رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

فاطمة العتوم

كاتبة قطرية - مستشار الصحة البيئية
[email protected]
@faalotoum

مساحة إعلانية

مقالات

36

فاطمة العتوم

عطر بخطر صحي

01 ديسمبر 2025 , 03:00ص

في الوقت الذي تتجه فيه الأنظمة الصحية عالميًا إلى تشديد ضوابط جودة الهواء الداخلي في المستشفيات، لا تزال أغلب المنشآت الصحية الخاصة في قطر تستخدم معطّرات الجو داخل الممرات وغرف الانتظار، رغم أن الأدلة العلمية تؤكد أن هذه المنتجات ليست مجرد روائح لطيفة، بل مزيج من مركّبات عضوية متطايرة قد تُلحق الضرر حتى بالأصحّاء، فكيف بالمرضى الذين يفدون إلى المستشفى بحثًا عن بيئة علاجية آمنة وخالية من الملوثات؟

لقد أثبتت دراسات علمية، من بينها مراجعات منشورة في ScienceDirect وتقارير Health Care Without Harm، أن معطّرات الجو تحتوي غالبًا على مركّبات مثل الفورمالديهايد والفثالات والتولوين، وهي مواد ترتبط مباشرة بتهيج الجهاز التنفسي، وزيادة نوبات الربو، وارتفاع معدلات الحساسية الصدرية لدى الفئات الهشّة كالمرضى وكبار السن والأطفال والنساء المصابات بأمراض تنفسية. كما توصي الإرشادات الدولية مثل ASHRAE ووكالة حماية البيئة EPA بالامتناع عن استخدام أي مواد عطرية أو روائح صناعية داخل منشآت الرعاية الصحية، لأن الرائحة “النظيفة” في المستشفى يجب أن تكون نتاج تهوية جيدة وممارسات تنظيف آمنة، وليس نتيجة إخفاء الروائح بمواد كيميائية إضافية.

ولا تتوقف المشكلة عند الضرر المرتبط بالمواد الكيميائية نفسها، بل تتفاقم بسبب غياب التنسيق بين الإدارات المختصة (التراخيص الطبية، الصحة البيئية، منع العدوى) داخل المنظومة الصحية. ففي حين تُناط الرقابة الفنية بإدارة معينة، تحتاج إدارات أخرى إلى ممارسة دورها التنظيمي والتكميلي لضمان التزام المنشآت بالمعايير. وحين تتداخل الأدوار أو تتركز الرغبة في إبراز إنجاز إدارة على حساب أخرى، يختلّ الهدف الحقيقي: حماية صحة المرضى والمراجعين، لا تسجيل نقاط إدارية. وعندما يغيب التكامل بين الجهات المعنية، يصبح المرضى أول المتضررين، وتتحول المعطّرات من تفصيل تجميلي إلى مسبب حقيقي للأزمات التنفسية.

ولأن الميدان هو المرآة الأصدق، فإن الخبرة المهنية الميدانية داخل قطر — بما في ذلك زياراتي الشخصية لعدد كبير من المستشفيات الخاصة خلال مراجعات طبية متعددة — تكشف أن استخدام المعطّرات أصبح ممارسة واسعة الانتشار في هذه المنشآت. إذ تُضَخ الروائح العطرية في غرف الانتظار والممرات، بل وفي بعض الأقسام العلاجية، في مخالفة واضحة لأسس جودة الهواء الداخلي. 

ولذلك، فإن أي معالجة جادّة لهذه القضية تبدأ بتوحيد الدور الرقابي عبر قرار صريح يمنع استخدام المعطّرات داخل المستشفيات، ثم إنشاء آلية حكومية مشتركة تضمن متابعة جودة الهواء بشكل دوري وفق معايير معترف بها دوليًا، ثم تعزيز الرقابة عبر فرق تفتيش متخصصة تمتلك الصلاحيات الفنية اللازمة، ثم إطلاق حملات توعية تستهدف الكوادر الطبية والإدارية في القطاع الخاص لتوضيح مخاطر المركّبات العضوية المتطايرة وبدائل التحكم بالروائح، ثم إلزام المرافق الصحية بنشر تقارير دورية حول جودة الهواء تقدم للوزارة لضمان الشفافية والالتزام وتتم مشاركة العامة بها. وبهذه الخطوات المتتابعة والمتكاملة، يمكن للمنظومة الصحية في قطر أن تحمي المرضى من ملوثات يمكن تجنبها بسهولة، وأن تعيد الاعتبار لجوهر المستشفى بوصفه مكانًا للعلاج لا ممرًا للعطور الصناعية.

إن حماية صحة العامة لا يجب أن تكون محل خلاف إداري، ولا ساحة تنازع للأدوار. فالمريض الذي يدخل المستشفى بحثًا عن علاج، لا يجب أن يخرج منه بأزمة ربو أو حساسية لم تكن ضمن قائمة أوجاعه. وحين يُسدّ الفراغ التنظيمي، ويتكامل التنسيق، وتُقدّم صحة الإنسان على أي اعتبارات أخرى، تصبح جودة الهواء جزءًا من جودة الرعاية نفسها، ويصبح الحق في هواء نقي داخل المستشفى حقًا لا نقاش فيه.

مساحة إعلانية