رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
تاريخياً؛ عُرفت صِناعة النقل البحري بأنها صِناعة مُجزئة تتسم بمحدودية التمايُز، وسُرعة تأثرها بالدورات الاقتصادية وتقلبات الأسواق، لكن التطور الذي شهدته والتكنولوجيا التي أُدخلت عليها من حيث التصاميم والأنظمة ساهم بتطويرها كثيراً، فنحن اليوم نعيش في اقتصاد عالمي مُتزايد الاتصال والترابط قوامه التجارة العابرة للمحيطات، لذا نجد علاقة مترابطة بين أنشطة النقل البحري والتجارة العالمية خاصةً عندما نتحدث عن النمو والتطور، وهو ما أشارت له الدراسات المختلفة في هذا القطاع والتي أثبتت وجود تأثيرات متبادلة بينها كونها علاقة اعتمادية، وتشير التقارير بهذا الصدد أن أكثر من 80% من حجم التجارة العالمية من حيث القيمة وأكثر من 85% من حيث الوزن يتم تداولها عبر مؤسسات وشركات هذا القطاع.
يواجه قطاع الشحن والنقل البحري العالمي تحديات تشغيلية وفنية عديدة، منها تحديات توافر البنية التحتية بالموانئ لاستقبال السفن والناقلات خاصة مع التوجه المستمر من قبل شركات النقل نحو امتلاك السفن الأكبر حجماً لزيادة كفاءتها، وتحديات أخرى منها تحديات بيئية وتكاليف الضرائب وشروط وأحكام التأمين البحري وكذلك تحدي الامتثال للتشريعات والقوانين الملاحية المُختلفة والتي يترقب العاملون بهذا القطاع دخول تحديثاتها حيز التنفيذ ومعرفة تأثيراتها على أنشطة النقل البحري المختلفة.
فمؤخراً ظهرت تحديات جديدة بهذا القطاع والذي أثر بشكل كبير على إيرادات الشحن، منها تقلبات الأسعار فقد تراجعت إيرادات الشحن بنسبة تصل إلى 50% في قطاعات شحن مُعينة عن عامٍ مضى، وكذلك انخفاض حجم الأعمال لأسباب ناتجةً عن الزيادة بحجم الأسطول العالمي من السفن وتبِعات الركود الاقتصادي من تباطؤ تعافي حركة التجارة العالمية والتي زادت حدتها مع تراجع مستوى الإنفاق على مشاريع التنمية وارتفاع حِدة المنافسة في الأسواق العالمية، والتي كانت تُواجه بالماضي من خلال خفض حجم الأسطول عن طريق إخراج السفن القديمة من الخدمة وإرجاء طلبات البناء الجديدة، لكن أسطول السفن الحالي يُعد الأصغر سناً، حيث يبلغ متوسط عمر السفنية ما بين (12 إلى 18 سنة – تبعاً لنوع السفينة) ويصل مُتوسط العمر الافتراضي للسفينة ما بين 20 إلى 40 سنة والتي يحددها مجال عملها. مما يجعل من هذه الآلية المُعتادة صَعبة التطبيق دُون تحمل شركات النقل ومُلاك السفن لخسائر مادية من استثماراتهم السابقة..
ومن جهة أخرى، فإن هذه المرحلة بما تحتويه من تحديات خلقت العديد من الفرص أمام مُلاك السفن والمستثمرين بهذا القطاع للاستحواذ على أصول جديدة من سفن وحاويات وناقلات نفط مُستفيدة من تراجع قيم تلك الأصول السوقية وذلك لمعاودة بيع هذه الأصول عند تحسن أسعار الشحن والاستفادة من فروقات أسعار تقييم تلك الأصول، وهو ما يعرف بــ "لعبة الأصول" وهي إستراتيجية اشتَهر بها أصحاب السفن اليونانية الذين تمكنوا من السيطرة على هذه الصناعة منذ قرون، فبغض النظر عن المحنة التي تواجها اليونان حالياً، فهم لايزالون يُسيطرون على صناعة النقل البحري العالمية من خلال استخدام الإستراتيجيات القديمة المعهودة لديهم مثل "الشراء عند الانخفاض والبيع مع الارتفاع" وغيرها.
إن تراجع إيرادات الشحن ومحدودية فرص النمو والتوسع بالأعمال أوجد تحدياً كبيراً أمام إستمرارية نمو شركات النقل البحري، وهو ما دفع حكومات دول ومجالس إدارات شركات مختلفة حول العالم إلى تَوجيه شركاتها العاملة في هذا المجال نحو دراسة جَدوى الاندماج أو رفع نسب تملكها بالأصول والمشاريع المشتركة وخلق تَكامل تَشغيلي مع شركات قائمة من خلال إعادة النظر في هَيكلية كياناتها وذلك إما رغبةً منها في خَلق كَيانات عِملاقة ذات مَلاءة مَالية قوية تُمكِنها من مُواجهة تقلبات الأسعار والدورات الاقتصادية والتصدي لتداعيات عاصفة الركود الاقتصادي، أو لمساندة أعمال شركاتها ودعم وضعها المالي لضمان استمرارية أعمالها ونمو أنشطتها وتوسعها بالأسواق وتحقيقها لعوائد مجزية لمساهميها.
فبالفترة الماضية شهد القطاع موجَة توجه نحو الاندماج والتضامن، وأحدثها تحالف شركات رائدة في مجال نقل الغاز الطبيعي المسال وهم شركة "Dynagas" و"GasLog" و"Golar" الذي أطلق عليه إسم (The cool pool) دَخلت تلك الشركات من خلاله في تحالف مُشترك يهدف إلى تحسين عملياتها وترشيد الإنفاق والاستفادة من سلسلة التسويق الموجودة بالشركات الثلاث والتي تمكنها من خلق قيمة مضافة لعملياتها، خاصةً بعد تراجع عائدات الشحن لمستوى 30 ألف دولار (spot market rate) في اليوم وهو نصف ما شهده القطاع بالعام الماضي، وكذلك انخفاض مستوى إشغال سُفنها بنسب تتراوح من 40% إلى 50%، كما تم الإعلان مؤخراً عن تضامن طويل الأمد بين مجموعة من شركات الشحن البحري العالمية وشركات إدارة سفن لخدمة الخطوط الملاحية المُختلفة، منها على سبيل المثال التضامن بين شركة "Maersk Line" و "MSC" لمدة عشر سنوات، الهادفة إلى تعظيم استخدام أصولها وتحسين مستوى خدماتها المقدمة وخفض تكاليفها التشغيلية السنوية.
هذا، بالإضافة إلى توجيه الحكومة الصينية اثنتين من أكبر شركاتها العاملة في مجال الشحن البحري وهما شركتا"China Shipping Group" و "China Ocean Shipping Group" - واللتان تتحكمان معا ً في ما يقارب من 80 بالمئة من أسطول السفن بجمهورية الصين - نحو عمل دراسة لدمج أنشطتهما، ومن أوروبا وآسيا إلى الخليج العربي وبالتحديد إلى السوق السعودي فقد شهد العام الماضي دمج أصول وعمليات شركة "فيلا" المملوكة من قبل (أرامكو) وشركة النقل البحري السعودي (بحري) والتي نتج عنها إنشاء واحدة من أكبر شركات النقل البحري على مستوى العالم، المالكة والمشغلة اليوم لأسطول قوامه 72 سفينة وناقلة عملاقة تعمل في مجالات متعددة، إضافةً إلى المفاوضات الجارية بين كل من شركة "ملاحة" القطرية والشركة العربية المتحدة لنقل الكيماويات (UACC) بشأن جدوى تضامن خدماتها في مجال نقل منتجات المشتقات البترولية والمواد الكيماوية والذي تنظر "ملاحه" إلى تعزيز مكانتها بهذا النشاط في حال تم التوصل إلى إتفاق نهائي بهذا الشأن.
إن التراجع الحاد في أسعار خدمات الشحن وإيرادات النقل البحري وقلة فرص النمو بالأسواق العالمية أدخل القطاع في مرحلة جديدة تتميز بالبحث الدائم في السبل المتاحة لتوطيد أعمال الشركات والمؤسسات العاملة في هذه الأنشطة وخلق التحالفات فيما بينها، وذلك للوصول لمستوى الملاءة المالية التي يُمكنها من تحقيق مستوى مستقر من الإيرادات والتدفقات النقدية خاصة خلال فترات تقلبات السوق والمحافظة على مستوى الخدمات المقدمة للعملاء حول العالم وجودتها، وهو ما يستدعي السعي الدائم نحو تحسين الأداء والارتقاء بمستوى التنافسيه بالأسواق.
تُعرف عملية الاندماج بأنها توجه شركتين أو أكثر نحو الانخراط لتوحيد عملياتها وخلق التكتل أو التحالف أو التكامل لخلق كيان جديد يكون قادراً على تحقيق الأهداف التي لا تستطيع تحقيقها بوضعها قبل الاندماج، وتعد أيضاً آلية للتغلب على مشاكل قائِمة أو مُتوقعة في المستقبل، ويمكنها من المحافظة على وضعها التنافسي وإستمرارية النمو والتوسع بأعمالها وأنشطتها، فبالنظر إلى اندماج أسطول وعمليات شركتي "بحري" و "فيلا"، والذي وُصِف من قبل مسؤولي الشركة ومصرفيين بأنه الاندماج الأكبر في تاريخ السوق السعودي حيث بلغت قيمته مليارا وثلاثمائة مليون دولار أمريكي، فالهدف من الاندماج هو ضمان المردود المجزي للمستثمرين بالشركة وخلق قيمة مضافة للاقتصاد السعودي، بالإضافة إلى دعم أعمال الشركة والتي احتلت المركز الرابع عالمياً بعد إتمام عملية الدمج كأكبر مالك لناقلات النفط العملاقة في العالم، مما يمنح الدولة الخليجية المنتجة والمصدرة للنفط مكانة مرموقة عالمياً، ورافد قوي للاقتصاد السعودي من خلال تأمين وسائل نقل بحري متطور جاهز لخدمة المملكة ومنتجاتها من النفط.
إن من فوائد الدمج بين الشركات المماثلة في ذات القطاع، أنها تعزز من تواجدها بالأسواق وتُمكِنها من التوسع في نطاق خَدماتِها، وتَحسين مستوى وجودة الخدمات التي تُقدمها وذلك من خلال الاستغلال الأمثل لهَيكَلِية أفضل للتكاليف عبر الاستفادة القُصوى من الاقتصاد الكلي، ويمكنها من النمو بوتيرة أسرع خاصةً في مجال اختصاصها والمجالات المُكملة لأنشطتها الرئيسية، مُستفيدة من توحيد السياسات والإستراتيجيات المُتبعة خاصة المتعلقة في التسويق والتكنولوجيا وكذلك تأمين المهارات والأيدي العاملة الماهرة.
آخذين في الاعتبار أن نجاح أي عملية اندماج يعتمد على ثلاثة عوامل رئيسية هي: سعر الصفقة أو قيمة الاستثمار بها، والهدف الإستراتيجي منها، والذي يكون الدافع لإبرامها، و"القيمة المضافة" من الدخول بها، سواءً على مستوى الشركات أو اقتصاديات الدول، ومن أبرز أسباب فشل عمليات الدمج بين الشركات هو الوقت والجهد الذي تستغرقه الإدارة في الشركة المستحوذة والتكلفة، والتي تكون ناتجة عن عدم جاهزية هَيكلية الشركة لمثل هذه العمليات، والمبالغة في تقييم الأصول، وكذلك توجه بعض الشركات نحو التوسع في أعمالها من خلال الدخول في أنشطة خارج نطاق أعمالها الأساسية والتي لا تُعطي قيمة مُضافة لأنشطتها، وخير مثال يذكر بهذا الموضوع الخسارة الكبيرة التي مُنيت بها (Mobil Oil Corp) من الاستحواذ على شركة (Montgomery ward) العاملة في مجال تجارة التجزئة في العام 1976، والتي كانت تهدف منها إلى تنويع أنشطتها، لكنها تكبدت خسائر كبيرة من هذا الاستثمار نتيجة فشل خُبراء مؤسسة البترول في إدارة واحدة من أكبر محال التجزئة الأمريكية، والتي شَهِدت خَسائِر مُتواصِلة أو عَوائد ضَئيلة على رأس المال المُستثمر منذ دخول (Mobil Oil Corp) بها.
يتردد حالياً بأوساط العاملين والمُهتمين بهذه الصِناعة أن التوجه العام القادم لمؤسسات وشركات القطاع البحري وقطاعات حيوية أخرى هو المُضي نحو الاندماج واستحواذات جديدة أو التضامن فيما بينها وإعادة النظر في هَياكلها التنظِيمية بهدف خلق تكامل تشغيلي في العَمليات والقُدرات التشغيلية وخفض التكاليف المرتفعة والتخارج من الأنشطة التي لاتدر عوائد مُجزية، والتي قد تُمثل إحدى الآليات المتاحة لمواجهة التحديات الحالية خاصةً على المنظور القريب.. ومن ناحية أخرى إن النظر في إمكانية إجراء عمليات تضامن أو خلق كيانات بحرية كبيرة من حيث الحجم تملك القوة والقدرة على المنافسة عالمياً ستتطلب تقييّم الشركات لأوضاعها المالية ومراجعة إستراتيجياتها الحالية لمعرفة مدى جاهزيتها من الناحية التنظيمية والهَيكلية للدخول في مثل هذه العمليات ومستوى نُضج ثقافة الشركة لإنجاحها، ذلك يستدعي إجراء دراسات مُفصلة عن المكاسب المُتوقعة من الدخول في مثل هذه العمليات، وتحديد السلبيات والتحديات التي ستواجها خلال وبعد الدمج لتقييمها، خاصةً على المدى الطويل، وذلك لتقدير مستوى المكاسب المتوقعة والقيمة المضافة التي من الممكن تحقيقها من خلال تنفيذ هذه العمليات سواءً لمساهميها أو اقتصادات الدول وإجراء التغييرات الهيكلية السليمة والمدروسة، والتي من شأنها إنجاح عمليات الدمج والتضامن بأنشطتها.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
يترقّب الشارع الرياضي العربي نهائي كأس العرب، الذي يجمع المنتخبين الأردني والمغربي على استاد لوسيل، في مواجهة تحمل كل مقومات المباراة الكبيرة، فنيًا وبدنيًا وذهنيًا. المنتخب الأردني تأهل إلى النهائي بعد مشوار اتسم بالانضباط والروح الجماعية العالية. كما بدا تأثره بفكر مدربه جمال السلامي، الذي نجح في بناء منظومة متماسكة تعرف متى تضغط ومتى تُغلق المساحات. الأردن لم يعتمد على الحلول الفردية بقدر ما راهن على الالتزام، واللعب كوحدة واحدة، إلى جانب الشراسة في الالتحامات والقتالية في كل كرة. في المقابل، يدخل المنتخب المغربي النهائي بثقة كبيرة، بعد أداء تصاعدي خلال البطولة. المغرب يمتلك تنوعًا في الخيارات الهجومية، وسرعة في التحولات، وقدرة واضحة على فرض الإيقاع المناسب للمباراة. الفريق يجمع بين الانضباط التكتيكي والقوة البدنية، مع حضور هجومي فعّال يجعله من أخطر منتخبات البطولة أمام المرمى. النهائي يُنتظر أن يكون مواجهة توازنات دقيقة. الأردن سيحاول كسر الإيقاع العام للمباراة والاعتماد على التنظيم والضغط المدروس، بينما يسعى المغرب إلى فرض أسلوبه والاستفادة من الاستحواذ والسرعة في الأطراف. الصراع في وسط الملعب سيكون مفتاح المباراة، حيث تُحسم السيطرة وتُصنع الفوارق. بعيدًا عن الأسماء، ما يجمع الفريقين هو الروح القتالية والرغبة الواضحة في التتويج. المباراة لن تكون سهلة على الطرفين، والأخطاء ستكون مكلفة في لقاء لا يقبل التعويض. كلمة أخيرة: على استاد لوسيل، وفي أجواء جماهيرية منتظرة، يقف الأردن والمغرب أمام فرصة تاريخية لرفع كأس العرب. نهائي لا يُحسم بالتوقعات، بل بالتفاصيل، والتركيز، والقدرة على الصمود حتى اللحظة الأخيرة.
1137
| 18 ديسمبر 2025
في هذا اليوم المجيد من أيام الوطن، الثامن عشر من ديسمبر، تتجدد في القلوب مشاعر الفخر والولاء والانتماء لدولة قطر، ونستحضر مسيرة وطنٍ بُني على القيم، والعدل، والإنسان، وكان ولا يزال نموذجًا في احتضان أبنائه جميعًا دون استثناء. فالولاء للوطن ليس شعارًا يُرفع، بل ممارسة يومية ومسؤولية نغرسها في نفوس أبنائنا منذ الصغر، ليكبروا وهم يشعرون بأن هذا الوطن لهم، وهم له. ويأتي الحديث عن أبنائنا من ذوي الإعاقة تأكيدًا على أنهم جزء أصيل من نسيج المجتمع القطري، لهم الحق الكامل في أن يعيشوا الهوية الوطنية ويفتخروا بانتمائهم، ويشاركوا في بناء وطنهم، كلٌ حسب قدراته وإمكاناته. فالوطن القوي هو الذي يؤمن بأن الاختلاف قوة، وأن التنوع ثراء، وأن الكرامة الإنسانية حق للجميع. إن تنمية الهوية الوطنية لدى الأبناء من ذوي الإعاقة تبدأ من الأسرة، حين نحدثهم عن الوطن بلغة بسيطة قريبة من قلوبهم، نعرّفهم بتاريخ قطر، برموزها، بقيمها، بعَلَمها، وبإنجازاتها، ونُشعرهم بأنهم شركاء في هذا المجد، لا متلقّين للرعاية فقط. فالكلمة الصادقة، والقدوة الحسنة، والاحتفال معهم بالمناسبات الوطنية، كلها أدوات تصنع الانتماء. كما تلعب المؤسسات التعليمية والمراكز المتخصصة دورًا محوريًا في تعزيز هذا الانتماء، من خلال أنشطة وطنية دامجة، ومناهج تراعي الفروق الفردية، وبرامج تُشعر الطفل من ذوي الإعاقة أنه حاضر، ومسموع، ومقدَّر. فالدمج الحقيقي لا يقتصر على الصفوف الدراسية، بل يمتد ليشمل الهوية، والمشاركة، والاحتفال بالوطن. ونحن في مركز الدوحة العالمي لذوي الإعاقة نحرص على تعزيز الهوية الوطنية لدى أبنائنا من ذوي الإعاقة من خلال احتفال وطني كبير نجسّد فيه معاني الانتماء والولاء بصورة عملية وقريبة من قلوبهم. حيث نُشرك أبناءنا في أجواء اليوم الوطني عبر ارتداء الزي القطري التقليدي، وتزيين المكان بأعلام دولة قطر، وتوزيع الأعلام والهدايا التذكارية، بما يعزز شعور الفخر والاعتزاز بالوطن. كما نُحيي رقصة العرضة القطرية (الرزيف) بطريقة تتناسب مع قدرات الأطفال، ونُعرّفهم بالموروث الشعبي من خلال تقديم المأكولات الشعبية القطرية، إلى جانب تنظيم مسابقات وأنشطة وطنية تفاعلية تشجّع المشاركة، وتنمّي روح الانتماء بأسلوب مرح وبسيط. ومن خلال هذه الفعاليات، نؤكد لأبنائنا أن الوطن يعيش في تفاصيلهم اليومية، وأن الاحتفال به ليس مجرد مناسبة، بل شعور يُزرع في القلب ويترجم إلى سلوك وهوية راسخة. ولا يمكن إغفال دور المجتمع والإعلام في تقديم صورة إيجابية عن الأشخاص ذوي الإعاقة، وإبراز نماذج ناجحة ومُلهمة منهم، مما يعزز شعورهم بالفخر بذواتهم وبوطنهم، ويكسر الصور النمطية، ويؤكد أن كل مواطن قادر على العطاء حين تتوفر له الفرصة. وفي اليوم الوطني المجيد، نؤكد أن الولاء للوطن مسؤولية مشتركة، وأن غرس الهوية الوطنية في نفوس أبنائنا من ذوي الإعاقة هو استثمار في مستقبل أكثر شمولًا وإنسانية. فهؤلاء الأبناء ليسوا على هامش الوطن، بل في قلبه، يحملون الحب ذاته، ويستحقون الفرص ذاتها، ويشاركون في مسيرته كلٌ بطريقته. حفظ الله قطر، قيادةً وشعبًا، وجعلها دائمًا وطنًا يحتضن جميع أبنائه… لكل القدرات، ولكل القلوب التي تنبض بحب الوطن كل عام وقطر بخير دام عزّها، ودام مجدها، ودام قائدها وشعبها فخرًا للأمة.
1098
| 22 ديسمبر 2025
في منتصف العام الدراسي، تأتي الإجازات القصيرة كاستراحة ضرورية للطلبة والأسر، لكنها في الوقت ذاته تُعد محطة حساسة تتطلب قدراً عالياً من الوعي في كيفية التعامل معها. فهذه الإجازات، على قِصر مدتها، قد تكون عاملاً مساعداً على تجديد النشاط الذهني والنفسي، وقد تتحول إن أُسيء استغلالها إلى سبب مباشر في تراجع التحصيل الدراسي وصعوبة العودة إلى النسق التعليمي المعتاد. من الطبيعي أن يشعر الأبناء برغبة في كسر الروتين المدرسي، وأن يطالبوا بالسفر والتغيير، غير أن الانصياع التام لهذه الرغبات دون النظر إلى طبيعة المرحلة الدراسية وتوقيتها يحمل في طياته مخاطر تربوية لا يمكن تجاهلها. فالسفر إلى دول تختلف بيئتها ومناخها وثقافتها عن بيئتنا، وفي وقت قصير ومزدحم دراسياً، يؤدي غالباً إلى انفصال ذهني كامل عن أجواء الدراسة، ويضع الطالب في حالة من التشتت يصعب تجاوزها سريعاً عند العودة. توقيت الإجازة وأثره المباشر على المسار الدراسي التجربة التربوية تؤكد أن الطالب بعد الإجازات القصيرة التي تتخلل العام الدراسي يحتاج إلى قدر من الاستقرار والروتين، لا إلى مزيد من التنقل والإرهاق الجسدي والذهني. فالسفر، مهما بدا ممتعاً، يفرض تغييرات في مواعيد النوم والاستيقاظ، ويُربك النظام الغذائي، ويُضعف الالتزام بالواجبات والمتابعة الدراسية، وهو ما ينعكس لاحقاً على مستوى التركيز داخل الصف، ويجعل العودة إلى الإيقاع المدرسي عملية بطيئة ومجهدة. وتكمن الخطورة الحقيقية في أن هذه الإجازات لا تمنح الطالب الوقت الكافي للتكيّف مرتين: مرة مع السفر، ومرة أخرى مع العودة إلى المدرسة. فيضيع جزء غير يسير من زمن الفصل الدراسي في محاولة استعادة النشاط الذهني والانخراط مجدداً في الدروس، وهو زمن ثمين كان الأولى الحفاظ عليه، خصوصاً في المراحل التي تكثر فيها الاختبارات والتقييمات. قطر وجهة سياحية غنية تناسب الإجازات القصيرة في المقابل، تمتلك دولة قطر بيئة مثالية لاستثمار هذه الإجازات القصيرة بشكل متوازن وذكي، فالأجواء الجميلة خلال معظم فترات العام، وتنوع الوجهات السياحية والترفيهية، من حدائق ومتنزهات وشواطئ ومراكز ثقافية وتراثية، تمنح الأسر خيارات واسعة لقضاء أوقات ممتعة دون الحاجة إلى مغادرة البلاد. وهي خيارات تحقق الترفيه المطلوب، وتُشعر الأبناء بالتجديد، دون أن تخلّ باستقرارهم النفسي والتعليمي. كما أن قضاء الإجازة داخل الوطن يتيح للأسرة المحافظة على جزء من الروتين اليومي، ويمنح الأبناء فرصة للعودة السلسة إلى مدارسهم دون صدمة التغيير المفاجئ. ويمكن للأسر أن توظف هذه الفترة في أنشطة خفيفة تعزز مهارات الأبناء، مثل القراءة، والرياضة، والأنشطة الثقافية، وزيارات الأماكن التعليمية والتراثية، بما يحقق فائدة مزدوجة: متعة الإجازة واستمرارية التحصيل. ترشيد الإنفاق خلال العام الدراسي ومن زاوية أخرى، فإن ترشيد الإنفاق خلال هذه الإجازات القصيرة يمثل بُعداً مهماً لا يقل أهمية عن البعد التربوي. فالسفر المتكرر خلال العام الدراسي يستهلك جزءاً كبيراً من ميزانية الأسرة، بينما يمكن ادخار هذه المبالغ وتوجيهها إلى إجازة صيفية طويلة، حيث يكون الطالب قد أنهى عامه الدراسي، وتصبح متطلبات الاسترخاء والسفر مبررة ومفيدة نفسياً وتعليمياً. الإجازة الصيفية، بطولها واتساع وقتها، هي الفرصة الأنسب للسفر البعيد، والتعرف على ثقافات جديدة، وخوض تجارب مختلفة دون ضغط دراسي أو التزامات تعليمية. حينها يستطيع الأبناء الاستمتاع بالسفر بكامل طاقتهم، وتعود الأسرة بذكريات جميلة دون القلق من تأثير ذلك على الأداء المدرسي. دور الأسرة في تحقيق التوازن بين الراحة والانضباط في المحصلة، ليست المشكلة في الإجازة ذاتها، بل في كيفية إدارتها، فالإجازات التي تقع في منتصف العام الدراسي ينبغي أن تُفهم على أنها استراحة قصيرة لإعادة الشحن، لا قطيعة مع المسار التعليمي. ودور الأسرة هنا محوري في تحقيق هذا التوازن، من خلال توجيه الأبناء، وضبط رغباتهم، واتخاذ قرارات واعية تضع مصلحة الطالب التعليمية في المقام الأول، دون حرمانه من حقه في الترفيه والاستمتاع. كسرة أخيرة إن حسن استثمار هذه الإجازات يعكس نضجاً تربوياً، ووعياً بأن النجاح الدراسي لا يُبنى فقط داخل الصفوف، بل يبدأ من البيت، ومن قرارات تبدو بسيطة، لكنها تصنع فارقاً كبيراً في مستقبل الأبناء.
864
| 24 ديسمبر 2025