رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

الدكتورة حصة حامد المرواني

مساحة إعلانية

مقالات

15

الدكتورة حصة حامد المرواني

إعدام بيروقراطي

02 ديسمبر 2025 , 04:30ص

في زمن تتسارع فيه المتغيرات، وتتوسع فيه متطلبات التنمية، لم يعد العمل الحكومي التقليدي قادرًا على مواكبة حجم التحديات وتعقيدات التحول. اليوم، أصبحت الحاجة ملحّة إلى نماذج عمل أكثر مرونة، وأعلى تركيزًا، وأكثر قدرة على صناعة أثر سريع وملموس. ومن بين أكثر الأدوات التي أثبتت جدواها عالميًا، اللجان التركيزية داخل الوزارات؛ وهي لجان صغيرة محددة المهام، تُشكَّل لدراسة ملف أو تطوير جانب محدد بعمق، لتقدم حلولًا سريعة وواقعية، بدل الخطط المكتبية التي قد تبقى حبيسة الأدراج.

هذه اللجان ليست مجرد هياكل إدارية، بل منصات تفكير مركّزة تتبنى ثقافة «العقل الجماعي»، حيث تتداخل الخبرات الوطنية من أكاديميين، متقاعدين، وقيادات تعمل على رأس مؤسسات أخرى أثبتت جدارتها، لتشكل روافد فكرية تغذّي هذه اللجان بوعي تجريبي لا يقدّره إلا من عاش بيئة العمل على حقيقتها. فمن غير المقبول أن تُهدر ثروة معرفية تراكمت لعقود لدى مبدعين خرجوا إلى التقاعد أو لدى قيادات أثبتت نجاحًا في جهات أخرى، بينما الوزارات بحاجة إلى تجاربهم داخل غرف القرار.

وزارة التعليم: يمكن تشكيل لجنة تطوير منظومة التعليم العالي والتدريب المستمر، تكون مسؤولة عن مواءمة البرامج الأكاديمية مع سوق العمل، وتطوير رأس المال البشري الوطني.

 وزارة الصحة: تتشكل لجنة تُعنى بالخدمات الصحية الرقمية، لتقود ملف السجلات الطبية الموحدة، والمواعيد الذكية، وربط المنظومة وفق أعلى المعايير العالمية.

وزارة البيئة والتغير المناخي: تتولى لجنة التحول الأخضر مهمة صياغة سياسات تقلل الانبعاثات وتعزز مشاريع الطاقة المستدامة.

وزارة التنمية الاجتماعية: تُشكّل لجنة التمكين المجتمعي عبر استثمار خبرات المتقاعدين والاختصاصيين في التدريب والحوكمة والتنمية البشرية، ودمجهم في مبادرات تعزز المشاركة الوطنية.

 وزارة الداخلية: لجنة ابتكار خدمات الأمن الذكي، تستثمر الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات لصناعة تجربة خدمات أكثر سلاسة وفاعلية.

 وزارة المواصلات: لجنة متخصصة في النقل المستدام والأنظمة الذكية.

وزارة التجارة والصناعة: لجنة تطوير البيئة الاستثمارية وتسهيل الإجراءات وتعزيز فرص الاستثمار الوطني والأجنبي.

هذه اللجان تمثل عقلًا وطنيًا موجّهًا، يتكامل مع طموحات الدولة ويجسّد مبادئ رؤية قطر الوطنية 2030 في التنمية البشرية، والاقتصادية، والاجتماعية. ومن عمق الرؤية تبرز فكرة تشكيل لجنة تركيزية متخصصة في كل وزارة، بحيث تُعنى كل وزارة بجانب إستراتيجي واحد تشرف عليه بتركيز كامل حتى يتحول إلى علامة فارقة وطنية في مجالها.

محليًا، ظهرت ملامح هذه التجربة في لجان التحول الرقمي التي قادت تطوير الخدمات الحكومية الإلكترونية وتبسيط الإجراءات، وأثبتت أن فرقًا صغيرة متخصصة تستطيع تحويل ملفات معقدة إلى قصص نجاح في وقت قياسي.

وإقليميًا، جسدت رؤية السعودية 2030 نموذجًا حيًا عبر لجان تركيز طورت قطاعات حيوية مثل التخصيص، القدرات البشرية، والقطاع اللوجستي، لتصبح السعودية أحد أسرع الاقتصادات نموًا.

عالميًا، يمكن استحضار تجربة سنغافورة في تطوير التعليم، وفنلندا في سياسات الرعاية الصحية، واليابان في الصناعة الذكية. جميعها اعتمدت لجان تركيز مصغرة، جمعت العقول، ودرست الفجوات بتركيز، ثم قدمت حلولًا عملية شكلت ثورة في مسار النهضة.

إن أهم قيمة لهذه اللجان أنها تقلص البيروقراطية، وتُسرّع القرار، وتعمل بمؤشرات أداء واضحة ترتبط مباشرة بالرؤية الوطنية والتنمية المستدامة. كما أنها قادرة على خفض الهدر المالي، وتوجيه الإنفاق نحو الأولويات، وتعزيز التكامل بين الوزارات والجامعات والقطاع الخاص.

آن الأوان لأن نتبنى في وزاراتنا نموذج اللجان التركيزية كمنهج عمل مستدام، يمنح صلاحيات للتحليل والتشخيص ووضع الحلول ومتابعة الأثر. فصناعة النهضة ليست شعارات، بل لجان تفكر، وخبرات تُستثمر، وقرارات تتحرر من القيود.

ومن هنا، يصبح تشكيل لجان تركيزية داخل الوزارات قصة تحول وطني تليق برؤية 2030… وتليق بقطر.

مساحة إعلانية