رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
حقوق الإنسان أصبحت هاجسا عالميا كبيرا ولم تعد ترفا ضرورة السماح بإنشاء مؤسسات مدنية أهلية تهتم بالمجتمع
حوار مميز أجرته الشرق مع رئيس اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان، وصف بأنه الأكثر جرأة وصراحة على المستوى الداخلي، وهو كذلك، لأنه أعاد لنا الذكريات عن الزمن الجميل الذي كانت تلعب فيه الصحافة دورا مهما في تنوير الرأي العام بالقضايا المصيرية التي تجرى في مجتمع، زمن اللقاءات والتحقيقات التي تستضيف الوزراء وكبار المسئولين في الدولة وتناقش وتحاكم برامجهم وخططهم وسياساتهم، زمن المقالات والأعمدة والكتابات الجريئة الناقدة من كبار الأقلام الصحفية، وكانت تلعب فيها الأقلام النسائية الدور الأكبر، والتي حيرت الكثير في دول الخليج والدول العربية عن مدى هامش الحرية المتاح في الصحف ووسائل الإعلام في مجتمعنا. زمن البرامج الإذاعية الصباحية والمذيعين الذين ماتزال الذاكرة تحتفظ لهم بذكرى عطرة كانت تدعونا إلى أن نصحو باكرا لنستمع لهموم الوطن وغيومه وأوجاعه وأفراحه وأتراحه لتتحول في الوقت الراهن إلى برامج (وطني الحبيب الله بالخير)، زمن الحوارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الفارقة التي تجبرنا على متابعة التلفزيون وضيوفه على المائدة المستديرة وتكون مدار أحاديثنا وأسمارنا في مجالسنا لأسابيع وشهور (مَن يصدق أن التلفزيون الخاص الذي ينطلق من الكويت ودبي والرياض ويتناول المواضيع المصيرية المشابهة لمجتمعنا يستأثر باهتماماتنا أكثر من تلفزيون قطر المحسوب علينا)؟، اليوم نستشعر أن جميع قضايا العالم بتفاصيلها المملة في الصحف والإذاعة والتلفزيون والإعلام الداخلي والخارجي القطري، لكن القضايا المصيرية للوطن تظل بعيدة عن التناول والخوض فيها. ودعونا نقولها بصراحة إننا نحصد ما نزرع، لقد تغير الحال فتغيرت الأحوال، لقد استطعنا أن نسبق غيرنا في دول الخليج والدول العربية منذ 20 سنة مضت، ونعجز اليوم عن اللحاق بهم، بل ونتراجع في التقييمات والتقارير الدولية المرتبطة بحرية الرأي والتعبير والصحافة ووسائل الإعلام سنة بعد الأخرى!.
التوقيت الذي نشرت فيه (الشرق) الحوار يستحق الإشادة أيضا فهو متزامن مع صدور التقارير الدولية ومنظمات حقوق الإنسان العالمية والإقليمية مثل المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، منظمة العفو الدولية، منظمة هيومن رايتس ووتش، وتقارير وزارة الخارجية الأمريكية، المنظمة العربية لحقوق الإنسان، التي تتناول نشر التقارير والتصنيفات العالمية لوضع الدول المختلفة فيما يتعلق بأوضاع حقوق الإنسان فيها من ناحية العدالة والمساواة وعدم التمييز ونبذ الكراهية ومدى احترام الحقوق السياسية والمدنية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية في تشريعاتها الوطنية وممارساتها القانونية، بالإضافة إلى وضعية المؤسسات والمنظمات الخاصة بالمجتمع المدني. لقد أشار رئيس اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان إلى عدد من الإشكاليات والملفات المطروحة ولنستخدم مصطلح أدق (مفتوحة) متعلقة بالمواطنين من قانون التجنيس، مرورا بقضايا الإسكان والتعليم والصحة والتوظيف وصولا إلى السجون والمؤسسات العقابية وانتهاء بقضية أبناء القطريات. لقد تحدث عن أوضاع سجن المتابعة والإبعاد، وقانون حماية المجتمع الذي يتيح الإبقاء على أي متهم قيد الحجز من 6 أشهر إلى سنة رغم تبرئته من قبل النيابة العامة، وعن الأخطاء الطبية والإهمال، وعدم الاهتمام بمدمني المخدرات، واستغرابه من تقديم الجمعيات الخيرية مساعدات تعليمية تقدر بحوالي 30 مليونا في ظل مجانية التعليم. وعن قضية تجنيس أبناء القطريات، وعن مطالبات الدول في العديد من القرارات بإنشاء مؤسسات وطنية شبيهة باللجنة لتكون منطقة وسط بين الحكومات ومؤسسات المجتمع المدني.
رئيس اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان من جانبه لم يخبرنا عن الأرقام والإحصائيات وهي الملاحظة ذاتها التي طالبته بتوفيرها في عدة مقالات نشرتها في الشرق في العام الماضي. لماذا تغيب الإحصائيات والأرقام ولدينا إحدى أكبر المؤسسات الحكومية المختصة بهذا المجال وهو جهاز قطر الإحصائي، لماذا لا يوجد هناك تنسيق بين الجهاز واللجنة في إحصاء ودراسة المشكلات والقضايا والحالات المتأزمة في المجتمع؟ فإذا كان مهما معرفة انخفاض ظاهرة تعدد الزوجات في قطر والخليج بشكل عام وهو من التقارير الأخيرة التي نشرها الجهاز في وسائل الإعلام، فالأجدى معرفة ودراسة وتقييم وتناول الملفات التي تؤخذ علينا في تقارير المؤسسات والمنظمات الإنسانية والحقوقية والمحافل الدولية؟! غياب الإحصائيات الدقيقة من الداخل يجعل الأرقام والمؤشرات التي تنشر في التقارير الخارجية صحيحة وان كانت غير ذلك، ويتم اعتمادها والتعامل معها على أنها حقائق موجودة على الأرض والمحاولات المتأخرة لتعديلها والتعامل معها تُفسَّر على أن هناك مَن يحاول أن يخفيها ويقلل من قيمتها أو يتلاعب بها.
إذا كانت كل هذه الملفات موجودة ومطروحة ومفتوحة، لماذا لا يتم التعامل معها بكل وضوح وشفافية وتقام لأجلها الندوات والمؤتمرات والمحاضرات التثقيفية والتوعوية والإرشادية، ولماذا تتعمد بعض الصحف ووسائل الإعلام تجاهلها وعدم الإشارة إليها بل تهاجمها وتسفهها وتقلل من قيمتها وخطورتها وانعكاسها السلبي على المجتمع وصورته في الداخل والخارج. أريد أن أكرر ما قلته في السابق من أن التعامل مع ملفات حقوق الإنسان ومنظمات المجتمع المدني والتقارير الدولية المتعلقة بهذه الجوانب غدا يمثل هاجسا كبيرا ويحظى باهتمام متزايد، فهي لم تعد ترفا في زمن العولمة، الذي أصبحت فيه القضايا التي تتناول حقوق الإنسان المشروعة من أهم أولويات المنظمات والمؤسسات الحقوقية والإنسانية على المستوى الدولي، والحكمة العالمية التي يتم التعارف عليها تقول (قل لي عن وضع حقوق الإنسان في بلدك، أقل لك مَن أنت). إن سياسة النكران، والتحايل، وتزييف الحقائق، والادعاءات الباطلة، والتذرع بالتدخل الخارجي، وخصوصية الداخل، والتحدث عن نظرية المؤامرة، ومهاجمة المؤسسات والمنظمات الحقوقية والانتقاص من قدرها لا يزيد الطين إلا بله، ولا يردم الحفرة بل يزيدها عمقا، ولا يحل المشكلة بل يزيدها تعقيدا. ومن الأفضل العمل بكل شفافية ومصداقية واتباع أسلوب المواجهة بالأدلة والحقائق والأرقام في الرد والتعليق، ونشر التقارير الدورية عن الأوضاع التي تتناول انتهاكات حقوق الإنسان في الداخل وعدم الانتظار أن تأتي مباغتة من الخارج؟!.
نتقدم بالشكر على الجهود التي تقوم بها اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان ونرجو التوفيق في المهمة الإنسانية لترسيخ مبادئ حقوق الإنسان في العقول والقلوب، لتصبح الثقافة السائدة، ونطالبهم بالمزيد أيضا فنحن مانزال في بداية الطريق ولم نبدأ الاختبارات الحقيقية بعد، كما ندعو إلى أن يتم السماح بإنشاء مؤسسات حقوقية مدنية أهلية تهتم بالمجتمع وحقوق الإنسان فيه.
Aljaberzoon.blogspot.com
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
هناك لحظات تفاجئ المرء في منتصف الطريق، لحظات لا تحتمل التأجيل ولا المجاملة، لحظات تبدو كأنها قادمة من عمق الذاكرة لتذكره بأن الحياة، مهما تزينت بضحكاتها، تحمل في جيبها دائمًا بذرة الفقد. كنتُ أظن أني تعلّمت لغة الغياب بما يكفي، وأنني امتلكت مناعة ما أمام رحيل الأصدقاء، لكن موتًا آخر جاء هذه المرة أكثر اقترابًا، أكثر إيغالًا في هشاشتي، حتى شعرتُ أن المرآة التي أطل منها على وجهي اليوم ليست إلا ظلًّا لامرأة كانت بالأمس بجانبي. قبل أيام قليلة رحلت صديقتي النبيلة لطيفة الثويني، بعد صراع طويل مع المرض، صراع لم يكن سوى امتحان صعب لجسدها الواهن وإرادتها الصلبة. كانت تقاتل الألم بابتسامة، كأنها تقول لنا جميعًا: لا تسمحوا للوجع أن يسرقكم من أنفسكم. لكن ماذا نفعل حين ينسحب أحدهم فجأة من حياتنا تاركًا وراءه فراغًا يشبه هوة بلا قاع؟ كيف يتهيأ القلب لاستيعاب فكرة أن الصوت الذي كان يجيب مكالماتنا لم يعد موجودًا؟ وأن الضحكة التي كانت تفكّك تعقيدات أيامنا قد صمتت إلى الأبد؟ الموت ليس حدثًا يُحكى، بل تجربة تنغرس في الروح مثل سكين بطيئة، تجبرنا على إعادة النظر في أبسط تفاصيل حياتنا. مع كل رحيل، يتقلص مدى الأمان من حولنا. نشعر أن الموت، ذلك الكائن المتربّص، لم يعد بعيدًا في تخوم الزمن، بل صار يتجوّل بالقرب منا، يختبر خطواتنا، ويتحرّى أعمارنا التي تتقارب مع أعمار الراحلين. وحين يكون الراحل صديقًا يشبهنا في العمر، ويشاركنا تفاصيل جيل واحد، تصبح المسافة بيننا وبين الفناء أقصر وأكثر قسوة. لم يعد الموت حكاية كبار السن، ولا خبرًا يخص آخرين، بل صار جارًا يتلصص علينا من نافذة الجسد والذاكرة. صديقتي الراحلة كانت تمتلك تلك القدرة النادرة على أن تراك من الداخل، وأن تمنحك شعورًا بأنك مفهوم بلا حاجة لتبرير أو تفسير. لهذا بدا غيابها ثقيلاً، ليس لأنها تركت مقعدًا فارغًا وحسب، بل لأنها حملت معها تلك المساحة الآمنة التي يصعب أن تجد بديلًا لها. أفكر الآن في كل ما تركته خلفها من أسئلة. لماذا نُفاجأ بالموت كل مرة وكأنها الأولى؟ أليس من المفترض أن نكون قد اعتدنا حضوره؟ ومع ذلك يظل الموت غريبًا في كل مرة، جديدًا في صدمته، جارحًا في اختباره، وكأنه يفتح جرحًا لم يلتئم أبدًا. هل نحن من نرفض التصالح معه، أم أنه هو الذي يتقن فنّ المداهمة حتى لو كان متوقعًا؟ ما يوجعني أكثر أن رحيلها كان درسًا لا يمكن تجاهله: أن العمر ليس سوى اتفاق مؤقت بين المرء وجسده، وأن الألفة مع الحياة قد تنكسر في لحظة. كل ابتسامة جمعتها بنا، وكل كلمة قالتها في محاولة لتهوين وجعها، تتحول الآن إلى شاهد على شجاعة نادرة. رحيلها يفضح ضعفنا أمام المرض، لكنه في الوقت ذاته يكشف جمال قدرتها على الصمود حتى اللحظة الأخيرة. إنها واحدة من تلك الأرواح التي تترك أثرًا أبعد من وجودها الجسدي. صارت بعد موتها أكثر حضورًا مما كانت عليه في حياتها. حضور من نوع مختلف، يحاورنا في صمت، ويذكّرنا بأن المحبة الحقيقية لا تموت، بل تعيد ترتيب نفسها في قلوبنا. وربما لهذا نشعر أن الغياب ليس غيابًا كاملًا، بل انتقالًا إلى شكل آخر من الوجود، وجود نراه في الذكريات، في نبرة الصوت التي لا تغيب، في اللمسة التي لا تزال عالقة في الذاكرة. أكتب عن لطيفة رحمها الله اليوم ليس لأحكي حكاية موتها، بل لأواجه موتي القادم. كلما فقدت صديقًا أدركت أن حياتي ليست طويلة كما كنت أتوهم، وأنني أسير في الطريق ذاته، بخطوات متفاوتة، لكن النهاية تظل مشتركة. وما بين بداية ونهاية، ليس أمامي إلا أن أعيش بشجاعة، أن أتمسك بالبوح كما كانت تفعل، وأن أبتسم رغم الألم كما كانت تبتسم. نعم.. الحياة ليست سوى فرصة قصيرة لتبادل المحبة، وأن أجمل ما يبقى بعدنا ليس عدد سنواتنا، بل نوع الأثر الذي نتركه في أرواح من أحببنا. هكذا فقط يمكن أن يتحول الموت من وحشة جارحة إلى معنى يفتح فينا شرفة أمل، حتى ونحن نغالب الفقد الثقيل. مثواك الجنة يا صديقتي.
4617
| 29 سبتمبر 2025
في ظهوره الأخير على منصة الأمم المتحدة، ملامحه، حركاته، وحتى ضحكاته المقتضبة لم تكن مجرد تفاصيل عابرة؛ بل كانت رسائل غير منطوقة تكشف عن قلق داخلي وتناقض صارخ بين ما يقوله وما يحاول إخفاءه. نظراته: قبل أن يبدأ حديثه، كانت عيونه تتجه نحو السلم، وكأنها تبحث عن شيء غير موجود. في لغة الجسد، النظرات المتكررة إلى الأرض أو الممرات تعكس قلقًا داخليًا وشعورًا بعدم الأمان. بدا وكأنه يراقب طريق الخروج أكثر مما يراقب الحضور، وكأن المنصة بالنسبة له فخّ، والسلم هو طوق النجاة. يداه: حين وقف أمام المنصة، شدّ يديه الاثنتين على جانبي البوديوم بشكل لافت إشارة إلى أن المتحدث يحتاج إلى شيء ملموس يستند إليه ليتجنب الارتباك، فالرجل الذي يقدّم نفسه دائمًا بصورة القوي الصلب، بدا كمن يتمسك بحاجز خشبي ليمنع ارتعاشة داخلية من الانكشاف. ضحكاته: استهل خطابه بإشارات إلى أحداث جانبية وبمحاولة لإضحاك الجمهور حيث بدا مفتعلًا ومشحونًا بالتوتر. كان الضحك أقرب إلى قناع يوضع على وجه مرتبك، قناع يحاول إخفاء ما لا يريد أن يظهر: الخوف من فقدان السيطرة، وربما الخوف من الأسئلة التي تطارده خارج القاعة أكثر مما يواجهه داخلها. عيناه ورأسه: خلال أجزاء من خطابه، حاول أن يُغلق عينيه لثوانٍ بينما يتحدث، ويميل رأسه قليلاً إلى الجانب ويعكس ذلك رغبة لا واعية في إبعاد ما يراه أو ما يقوله، وكأن المتحدث يحاول أن يتجنب مواجهة الحقيقة. أما مَيل الرأس، فكان إشارة إلى محاولة الاحتماء، أو البحث عن زاوية أكثر راحة نفسيًا وسط ارتباك داخلي. بدا وكأنه يتحدث إلى نفسه أكثر مما يخاطب العالم. مفرداته: استدعاؤه أمجاد الماضي، وتحدثه عن إخماد الحروب أعطى انطباعًا بأنه لا يتقن سوى لغة الحروب، سواء في إشعالها أو في إخمادها. رجل يحاول أن يتزين بإنجازات الحرب، في زمن يبحث فيه العالم عن من يصنع السلم. قناعه: لم يكن يتحدث بلسانه فقط؛ بل بجسده أيضًا حيث بدا وكأنه محاولة لإعادة ارتداء قناع «الرجل الواثق» لكن لغة جسده فضحته، كلها بدت وكأنها تقول: «الوضع ليس تحت السيطرة». القناع هنا لم يخفِ الحقيقة بل كشف هشاشته أكثر. مخاوفه: لعلها المخاوف من فقدان تأثيره الدولي، أو من محاكم الداخل التي تطارده، أو حتى من نظرات الحلفاء الذين اعتادوا سماع خطاباته النارية لكنهم اليوم يرون أمامهم رجلاً متردداً. لم نره أجبن من هذا الموقف، إذ بدا أنه في مواجهة نفسه أكثر من مواجهة الآخرين. في النهاية، ما قدّمه لم يكن خطابًا سياسيًا بقدر ما كان درسًا في لغة الجسد. الكلمات قد تخدع، لكن الجسد يفضح.
3507
| 29 سبتمبر 2025
تجاذبت أطراف الحديث مؤخرًا مع أحد المستثمرين في قطر، وهو رجل أعمال من المقيمين في قطر كان قد جدد لتوّه إقامته، ولكنه لم يحصل إلا على تأشيرة سارية لمدة عام واحد فقط، بحجة أنه تجاوز الستين من عمره. وبالنظر إلى أنه قد يعيش عقدين آخرين أو أكثر، وإلى أن حجم استثماره ضخم، فضلاً عن أن الاستثمار في الكفاءات الوافدة واستقطابها يُعدّان من الأولويات للدولة، فإن تمديد الإقامة لمدة عام واحد يبدو قصيرًا للغاية. وتُسلط هذه الحادثة الضوء على مسألة حساسة تتمثل في كيفية تشجيع الإقامات الطويلة بدولة قطر، في إطار الالتزام الإستراتيجي بزيادة عدد السكان، وهي قضية تواجهها جميع دول الخليج. ويُعد النمو السكاني أحد أكثر أسباب النمو الاقتصادي، إلا أن بعض أشكال النمو السكاني المعزز تعود بفوائد اقتصادية أكبر من غيرها، حيث إن المهنيين ورواد الأعمال الشباب هم الأكثر طلبًا في الدول التي تسعى لاستقطاب الوافدين. ولا تمنح دول الخليج في العادة الجنسية الكاملة للمقيمين الأجانب. ويُعد الحصول على تأشيرة إقامة طويلة الأمد السبيل الرئيسي للبقاء في البلاد لفترات طويلة. ولا يقل الاحتفاظ بالمتخصصين والمستثمرين الأجانب ذوي الكفاءة العالية أهميةً عن استقطابهم، بل قد يكون أكثر أهمية. فكلما طالت فترة إقامتهم في البلاد، ازدادت المنافع، حيث يكون المقيمون لفترات طويلة أكثر ميلاً للاستثمار في الاقتصاد المحلي، وتقل احتمالات تحويل مدخراتهم إلى الخارج. ويمكن تحسين سياسة قطر لتصبح أكثر جاذبية ووضوحًا، عبر توفير شروط وإجراءات الإقامة الدائمة بوضوح وسهولة عبر منصات إلكترونية، بما في ذلك إمكانية العمل في مختلف القطاعات وإنشاء المشاريع التجارية بدون نقل الكفالة. وفي الوقت الحالي، تتوفر المعلومات من مصادر متعددة، ولكنها ليست دقيقة أو متسقة في جميع الأحيان، ولا يوجد وضوح بخصوص إمكانية العمل أو الوقت المطلوب لإنهاء إجراءات الإقامة الدائمة. وقد أصبحت شروط إصدار «تأشيرات الإقامة الذهبية»، التي تمنحها العديد من الدول، أكثر تطورًا وسهولة. فهناك توجه للابتعاد عن ربطها بالثروة الصافية أو تملك العقارات فقط، وتقديمها لأصحاب المهارات والتخصصات المطلوبة في الدولة. وفي سلطنة عمان، يُمثل برنامج الإقامة الذهبية الجديد الذي يمتد لعشر سنوات توسعًا في البرامج القائمة. ويشمل هذا النظام الجديد شريحة أوسع من المتقدمين، ويُسهّل إجراءات التقديم إلكترونيًا، كما يتيح إمكانية ضم أفراد الأسرة من الدرجة الأولى. وتتوفر المعلومات اللازمة حول الشروط وإجراءات التقديم بسهولة. أما في دولة الإمارات العربية المتحدة، فهناك أيضًا مجموعة واضحة من المتطلبات لبرنامج التأشيرة الذهبية، حيث تمنح الإقامة لمدة تتراوح بين خمس و10 سنوات، وتُمنح للمستثمرين ورواد الأعمال وفئات متنوعة من المهنيين، مع إمكانية ضم أفراد الأسرة. ويتم منح الإقامة الذهبية خلال 48 ساعة فقط. وقد شهدت قطر نموًا سكانيًا سريعًا خلال أول عقدين من القرن الحالي، ثم تباطأ هذا النمو لاحقًا. فقد ارتفع عدد السكان من 1.7 مليون نسمة وفقًا لتعداد عام 2010 إلى 2.4 مليون نسمة في عام 2015، أي بزيادة قدرها 41.5 %. وبلغ العدد 2.8 مليون نسمة في تعداد عام 2020، ويُقدَّر حاليًا بحوالي 3.1 مليون نسمة. ومن المشاكل التي تواجه القطاع العقاري عدم تناسب وتيرة النمو السكاني مع توسع هذا القطاع. فخلال فترة انخفاض أسعار الفائدة والاستعداد لاستضافة بطولة كأس العالم لكرة القدم 2022، شهد قطاع البناء انتعاشًا كبيرًا. ومع ذلك، لا يُشكل هذا الفائض من العقارات المعروضة مشكلة كبيرة، بل يمكن تحويله إلى ميزة. فمثلاً، يُمكن للمقيمين الأجانب ذوي الدخل المرتفع الاستفادة وشراء المساكن الحديثة بأسعار معقولة. إن تطوير سياسات الإقامة في قطر ليكون التقديم عليها سهلًا وواضحًا عبر المنصات الإلكترونية سيجعلها أكثر جاذبية للكفاءات التي تبحث عن بيئة مستقرة وواضحة المعالم. فكلما كانت الإجراءات أسرع والمتطلبات أقل تعقيدًا، كلما شعر المستثمر والمهني أن وقته مُقدَّر وأن استقراره مضمون. كما أن السماح للمقيمين بالعمل مباشرة تحت مظلة الإقامة الدائمة، من دون الحاجة لنقل الكفالة أو الارتباط بصاحب عمل محدد، سيعزز حرية الحركة الاقتصادية ويفتح المجال لابتكار المشاريع وتأسيس الأعمال الجديدة. وهذا بدوره ينعكس إيجابًا على الاقتصاد الوطني عبر زيادة الإنفاق والاستثمار المحلي، وتقليل تحويلات الأموال إلى الخارج، وتحقيق استقرار سكاني طويل الأمد.
1683
| 05 أكتوبر 2025