رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

محليات

1650

بين مشيرب وسوق واقف يفوح عطر التاريخ

31 مارس 2022 , 07:00ص
alsharq
لينة يوسف
لينة يوسف

تجولت ونزلت مدناً ودولاً بين زيارة وعمل، ومن بينها كنت أبحث في خريطة العالم لأجد المحطة القادمة، فكان اختياري الدوحة، دولة قطر وما أسمع وأقرأ عنها، وما بها من طفرات بناء وإعمار، فكانت محطتي الآن وهكذا هو الإنسان لا يعلم في أي محطة سيقف ولا إلى أين سينتهي فنزلت العاصمة الدوحة.

حالفني الحظ أن أسكن منطقة مشيرب، بين أزقتها الجميلة الهادئة، رياضتي ومتعتي اليومية بين دروبها، هذه مشيرب بنيت بتفاصيل حديثة ممزوجة بتخطيط مدينة عربية إسلامية، مع مروري اليومي بين هذه الدروب تمتلئ روحي سعادة وكأني أعود بها هدوء وطيبة الماضي الجميل، عادات شعبه وتقاليده حتى كأني أسمع همس قصص وحكايات من بين هذه الجدران الجميلة المحكمة البناء فنا وتصميما.

كان مع مروري واستكشافاتي للمنطقة نزلت مقهى ومنحلة ابو سيف في سوق واقف استوطنت هذا المقهى الصغير في سوق واقف، السوق النابض حركة وحياة وكأني في أحد مقاهي باريس الجميلة لا بل أجمل، أقولها بصدق الشعور في بلد عربي، مع أهلي وناسي، هذا الاطمئنان نفتقده نحن المغتربين.

أجلس صباحا مع فنجان قهوة وأطوف فضاءً هذا الموقع الجميل، إنه على مفترق ثلاث طرق شعاعية، في نهاية كل طريق فضاء، تقرأ منه تاريخ يطوي حكايات تسبح معه بمضامين ذاك الزمان ومن بينها يشيع بصري بتفاصيله المميزة تفصيلا وإعمارا، بين كل درب تحس قصصا مختلفة عن أخرى، كلها تملأ القلب بالدفء والأصالة، ناهيك عن انعكاسات الظل والضوء، بناءات صممت بتكنولوجيا حديثة تتوافق مع المناخ وما يناسب عادات وتقاليد المجتمع.

جلوسي المتكرر على هذا المقهى بنيت علاقات اجتماعية مع رواد المكان وعامليه من مختلف الأعمار والجنسيات عربية وأجنبية وتعلمت وتعرفت واستمتعت بكل قصة، المكان يملأ جالسيه بالدفء الاجتماعي.

وها أنا منذ 70 يوما وأنا أسكن هذه العاصمة الهادئة، إنها مشيرب قلب الدوحة تلك المنطقة بامتدادها التاريخي لسوق واقف.

هذا السوق الحميمي تاريخا، يعشقه كل زائر، تجد بين دكاكينه المتلاصقة ازدحاما واكتظاظا بالمارة، تسعدنا بما تحويه بخورا وعنبرا فواحا بسحر الماضي والحاضر النابض بالحياة، حركة متعة وبيع وشراء.

ضمن جولتي بين هذا السوق العريق جذبني محل تحف من مختلف دول العالم، ومن بينها كانت قطعة أثرية برقت لها عيني وخطفت قلبي، مكتوب عليها بالموزاييك "بغداد" على ما يبدو أنها هذه القطعة خرجت في أيام الغزو الأمريكي للعراق، قلبتها بين يدي عشت معها مشاعر ألم، لدولة مزقتها يد الغدر والخيانة بكل ماضيه وإرثه الكبير، فكان قراري أن تعود هذه التحفة الفنية إلى موطنها، إلى العراق وأن أقدمها هدية إلى ابني الذي لم يعرف عن العراق سوى اسم وتاريخ، بلاد الرافدين مهد الحضارات.

وما زاد فرحي بزيارتي لهذا المحل المليء بتحف نادرة، ثقافة البائع الشاب رفيع الخلق وواسع الاطلاع والمعرفة في مختلف المجالات، أحسست باعتزازه للعراق مثل الكثيرين ممن قابلتهم يكنون الحب للعراق، كما هي المحبة لكل الدول العربية أجمع، مما زادني فرحا أننا أمة متماسكة الجذور بالرغم من كل ما تتلاعب السياسة بنا.

أما ما لم تدره عن مكتبة أبو هاشم، المكتبة الجميلة بين أروقة سوق واقف، مكتبة أبو هاشم وكم تحوي من كم من كتب قديمة لمختلف الدول، مما أعادتني ذكرياتي كتب وحياة الماضي وما أثرته التكنولوجيا على القراءة الورقية وطعمها الخاص.

كل يوم بين أروقة هذا السوق نكهة جديدة ومعلومات مميزه وكان مزاد الخيل أو مهرجان الفروسية، تجربة فريدة سعيدة إلى قلبي مع جمال حركات وشكل الخيول العربية الأصيلة وكيفية تقييم أهل الدوحة لها.

كتابتي المتواضعة كمهندسة معمارية مغتربة عن هذا المكان والذي أتمنى له من القلب استمرارية هذا النبض ليغذي زائريه وأهله وللأجيال القادمة، بالتجانس مع الماضي مواءمة مع التطور التكنولوجي وهذا التمني ترد عليه الأجيال القادمة.

أما أنا محطة الدوحة الجلوس والسكن من أجمل تجاربي.

مساحة إعلانية