رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
كنت في العاشرة من عمري عندما شاهدت لأول مرة في حياتي مباراة لكرة القدم من داخل الملعب، وكان ذلك في عام 1981 حيث حضرت نهائي كأس العالم العسكرية لكرة القدم بين منتخبنا وشقيقه الكويتي بنجوم عصره الذهبي ومنهم عبدالعزيز العنبري وجاسم يعقوب وفتحي كميل وغيرهم، على استاد خليفة الأولمبي حسب مسماه القديم.
مثل غيري من أطفال قطر قديما وحديثا كنا شغوفين بكرة القدم، وأذكر قبل أن تبدأ تلك المباراة كنت وأطفال منطقتنا نلعب الكرة في أحد "دواعيس" فريج وادي السيل التي طواها النسيان بعد إزالتها منذ خمس سنوات تقريبا، إذ بجارنا ينادي على أولاده وعلينا لنرافقه إلى الملعب ومشاهدة المباراة.
لم نتردد لحظة في قبول العرض، بل وقبل أن يكمل الجار كلامه، وجدنا جميعا "منحشرين" داخل سيارته مغبري الوجوه والارجل ومتسخي الثياب. لم يُجد نفعا صراخه علينا بضرورة الاغتسال واستبدال ثيابنا ولا تهديده لنا بعدم تشغيل سيارته حتى ننفذ أوامره وأجبر على الرضوخ لمطالبنا، حتى انه اكتشف عند وصولنا إلى الملعب أن أحدنا قد جاء من غير نعليه.
بالنسبة لي على الأقل، كان المشهد مثيرا في الملعب ليس في أن أكون لأول مرة واحدا من بين آلاف الجماهير التي تواجدت في الاستاد فقط وتشجع منتخبنا الوطني بكل حماس وقوة، ولكن أيضا لأنني شاهدت مباشرة نجوما لم أكن أشاهدهم سوى على شاشات التلفزيون أو صفحات الجرائد.
ففي يونيو من عام 1981 كان المنتخب القطري العسكري على موعد مع انجاز كبير عندما حصل على المركز الثاني في بطولة العالم العسكرية الـــ30 التي أقيمت في قطر ذلك العام بعد خسارته أمام أقوى منتخب عربي وآسيوي في تلك الفترة، المنتخب الكويتي الشقيق، بهدف نظيف سجله في مرمى محمد وفا نجمه الشهير فتحي كميل برأسية أكثر من رائعة، علما بأن الفريقين التقيا في مرحلة المجموعات وانتهت مباراتهما بالتعادل الإيجابي بهدف لكل منهما.
شعرت بفخر شديد وأنا أشاهد في الملعب نجوم منتخبنا بعد أن شاهدت كل مبارياتهم السابقة عبر شاشة التلفزيون ومنها المباراة ضد تركيا التي انتهت بالتعادل السلبي في مباراة تفنن فيها نجمنا منصور مفتاح في إهدار كل الفرص التي أتيحت له للتسجيل فشعر بالذنب ورمى بعد المباراة برأسه في احضان مدرب المنتخب آنذاك ايفريستو، أشهر وأنجح مدرب عرفته قطر، وهو يحترق بكاء لاحساسه بأنه تسبب في هذه النتيجة.
كان المشهد رائعا وأنت تشاهد من الملعب، وفي ظل حضور جماهيري رهيب، النجم المتألق منصور مفتاح الذي قاد منتخبنا للصعود إلى المباراة النهائية بعد الفوز التاريخي على منتخب فرنسا العسكري بهدفين لهدف برفقة نجوم آخرين مثل حسن القاضي الفائز بلقب أفضل لاعب بالبطولة والحارس محمد وفاء الحائز على جائزة أفضل حارس إلى جانب مجموعة من اللاعبين الشباب أمثال ابراهيم خلفان، وخالد سلمان، ومحمد دهام، وعلي زيد وغيرهم.
في مرحلة مراهقتي..
كنت قد تخرجت للتو من كلية الإدارة والاقتصاد بجامعة قطر، وإذ بالأنباء تشير إلى نقل تنظيم كأس العالم لكرة القدم للشباب إلى قطر من نيجيريا نظرا للمشاكل التي واجهتها الأخيرة.
ففي عام 1995 استضافت قطر كأس العالم للشباب FIFA حيث نظمت الحدث الذي شارك فيه 16 منتخبا وتوج بلقبه منتخب الارجنيتن بعد فوزه في المباراة النهائية على البرازيل بهدفين نظيفين في وقت قياسي وقبل ثلاثة أسابيع فقط من انطلاقها، وأنقذت الفيفا من ورطة واجهتها بعد المشاكل التي تعرضت لها نيجيريا التي كان يفترض أن تنظم هذه الدورة.
ومثلما تم استدعاء منتخبنا للشباب على عجل للاستعداد للمشاركة في هذه البطولة كبلد مضيف، تم تشكيل لجان البطولة المختلفة واستدعي الكثير من الشباب للعمل فيها. وبالرغم من أن تخصصي الدراسي كان إدارة الأعمال فإن العمل الإعلامي كان يستهويني بشدة، وأتيحت لي الفرصة للعمل في اللجنة الإعلامية التي كلف برئاستها سعادة السيد سعد الرميحي سكرتير سمو الأمير للمتابعة.
كانت بطولة رائعة بكل المقاييس، وشهدت تفاعلا جماهيريا كبيرا ومستويات فنية رائعة، وما زالت تحتفظ بأعلى معدل تهديفي. شاهدت الكثير من مبارياتها في مختلف ملاعب الدوحة التي احتضنت منافساتها ومنها استاد حمد بن خليفة بعميد الأندية القطرية النادي الأهلي، علما بأن المباراة الافتتاحية والنهائية أقيمتا باستاد خليفة الدولي وسط حضور جماهيري كبير يعكس شغف الشعب القطري بكرة القدم.
في مرحلة نضجي..
عشت كغيري فيما أطلق عليه "ألعاب العمر" ووصف بأنه أفضل دورة آسيوية على الاطلاق لحظات رائعةع على مدى 15 يوما منذ افتتاح الدورة وما تلاها من أحداث حتى حفل الختام.
والألعاب الآسيوية هي ثاني أكبر حدث رياضي عالمي متنوع بعد دورة الألعاب الأولمبية الصيفية. وقد شارك للمرة الأولى جميع الأعضاء الـ 45 في المجلس الأولمبي الآسيوي في الألعاب. واستوعبت الدوحة حينذاك 13 ألف رياضي ومجموعات كبيرة من المشجعين خلال الدورة، كنت فخورا أن أكون واحدا من ضمنهم.
بعد 12 سنة من الآن..
أبلغ من العمر الآن أربعين سنة، وإن شاء الله يكتب لي عمرا طويلا في طاعته وتتيح لي الفرصة أن أشاهد مرة أخرى حدثا رياضيا كبيرا في قطر وهو كأس العالم لكرة القدم عام 2022.
ومثلما كانت الدوحة أول مدينة عربية تحتضن دورة الألعاب الآسيوية، إن شاء الله تكون الدوحة أول مدينة في منطقة الشرق الأوسط تستضيف كأس العالم لكرة القدم عندما يتخذ الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا" قراره اليوم لصالح قطر بمشيئة الله.
يدرك الفيفا أنه قد حان وقت تنظيم كأس العالم في بلدنا لترسيخ رسالة السلام والوحدة في العالم من خلال هذه المنطقة.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
هناك لحظات تفاجئ المرء في منتصف الطريق، لحظات لا تحتمل التأجيل ولا المجاملة، لحظات تبدو كأنها قادمة من عمق الذاكرة لتذكره بأن الحياة، مهما تزينت بضحكاتها، تحمل في جيبها دائمًا بذرة الفقد. كنتُ أظن أني تعلّمت لغة الغياب بما يكفي، وأنني امتلكت مناعة ما أمام رحيل الأصدقاء، لكن موتًا آخر جاء هذه المرة أكثر اقترابًا، أكثر إيغالًا في هشاشتي، حتى شعرتُ أن المرآة التي أطل منها على وجهي اليوم ليست إلا ظلًّا لامرأة كانت بالأمس بجانبي. قبل أيام قليلة رحلت صديقتي النبيلة لطيفة الثويني، بعد صراع طويل مع المرض، صراع لم يكن سوى امتحان صعب لجسدها الواهن وإرادتها الصلبة. كانت تقاتل الألم بابتسامة، كأنها تقول لنا جميعًا: لا تسمحوا للوجع أن يسرقكم من أنفسكم. لكن ماذا نفعل حين ينسحب أحدهم فجأة من حياتنا تاركًا وراءه فراغًا يشبه هوة بلا قاع؟ كيف يتهيأ القلب لاستيعاب فكرة أن الصوت الذي كان يجيب مكالماتنا لم يعد موجودًا؟ وأن الضحكة التي كانت تفكّك تعقيدات أيامنا قد صمتت إلى الأبد؟ الموت ليس حدثًا يُحكى، بل تجربة تنغرس في الروح مثل سكين بطيئة، تجبرنا على إعادة النظر في أبسط تفاصيل حياتنا. مع كل رحيل، يتقلص مدى الأمان من حولنا. نشعر أن الموت، ذلك الكائن المتربّص، لم يعد بعيدًا في تخوم الزمن، بل صار يتجوّل بالقرب منا، يختبر خطواتنا، ويتحرّى أعمارنا التي تتقارب مع أعمار الراحلين. وحين يكون الراحل صديقًا يشبهنا في العمر، ويشاركنا تفاصيل جيل واحد، تصبح المسافة بيننا وبين الفناء أقصر وأكثر قسوة. لم يعد الموت حكاية كبار السن، ولا خبرًا يخص آخرين، بل صار جارًا يتلصص علينا من نافذة الجسد والذاكرة. صديقتي الراحلة كانت تمتلك تلك القدرة النادرة على أن تراك من الداخل، وأن تمنحك شعورًا بأنك مفهوم بلا حاجة لتبرير أو تفسير. لهذا بدا غيابها ثقيلاً، ليس لأنها تركت مقعدًا فارغًا وحسب، بل لأنها حملت معها تلك المساحة الآمنة التي يصعب أن تجد بديلًا لها. أفكر الآن في كل ما تركته خلفها من أسئلة. لماذا نُفاجأ بالموت كل مرة وكأنها الأولى؟ أليس من المفترض أن نكون قد اعتدنا حضوره؟ ومع ذلك يظل الموت غريبًا في كل مرة، جديدًا في صدمته، جارحًا في اختباره، وكأنه يفتح جرحًا لم يلتئم أبدًا. هل نحن من نرفض التصالح معه، أم أنه هو الذي يتقن فنّ المداهمة حتى لو كان متوقعًا؟ ما يوجعني أكثر أن رحيلها كان درسًا لا يمكن تجاهله: أن العمر ليس سوى اتفاق مؤقت بين المرء وجسده، وأن الألفة مع الحياة قد تنكسر في لحظة. كل ابتسامة جمعتها بنا، وكل كلمة قالتها في محاولة لتهوين وجعها، تتحول الآن إلى شاهد على شجاعة نادرة. رحيلها يفضح ضعفنا أمام المرض، لكنه في الوقت ذاته يكشف جمال قدرتها على الصمود حتى اللحظة الأخيرة. إنها واحدة من تلك الأرواح التي تترك أثرًا أبعد من وجودها الجسدي. صارت بعد موتها أكثر حضورًا مما كانت عليه في حياتها. حضور من نوع مختلف، يحاورنا في صمت، ويذكّرنا بأن المحبة الحقيقية لا تموت، بل تعيد ترتيب نفسها في قلوبنا. وربما لهذا نشعر أن الغياب ليس غيابًا كاملًا، بل انتقالًا إلى شكل آخر من الوجود، وجود نراه في الذكريات، في نبرة الصوت التي لا تغيب، في اللمسة التي لا تزال عالقة في الذاكرة. أكتب عن لطيفة رحمها الله اليوم ليس لأحكي حكاية موتها، بل لأواجه موتي القادم. كلما فقدت صديقًا أدركت أن حياتي ليست طويلة كما كنت أتوهم، وأنني أسير في الطريق ذاته، بخطوات متفاوتة، لكن النهاية تظل مشتركة. وما بين بداية ونهاية، ليس أمامي إلا أن أعيش بشجاعة، أن أتمسك بالبوح كما كانت تفعل، وأن أبتسم رغم الألم كما كانت تبتسم. نعم.. الحياة ليست سوى فرصة قصيرة لتبادل المحبة، وأن أجمل ما يبقى بعدنا ليس عدد سنواتنا، بل نوع الأثر الذي نتركه في أرواح من أحببنا. هكذا فقط يمكن أن يتحول الموت من وحشة جارحة إلى معنى يفتح فينا شرفة أمل، حتى ونحن نغالب الفقد الثقيل. مثواك الجنة يا صديقتي.
4617
| 29 سبتمبر 2025
في ظهوره الأخير على منصة الأمم المتحدة، ملامحه، حركاته، وحتى ضحكاته المقتضبة لم تكن مجرد تفاصيل عابرة؛ بل كانت رسائل غير منطوقة تكشف عن قلق داخلي وتناقض صارخ بين ما يقوله وما يحاول إخفاءه. نظراته: قبل أن يبدأ حديثه، كانت عيونه تتجه نحو السلم، وكأنها تبحث عن شيء غير موجود. في لغة الجسد، النظرات المتكررة إلى الأرض أو الممرات تعكس قلقًا داخليًا وشعورًا بعدم الأمان. بدا وكأنه يراقب طريق الخروج أكثر مما يراقب الحضور، وكأن المنصة بالنسبة له فخّ، والسلم هو طوق النجاة. يداه: حين وقف أمام المنصة، شدّ يديه الاثنتين على جانبي البوديوم بشكل لافت إشارة إلى أن المتحدث يحتاج إلى شيء ملموس يستند إليه ليتجنب الارتباك، فالرجل الذي يقدّم نفسه دائمًا بصورة القوي الصلب، بدا كمن يتمسك بحاجز خشبي ليمنع ارتعاشة داخلية من الانكشاف. ضحكاته: استهل خطابه بإشارات إلى أحداث جانبية وبمحاولة لإضحاك الجمهور حيث بدا مفتعلًا ومشحونًا بالتوتر. كان الضحك أقرب إلى قناع يوضع على وجه مرتبك، قناع يحاول إخفاء ما لا يريد أن يظهر: الخوف من فقدان السيطرة، وربما الخوف من الأسئلة التي تطارده خارج القاعة أكثر مما يواجهه داخلها. عيناه ورأسه: خلال أجزاء من خطابه، حاول أن يُغلق عينيه لثوانٍ بينما يتحدث، ويميل رأسه قليلاً إلى الجانب ويعكس ذلك رغبة لا واعية في إبعاد ما يراه أو ما يقوله، وكأن المتحدث يحاول أن يتجنب مواجهة الحقيقة. أما مَيل الرأس، فكان إشارة إلى محاولة الاحتماء، أو البحث عن زاوية أكثر راحة نفسيًا وسط ارتباك داخلي. بدا وكأنه يتحدث إلى نفسه أكثر مما يخاطب العالم. مفرداته: استدعاؤه أمجاد الماضي، وتحدثه عن إخماد الحروب أعطى انطباعًا بأنه لا يتقن سوى لغة الحروب، سواء في إشعالها أو في إخمادها. رجل يحاول أن يتزين بإنجازات الحرب، في زمن يبحث فيه العالم عن من يصنع السلم. قناعه: لم يكن يتحدث بلسانه فقط؛ بل بجسده أيضًا حيث بدا وكأنه محاولة لإعادة ارتداء قناع «الرجل الواثق» لكن لغة جسده فضحته، كلها بدت وكأنها تقول: «الوضع ليس تحت السيطرة». القناع هنا لم يخفِ الحقيقة بل كشف هشاشته أكثر. مخاوفه: لعلها المخاوف من فقدان تأثيره الدولي، أو من محاكم الداخل التي تطارده، أو حتى من نظرات الحلفاء الذين اعتادوا سماع خطاباته النارية لكنهم اليوم يرون أمامهم رجلاً متردداً. لم نره أجبن من هذا الموقف، إذ بدا أنه في مواجهة نفسه أكثر من مواجهة الآخرين. في النهاية، ما قدّمه لم يكن خطابًا سياسيًا بقدر ما كان درسًا في لغة الجسد. الكلمات قد تخدع، لكن الجسد يفضح.
3507
| 29 سبتمبر 2025
تجاذبت أطراف الحديث مؤخرًا مع أحد المستثمرين في قطر، وهو رجل أعمال من المقيمين في قطر كان قد جدد لتوّه إقامته، ولكنه لم يحصل إلا على تأشيرة سارية لمدة عام واحد فقط، بحجة أنه تجاوز الستين من عمره. وبالنظر إلى أنه قد يعيش عقدين آخرين أو أكثر، وإلى أن حجم استثماره ضخم، فضلاً عن أن الاستثمار في الكفاءات الوافدة واستقطابها يُعدّان من الأولويات للدولة، فإن تمديد الإقامة لمدة عام واحد يبدو قصيرًا للغاية. وتُسلط هذه الحادثة الضوء على مسألة حساسة تتمثل في كيفية تشجيع الإقامات الطويلة بدولة قطر، في إطار الالتزام الإستراتيجي بزيادة عدد السكان، وهي قضية تواجهها جميع دول الخليج. ويُعد النمو السكاني أحد أكثر أسباب النمو الاقتصادي، إلا أن بعض أشكال النمو السكاني المعزز تعود بفوائد اقتصادية أكبر من غيرها، حيث إن المهنيين ورواد الأعمال الشباب هم الأكثر طلبًا في الدول التي تسعى لاستقطاب الوافدين. ولا تمنح دول الخليج في العادة الجنسية الكاملة للمقيمين الأجانب. ويُعد الحصول على تأشيرة إقامة طويلة الأمد السبيل الرئيسي للبقاء في البلاد لفترات طويلة. ولا يقل الاحتفاظ بالمتخصصين والمستثمرين الأجانب ذوي الكفاءة العالية أهميةً عن استقطابهم، بل قد يكون أكثر أهمية. فكلما طالت فترة إقامتهم في البلاد، ازدادت المنافع، حيث يكون المقيمون لفترات طويلة أكثر ميلاً للاستثمار في الاقتصاد المحلي، وتقل احتمالات تحويل مدخراتهم إلى الخارج. ويمكن تحسين سياسة قطر لتصبح أكثر جاذبية ووضوحًا، عبر توفير شروط وإجراءات الإقامة الدائمة بوضوح وسهولة عبر منصات إلكترونية، بما في ذلك إمكانية العمل في مختلف القطاعات وإنشاء المشاريع التجارية بدون نقل الكفالة. وفي الوقت الحالي، تتوفر المعلومات من مصادر متعددة، ولكنها ليست دقيقة أو متسقة في جميع الأحيان، ولا يوجد وضوح بخصوص إمكانية العمل أو الوقت المطلوب لإنهاء إجراءات الإقامة الدائمة. وقد أصبحت شروط إصدار «تأشيرات الإقامة الذهبية»، التي تمنحها العديد من الدول، أكثر تطورًا وسهولة. فهناك توجه للابتعاد عن ربطها بالثروة الصافية أو تملك العقارات فقط، وتقديمها لأصحاب المهارات والتخصصات المطلوبة في الدولة. وفي سلطنة عمان، يُمثل برنامج الإقامة الذهبية الجديد الذي يمتد لعشر سنوات توسعًا في البرامج القائمة. ويشمل هذا النظام الجديد شريحة أوسع من المتقدمين، ويُسهّل إجراءات التقديم إلكترونيًا، كما يتيح إمكانية ضم أفراد الأسرة من الدرجة الأولى. وتتوفر المعلومات اللازمة حول الشروط وإجراءات التقديم بسهولة. أما في دولة الإمارات العربية المتحدة، فهناك أيضًا مجموعة واضحة من المتطلبات لبرنامج التأشيرة الذهبية، حيث تمنح الإقامة لمدة تتراوح بين خمس و10 سنوات، وتُمنح للمستثمرين ورواد الأعمال وفئات متنوعة من المهنيين، مع إمكانية ضم أفراد الأسرة. ويتم منح الإقامة الذهبية خلال 48 ساعة فقط. وقد شهدت قطر نموًا سكانيًا سريعًا خلال أول عقدين من القرن الحالي، ثم تباطأ هذا النمو لاحقًا. فقد ارتفع عدد السكان من 1.7 مليون نسمة وفقًا لتعداد عام 2010 إلى 2.4 مليون نسمة في عام 2015، أي بزيادة قدرها 41.5 %. وبلغ العدد 2.8 مليون نسمة في تعداد عام 2020، ويُقدَّر حاليًا بحوالي 3.1 مليون نسمة. ومن المشاكل التي تواجه القطاع العقاري عدم تناسب وتيرة النمو السكاني مع توسع هذا القطاع. فخلال فترة انخفاض أسعار الفائدة والاستعداد لاستضافة بطولة كأس العالم لكرة القدم 2022، شهد قطاع البناء انتعاشًا كبيرًا. ومع ذلك، لا يُشكل هذا الفائض من العقارات المعروضة مشكلة كبيرة، بل يمكن تحويله إلى ميزة. فمثلاً، يُمكن للمقيمين الأجانب ذوي الدخل المرتفع الاستفادة وشراء المساكن الحديثة بأسعار معقولة. إن تطوير سياسات الإقامة في قطر ليكون التقديم عليها سهلًا وواضحًا عبر المنصات الإلكترونية سيجعلها أكثر جاذبية للكفاءات التي تبحث عن بيئة مستقرة وواضحة المعالم. فكلما كانت الإجراءات أسرع والمتطلبات أقل تعقيدًا، كلما شعر المستثمر والمهني أن وقته مُقدَّر وأن استقراره مضمون. كما أن السماح للمقيمين بالعمل مباشرة تحت مظلة الإقامة الدائمة، من دون الحاجة لنقل الكفالة أو الارتباط بصاحب عمل محدد، سيعزز حرية الحركة الاقتصادية ويفتح المجال لابتكار المشاريع وتأسيس الأعمال الجديدة. وهذا بدوره ينعكس إيجابًا على الاقتصاد الوطني عبر زيادة الإنفاق والاستثمار المحلي، وتقليل تحويلات الأموال إلى الخارج، وتحقيق استقرار سكاني طويل الأمد.
1683
| 05 أكتوبر 2025