رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
لست مع السيد علي خامنئي مرشد الثورة الإيرانية في قوله: إن ما يجري في العراق هو حرب على الإرهاب وليس حربا بين السنة والشيعة!! وهذا القول هو الذي يردده المالكي ومن يدورون في فلكه، سواء أكانوا من السياسيين أم من رجال الدين، فهؤلاء جميعا لا يريدون الاعتراف بأن حكمهم الطائفي الظالم هو الذي أفرز ثورة شعبية للمطالبة بحقوقها المهدرة، كما أفرز في الوقت نفسه فرصة جيدة للإرهابيين وأوجد لهم حاضنة اجتماعية وجدت فيهم طوق النجاة لها من حكم هو أسوأ بالنسبة لهم من حكم المالكي وعصابته!!
وفي سوريا نجد الصورة تتكرر؛ فالحاكم النصيري الأول في دمشق وصل إلى السلطة بمساعدة المواطنين السنة، لكنه انقلب عليهم وسامهم سوء العذاب، ثم جاء ابنه ليكمل مسيرة والده، وعندما طالبت مجموعة صغيرة من أهالي درعا ببعض الإصلاحات عاملتهم السلطات بعنف شديد وأسمعوهم كلاما لا يقوله إلا أخس السفهاء، ولهذا السبب بدأت الثورة في الانتشار، ومضت سبعة أشهر كاملة لم يدخل سوريا أي مقاتل من خارجها وكان بإمكان الأسد إصلاح الأمور مع مواطنيه، لكنه رفض كل المحاولات التي تمت من أجل هذا الغرض وحول الثورة إلى لغة طائفية مستبدة!!
النهج الطائفي في العراق وسوريا هو الذي أشعل نار الطائفية في المنطقة كلها، بل وفي العالم الإسلامي كله، وهذه النار من النوع الذي يصعب إطفاؤه في وقت قريب!! كما أن النهج الطائفي نفسه هو الذي جعل المقاتلين يتجهون إلى العراق والشام من كل مكان ومن الطائفتين معا، وهو الذي جر بعض الحركات الإرهابية إلى تلك الأماكن فزادت النار اشتعالا وزادت الفرقة كثيرا بين السنة والشيعة!!
سكتت معظم الدول العربية طويلا عما جرى في الشام، كما سكت العالم كله كذلك، وشاركت إيران في هذا السكوت، وكان بإمكان الجميع فعل الكثير، لكن المصالح المتضاربة جعلت كل دولة تتخذ الموقف الذي يصب في مصلحتها دون النظر إلى مصلحة الشعب السوري الحقيقية، وهذا السكوت هو الذي أدى إلى ما يجري في العراق هذه الأيام!! ولأن العراق غير الشام عند الكثيرين فقد تغيرت المواقف كثيرا، فرأينا الأحداث تتلاحق، والزيارات لا تكاد تتوقف، والتصريحات لا تكاد تتوقف، ولكن هل يكفي كل ذلك؟!!
الذين يتحدثون عن أن ما يجري في العراق هو حرب بين الدولة وبين مجموعة إرهابية غير صادقين، والذين ينكرون وجود إرهاب في العراق غير صادقين أيضا!!
الدولة الإسلامية في العراق والشام (هكذا تسمي نفسها) يستحيل عليها بمفردها أن تحقق كل تلك الانتصارات على جيش المالكي، ويستحيل علينا أن نصدق من يقول - حتى الدولة نفسها - أنها وراء كل تلك الانتصارات وإلا فأين ذهب جيش المالكي الذي أنفق عليه المليارات ولماذا ذاب بتلك السرعة؟! كثير من علماء العراق بالإضافة إلى المفتي وعدد من زعماء العشائر أكدوا أن الشعب العراقي الثائر على الطائفية هو وراء كل تلك الانتصارات، بالإضافة إلى الدولة الإسلامية التي ساندتهم وكانت تتعاون معهم.
بعد كل ما تحقق للثوار في العراق انطلق القوم إليها من كل حدب وصوب ؛ فالأمريكان لا يريدون فقد مكاسبهم التي أنفقوا من أجلها المليارات، والإيرانيون يعدون العراق أهم من سوريا بكثير فبادروا بالإعلان عن استعدادهم لتلبية مطالب المالكي فيما يحقق أمن العراق!! ومع هذا لم ينتظروا مطالبه فأرسلوا بعض قادتهم هناك، أما روسيا فعبرت عن عدم قدرتها على السكوت عن الإرهاب الذي يجري في العراق!! وفي المملكة العربية السعودية عقد اجتماع طارئ لمجلس الأمن الوطني برئاسة خادم الحرمين الشريفين وتم استنفار معظم القوات المسلحة، وهذا يؤكد أن لدى المملكة معلومات عن سوء الوضع في العراق وأنه ربما يؤثر على السعودية، خاصة في ظل وجود (داعش) فيها.
الأكراد أخذوا كركوك حتى لا تقع في أيدي الإرهابيين، لكنهم لن يعيدوها لحكومة العراق، خاصة بعد الأحداث الأخيرة، والبرزاني - كما قال - سيحمل السلاح دفاعا عن كركوك!!
المالكي كان طائفيا قبل الأزمة الأخيرة وبعدها!! طالب العراقيين بالوقوف في وجه الإرهابيين ومثله فعل بعض علمائه!! والإرهابيون هنا ليسوا (داعش) ولكنهم كل العراقيين الذين ثاروا على سوء حكمه!! وحماية المقدسات هي سبب مهم في هذه الدعوة - تماما مثل ما قيل عن سوريا -!! وتدفق على العراق مقاتلون من الهند وباكستان، هذا فضلا عن شيعة العرب، وانقلب الحال من مطالب إصلاحية إلى حرب طائفية!! وفي الجانب الآخر انطلقت دعوات لمقاتلة (الرافضة) الذين يرون في قتل السنة تقربا إلى الله، كما يرون أن السنة أحق بالقتل من كل خلق الله أجمعين!! وأيضا تدافع إلى العراق أُناس للوقوف إلى جانب إخوانهم السنة ضد الرافضة!!
وفي خضم هذه الأحداث نسي العراقيون كيف كانوا يتعايشون مع بعض على أحسن حال، وكيف كان يزوج بعضهم بعضا، وكيف كان عمر يجلس إلى جانب صديقه حيدر!! وانطلق هذا النسيان فوصل إلى البحرين أرض التسامح والمحبة، كانت مثل العراق وأصبحت مثله للأسف!! يتعايش البحريني مع اليهودي والنصراني والبوذي وقد يصعب على السني التعايش مع الشيعي والعكس صحيح أيضا!! والسعودية ليست بعيدة عن هذه الحالة البائسة، فالأحداث التي تجري خارجها تنعكس عليها، دون شك! هذا فضلا عن الأحداث المؤسفة التي نراها في بعض الدول الإسلامية بين السنة والشيعة.
الطائفية في العراق ستجعله يتقسم إلى ثلاثة أقسام: قسم للأكراد - وهذا واقع عمليا - وقسم للسنة وثالث للشيعة، والحديث عن التقسيم يتداوله كثير من العراقيين ويرونه أفضل من وضعهم الحالي!! ومع هذا الواقع المرير يتحدث البعض عن الإرهاب ولا يرى الطائفية القبيحة التي أوجدته.
الإرهاب - كما أراه - يتخلق من رحم الظلم والاستبداد والقهر!! الشعوب لا تستطيع تحمل المعاناة طويلا، وإذا كانت سبل المطالبة بالعيش الكريم مغلقة، فالبديل عند البعض هو الإرهاب.
ما كان الإرهاب سيصل إلى العراق أو الشام لولا الظلم والقهر، وما كان سيتمدد ويتمكن لولا سكوت العرب والأمريكان والإيرانيين عن معالجة ما حدث في العراق والشام لحظة وقوعه!! والإرهاب لن يقف في هذين البلدين، لكنه سينتقل إلى غيرهما ما لم يتم تحقيق مطالب الشعوب العادلة وعدم وصف المطالبين بحقوقهم بالإرهابيين!!
الفرص أمام الإصلاح تتضاءل، فكلما زاد سيل الدماء كلما تمسك كل فريق برأيه، والحل العسكري أثبت فشله، فلابد من حل سياسي عادل ينقذ العراق، كما ينقذ غيرها من الدول الأخرى التي تخشى من الإرهاب.
مكافحة الفساد مسؤولية عالمية
تعكس جائزة الشيخ تميم بن حمد آل ثاني الدولية للتميز في مكافحة الفساد والتي دخلت عامها العاشر، الأهمية... اقرأ المزيد
57
| 15 ديسمبر 2025
كأس العرب من منظور علم الاجتماع
يُعَدّ علم الاجتماع، بوصفه علمًا معنيًا بدراسة الحياة الاجتماعية، مجالًا تتفرّع عنه اختصاصات حديثة، من أبرزها سوسيولوجيا الرياضة،... اقرأ المزيد
48
| 15 ديسمبر 2025
في زحمة الصحراء!
يُخطئ كثيرون في الظنّ بأن الصحراء مجرد رمال وحصى وحرارة تُنهك الجلد وتخدع الروح، كأنها مكان مُفرغ من... اقرأ المزيد
45
| 15 ديسمبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
لم يكن خروج العنابي من بطولة كأس العرب مجرد خيبة رياضية عابرة، بل كانت صدمة حقيقية لجماهير كانت تنتظر ظهوراً مشرفاً يليق ببطل آسيا وبمنتخب يلعب على أرضه وبين جماهيره. ولكن ما حدث في دور المجموعات كان مؤشراً واضحاً على أزمة فنية حقيقية، أزمة بدأت مع اختيارات المدرب لوبيتيغي قبل أن تبدأ البطولة أصلاً، وتفاقمت مع كل دقيقة لعبها المنتخب بلا هوية وبلا روح وبلا حلول! من غير المفهوم إطلاقاً كيف يتجاهل مدرب العنابي أسماء خبرة صنعت حضور المنتخب في أكبر المناسبات! أين خوخي بوعلام و بيدرو؟ أين كريم بوضياف وحسن الهيدوس؟ أين بسام الراوي وأحمد سهيل؟ كيف يمكن الاستغناء عن أكثر اللاعبين قدرة على ضبط إيقاع الفريق وقراءة المباريات؟ هل يعقل أن تُستبعد هذه الركائز دفعة واحدة دون أي تفسير منطقي؟! الأغرب أن المنتخب لعب البطولة وكأنه فريق يُجرَّب لأول مرة، لا يعرف كيف يبني الهجمة، ولا يعرف كيف يدافع، ولا يعرف كيف يخرج بالكرة من مناطقه. ثلاث مباريات فقط كانت كفيلة بكشف حجم الفوضى: خمسة أهداف استقبلتها الشباك مقابل هدف يتيم سجله العنابي! هل هذا أداء منتخب يلعب على أرضه في بطولة يُفترض أن تكون مناسبة لتعزيز الثقة وإعادة بناء الهيبة؟! المؤلم أن المشكلة لم تكن في اللاعبين الشباب أنفسهم، بل في كيفية إدارتهم داخل الملعب. لوبيتيغي ظهر وكأنه غير قادر على استثمار طاقات عناصره، ولا يعرف متى يغيّر، وكيف يقرأ المباراة، ومتى يضغط، ومتى يدافع. أين أفكاره؟ أين أسلوبه؟ أين بصمته التي قيل إنها ستقود المنتخب إلى مرحلة جديدة؟! لم نرَ سوى ارتباك مستمر، وخيارات غريبة، وتبديلات بلا معنى، وخطوط مفككة لا يجمعها أي رابط فني. المنتخب بدا بلا تنظيم دفاعي على الإطلاق. تمريرات سهلة تخترق العمق، وأطراف تُترك بلا رقابة، وتمركز غائب عند كل هجمة. أما الهجوم، فقد كان حاضراً بالاسم فقط؛ لا حلول، لا جرأة، لا انتقال سريع، ولا لاعب قادر على صناعة الفارق. كيف يمكن لفريق بهذا الأداء أن ينافس؟ وكيف يمكن لجماهيره أن تثق بأنه يسير في الطريق الصحيح؟! الخروج من دور المجموعات ليس مجرد نتيجة سيئة، بل مؤشر مخيف! فهل يدرك الجهاز الفني حجم ما حدث؟ هل يستوعب لوبيتيغي أنه أضاع هوية منتخب بطل آسيا؟ وهل يتعلم من أخطاء اختياراته وإدارته؟ أم أننا سننتظر صدمة جديدة في استحقاقات أكبر؟! كلمة أخيرة: الأسئلة كثيرة، والإجابات حتى الآن غائبة، لكن من المؤكّد أن العنابي بحاجة إلى مراجعة عاجلة وحقيقية قبل أن تتكرر الخيبة مرة أخرى.
2322
| 10 ديسمبر 2025
عندما يصل شاب إلى منصب قيادي مبكرًا، فهذا لا يعني بالضرورة أنه الأفضل والأذكى والأكثر كفاءة، بل قد تكون الظروف والفرص قد أسهمت في وصوله. وهذه ليست انتقاصًا منه، بل فرصة يجب أن تُستثمر بحكمة. ومن الطبيعي أن يواجه القائد الشاب تحفظات أو مقاومة ضمنية من أصحاب الخبرة والكفاءات. وهنا يظهر أول اختبار له: هل يستفيد من هذه الخبرات أم يتجاهلها ؟ وكلما استطاع القائد الشاب احتواء الخبرات والاستفادة منها، ازداد نضجه القيادي، وتراجع أثر الفجوة العمرية، وتحوّل الفريق إلى قوة مشتركة بدل أن يكون ساحة تنافس خفي. ومن الضروري أن يدرك القائد الشاب أن أي مؤسسة يتسلّمها تمتلك تاريخًا مؤسسيًا وإرثًا طويلًا، وأن ما هو قائم اليوم هو حصيلة جهود وسياسات وقرارات صاغتها أجيال متعاقبة عملت تحت ظروف وتحديات قد لا يدرك تفاصيلها. لذلك، لا ينبغي أن يبدأ بهدم ما مضى أو السعي لإلغائه؛ فالتطوير والبناء على ما تحقق سابقًا هو النهج الأكثر نضجًا واستقرارًا وأقل كلفة. وهو وحده ما يضمن استمرارية العمل ويُجنّب المؤسسة خسائر الهدم وإعادة البناء. وإذا أراد القائد الشاب أن يرد الجميل لمن منحه الثقة، فعليه أن يعي أن خبرته العملية لا يمكن أن تضاهي خبرات من سبقه، وهذا ليس نقصًا بل فرصة للتعلّم وتجنّب الوقوع في وهم الغرور أو الاكتفاء بالذات. ومن هنا تأتي أهمية إحاطة نفسه بدائرة من أصحاب الخبرة والكفاءة والمشورة الصادقة، والابتعاد عن المتسلقين والمجاملين. فهؤلاء الخبراء هم البوصلة التي تمنعه من اتخاذ قرارات متسرّعة قد تكلّف المؤسسة الكثير، وهم في الوقت ذاته إحدى ركائز نجاحه الحقيقي ونضجه القيادي. وأي خطأ إداري ناتج عن حماس أو عناد قد يربك المسار الاستراتيجي للمؤسسة. لذلك، ينبغي أن يوازن بين الحماس ورشادة القرار، وأن يتجنب الارتجال والتسرع. ومن واجبات القائد اختيار فريقه من أصحاب الكفاءة (Competency) والخبرة (Experience)، فنجاحه لا يتحقق دون فريق قوي ومتجانس من حوله. أما الاجتماعات والسفرات، فالأصل أن تُعقَد معظم الاجتماعات داخل المؤسسة (On-Site Meetings) ليبقى القائد قريبًا من فريقه وواقع عمله. كما يجب الحدّ من رحلات العمل (Business Travel) إلا للضرورة؛ لأن التواجد المستمر يعزّز الانضباط، ويمنح القائد فهمًا أعمق للتحديات اليومية، ويُشعر الفريق بأن قائده معهم وليس منعزلًا عن بيئة عملهم. ويمكن للقائد الشاب قياس نجاحه من خلال مؤشرات أداء (KPIs) أهمها هل بدأت الكفاءات تفكر في المغادرة؟ هل ارتفع معدل دوران الموظفين (Turnover Rate)؟ تُمثل خسارة الكفاءات أخطر تهديد لاستمرارية المؤسسة، فهي أشد وطأة من خسارة المناقصات أو المشاريع أو أي فرصة تجارية عابرة. وكتطبيق عملي لتعزيز التناغم ونقل المعرفة بين الأجيال، يُعدّ تشكيل لجنة استشارية مشتركة بين أصحاب الخبرة الراسخة والقيادات الصاعدة آلية ذات جدوى مضاعفة. فإلى جانب ضمانها اتخاذ قرارات متوازنة ومدروسة ومنع الاندفاع أو التفرد بالرأي، فإن وجود هذه اللجنة يُغني المؤسسة عن اللجوء المتكرر للاستشارات العالمية المكلفة في كثير من الخطط والأهداف التي يمكن بلورتها داخليًا بفضل الخبرات المتراكمة. وفي النهاية، تبقى القيادة الشابة مسؤولية قبل أن تكون امتيازًا، واختبارًا قبل أن تكون لقبًا. فالنجاح لا يأتي لأن الظروف منحت القائد منصبًا مبكرًا، بل لأنه عرف كيف يحوّل تلك الظروف والفرص إلى قيمة مضافة، وكيف يبني على خبرات من سبقه، ويستثمر طاقات من حوله.
1206
| 09 ديسمبر 2025
في عالمٍ يزداد انقسامًا، وفي إقليم عربي مثقل بالتحزّبات والصراعات والاصطفافات، اختارت قطر أن تقدّم درسًا غير معلن للعالم: أن الرياضة يمكن أن تكون مرآة السياسة حين تكون السياسة نظيفة، عادلة، ومحلّ قبول الجميع واحترام عند الجميع. نجاح قطر في استضافة كأس العرب لم يكن مجرد تنظيم لبطولة رياضية، بل كان حدثًا فلسفيًا عميقًا، ونقلاً حياً ومباشراً عن واقعنا الراهن، وإعلانًا جديدًا عن شكلٍ مختلف من القوة. قوة لا تفرض نفسها بالصوت العالي، ولا تتفاخر بالانحياز، ولا تقتات على تفتيت الشعوب، بل على القبول وقبول الأطراف كلها بكل تناقضاتها، هكذا تكون عندما تصبح مساحة آمنة، وسطٌ حضاري، لا يميل، لا يخاصم، ولا يساوم على الحق. لطالما وُصفت الدوحة بأنها (وسيط سياسي ناجح ) بينما الحقيقة أكبر من ذلك بكثير. الوسيط يمكن أن يُستَخدم، يُستدعى، أو يُستغنى عنه. أما المركز فيصنع الثقل، ويعيد التوازن، ويصبح مرجعًا لا يمكن تجاوزه. ما فعلته قطر في كأس العرب كان إثباتاً لهذه الحقيقة: أن الدولة الصغيرة جغرافيًا، الكبيرة حضاريًا، تستطيع أن تجمع حولها من لا يجتمع. ولم يكن ذلك بسبب المال، ولا بسبب البنية التحتية الضخمة، بل بسبب رأس مال سياسي أخلاقي حضاري راكمته قطر عبر سنوات، رأس مال نادر في منطقتنا. لأن البطولة لم تكن مجرد ملاعب، فالملاعب يمكن لأي دولة أن تبنيها. فالروح التي ظهرت في كأس العرب روح الضيافة، الوحدة، الحياد، والانتماء لكل القضايا العادلة هي ما لا يمكن فعله وتقليده. قطر لم تنحز يومًا ضد شعب. لم تتخلّ عن قضية عادلة خوفًا أو طمعًا. لم تسمح للإعلام أو السياسة بأن يُقسّما ضميرها، لم تتورّط في الظلم لتكسب قوة، ولم تسكت عن الظلم لتكسب رضا أحد. لذلك حين قالت للعرب: حيهم إلى كأس العرب، جاؤوا لأنهم يأمنون، لأنهم يثقون، لأنهم يعلمون أن قطر لا تحمل أجندة خفية ضد أحد. في المدرجات، اختلطت اللهجات كما لم تختلط من قبل، بلا حدود عسكرية وبلا قيود أمنية، أصبح الشقيق مع الشقيق لأننا في الأصل والحقيقة أشقاء فرقتنا خيوط العنكبوت المرسومة بيننا، في الشوارع شعر العربي بأنه في بلده، فلا يخاف من رفع علم ولا راية أو شعار. نجحت قطر مرة أخرى ولكن ليس كوسيط سياسي، نجحت بأنها أعادت تعريف معنى «العروبة» و»الروح المشتركة» بطريقة لم تستطع أي دولة أخرى فعلها. لقد أثبتت أن الحياد العادل قوة. وأن القبول العام سياسة. وأن الاحترام المتبادل أكبر من أي خطاب صاخب. الرسالة كانت واضحة: الدول لا تُقاس بمساحتها، بل بقدرتها على جمع المختلفين. أن النفوذ الحقيقي لا يُشترى، بل يُبنى على ثقة الشعوب. أن الانحياز للحق لا يخلق أعداء، بل يصنع احترامًا. قطر لم تنظّم بطولة فقط، قطر قدّمت للعالم نموذج دولة تستطيع أن تكون جسرًا لا خندقًا، ومساحة لقاء لا ساحة صراع، وصوتًا جامعًا لا صوتًا تابعًا.
792
| 10 ديسمبر 2025