رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
كنت - وما زلت – مؤمنا بالثورات التي اندلعت في عدة أقطار عربية منذ مطلع العام2011 والتي شكلت تحولا نوعيا في مسار شعوب هذه الأقطار على نحو دفعها باتجاه حالة حراك متعدد التجليات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والفكرية. بيد أن ما جرى خلال السنوات الثلاث السنوات المنصرمة من وقائع ومحاولة فرض معادلات لا تتسق مع طبيعة تطلعات الشعوب. دفعني لإعادة قراءة المشهد من جديد خلال الأشهر القليلة المنصرمة ولكن بمنأى عن نظرية المؤامرة التي راحت دوائر معينة تروج لها. بحسبان أن هذه الثورات حصيلة تدابير خفية ومستورة لقوى خارجية وليست ناتجة عن براكين الغضب التي تفاعلت في الصدور. فانطلقت هادرة قوية لتسقط النظم الحاكمة التي قامت على معادلة السلطة والثروة والاستبداد واستشراء الفساد. والاستحواذ على مقدرات البلاد وتحييد الأغلبية عن المشاركة في القرار السياسي. وتطبيق أنماط من الديمقراطية شكلية الطابع وتجنب التفاعل مع تجليات العدالة الاجتماعية.
ومع ذلك فإن أقطار الربيع العربي - والمقصود بها مصر وتونس واليمن وليبيا أما سوريا. فهي بانتظار اكتمال ثورتها – شهدت خلال العام الأخير تحديدا –وفق التقرير عن أحوال الأمة الذي أعده مركز دراسات الوحدة العربية ونشره في مجلته الشهرية " المستقبل العربي " في عدد يونيو الماضي – سلسة من الأزمات الحادة والمتزامنة والمترابطة. الأمر الذي جعل المراحل الانتقالية التي تمر بها تتسم بدرجة عالية من الصعوبة والتعقيد. متجلية في استمرار حالات الانفلات الأمني مع تصاعد أعمال العنف والإرهاب. وأضيف من عندي. تصاعد الصراع بين مؤسسات الدولة من جهة وجماعات مسلحة تأخذ مسميات عدة وتتبنى توجهات وأيدولوجيات متباينة . وبلغ الأمر في بعض المراحل خاصة الراهنة إلى حد يقترب من الحرب الأهلية مثلما يحدث في ليبيا واليمن. فضلا عن تفاقم حدة المشكلات الاجتماعية والاقتصادية. بسبب تدهور أداء السياسات العامة وتطور العلاقات المدنية – العسكرية وما يقترن بها من مخاطر عسكرة السياسة . وتسيس الجيش -حسب تعبير التقرير ذاته - بالإضافة إلى تزايد الاختراق الخارجي بما يمثل تهديدا للأمن الوطني والقومي. مع تكرس أزمة بناء مؤسسات الدولة في ليبيا واليمن ومؤسساتها في مصر وتونس.
وتأتي هذه الأزمات في سياق أزمة بنيوية تتعلق بالفاعلين السياسيين في هذه البلدان وتتمثل أساسا – الكلام للتقرير- في غياب أو ضعف القدرة على بناء التوافق الوطني في شأن أولويات المرحلة الانتقالية وأساليب إدارتها . وهو ما يرتبط بالأزمة الأعمق التي تعانيها النخب السياسية بمختلف أطيافها وانتماءاتها . ومن ثم يبدو أن مستقبل الأنظمة الحاكمة في أقطار الربيع العربي مرهون في الأجلين القصير والمتوسط يعتمد على كيفية معالجتها لثمان قضايا:
أولا: قدرتها على صوغ برامج للتكامل الإقليمي مع الأقطار العربية الأخرى. وتطبيقها على كافة الصعد الاقتصادية والدفاعية والثقافية والتربوية بعد أن اتضح عجز الأنظمة القطرية عن مواجهة التحديات الداخلية والخارجية المطروحة.
ثانيا: التزامن بين معضلتي بناء مؤسسات الدولة الوطنية وتأسيس الديمقراطية. ففي حالة ليبيا واليمن ثمة أخطار محدقة وبدرجات مختلفة على وجود الدولة ذاتها يمكن أن تؤدى إلى التفكك والتقسيم. وفي حالة مصر وتونس فإن شبح الفشل الوظيفي يحاصر أجهزتها ومؤسساتها بمستويات متباينة. وهو ما يفرض في كل الحالات أهمية الاستمرار في الإصلاح المؤسسي وبناء دولة ديمقراطية.
ثالثا: قدرتها على اتباع سياسات التعاون والتفاعل مع دول الجوار العربي. لاسيَّما الحوار الحضاري منها. على قاعدة الاحترام المتبادل لمصالح وسيادة الجميع. وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول كافة.
رابعا: قدرتها على استشراف التطورات المتسارعة على الصعيد العالمي. وإعادة تموضع الأمة العربية في علاقاتها الدولية بما يعزز من أمنها ويطور من اقتصادها ويحررها من الهيمنة ويصون أمنها على قاعدة" نصادق من يصادقنا" ونعادي من يعادينا ".
خامسا: التعامل مع الديمقراطية لا بوصفها مجرد إصدار دستور وإجراء انتخابات. فمع التسليم بأهميتهما كمرتكزين للديمقراطية إلا أنهما ليسا كافيين بمفردهما لتحقيق الانتقال الديمقراطي. إذ من الأهمية بمكان أن تصدر الدساتير على نحو توافقي وأن يتم احترامه في الممارسة وأن تتعزز شرعية الصندوق بشرعية الإنجاز.
سادسا: إن الأسلوب الأمني بمفرده لا يكفي لمواجهة التطرف والإرهاب. إذ يتطلب الأمر إستراتيجية متكاملة تأخذ في الحسبان تخفيف منابعهما المادية والفكرية . وتحقيق التنمية في المناطق الفقيرة والمهمشة ومعالجة المظالم والاختلالات التي تعانيها بعض الأقاليم في الدولة.
سابعا: إن الحركات والأحزاب ذات المرجعيات الإسلامية . ستظل فاعلة في المشهد السياسى بشرط التزامها بقواعد الدستور والقانون وبمبادئ الديمقراطية وتداول السلطة من خلال انتخابات دورية حرة ونزيهة وينطبق ذلك بالقدر نفسه على الأحزاب والقوى الليبرالية والقومية واليسارية . وذلك يعنى بوضوح –الكلام لكاتب السطور- أنه لا إقصاء لأي طرف أو فصيل سياسي إلا إذا ثبت تورطه في أعمال عنف تتعارض مع محددات القانون والشرعية أو ارتبط بقوى معادية في الخارج.
ثامنا: احتمالات تزايد التدخل الخارجي واستغلال الثغرات التي توجدها الأزمات الممتدة. بما يمثله ذلك من انكشاف واضح للأمن الوطني والقومي.
ولاشك أن أقطار الربيع العربي تعيش أوضاعا استثنائية . فقد نشبت فيها انتفاضات شعبية جارفة وأسقطت نظما تسلطية كان هناك اعتقاد بسطوتها وبأسها وقدرتها على الصمود . ومن ثم فإن ما يحدث فيها ليس مجرد تغيرات في البناء الدستوري والقانوني وهياكل نظام الحكم -كما يلفت التقرير- ولكنه يتجاوز ذلك إلى مفهوم الحكم ذاته وغاياته ومصدر شرعيته. ليؤكد انتهاء فلسفة دولة الوصاية واحتكار فاعل واحد أو قوة واحدة السيطرة على مقاليد الأمور وبدء الانتقال إلى دولة الموطنة والقانون. كما يغير إدراك المواطنين للعلاقة بين المجتمع والدولة ولمفهوم العدل والحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي ينبغى أن يتمتع بها كل مواطن وهو ما يستغرق بالضرورة سنوات عدة. وبالتالي فإن الأزمات والاختناقات التي تشهده هذه الأقطار هي - على الرغم مما يبدو من تجلياتها الشديدة الوطأ – مظاهر وعلامات للتحول من تنظيم اجتماعي وسياسي تسلطي إلى آخر ديمقراطي وهو المأمول والذي تترقبه الشعوب التي لم تلمس مردودا إيجابيا واضح المعالم على حياتها منذ انبثاق ثورات الربيع العربي. الأمر الذي يستوجب على النخب السياسية الجديدة أن تدركه. وتسعى جاهدة إلى تغيير أطر وأساليب التعامل مع معضلات الحياة اليومية. التي يكابدها المواطنون حتى يشعروا أنها – أي الثورات - انحازت إليهم ليس بالشعارات فقط وإنما بالخطط والإجراءات والأفعال على الأرض.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
حين ننظر إلى المتقاعدين في قطر، لا نراهم خارج إطار العطاء، بل نراهم ذاكرة الوطن الحية، وامتداد مسيرة بنائه منذ عقود. هم الجيل الذي زرع، وأسّس، وساهم في تشكيل الملامح الأولى لمؤسسات الدولة الحديثة. ولأن قطر لم تكن يومًا دولة تنسى أبناءها، فقد كانت من أوائل الدول التي خصّت المتقاعدين برعاية استثنائية، وعلاوات تحفيزية، ومكافآت تليق بتاريخ عطائهم، في نهج إنساني رسخته القيادة الحكيمة منذ أعوام. لكن أبناء الوطن هؤلاء «المتقاعدون» لا يزالون ينظرون بعين الفخر والمحبة إلى كل خطوة تُتخذ اليوم، في ظل القيادة الرشيدة لحضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني – حفظه الله – فهم يرون في كل قرار جديد نبض الوطن يتجدد. ويقولون من قلوبهم: نحن أيضًا أبناؤك يا صاحب السمو، ما زلنا نعيش على عهدك، ننتظر لمستك الحانية التي تعودناها، ونثق أن كرمك لا يفرق بين من لا يزال في الميدان، ومن تقاعد بعد رحلة شرف وخدمة. وفي هذا الإطار، جاء اعتماد القانون الجديد للموارد البشرية ليؤكد من جديد أن التحفيز في قطر لا يقف عند حد، ولا يُوجّه لفئة دون أخرى. فالقانون ليس مجرد تحديث إداري أو تعديل في اللوائح، بل هو رؤية وطنية متكاملة تستهدف الإنسان قبل المنصب، والعطاء قبل العنوان الوظيفي. وقد حمل القانون في طياته علاوات متعددة، من بدل الزواج إلى بدل العمل الإضافي، وحوافز الأداء، وتشجيع التطوير المهني، في خطوة تُكرس العدالة، وتُعزز ثقافة التحفيز والاستقرار الأسري والمهني. هذا القانون يُعد امتدادًا طبيعيًا لنهج القيادة القطرية في تمكين الإنسان، سواء كان موظفًا أو متقاعدًا، فالجميع في عين الوطن سواء، وكل من خدم قطر سيبقى جزءًا من نسيجها وذاكرتها. إنه نهج يُترجم رؤية القيادة التي تؤمن بأن الوفاء ليس مجرد قيمة اجتماعية، بل سياسة دولة تُكرم العطاء وتزرع في الأجيال حب الخدمة العامة. في النهاية، يثبت هذا القانون أن قطر ماضية في تعزيز العدالة الوظيفية والتحفيز الإنساني، وأن الاستثمار في الإنسان – في كل مراحله – هو الاستثمار الأجدر والأبقى. فالموظف في مكتبه، والمتقاعد في بيته، كلاهما يسهم في كتابة الحكاية نفسها: حكاية وطن لا ينسى أبناءه.
9036
| 09 أكتوبر 2025
المشهد الغريب.. مؤتمر بلا صوت! هل تخيّلتم مؤتمرًا صحفيًا لا وجود فيه للصحافة؟ منصة أنيقة، شعارات لامعة، كاميرات معلّقة على الحائط، لكن لا قلم يكتب، ولا ميكروفون يحمل شعار صحيفة، ولا حتى سؤال واحد يوقظ الوعي! تتحدث الجهة المنظمة، تصفق لنفسها، وتغادر القاعة وكأنها أقنعت العالم بينما لم يسمعها أحد أصلًا! لماذا إذن يُسمّى «مؤتمرًا صحفيًا»؟ هل لأنهم اعتادوا أن يضعوا الكلمة فقط في الدعوة دون أن يدركوا معناها؟ أم لأن المواجهة الحقيقية مع الصحفيين باتت تزعج من تعودوا على الكلام الآمن، والتصفيق المضمون؟ أين الصحافة من المشهد؟ الصحافة الحقيقية ليست ديكورًا خلف المنصّة. الصحافة سؤالٌ، وجرأة، وضمير يسائل، لا يصفّق. فحين تغيب الأسئلة، يغيب العقل الجمعي، ويغيب معها جوهر المؤتمر ذاته. ما معنى أن تُقصى الميكروفونات ويُستبدل الحوار ببيانٍ مكتوب؟ منذ متى تحوّل «المؤتمر الصحفي» إلى إعلان تجاري مغلّف بالكلمات؟ ومنذ متى أصبحت الصورة أهم من المضمون؟ الخوف من السؤال. أزمة ثقة أم غياب وعي؟ الخوف من السؤال هو أول مظاهر الضعف في أي مؤسسة. المسؤول الذي يتهرب من الإجابة يعلن – دون أن يدري – فقره في الفكرة، وضعفه في الإقناع. في السياسة والإعلام، الشفافية لا تُمنح، بل تُختبر أمام الميكروفون، لا خلف العدسة. لماذا نخشى الصحفي؟ هل لأننا لا نملك إجابة؟ أم لأننا نخشى أن يكتشف الناس غيابها؟ الحقيقة الغائبة خلف العدسة ما يجري اليوم من «مؤتمرات بلا صحافة» هو تشويه للمفهوم ذاته. فالمؤتمر الصحفي لم يُخلق لتلميع الصورة، بل لكشف الحقيقة. هو مساحة مواجهة بين الكلمة والمسؤول، بين الفعل والتبرير. حين تتحول المنصّة إلى monologue - حديث ذاتي- تفقد الرسالة معناها. فما قيمة خطاب بلا جمهور؟ وما معنى شفافية لا تُختبر؟ في الختام.. المؤتمر بلا صحفيين، كالوطن بلا مواطنين، والصوت بلا صدى. من أراد الظهور، فليجرب الوقوف أمام سؤال صادق. ومن أراد الاحترام فليتحدث أمام من يملك الجرأة على أن يسأله: لماذا؟ وكيف؟ ومتى؟
6696
| 13 أكتوبر 2025
انتهت الحرب في غزة، أو هكذا ظنّوا. توقفت الطائرات عن التحليق، وصمت هدير المدافع، لكن المدينة لم تنم. فمن تحت الركام خرج الناس كأنهم يوقظون الحياة التي خُيّل إلى العالم أنها ماتت. عادوا أفراداً وجماعات، يحملون المكان في قلوبهم قبل أن يحملوا أمتعتهم. رأى العالم مشهدًا لم يتوقعه: رجال يكنسون الغبار عن العتبات، نساء يغسلن الحجارة بماء بحر غزة، وأطفال يركضون بين الخراب يبحثون عن كرة ضائعة أو بين الركام عن كتاب لم يحترق بعد. خلال ساعات معدودة، تحول الخراب إلى حركة، والموت إلى عمل، والدمار إلى إرادة. كان المشهد إعجازًا إنسانيًا بكل المقاييس، كأن غزة بأسرها خرجت من القبر وقالت: «ها أنا عدتُ إلى الحياة». تجاوز عدد الشهداء ستين ألفًا، والجراح تزيد على مائة وأربعين ألفًا، والبيوت المدمرة بالآلاف، لكن من نجا لم ينتظر المعونات، ولم ينتظر أعذار من خذلوه وتخاذلوا عنه، ولم يرفع راية الاستسلام. عاد الناس إلى بقايا منازلهم يرممونها بأيديهم العارية، وكأن الحجارة تُقبّل أيديهم وتقول: أنتم الحجارة بصمودكم لا أنا. عادوا يزرعون في قلب الخراب بذور الأمل والحياة. ذلك الزحف نحو النهوض أدهش العالم، كما أذهله من قبل صمودهم تحت دمار شارك فيه العالم كله ضدهم. ما رآه الآخرون “عودة”، رآه أهل غزة انتصارًا واسترجاعًا للحق السليب. في اللغة العربية، التي تُحسن التفريق بين المعاني، الفوز غير النصر. الفوز هو النجاة، أن تخرج من النار سليم الروح وإن احترق الجسد، أن تُنقذ كرامتك ولو فقدت بيتك. أما الانتصار فهو الغلبة، أن تتفوق على خصمك وتفرض عليه إرادتك. الفوز خلاص للنفس، والانتصار قهر للعدو. وغزة، بميزان اللغة والحق، (فازت لأنها نجت، وانتصرت لأنها ثبتت). لم تملك الطائرات ولا الدبابات، ولا الإمدادات ولا التحالفات، بل لم تملك شيئًا البتة سوى الإيمان بأن الأرض لا تموت ما دام فيها قلب ينبض. فمن ترابها خُلِقوا، وهم الأرض، وهم الركام، وهم الحطام، وها هم عادوا كأمواج تتلاطم يسابقون الزمن لغد أفضل. غزة لم ترفع سلاحًا أقوى من الصبر، ولا راية أعلى من الأمل. قال الله تعالى: “كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ”. فانتصارها كان بالله فقط، لا بعتاد البشر. لقد خسر العدو كثيرًا مما ظنّه نصرًا. خسر صورته أمام العالم، فصار علم فلسطين ودبكة غزة يلفّان الأرض شرقًا وغربًا. صار كلُّ حر في العالم غزاويًّا؛ مهما اختلف لونه ودينه ومذهبه أو لغته. وصار لغزة جوازُ سفرٍ لا تصدره حكومة ولا سلطة، اسمه الانتصار. يحمله كل حر وشريف لايلزم حمله إذنٌ رسمي ولا طلبٌ دبلوماسي. أصبحت غزة موجودة تنبض في شوارع أشهر المدن، وفي أكبر الملاعب والمحافل، وفي اشهر المنصات الإعلامية تأثيرًا. خسر العدو قدرته على تبرير المشهد، وذهل من تبدل الأدوار وانقلاب الموازين التي خسرها عليها عقوداً من السردية وامولاً لا حد لها ؛ فالدفة لم تعد بيده، والسفينة يقودها أحرار العالم. وذلك نصر الله، حين يشاء أن ينصر، فلله جنود السماوات والأرض. أما غزة، ففازت لأنها عادت، والعود ذاته فوز. فازت لأن الصمود فيها أرغم السياسة، ولأن الناس فيها اختاروا البناء على البكاء، والعمل على العويل، والأمل على اليأس. والله إنه لمشهدُ نصر وفتح مبين. من فاز؟ ومن انتصر؟ والله إنهم فازوا حين لم يستسلموا، وانتصروا حين لم يخضعوا رغم خذلان العالم لهم، حُرموا حتى من الماء، فلم يهاجروا، أُريد تهجيرهم، فلم يغادروا، أُحرقت بيوتهم، فلم ينكسروا، حوصرت مقاومتهم، فلم يتراجعوا، أرادوا إسكاتهم، فلم يصمتوا. لم… ولم… ولم… إلى ما لا نهاية من الثبات والعزيمة. فهل ما زلت تسأل من فاز ومن انتصر؟
5850
| 14 أكتوبر 2025