الضمير ونحتاج الإخلاص، وكل هذه تأتي من القيم والتربية الدينية والأخلاق الحميدة. فحين يصدر في الدولة مرسوم أميري يؤكد على تعزيز حضور اللغة العربية، فهذا ليس قرارًا تعليميًا فحسب ولا قرارًا إلزاميًا وانتهى، وليس قانونًا تشريعيًا وكفى. لا، هذا قرار هوية. قرار دولة تعرف من أين وكيف تبدأ وإلى أين تتجه. فالبوصلة لديها واضحة معروفة لا غبار عليها ولا غشاوة. وبينما كانت المدارس تتهيأ للتنفيذ وترتب الصفوف لأننا في معركة فعلية مع الهوية والحفاظ عليها حتى لا تُسلب من لصوص الهوية والمستعمرين الجدد، ظهرت لنا ثمار هذا التوجه الوطني في مشاهد عظيمة مثل مسابقة “فصاحة” في نسختها الأولى التي تكشف لنا حرص إدارة المدارس الخاصة على التميز خمس وثلاثون مدرسة… جيش من المعلمين والمربين… أطفال في المرحلة المتوسطة يتحدثون بالعربية الفصحى أفضل منّا نحن الكبار. ومني أنا شخصيًا والله. وهذا نتيجة عمل بعد العمل لأن من يحمل هذا المشعل له غاية وعنده هدف، وهذا هو أصل التربية والتعليم، حين لا يعُدّ المربي والمعلم الدقيقة متى تبدأ ومتى ينصرف، هنا يُصنع الفرق. ولم تكتفِ المدارس الخاصة بهذا، فهي منذ سنوات تنظم مسابقة اقرأ وارتقِ ورتّل، ولحقت بها المدارس الحكومية مؤخراً وهذا دليل التسابق على الخير. من الروضات إلى المدارس الخاصة إلى التعليم الحكومي، كل خطوة تُدار من مختصين يعرفون ماذا يريدون، وإلى أين الوجهة وما هو الهدف. في النهاية… شكرًا لأنكم رأيتم المعلم إنسانًا، والطفل أمانة، والأسرة شريكًا، واللغة والقرآن هوية. وشكرًا لأنكم جعلتمونا: نفخر بكم… ونثق بكم… ونمضي معكم نحو تعليم يبني المستقبل.
13632
| 20 نوفمبر 2025
في قلب الإيمان، ينشأ صبر عميق يواجه به المؤمن أذى الناس، ليس كضعفٍ أو استسلام، بل كقوة روحية ولحمة أخلاقية. من منظور قرآني، الصبر على أذى الخلق هو تجلٍّ من مفهوم الصبر الأوسع (الصبر على الابتلاءات والطاعة)، لكنه هنا يختصّ بالصبر في مواجهة الناس — سواء بالكلام المؤذي أو المعاملة الجارحة. يحثّنا القرآن على هذا النوع من الصبر في آيات سامية؛ يقول الله تعالى: ﴿وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا﴾ (المزمل: 10). هذا الهجر «الجميل» يعني الانسحاب بكرامة، دون جدال أو صراع، بل بهدوء وثقة. كما يذكر القرآن صفات من هم من أهل التقوى: ﴿… وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ … وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ (آل عمران: 134). إن كظم الغيظ والعفو عن الناس ليس تهاونًا، بل خلق كريم يدل على الاتزان النفسي ومستوى رفيع من الإيمان. وقد أبرز العلماء أن هذا الصبر يُعدُّ من أرقى الفضائل. يقول البعض إن كظم الغيظ يعكس عظمة النفس، فالشخص الذي يمسك غضبه رغم القدرة على الردّ، يظهر عزمًا راسخًا وإخلاصًا في عبادته لله. كما أن العفو والكظم معًا يؤدّيان إلى بناء السلم الاجتماعي، ويطفئان نيران الخصام، ويمنحان ساحة العلاقات الإنسانية سلامًا. من السنة النبوية، ورد عن النبي ﷺ أن من كظم غيظه وهو قادر على الانتقام، دعاه الله على رؤوس الخلائق يوم القيامة، فكم هو عظيم جزاء من يضبط نفسه لصالح رضا الله. كما تبيّن المروءة الحقيقية في قوله ﷺ: ليس الشديد في الإسلام من يملك يده، بل من يملك نفسه وقت الغضب. أهمية هذا الصبر لم تذهب سدى في حياة المسلم. في مواجهة الأذى، يكون الصبر وسيلة للارتقاء الروحي، مظهراً لثقته بتقدير الله وعدله، ومعبّراً عن تطلع حقيقي للأجر العظيم عنده. ولكي ينمّي الإنسان هذا الخلق، يُنصح بأن يربّي نفسه على ضبط الغضب، أن يعرف الثواب العظيم للكاظمين الغيظ، وأن يدعو الله ليساعده على ذلك. خلاصة القول، الصبر على أذى الخلق ليس مجرد تحمل، بل هو خلق كرامة: كظم الغيظ، والعفو، والهجر الجميل حين لا فائدة من الجدال. ومن خلال ذلك، يرتقي المؤمن في نظر ربه، ويَحرز لذاته راحة وسموًا، ويحقّق ما وصفه الله من مكارم الأخلاق.
1800
| 21 نوفمبر 2025
في لحظة تاريخية، ارتقى شباب المغرب تحت 17 عاماً إلى أسمى آفاق الإنجاز، حين حجزوا مقعدهم بين عمالقة كرة القدم العالمية، متأهلين إلى ربع نهائي كأس العالم في قطر 2025. لم يكن هذا التأهل مجرد نتيجة، بل سيمفونية من الإرادة والانضباط والإبداع، أبدعها أسود الأطلس في كل حركة، وفي كل لمسة للكرة. المغرب قدم عرضاً كروياً يعكس التميز الفني الراقي والجاهزية الذهنية للاعبين الصغار، الذين جمعوا بين براعة الأداء وروح التحدي، ليحولوا الملعب إلى مسرح للإصرار والابتكار. كل هجمة كانت تحفة فنية تروي قصة عزيمتهم، وكل هدف كان شاهداً على موهبة نادرة وذكاء تكتيكي بالغ، مؤكدين أن الكرة المغربية لا تعرف حدوداً، وأن مستقبلها مزدهر بالنجوم الذين يشقون طريقهم نحو المجد بخطوات ثابتة وواثقة. هذا الإنجاز يعكس رؤية واضحة في تطوير الفئات العمرية، حيث استثمر الاتحاد المغربي لكرة القدم في صقل مهارات اللاعبين منذ الصغر، ليصبحوا اليوم قادرين على مواجهة أقوى المنتخبات العالمية ورفع اسم بلادهم عالياً في سماء البطولة. وليس الفوز وحده، بل القدرة على فرض أسلوب اللعب وإدارة اللحظات الحرجة والتحلي بالهدوء أمام الضغوط، ويجعل هذا التأهل لحظة فارقة تُخلّد في التاريخ الرياضي المغربي. أسود الأطلس الصغار اليوم ليسوا لاعبين فحسب، بل رموز لإصرار أمة وعزيمة شعب، حاملين معهم آمال ملايين المغاربة الذين تابعوا كل لحظة من مغامرتهم بفخر لا ينضب. واليوم، يبقى السؤال الأعمق: هل سيستطيع هؤلاء الأبطال أن يحولوا التحديات القادمة إلى ملحمة تاريخية تخلّد اسم الكرة المغربية؟ كل المؤشرات تقول نعم، فهم بالفعل قادرون على تحويل المستحيل إلى حقيقة، وإثبات أن كرة القدم المغربية قادرة على صناعة المعجزات. كلمة أخيرة: المغرب ليس مجرد منتخب، بل ظاهرة تتألق بالفخر والإبداع، وبرهان حي على أن الإرادة تصنع التاريخ، وأن أسود الأطلس يسيرون نحو المجد الذي يليق بعظمة إرادتهم ومهارتهم.
1176
| 20 نوفمبر 2025