رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
ليس الزمن المقصود في استعارة هذا العنوان زمن بروست في «البحث عن الزمن الضائع»؛ فذاك زمن منسي يمكن أن يُستعاد بالسرد الروائي. أمّا زمننا فهو زمن مهدور في فراغ رقمي يبدّد كل قيمة حقيقية للوقت والإنتاجية. ومع ذلك، فإن هذا الزمن المستنزَف يكشف عن طاقة كامنة في الانتباه تتولّد حين يجتمع الناس حول إشارة أو كلمة واحدة، فيحوّلونها إلى حدث جماعي يترك أثرًا قيميًّا ومجتمعيًّا.
ولعلّ أوضح تجلٍّ لهذه الطاقة الكامنة ما جسّدته حملة «دوام» التي أطلقتها قطر الخيرية مؤخرًا بهدف «التذكير بمفهوم المداومة على فعل الخير، ولفت الانتباه إلى أهمية الاستمرار في البذل والعطاء والإحسان». حيث لفتت الحملة أنظار المجتمع بكلمة واحدة ظهرت على اللوحات الإعلانية والمنصات الرقمية، فأيقظت فضول الناس وأطلقت سيلًا من التخمينات: أهو إعلان عن وظائف؟ أم مشروع جديد؟ أم مبادرة حكومية؟… حتى تحوّلت الكلمة البسيطة إلى لغز جماعي شدّ انتباه الجميع، وقدم نموذجًا عمليًا لما يُعرف بـ»اقتصاد الانتباه».
ففي العالم الرقمي الحديث لم يعد الانتباه مجرد خاطر عابر، بل صار سلعة تُباع وتُشترى. وكل لحظة نمضيها أمام الشاشة تتحوّل، في إطار «اقتصاد الانتباه»، إلى قيمة تسويقية تُضاف إلى رصيد طرف آخر. ولهذا تنخرط المنصات الرقمية في سباق محموم تديره خوارزميات متطورة تلاحق آثارنا على الشبكة. وهكذا استحالت كل مشاهدة أو إعجاب أو متابعة، بصماتٍ تُلتقط لتتكرر وتُضخَّم، وتُبنى عليها حالة رقمية تُبقينا مشدودين ومُستنزَفين في آن واحد.
وهذا الاستثمار في الانتباه ليس وليد اليوم، وإنما يعود إلى سبعينيات القرن العشرين، حين صاغ عالم النفس والاقتصاد الأمريكي هربرت سيمون مصطلح «اقتصاد الانتباه»، مشيرًا إلى أن وفرة المعلومات تُفضي بالضرورة إلى ندرة في الانتباه. ثم مع بزوغ الإنترنت وصولا إلى تصدر منصات التواصل المشهد الرقمي، غدا هذا المفهوم حجر الزاوية في فهم الطريقة التي تُدار بها المنصات الكبرى، وفي الكيفية التي تبني بها نماذجها الربحية على اجتذاب انتباه المستخدمين أكثر من اعتمادها على جودة المحتوى.وبترسّخ هذا المفهوم، لم يعد السؤال: ماذا أريد أن أتابع؟ بل: ماذا تريد الخوارزميات أن أتابع؟ ومن ثمّ لم يعد المحتوى يُنتَج من أجل الإفادة أو التثقيف وحدهما، بل ليجذب القارئ ويشدّ انتباهه أولًا. وهكذا وجد المستخدم نفسه وقد انضم، طواعيةً ومن حيث لا يدري، إلى عملية الإنتاج؛ فصارت أنشطته الرقمية تمدّ المنصات ببيانات تُستثمر لاحقًا في التنبؤ بسلوكه وتوجيهه، داخل منظومة بُرمجت لتجعله أسيرًا رقميًا في قبضة الخوارزميات.
وثمن هذا الأسر يُدفع، إلى جانب الساعات المهدورة، من إنتاجيتنا وعلاقاتنا الاجتماعية. فنحن في غفلة ما دمنا لا ننتبه إلى استئثار المنصات الرقمية بالحصة الكبرى من زمننا؛ إذ كل لون يلمع، وكل إشعار يرنّ، وكل نغمة تقتحم صمتنا، ليست سوى شباك صغيرة تشدّنا إليها. لتزداد الكلفة مع تبعثر تركيزنا، وتراجع تحصيلنا، وتكاثر الأعراض المقلقة التي تغذّيها المقارنات المستمرة وصور حياة مثالية لا وجود لها إلا على الشاشات. يبقى اقتصاد الانتباه سيفًا ذا حدَّين؛ أحدهما يغرقنا إن انجرفنا وراء سطحياته، والآخر ينفعنا إذا وُجِّه بوعي وتربية إعلامية تُعلِّمنا كيف نصون انتباهنا ونستثمره فيما يفيد. وقد نصّ إعلان الدوحة للتربية الإعلامية والمعلوماتية منذ عام 2013 على هذا التوجّه، مؤكّدًا منذ وقت مبكر أن بناء الوعي الإعلامي يبدأ من المدرسة والجامعة، وأن ترسيخه يحتاج إلى سياسات عامة وشراكات بين الإعلام والمجتمع. غير أنّ هذه الجهود تظل ناقصة من دون ممارسة مجتمعية وثقافة إعلامية واعية، تصون انتباهنا من الهدر وتعيد إلينا زمام وقتنا.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
MohammedSelaan@
[email protected]
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
في منتصف العام الدراسي، تأتي الإجازات القصيرة كاستراحة ضرورية للطلبة والأسر، لكنها في الوقت ذاته تُعد محطة حساسة تتطلب قدراً عالياً من الوعي في كيفية التعامل معها. فهذه الإجازات، على قِصر مدتها، قد تكون عاملاً مساعداً على تجديد النشاط الذهني والنفسي، وقد تتحول إن أُسيء استغلالها إلى سبب مباشر في تراجع التحصيل الدراسي وصعوبة العودة إلى النسق التعليمي المعتاد. من الطبيعي أن يشعر الأبناء برغبة في كسر الروتين المدرسي، وأن يطالبوا بالسفر والتغيير، غير أن الانصياع التام لهذه الرغبات دون النظر إلى طبيعة المرحلة الدراسية وتوقيتها يحمل في طياته مخاطر تربوية لا يمكن تجاهلها. فالسفر إلى دول تختلف بيئتها ومناخها وثقافتها عن بيئتنا، وفي وقت قصير ومزدحم دراسياً، يؤدي غالباً إلى انفصال ذهني كامل عن أجواء الدراسة، ويضع الطالب في حالة من التشتت يصعب تجاوزها سريعاً عند العودة. توقيت الإجازة وأثره المباشر على المسار الدراسي التجربة التربوية تؤكد أن الطالب بعد الإجازات القصيرة التي تتخلل العام الدراسي يحتاج إلى قدر من الاستقرار والروتين، لا إلى مزيد من التنقل والإرهاق الجسدي والذهني. فالسفر، مهما بدا ممتعاً، يفرض تغييرات في مواعيد النوم والاستيقاظ، ويُربك النظام الغذائي، ويُضعف الالتزام بالواجبات والمتابعة الدراسية، وهو ما ينعكس لاحقاً على مستوى التركيز داخل الصف، ويجعل العودة إلى الإيقاع المدرسي عملية بطيئة ومجهدة. وتكمن الخطورة الحقيقية في أن هذه الإجازات لا تمنح الطالب الوقت الكافي للتكيّف مرتين: مرة مع السفر، ومرة أخرى مع العودة إلى المدرسة. فيضيع جزء غير يسير من زمن الفصل الدراسي في محاولة استعادة النشاط الذهني والانخراط مجدداً في الدروس، وهو زمن ثمين كان الأولى الحفاظ عليه، خصوصاً في المراحل التي تكثر فيها الاختبارات والتقييمات. قطر وجهة سياحية غنية تناسب الإجازات القصيرة في المقابل، تمتلك دولة قطر بيئة مثالية لاستثمار هذه الإجازات القصيرة بشكل متوازن وذكي، فالأجواء الجميلة خلال معظم فترات العام، وتنوع الوجهات السياحية والترفيهية، من حدائق ومتنزهات وشواطئ ومراكز ثقافية وتراثية، تمنح الأسر خيارات واسعة لقضاء أوقات ممتعة دون الحاجة إلى مغادرة البلاد. وهي خيارات تحقق الترفيه المطلوب، وتُشعر الأبناء بالتجديد، دون أن تخلّ باستقرارهم النفسي والتعليمي. كما أن قضاء الإجازة داخل الوطن يتيح للأسرة المحافظة على جزء من الروتين اليومي، ويمنح الأبناء فرصة للعودة السلسة إلى مدارسهم دون صدمة التغيير المفاجئ. ويمكن للأسر أن توظف هذه الفترة في أنشطة خفيفة تعزز مهارات الأبناء، مثل القراءة، والرياضة، والأنشطة الثقافية، وزيارات الأماكن التعليمية والتراثية، بما يحقق فائدة مزدوجة: متعة الإجازة واستمرارية التحصيل. ترشيد الإنفاق خلال العام الدراسي ومن زاوية أخرى، فإن ترشيد الإنفاق خلال هذه الإجازات القصيرة يمثل بُعداً مهماً لا يقل أهمية عن البعد التربوي. فالسفر المتكرر خلال العام الدراسي يستهلك جزءاً كبيراً من ميزانية الأسرة، بينما يمكن ادخار هذه المبالغ وتوجيهها إلى إجازة صيفية طويلة، حيث يكون الطالب قد أنهى عامه الدراسي، وتصبح متطلبات الاسترخاء والسفر مبررة ومفيدة نفسياً وتعليمياً. الإجازة الصيفية، بطولها واتساع وقتها، هي الفرصة الأنسب للسفر البعيد، والتعرف على ثقافات جديدة، وخوض تجارب مختلفة دون ضغط دراسي أو التزامات تعليمية. حينها يستطيع الأبناء الاستمتاع بالسفر بكامل طاقتهم، وتعود الأسرة بذكريات جميلة دون القلق من تأثير ذلك على الأداء المدرسي. دور الأسرة في تحقيق التوازن بين الراحة والانضباط في المحصلة، ليست المشكلة في الإجازة ذاتها، بل في كيفية إدارتها، فالإجازات التي تقع في منتصف العام الدراسي ينبغي أن تُفهم على أنها استراحة قصيرة لإعادة الشحن، لا قطيعة مع المسار التعليمي. ودور الأسرة هنا محوري في تحقيق هذا التوازن، من خلال توجيه الأبناء، وضبط رغباتهم، واتخاذ قرارات واعية تضع مصلحة الطالب التعليمية في المقام الأول، دون حرمانه من حقه في الترفيه والاستمتاع. كسرة أخيرة إن حسن استثمار هذه الإجازات يعكس نضجاً تربوياً، ووعياً بأن النجاح الدراسي لا يُبنى فقط داخل الصفوف، بل يبدأ من البيت، ومن قرارات تبدو بسيطة، لكنها تصنع فارقاً كبيراً في مستقبل الأبناء.
2007
| 24 ديسمبر 2025
حين تُذكر قمم الكرة القطرية، يتقدّم اسم العربي والريان دون استئذان. هذا اللقاء يحمل في طيّاته أكثر من مجرد ثلاث نقاط؛ إنها مواجهة تاريخية، يرافقها جدل جماهيري ممتد لسنوات، وسؤال لم يُحسم حتى اليوم: من يملك القاعدة الجماهيرية الأكبر؟ في هذا المقال، سنبتعد عن التكتيك والخطط الفنية، لنركز على الحضور الجماهيري وتأثيره القوي على اللاعبين. هذا التأثير يتجسد في ردود الأفعال نفسها: حيث يشدد الرياني على أن "الرهيب" هو صاحب الحضور الأوسع، بينما يرد العرباوي بثقة: "جمهورنا الرقم الأصعب، وهو ما يصنع الفارق". مع كل موسم، يتجدد النقاش، ويشتعل أكثر مع كل مواجهة مباشرة، مؤكدًا أن المعركة في المدرجات لا تقل أهمية عن المعركة على أرضية الملعب. لكن هذه المرة، الحكم سيكون واضحًا: في مدرجات استاد الثمامة. هنا فقط سيظهر الوزن الحقيقي لكل قاعدة جماهيرية، من سيملأ المقاعد؟ من سيخلق الأجواء، ويحوّل الهتافات إلى دعم معنوي يحافظ على اندفاع الفريق ويزيده قوة؟ هل سيتمكن الريان من إثبات أن جماهيريته لا تُنافس؟ أم سيؤكد العربي مجددًا أن الحضور الكبير لا يُقاس بالكلام بل بالفعل؟ بين الهتافات والدعم المعنوي، يتجدد النقاش حول من يحضر أكثر في المباريات المهمة، الريان أم العربي؟ ومن يمتلك القدرة على تحويل المدرج إلى قوة إضافية تدفع فريقه للأمام؟ هذه المباراة تتجاوز التسعين دقيقة، وتتخطى حدود النتيجة. إنها مواجهة انتماء وحضور، واختبار حقيقي لقوة التأثير الجماهيري. كلمة أخيرة: يا جماهير العربي والريان، من المدرجات يبدأ النصر الحقيقي، أنتم الحكاية والصوت الذي يهز الملاعب، احضروا واملأوا المقاعد ودعوا هتافكم يصنع المستحيل، هذه المباراة تُخاض بالشغف وتُحسم بالعزيمة وتكتمل بكم.
1614
| 28 ديسمبر 2025
أرست محكمة الاستثمار والتجارة مبدأ جديدا بشأن العدالة التعاقدية في مواجهة « تغول» الشروط الجاهزة وذلك برفض دعوى مطالبة احتساب الفوائد المتراكمة على البطاقة الائتمانية. فقد شهدت أروقة محكمة الاستثمار والتجارة مؤخراً صدور حكم قضائي لا يمكن وصفة إلا بأنه «انتصار للعدالة الموضوعة « على حساب « الشكليات العقدية» الجامدة، هذا الحكم الذي فصل في نزاع بين إحدى شركات التأمين وأحد عملائها حول فوائد متراكمة لبطاقة ائتمانية، يعيد فتح الملف الشائك حول ما يعرف قانوناً بـ «عقود الإذعان» ويسلط الضوء على الدور الرقابي للقضاء في ضبط العلاقة بين المؤسسات المالية الكبرى والأفراد. رفض المحكمة لاحتساب الفوائد المتراكمة ليس مجرد قرار مالي، بل هو تقويم مسار»، فالفائدة في جوهرها القانوني يجب أن تكون تعويضا عن ضرر او مقابلا منطقيا للائتمان، أما تحولها إلى إدارة لمضاعفة الديون بشكل يعجز معه المدين عن السداد، فهو خروج عن وظيفة الائتمان الاجتماعية والاقتصادية. إن استقرار التعاملات التجارية لا يتحقق بإطلاق يد الدائنين في صياغة الشروط كما يشاءون، بل يتحقق بـ « الثقة» في أن القضاء يقظ لكل انحراف في استعمال الحق، حكم محكمة الاستثمار والتجارة يمثل نقلة نوعية في تكريس «الأمن العقدي»، ويؤكد أن العدالة في قطر لا تقف عند حدود الأوراق الموقعة، بل تغوص في جوهر التوازن بين الحقوق والالتزامات. لقد نجح مكتب «الوجبة» في تقديم نموذج للمحاماة التي لا تكتفي بالدفاع، بل تشارك في «صناعة القضاء» عبر تقديم دفوع تلامس روح القانون وتحرك نصوصه الراكدة. وتعزز التقاضي وفقا لأرقى المعايير.
1131
| 24 ديسمبر 2025