رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مع أن تعريف الديمقراطية معروف وملامحها الفكرية والعملية لا خلاف عليها في الأدبيات العالمية؛ إلا أن الفكر السياسي العربي تعمد إساءة استعمال المصطلح على نحو غير مسبوق في التجارب السياسية الدولية.
ومن باب إحقاق الحق؛ فإننا نلاحظ أن الجماعات الأيديولوجية لم تشارك على الإطلاق في إساءة استعمال مصطلح الديمقراطية، حتى وإن كانت قد تجنبتها تماما. وينطبق هذا على معظم جماعات ما يُعرف بجماعات الإسلام السياسي، وعلى حركة البعث العربي وحركة القوميين العرب، وكثير من حركات التحرير الفلسطينية وغير الفلسطينية.
وفي المقابل؛ فإن إساءة استعمال مصطلح الديمقراطية وما يرتبط به قد حدثت على يد ما يُعرف بالنُّظم الثورية المتولدة عن وصول العسكر للسلطة، وتقديمهم لأنفسهم على أنهم ديمقراطيون؛ بما في ذلك ما حدث مرات من النص في اسم الدولة على صفة الديمقراطية، ثم محاربة الديمقراطية نفسها حربا شعواء تحت هذه المظلة.
وليس من شك في أنه كانت هناك أكثر من تجربة سياسية عربية اشتبكت بقسوة مع الديمقراطية وأثخنتها جراحاً، مع حرصها على نسبة تصرفاتها للديمقراطية. لكن أبرز هذه التجارب في هذه المعركة المريرة والمحبِطة كانت التجربة الناصرية. ومن المدهش -بل المذهل- أن أكثر من ساهم في إضفاء هذا التحول القاسي على الناصرية هي الولايات المتحدة الأميركية. ومن المدهش -بل المذهل- مرة أخرى أن هذا هو موطن العِبرة من التجربة التي تتكرر الآن في أكثر من موقع بمحيطنا العربي، من دون انتباه كافٍ من الساسة والمنظرين.
وليس من قبيل المبالغة القول بأن أولى سمات الفكر السياسي في شخصية الرئيس جمال عبد الناصر كانت كفره التام بالديمقراطية وعداءه الصريح لها، ونحن نفهم أن هذا هو الطابع المسيطر على العسكريين في كل زمان ومكان؛ لكن الرئيس جمال عبد الناصر كان مبالغا في هذا الكفر وهذا العداء لأسباب جوهرية وأخرى مرحلية.
بل إنه من العجيب أن الأسباب التي كان يُحتمل أن تجعله يُكنّ قدرا من الحب والتقدير للديمقراطية لعبت ببراعة ضد الديمقراطية وضد حبها على طول الخط، ذلك أنه بدأ نشاطه السياسي في تنظيمات الأقلية التي ترفع شعار الديمقراطية بينما هي تعاديها وتكفر بها تماما، بل وتعمل على القضاء عليها انطلاقا من أهداف تبدو نبيلة الغاية والمعتقد.
والمثل في ذلك هو جماعة «مصر الفتاة» التي شكلت الوعي السياسي لعبد الناصر، وحين آثر أن يترك «مصر الفتاة» فإنه ترك الأشخاص ولم يترك الفكرة الفاشية، بل إنه -شأن كل شاب من أمثاله- ازداد اعتصاما بالفكرة ليدين بها الأشخاص أو الزعامات التي رآها أقل من أن تحمل روح الفكرة.
وهكذا فإن الرئيس جمال عبد الناصر -شأنه شأن كل المنشقين عن «مصر الفتاة» من الشباب- كان فاشيا أكثر من المتعقلين، الذين بقوا في «مصر الفتاة» ليحافظوا للحركة -ثم للحزب- على مكانة ما في الشارع السياسي.
وإذا بحثت فيما انتقد به عبد الناصر قياداته السابقة في «مصر الفتاة» مبررا به خروجه عليهم؛ فستجده لا يتحدث إلا عن تجاوزات مالية، أما الفكرة الفاشية نفسها فكانت لا تزال حتى مماته تأخذ بلبه وتشغل فؤاده، بل وتزداد تألقا ولمعانا في ذهنه وذائقته على حد سواء.
وهكذا فقد أضاف الرئيس جمال عبد الناصر كره الفاشية للديمقراطية إلى كره العسكرية للديمقراطية، ثم تبلورت قمة كراهيته للديمقراطية في مرحلة ما بعد نجاح حركة الجيش، عبر ما كان يخرج به من مناقشاته ومناقشات زملائه مع الأميركيين (الذين كان يلتقيهم منذ ما قبل الثورة وفي أعقابها مباشرة).
فقد فهم من هؤلاء الأميركيين -بكل وضوح- أنهم لا يثقون في إمكان التعاون مع حزب الوفد لسبب جوهري، هو أن الوفد كان يفوز في الانتخابات بسهولة، ومن ثم فإنه كان يؤمن بالشعب ويحرص على أصوات الناخبين.
ولهذا السبب فإن الأميركيين كانوا يصرحون لعبد الناصر بأنهم لا يرحبون بالانتخابات لأنها ستأتي بالوفد، بل وأكثر من هذا فإنه فهِم -بكل وضوح- أن تأييدهم له مرتبط بقدرته على تأجيل الانتخابات والتسويف بها، حتى لا يعود الوفد إلى الحكم واتخاذ القرار. نحن نفهم -من برجنا العاجي الآن- جوهر السبب في أن الأميركيين لم يكونوا على استعداد للتعامل مع قوة وطنية تستند إلى صندوق الاقتراع، لكننا سنكون متجنّين على عبد الناصر إذا طالبناه بأن يكون واعيا لهذا العداء الأميركي لإرادة الشعوب، حين كان في المرحلة السنية التي كان لا يزال فيها حين تناقش مع الأميركيين.
ونحن نعرف ونفهم أن الأميركيين كانوا يشغلون الوقت بما يتحدثون به عن الإنجاز التنموي، وعن إلحاح الحاجة إلى الإنجاز من أجل رفع المستوى الاجتماعي والاقتصادي.
ونعرف بالطبع أنهم كانوا يعزفون السيمفونية القائلة بأن الإنجاز لا يمكن أن يتحقق في ظل روح الحزبية التي تنتقد جهود الآخرين، ولا في ظل الديمقراطية التي تتطلب التصويت وموافقة البرلمان، ولا في ظل بقاء هذه الزعامات الليبرالية القديمة وما تمثله من صراعات على المصالح.
هكذا أصبح الرئيس عبد الناصر -بشبابه وبقلة خبرته وبفهمه المتأثر بتوجهه الثوري (اليميني أو الفاشي)- أسيرا للفكرة التي مؤداها أن الإنجاز التنموي يتطلب -بل يحتم- التضحية بالديمقراطية، وكان هذا في الواقع هو قمة نجاح الأميركيين في تشكيل وعيه عبر مناقشات مستفيضة، كان معروفا لهم أنها لابد أن تنتهي إلى هذه النتيجة.
وخد مثلا موضوعا أو إنجازا كالإصلاح الزراعي بكل ما عُرف به في الأدبيات التاريخية والعالمية من مزايا وعيوب، وتأمل معي صورة الرئيس جمال عبد الناصر حين يستمع في الصباح إلى علي ماهر باشا وهو يشرح له عيوب مثل هذا القانون، فإذا به يكتشف أنها هي نفسها العيوب التي قالها له الأميركان في الليلة السابقة.
إن أي زعيم من المخضرمين (من طبقة علي ماهر باشا) سيبديها له، ثم إنه سيستمع إلى الإخوان المسلمين فيذكرون له حكم الشرع تجاه حقوق الملكية، فإذا هو نفسه ما ذكره له الأميركان في الليلة السابقة، وهم يصورون له موقف ما يطلقون عليه مصطلح الرجعية الدينية؛ على حد تعبيرات الاقتصاديين الحريصين على التظاهر باليسارية.
وهكذا استطاع الأميركان أن يؤكدوا ما كانت عقلية الرئيس جمال عبد الناصر قد مضت إلى بلورته، بالسير في الاتجاه الذي يحارب الديمقراطية بلا هوادة من أجل الإنجاز.
وأنت إذا كنت من هواة المسرح، وتسارعت دقات قلبك إحساسا بالخوف عليه وهو تحت هذا التأثير المعرفي المزيف؛ فإنك ستحس أيضا بالتعاطف التام معه مهما كانت تجاوزاته في سبيل ما ظنه واجبا عليه، ولن تُلقي بالاً لمن يقول لك إنه أحب التسلط لأنه متسلط بطبعه، ولا لأنه عاجز عن العدل أو الفهم أو الاستيعاب.
وهكذا تشكل وعي الرئيس جمال عبد الناصر بعد أن قامت ونجحت حركة 1952 ليكون دكتاتورا مطلقا، غير قابل للعودة إلى أية درجة من درجات الديمقراطية بأية صورة من الصور.
وفي مقابل أزمة غياب الديمقراطية وما ترتب عليها؛ فقد كان أسوأ ما ابتُلي به عبد الناصر هو تنظيماته السرية التي تبدو في بعض الكتابات التاريخية محل إعجاب المراقبين، دون أن يكون لها الحق في الاستحواذ على هذا الإعجاب.
لقد كانت متاعبها أكثر بكثير من فوائدها، لكن عبد الناصر ظل مقتنعا بضرورة هذه التنظيمات بحكم انتمائه السابق وانتماء أقرانه للعمل السري (في النظام الخاص للإخوان أو في الحرس الحديدي أو في التنظيمات الشيوعية... إلخ)، أو بحكم إعجابه بهذه النماذج من التنظيم الهادف المحكم، أي إنه تنظيم ذو هدف محدد وطبيعة محكمة.
ومن عجائب الحياة -التي لا يندهش لها المشتغلون بالأدب- أن كل المصاعب والانتقادات التي وُجهت إلى الرئيس جمال عبد الناصر وتجربته -في حياته وبعد مماته- جاءت ممن انضووا تحت راية هذه التنظيمات ونظائرها، وفي مقدمتها التنظيم الطليعي ومنظمة الشباب الاشتراكي.
صحيح أن هذه التنظيمات لم تصبح تنظيمات معارضة للرئيس عبد الناصر ونظامه، لكنها أصبحت بمثابة المورد والمعين الذي وفّر الأدبيات والحركيات التي كانت ضرورية لتشريح ونقد ثم تمزيق صورة التجربة الناصرية.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
في منتصف العام الدراسي، تأتي الإجازات القصيرة كاستراحة ضرورية للطلبة والأسر، لكنها في الوقت ذاته تُعد محطة حساسة تتطلب قدراً عالياً من الوعي في كيفية التعامل معها. فهذه الإجازات، على قِصر مدتها، قد تكون عاملاً مساعداً على تجديد النشاط الذهني والنفسي، وقد تتحول إن أُسيء استغلالها إلى سبب مباشر في تراجع التحصيل الدراسي وصعوبة العودة إلى النسق التعليمي المعتاد. من الطبيعي أن يشعر الأبناء برغبة في كسر الروتين المدرسي، وأن يطالبوا بالسفر والتغيير، غير أن الانصياع التام لهذه الرغبات دون النظر إلى طبيعة المرحلة الدراسية وتوقيتها يحمل في طياته مخاطر تربوية لا يمكن تجاهلها. فالسفر إلى دول تختلف بيئتها ومناخها وثقافتها عن بيئتنا، وفي وقت قصير ومزدحم دراسياً، يؤدي غالباً إلى انفصال ذهني كامل عن أجواء الدراسة، ويضع الطالب في حالة من التشتت يصعب تجاوزها سريعاً عند العودة. توقيت الإجازة وأثره المباشر على المسار الدراسي التجربة التربوية تؤكد أن الطالب بعد الإجازات القصيرة التي تتخلل العام الدراسي يحتاج إلى قدر من الاستقرار والروتين، لا إلى مزيد من التنقل والإرهاق الجسدي والذهني. فالسفر، مهما بدا ممتعاً، يفرض تغييرات في مواعيد النوم والاستيقاظ، ويُربك النظام الغذائي، ويُضعف الالتزام بالواجبات والمتابعة الدراسية، وهو ما ينعكس لاحقاً على مستوى التركيز داخل الصف، ويجعل العودة إلى الإيقاع المدرسي عملية بطيئة ومجهدة. وتكمن الخطورة الحقيقية في أن هذه الإجازات لا تمنح الطالب الوقت الكافي للتكيّف مرتين: مرة مع السفر، ومرة أخرى مع العودة إلى المدرسة. فيضيع جزء غير يسير من زمن الفصل الدراسي في محاولة استعادة النشاط الذهني والانخراط مجدداً في الدروس، وهو زمن ثمين كان الأولى الحفاظ عليه، خصوصاً في المراحل التي تكثر فيها الاختبارات والتقييمات. قطر وجهة سياحية غنية تناسب الإجازات القصيرة في المقابل، تمتلك دولة قطر بيئة مثالية لاستثمار هذه الإجازات القصيرة بشكل متوازن وذكي، فالأجواء الجميلة خلال معظم فترات العام، وتنوع الوجهات السياحية والترفيهية، من حدائق ومتنزهات وشواطئ ومراكز ثقافية وتراثية، تمنح الأسر خيارات واسعة لقضاء أوقات ممتعة دون الحاجة إلى مغادرة البلاد. وهي خيارات تحقق الترفيه المطلوب، وتُشعر الأبناء بالتجديد، دون أن تخلّ باستقرارهم النفسي والتعليمي. كما أن قضاء الإجازة داخل الوطن يتيح للأسرة المحافظة على جزء من الروتين اليومي، ويمنح الأبناء فرصة للعودة السلسة إلى مدارسهم دون صدمة التغيير المفاجئ. ويمكن للأسر أن توظف هذه الفترة في أنشطة خفيفة تعزز مهارات الأبناء، مثل القراءة، والرياضة، والأنشطة الثقافية، وزيارات الأماكن التعليمية والتراثية، بما يحقق فائدة مزدوجة: متعة الإجازة واستمرارية التحصيل. ترشيد الإنفاق خلال العام الدراسي ومن زاوية أخرى، فإن ترشيد الإنفاق خلال هذه الإجازات القصيرة يمثل بُعداً مهماً لا يقل أهمية عن البعد التربوي. فالسفر المتكرر خلال العام الدراسي يستهلك جزءاً كبيراً من ميزانية الأسرة، بينما يمكن ادخار هذه المبالغ وتوجيهها إلى إجازة صيفية طويلة، حيث يكون الطالب قد أنهى عامه الدراسي، وتصبح متطلبات الاسترخاء والسفر مبررة ومفيدة نفسياً وتعليمياً. الإجازة الصيفية، بطولها واتساع وقتها، هي الفرصة الأنسب للسفر البعيد، والتعرف على ثقافات جديدة، وخوض تجارب مختلفة دون ضغط دراسي أو التزامات تعليمية. حينها يستطيع الأبناء الاستمتاع بالسفر بكامل طاقتهم، وتعود الأسرة بذكريات جميلة دون القلق من تأثير ذلك على الأداء المدرسي. دور الأسرة في تحقيق التوازن بين الراحة والانضباط في المحصلة، ليست المشكلة في الإجازة ذاتها، بل في كيفية إدارتها، فالإجازات التي تقع في منتصف العام الدراسي ينبغي أن تُفهم على أنها استراحة قصيرة لإعادة الشحن، لا قطيعة مع المسار التعليمي. ودور الأسرة هنا محوري في تحقيق هذا التوازن، من خلال توجيه الأبناء، وضبط رغباتهم، واتخاذ قرارات واعية تضع مصلحة الطالب التعليمية في المقام الأول، دون حرمانه من حقه في الترفيه والاستمتاع. كسرة أخيرة إن حسن استثمار هذه الإجازات يعكس نضجاً تربوياً، ووعياً بأن النجاح الدراسي لا يُبنى فقط داخل الصفوف، بل يبدأ من البيت، ومن قرارات تبدو بسيطة، لكنها تصنع فارقاً كبيراً في مستقبل الأبناء.
1632
| 24 ديسمبر 2025
في هذا اليوم المجيد من أيام الوطن، الثامن عشر من ديسمبر، تتجدد في القلوب مشاعر الفخر والولاء والانتماء لدولة قطر، ونستحضر مسيرة وطنٍ بُني على القيم، والعدل، والإنسان، وكان ولا يزال نموذجًا في احتضان أبنائه جميعًا دون استثناء. فالولاء للوطن ليس شعارًا يُرفع، بل ممارسة يومية ومسؤولية نغرسها في نفوس أبنائنا منذ الصغر، ليكبروا وهم يشعرون بأن هذا الوطن لهم، وهم له. ويأتي الحديث عن أبنائنا من ذوي الإعاقة تأكيدًا على أنهم جزء أصيل من نسيج المجتمع القطري، لهم الحق الكامل في أن يعيشوا الهوية الوطنية ويفتخروا بانتمائهم، ويشاركوا في بناء وطنهم، كلٌ حسب قدراته وإمكاناته. فالوطن القوي هو الذي يؤمن بأن الاختلاف قوة، وأن التنوع ثراء، وأن الكرامة الإنسانية حق للجميع. إن تنمية الهوية الوطنية لدى الأبناء من ذوي الإعاقة تبدأ من الأسرة، حين نحدثهم عن الوطن بلغة بسيطة قريبة من قلوبهم، نعرّفهم بتاريخ قطر، برموزها، بقيمها، بعَلَمها، وبإنجازاتها، ونُشعرهم بأنهم شركاء في هذا المجد، لا متلقّين للرعاية فقط. فالكلمة الصادقة، والقدوة الحسنة، والاحتفال معهم بالمناسبات الوطنية، كلها أدوات تصنع الانتماء. كما تلعب المؤسسات التعليمية والمراكز المتخصصة دورًا محوريًا في تعزيز هذا الانتماء، من خلال أنشطة وطنية دامجة، ومناهج تراعي الفروق الفردية، وبرامج تُشعر الطفل من ذوي الإعاقة أنه حاضر، ومسموع، ومقدَّر. فالدمج الحقيقي لا يقتصر على الصفوف الدراسية، بل يمتد ليشمل الهوية، والمشاركة، والاحتفال بالوطن. ونحن في مركز الدوحة العالمي لذوي الإعاقة نحرص على تعزيز الهوية الوطنية لدى أبنائنا من ذوي الإعاقة من خلال احتفال وطني كبير نجسّد فيه معاني الانتماء والولاء بصورة عملية وقريبة من قلوبهم. حيث نُشرك أبناءنا في أجواء اليوم الوطني عبر ارتداء الزي القطري التقليدي، وتزيين المكان بأعلام دولة قطر، وتوزيع الأعلام والهدايا التذكارية، بما يعزز شعور الفخر والاعتزاز بالوطن. كما نُحيي رقصة العرضة القطرية (الرزيف) بطريقة تتناسب مع قدرات الأطفال، ونُعرّفهم بالموروث الشعبي من خلال تقديم المأكولات الشعبية القطرية، إلى جانب تنظيم مسابقات وأنشطة وطنية تفاعلية تشجّع المشاركة، وتنمّي روح الانتماء بأسلوب مرح وبسيط. ومن خلال هذه الفعاليات، نؤكد لأبنائنا أن الوطن يعيش في تفاصيلهم اليومية، وأن الاحتفال به ليس مجرد مناسبة، بل شعور يُزرع في القلب ويترجم إلى سلوك وهوية راسخة. ولا يمكن إغفال دور المجتمع والإعلام في تقديم صورة إيجابية عن الأشخاص ذوي الإعاقة، وإبراز نماذج ناجحة ومُلهمة منهم، مما يعزز شعورهم بالفخر بذواتهم وبوطنهم، ويكسر الصور النمطية، ويؤكد أن كل مواطن قادر على العطاء حين تتوفر له الفرصة. وفي اليوم الوطني المجيد، نؤكد أن الولاء للوطن مسؤولية مشتركة، وأن غرس الهوية الوطنية في نفوس أبنائنا من ذوي الإعاقة هو استثمار في مستقبل أكثر شمولًا وإنسانية. فهؤلاء الأبناء ليسوا على هامش الوطن، بل في قلبه، يحملون الحب ذاته، ويستحقون الفرص ذاتها، ويشاركون في مسيرته كلٌ بطريقته. حفظ الله قطر، قيادةً وشعبًا، وجعلها دائمًا وطنًا يحتضن جميع أبنائه… لكل القدرات، ولكل القلوب التي تنبض بحب الوطن كل عام وقطر بخير دام عزّها، ودام مجدها، ودام قائدها وشعبها فخرًا للأمة.
1113
| 22 ديسمبر 2025
«فنّ التّأريخ فنّ عزيز المذهب جمّ الفوائد شريف الغاية، إذ هو يوقفنا على أحوال الماضين من الأمم في أخلاقهم، والأنبياء في سيرهم، والملوك في دولهم وسياستهم، حتّى تتمّ فائدة الاقتداء في ذلك لمن يرومه في أحوال الدّين والدّنيا». يؤصل ابن خلدون في تاريخه بهذه العبارة، قاعدة بالغة الأهمية في دراسة التاريخ، مفادها أن استدعاء صفحات الماضي والنظر في التاريخ، لا يكون بغرض التسلية بحكايات الغابرين، ولا للانحباس في حالة انبهار بصفحات مجد تليد، إنما هو أداة لتغيير الحاضر والتهيئة لتحديات المستقبل. لكن أمتنا قد دبّ فيها داء الهروب إلى التاريخ، نعم نحن نهرب من مواجهة واقعنا باستدعاء التاريخ وأمجاده والاكتفاء بذلك، فهي حيلة نفسية نواري بها عجزنا عن مسايرة الغرب الذي أخذ بأسباب القوة والتقدم بينما توقفنا نحن عند حدود الماضي، وأسعد بلادنا حظًا من قطعت بضع خطوات في مجالات محددة، دون أن تكون هناك نهضة شاملة تجعلها على قدم المساواة مع وحوش العالم. نحن نعاني فوضى التفاخر بالماضي، أصبح المجد السابق هو بضاعتنا في التعريف بأنفسنا، مع أن التفاخر بالتاريخ لن يدفع عجلة الاقتصاد، ولن يحل المشكلات والأزمات الاجتماعية، ولن يسهم في التطور التقني والتكنولوجي، ولن يجعل القوى العسكرية في مصاف القوى الكبرى. ما فائدة أن يتراشق أهل كل بلد من بلدان الأمة بسالف أمرها، هذا يتفاخر على هذا بأن له حضارة عمرها كذا ألف سنة، وهذا يتفاخر على ذاك بأن أجداده هم من اخترعوا كذا، وأصبحت كلمة «كنا، وكنا» ديباجة في خطاب الشعوب. أجدادكم فعلوا، فماذا فعلتم أنتم؟ كان هذا ماضيكم فأين حاضركم؟ ليست المشكلة في أن تعتزّ الأمم بتاريخها، فالتاريخ هو الذاكرة الجماعية والرصيد الرمزي الذي يمنح الشعوب هويتها ومعناها، لكن المعضلة الكبرى التي تعانيها أمتنا تكمن في أنّها حبست نفسها داخل الماضي، واكتفت بالنظر إلى تاريخها المجيد نظرة تمجيد وتقديس، دون أن تحوّل هذا التاريخ إلى مصدر للعبرة، أو إلى جسر يعينها على فهم واقعها ومواجهة تحديات عصرها والعبور بثقة نحو المستقبل. لقد علّمنا التاريخ ذاته أن الحضارة لا تُورّث، وأن المجد لا يُستعاد بالتغنّي به، بل بالعمل وفق السنن التي أقامته أول مرة: العلم، والعمل، والهوية، فأسلافنا لم يتقدموا لأنهم عاشوا على أمجاد من سبقهم، بل لأنهم واجهوا واقعهم بشجاعة، وأبدعوا حلولًا تناسب زمانهم، واستثمروا معارف الأمم الأخرى. إنّ أخطر ما تواجهه أمتنا اليوم هو تحويل الماضي إلى بديل عن الحاضر، وإلى مبرر للعجز بدل أن يكون دافعًا للنهوض. فالعالم من حولنا يتغيّر بسرعة هائلة، تُقاس فيها قوة الأمم بقدرتها على الابتكار، وعلى استيعاب التحولات العلمية والتكنولوجية، بينما لا تزال كثير من مجتمعاتنا أسيرة النظر المجرد إلى الماضي انبهارًا واكتفاءً. التذكير بالماضي والأجداد العظام يفلح فحسب مع من يعتبر بذلك الماضي ويتخذ منه نبراسًا ويقتبس منه ما يضيء به الطريق نحو المستقبل المزهر، وهذا هو منهج القرآن الكريم، فهو يذكر بتاريخ الأمم السابقة التي هلكت رغم إغراقها في النعم وأوجه التقدم بسبب حيدتها عن طريق الله، يذكر بذلك من أجل الاتعاظ والاعتبار بأن القوة لابد وأن تُساس بالمنهج الإلهي. يذكرنا القرآن الكريم بالتاريخ المشرق والأجداد العظام حتى نسير سيرهم ونحذو حذوهم لا لنقف عند قول الشاعر: أولئك آبائي فجئني بمثلهم، إذا جمعتنا يا جرير المجامعُ. فالله تعالى يقول في سورة الإسراء: {ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا}، وحولها يقول الإمام ابن كثير في تفسيره: «تقديره: يا ذرية من حملنا مع نوح. فيه تهييج وتنبيه على المنة، أي: يا سلالة من نجينا فحملنا مع نوح في السفينة، تشبهوا بأبيكم، {إنه كان عبدا شكورا}. فالقرآن هنا لم يذكر سلالة نوح بأبيهم ليتفاخروا به ويقفوا عند هذا التفاخر، بل من أجل التشبه به في خصاله وأفعاله وقيامه بشكر المُنعم على ما أنعم به من النعم. النظر إلى التاريخ لا يصلح أن يكون مهجعًا للاستغراق في النوم، وإنما هو منطلق لأن نستلهم من الماضي لإصلاح الحاضر والعبور المتزن الآمن إلى مستقبل مزهر.
690
| 21 ديسمبر 2025