رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
حفظ التاريخ الإسلامي لسيدنا عثمان ابن عفان رضي الله عنه أنه قال قولته المشهورة في حق أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، حيث قال: رحم الله عمر فقد أتعب من جاء بعده. وهذا مرده للطريقة التي ساس بها عمر بن الخطاب الناس في الإسلام وشدته على نفسه وخوفه من الله تعالى وحرصه على أمة محمد ومحاربته للفساد في أضيق أبوابه حتى لمن كانوا في صحبة النبي عليه السلام، فقد عرف عنه أنه منع أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم من الخروج للأمصار حتى من أجل الجهاد، وعزل كبار الصحابة بمن فيهم خالد بن الوليد عن إمارة الجيش، وعزل سعد بن أبي وقاص الذي كان واليه على العراق. وإذا نظرنا لعالمنا المعاصر نجد في السنوات القليلة الماضية أن الأنموذج في عالمنا العربي هو الانفراد بالسلطة والتحكم في كل كبيرة وصغيرة من قبل رئيس الدولة، حتى أننا في السودان قد عاب بعضهم علينا أن يكون الرئيس عمر البشير يتخذ قراراته من خلال الحركة الإسلامية السودانية وأجهزتها، وسموا ذلك بالازدواجية السياسية وما عرف بسيطرة قيادة الحركة على مقاليد الأمور. ولم يكن المقصود بالأمر هو ازدواجية بقدر ما الهدف هو إشاعة روح الفردية والدكتاتورية، كما كانت لدى مبارك في مصر وزين العابدين بن علي في تونس ومعمر القذافي في ليبيا وعلي عبد الله صالح في اليمن. ونظر هؤلاء الحكام من خلال جامعتهم العربية وتجمعاتهم لما كان يجري في السودان فحاربوه همساً ولمزاً وسراً وعلانية.
ولكن سبحان مغير الأحوال من حال إلى حال.. ها نحن وفي وقت وجيز نشهد تغيرات كبيرة في عالمنا العربي والإسلامي، وهي حالة النزوع والنزوح نحو حكم الجماعة بدلاً من الفردية المطلقة، فالرئيس المصري محمد مرسي لا يتهم بأنه فرد متسلط ولكنه يتهم بأنه يعمل لصالح جماعة الإخوان المسلمين وينفذ تعليمات المرشد العام للجماعة، فما أشبه الليلة بالبارحة، وما أكبر التحولات وأسرعها، ليفاجأ الناس بقرار من سمو أمير دولة قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني بأنه تخلى عن السلطة في بلاده لصالح نجله ولي العهد الشيخ تميم. وقد توجه أبناء قطر لمبايعة الأمير الجديد للبلاد بعد أن أبلغ أمير قطر الأسرة الحاكمة وأعيان البلاد قراره بتسليم السلطة.
والدور القطري في نقل السلطة للجماهير العربية هو دور مشهود «وهو دور إعلامي وسياسي» أقله حالة الوعي التي انتظمت الأمة العربية من المحيط إلى الخليج بأهمية الديمقراطية التعددية والانفتاح السياسي والاقتصادي، والدور القطري أيضاً هو دور مشهود في ثورات الربيع العربي، حيث وقف أمير قطر ووزير الخارجية القطري ورئيس الوزراء في كل المحافل المساندة للشعوب العربية المطالبة بالحرية والديمقراطية، وإن اقتضى الحال التدخل العسكري كما هو في الحالة الليبية.
وأبلغ درس لتنحي الأمير حمد عن السلطة يجب أن يكون للرئيس السوري بشار الأسد الذي يقوم بقتل أبناء شعبه من أجل البقاء في السلطة، وأبناء سوريا اليوم يواجهون آلة الموت والقتل، والبلاد تتمزق وتنعدم فيها سبل الحياة، ومازال الرئيس السوري مصراً على البقاء في السلطة ولم يبد حتى مجرد استعداد لترك السلطة لأبناء الشعب السوري لكي يتدبروا أمرهم. ودول الخليج من حول قطر جميعها تشهد حالة من التململ والحراك نحو الديمقراطية والحرية، فالحالة في إمارة البحرين تستوجب نظرة غير إرسال قوات درع الجزيرة لحماية السلطة الحاكمة، وقد اتخذت إيران وحزب الله من هذا الموقف ذريعة لإرسال المقاتلين للدفاع عن الرئيس السوري بشار الأسد ضد المعارضة السورية. ولا يقتصر تنحي الأمير على الجوانب الإقليمية والخارجية في نظري، ولكن الداخل القطري نفسه موعود بتحولات كبيرة ومهمة، ولكنها متدرجة. ومن يدري، لعل الأمير الجديد لقطر يقوم بإصلاحات سياسية فيسمح للتعددية السياسية والحزبية في قطر بأن تأخذ موقعها ويتحول الأمير لرمز لسيادة البلاد، كما هو الحال في المملكة المتحدة، وتنادي به الشعوب العربية في الأردن والكويت والمملكة العربية السعودية وغيرها. وصارت قطر دولة محورية في المنطقة العربية، وصار تأثيرها على مجرى الأحداث كبيراً، وبفضل القيادة الشابة الواعدة للأمير تميم «33 سنة» يمكن لدولة قطر أن تكون هي الدولة الرائدة في المنطقة في كل المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، خاصة أن سمو الشيخ تميم ليس بعيداً عن السلطة واتخاذ القرار، حيث كان يشغل منصب رئيس اللجنة الأولمبية ونائب قائد القوات المسلحة القطرية، وقد عرف عن أبناء قطر والأسرة الحاكمة أنهم على درجة عالية من الجدية، وسبق لهم أن تلقوا العديد من الدورات التدريبية في الدول الغربية والولايات المتحدة الأمريكية، وتخرجوا في أعرق الجامعات، ولهم من الأفكار والمعارف ما تتناسب وطبيعة العصر وتختلف كلياً عما عليه الأجيال السابقة التي ورثت الحكم في دولة قطر، بما في ذلك جيل الشيخ حمد الذي يعتبر أكثر انفتاحاً عن الأجيال السابقة.
وسمو الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني بهذا القرار التاريخي قد أتعب من جاء بعده، وهو الأمير تميم، فقد ضرب المثل في الزهد في السلطة وقوة التدبير والشخصية الكبيرة التي تتصدى لكل المشكلات العالمية، بدءاً من قطاع غزة في فلسطين حتى مشكلة دارفور في السودان ومشكلات الأقليات المسلمة في أوروبا وآسيا، وآخر ما قامت به دولة قطر في عهد الأمير حمد هو أن استضافت اجتماع أصدقاء سوريا، وتمكنت من أن تجمع في هذا المؤتمر الأمريكيين والروس والصينيين وغيرهم.
وتكمن عبقرية الأمير المغادر لمنصبه في أنه رغم التحديات الكبيرة التي ألقاها بنفسه على كاهل الدولة القطرية «وهي الاهتمام بقضايا حقوق الإنسان والفقر وفض النزاعات» ولكنه يترك السلطة لقناعته بأن الشعب القطري وأسرته الحاكمة قادرون على تكملة المشوار والسير في ذات الطريق، كما أنه ترك رسالة لكل المتشبثين بالسلطة في عالمنا، بأن عليهم أن يتركوا السلطة ويفسحوا المجال للأجيال القادمة، وإن كان لديهم عون فليقدموه لجيل الشباب حتى ينهضوا بالأوطان.
أكاد أجزم بأن ما بات حديث المجالس الخليجية والعربية اليوم بعد تفجر أحداث غزة المؤلمة والهجوم الإسرائيلي الآثم... اقرأ المزيد
30
| 29 سبتمبر 2025
في العصر الرقميّ الحاليّ، لم تعد هوية الأطفال والمراهقين تتشكل فقط من خلال الأسرة والمدرسة والبيئة المحيط بهم،... اقرأ المزيد
30
| 29 سبتمبر 2025
هناك لحظات تفاجئ المرء في منتصف الطريق، لحظات لا تحتمل التأجيل ولا المجاملة، لحظات تبدو كأنها قادمة من... اقرأ المزيد
48
| 29 سبتمبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
يطلّ عليك فجأة، لا يستأذن ولا يعلن عن نفسه بوضوح. تمرّ في زقاق العمر فتجده واقفًا، يحمل على كتفه صندوقًا ثقيلًا ويعرض بضاعة لا تشبه أي سوق عرفته من قبل. لا يصرخ مثل الباعة العاديين ولا يمد يده نحوك، لكنه يعرف أنك لن تستطيع مقاومته. في طفولتك كان يأتيك خفيفًا، كأنه يوزّع الهدايا مجانًا. يمد يده فتتساقط منها ضحكات بريئة وخطوات صغيرة ودهشة أول مرة ترى المطر. لم تكن تسأله عن السعر، لأنك لم تكن تفهم معنى الثمن. وحين كبُرت، صار أكثر استعجالًا. يقف للحظة عابرة ويفتح صندوقه فتلمع أمامك بضاعة براقة: أحلام متوهجة وصداقات جديدة وطرق كثيرة لا تنتهي. يغمرك بالخيارات حتى تنشغل بجمعها، ولا تنتبه أنه اختفى قبل أن تسأله: كم ستدوم؟ بعد ذلك، يعود إليك بهدوء، كأنه شيخ حكيم يعرف سرّك. يعرض ما لم يخطر لك أن يُباع: خسارات ودروس وحنين. يضع أمامك مرآة صغيرة، تكتشف فيها وجهًا أنهكته الأيام. عندها تدرك أن كل ما أخذته منه في السابق لم يكن بلا مقابل، وأنك دفعت ثمنه من روحك دون أن تدري. والأدهى من ذلك، أنه لا يقبل الاسترجاع. لا تستطيع أن تعيد له طفولتك ولا أن تسترد شغفك الأول. كل ما تملكه منه يصبح ملكك إلى الأبد، حتى الندم. الغريب أنه لا يظلم أحدًا. يقف عند أبواب الجميع ويعرض بضاعته نفسها على كل العابرين. لكننا نحن من نتفاوت: واحد يشتري بتهور وآخر يضيّع اللحظة في التفكير وثالث يتجاهله فيفاجأ أن السوق قد انفض. وفي النهاية، يطوي بضاعته ويمضي كما جاء، بلا وداع وبلا عودة. يتركك تتفقد ما اشتريته منه طوال الطريق، ضحكة عبرت سريعًا وحبًا ترك ندبة وحنينًا يثقل صدرك وحكاية لم تكتمل. تمشي في أثره، تفتش بين الزوايا عن أثر قدميه، لكنك لا تجد سوى تقاويم تتساقط كالأوراق اليابسة، وساعات صامتة تذكرك بأن البائع الذي غادرك لا يعود أبدًا، تمسح العرق عن جبينك وتدرك متأخرًا أنك لم تكن تتعامل مع بائع عادي، بل مع الزمن نفسه وهو يتجول في حياتك ويبيعك أيامك قطعةً قطعة حتى لا يتبقى في صندوقه سوى النهاية.
3117
| 26 سبتمبر 2025
في قاعة الأمم المتحدة كان خطاب صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني حفظه الله مشهدا سياسيا قلب المعادلات، الكلمة التي ألقاها سموه لم تكن خطابًا بروتوكوليًا يضاف إلى أرشيف الأمم المتحدة المكدّس، بل كانت كمن يفتح نافذة في قاعة خانقة. قطر لم تطرح نفسها كقوة تبحث عن مكان على الخريطة؛ بل كصوت يذكّر العالم أن الصِغَر في المساحة لا يعني الصِغَر في التأثير. في لحظة، تحوّل المنبر الأممي من مجرد منصة للوعود المكررة والخطابات المعلبة إلى ساحة مواجهة ناعمة: كلمات صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني وضعتهم في قفص الاتهام دون أن تمنحهم شرف ذكر أسمائهم. يزورون بلادنا ويخططون لقصفها، يفاوضون وفودًا ويخططون لاغتيال أعضائها.. اللغة العربية تعرف قوة الضمير، خصوصًا الضمير المستتر الذي لا يُذكر لفظًا لكنه يُفهم معنى. في خطاب الأمير الضمير هنا مستتر كالذي يختبئ خلف الأحداث، يحرّكها في الخفاء، لكنه لا يجرؤ على الظهور علنًا. استخدام هذا الأسلوب لم يكن محض صدفة لغوية، بل ذكاء سياسي وبلاغي رفيع ؛ إذ جعل كل مستمع يربط الجملة مباشرة بالفاعل الحقيقي في ذهنه من دون أن يحتاج إلى تسميته. ذكاء سياسي ولغوي في آن واحد».... هذا الاستخدام ليس صدفة لغوية، بل استراتيجية بلاغية. في الخطاب السياسي، التسمية المباشرة قد تفتح باب الردّ والجدل، بينما ضمير الغائب يُربك الخصم أكثر لأنه يجعله يتساءل: هل يقصدني وحدي؟ أم يقصد غيري معي؟ إنّه كالسهم الذي ينطلق في القاعة فيصيب أكثر من صدر. محكمة علنية بلا أسماء: لقد حول الأمير خطابًا قصيرًا إلى محكمة علنية بلا أسماء، لكنها محكمة يعرف الجميع من هم المتهمون فيها. وهنا تتجلى العبارة الأبلغ، أن الضمير المستتر في النص كان أبلغ حضورًا من أي تصريح مباشر. العالم في مرآة قطر: في النهاية، لم يكن ضمير المستتر في خطاب صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني – حفظه الله - مجرد أداة لغوية؛ بل كان سلاحًا سياسيًا صامتًا، أشد وقعًا من الضجيج. لقد أجبر العالم على أن يرى نفسه في مرآة قطر. وما بين الغياب والحضور، تجلت الحقيقة أن القيمة تُقاس بجرأة الموقف لا باتساع الأرض، وأن الكلمة حين تُصاغ بذكاء قادرة على أن تهز أركان السياسات الدولية كما تعجز عنها جيوش كاملة. فالمخاطَب يكتشف أن المرآة وُضعت أمامه من دون أن يُذكر اسمه. تلك هي براعة السياسة: أن تُدين خصمك من دون أن تمنحه شرف الذكر.
2742
| 25 سبتمبر 2025
في عالم اليوم المتسارع، أصبحت المعرفة المالية ليست مجرد مهارة إضافية، بل ضرورة تمس حياة كل فرد وإذا كان العالم بأسره يتجه نحو تنويع اقتصادي يخفف من الاعتماد على مصدر واحد للدخل، فإن قطر – بما تمتلكه من رؤية استراتيجية – تدرك أن الاستدامة الاقتصادية تبدأ من المدارس القطرية ومن وعي الطلاب القطريين. هنا، يتحول التعليم من أداة محلية إلى بوابة عالمية، ويصبح الوعي المالي وسيلة لإلغاء الحدود الفكرية وبناء أجيال قادرة على محاكاة العالم لا الاكتفاء بالمحلية. التعليم المالي كاستثمار في الاستدامة الاقتصادية القطرية: عندما يتعلم الطالب القطري إدارة أمواله، فهو لا يضمن استقراره الشخصي فقط، بل يساهم في تعزيز الاقتصاد الوطني. فالوعي المالي يساهم في تقليل الديون وزيادة الادخار والاستثمار. لذا فإن إدماج هذا التعليم يجعل من الطالب القطري مواطنا عالمي التفكير، مشاركا في الاقتصاد العالمي وقادرا على دعم قطر لتنويع الاقتصاد. كيف يمكن دمج الثقافة المالية في المناهج القطرية؟ لكي لا يبقى الوعي المالي مجرد شعار، يجب أن يكون إدماجه في التعليم واقعًا ملموسًا ومحاكيًا للعالمية ومن المقترحات: للمدارس القطرية: • حصص مبسطة تدرّب الطلاب على إدارة المصروف الشخصي والميزانية الصغيرة. • محاكاة «المتجر الافتراضي القطري» أو «المحفظة الاستثمارية المدرسية». للجامعات القطرية: • مقررات إلزامية في «الإدارة المالية الشخصية» و»مبادئ الاستثمار». • منصات محاكاة للتداول بالأسهم والعملات الافتراضية، تجعل الطالب يعيش تجربة عالمية من داخل قاعة قطرية. • مسابقات ريادة الأعمال التي تدمج بين الفكر الاقتصادي والابتكار، وتبني «وعيًا قطريًا عالميًا» في آن واحد. من التجارب الدولية الملهمة: - تجربة الولايات المتحدة الأمريكية: تطبيق إلزامي للتعليم المالي في بعض الولايات أدى إلى انخفاض الديون الطلابية بنسبة 15%. تجربة سنغافورة: دمجت الوعي المالي منذ الابتدائية عبر مناهج عملية تحاكي الأسواق المصغرة - تجربة المملكة المتحدة: إدراج التربية المالية إلزاميًا في الثانوية منذ 2014، ورفع مستوى إدارة الميزانيات الشخصية للطلاب بنسبة 60%. تجربة استراليا من خلال مبادرة (MONEY SMART) حسنت وعي الطلاب المالي بنسبة 35%. هذه النماذج تبيّن أن قطر قادرة على أن تكون رائدة عربيًا إذا نقلت التجارب العالمية إلى المدارس القطرية وصياغتها بما يناسب الوعي القطري المرتبط بهوية عالمية. ختاما.. المعرفة المالية في المناهج القطرية ليست مجرد خطوة تعليمية، بل خيار استراتيجي يفتح أبواب الاستدامة الاقتصادية ويصنع وعيًا مجتمعيًا يتجاوز حدود الجغرافيا، قطر اليوم تملك فرصة لتقود المنطقة في هذا المجال عبر تعليم مالي حديث، يحاكي التجارب العالمية، ويجعل من الطالب القطري أنموذجًا لمواطن عالمي التفكير، محلي الجذور، عالمي الأفق فالعالمية تبدأ من إلغاء الحدود الفكرية، ومن إدراك أن التعليم ليس فقط للحاضر، بل لصناعة مستقبل اقتصادي مستدام.
2385
| 22 سبتمبر 2025