رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

عربي ودولي

1178

"الشرق" ترصد خطوات موسكو للتقارب مع "الجيل الجديد" في الشرق الأوسط

30 أغسطس 2024 , 07:00ص
alsharq
❖ موسكو - نجاح محمد

*  العنصرية في أوروبا ويمينها المتطرف يجعلان موسكو مقصدا سياحيا آمنا للعرب

*  موسكو تدرك جيداً أهمية الدبلوماسية العامة لاستعادة مكانتها في الشرق الأوسط ولكن!

هل تحتاج روسيا الى دبلوماسية عامة لتعود للعالم العربي؟ قفز إلى ذهني هذا السؤال وأنا في طريقي الى موسكو بدعوة وجهت لـ "الشرق" وصحف عربية أخرى بدت وأنها خطوة على طريق تعزيز الحضور الدبلوماسي الروسي في العالم العربي من بوابة القنوات ووكالات الأنباء الروسية.

الجواب على السؤال أن موسكو تحتاج الى البحث عن الاسباب التي باعدت بينها وبين العالم العربي وستجد الجواب في سوريا.

انعقد الحوار العربي الروسي وانفض، صحيح ان العلاقات الاقتصادية تجبر الطرفين على المضي قدما في البحث عن جسور التواصل لكن الطريق السريع يكمن في تحديد الموقف مما يجري في سوريا والجلوس حول طاولة واحدة لا تنفض حتى تحل الازمة السورية ومن قضايا الشرق الاوسط ومنها الوضع في ليبيا حيث تورطت مجموعة فاغنر الروسية طويلا في النزاع في البلد العربي.

خلال رحلة الوفد الصحفي العربي الى موسكو بدعوة من وكالة الانباء الدولية الروسية اسبوتنك وفي لقائها مع الصحفيين الزائرين حاولت ماريا زاخاروفا شرح ابعاد الموقف الروسي مما يجري على الساحة الدولية وكررت مواقف بلادها من اوكرانيا والاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة. تُظهر تصريحات زاخاروفا خلال الجلسة الافتتاحية لبرنامج «الجيل الجديد» بوزارة الخارجية الروسية توجهاً روسياً متزايداً نحو انتقاد الدور الأمريكي في الشؤون الدولية، وخاصة في الشرق الأوسط وأوروبا. ليست هذه المرة الأولى التي تواجه فيها السياسة الأمريكية انتقادات من قبل روسيا، والتي ترى في التدخلات الأمريكية عوامل رئيسية في تدهور الأوضاع في مناطق مثل سوريا وأوكرانيا وفلسطين.

ما قالته زاخاروفا يبرز بشكل واضح التعارض بين التوجه الأمريكي والروسي في التعامل مع الأزمات الدولية، ففي الوقت الذي تعتبر فيه روسيا أن التدخلات الأمريكية تؤجج الصراعات وتفاقم الأزمات، خصوصاً في الشرق الأوسط، تسعى الولايات المتحدة للسيطرة على مسار الأزمات لصالح مصالحها الخاصة، مثل التدخل في الصادرات الروسية إلى أوروبا، في ظل الأزمة الأوكرانية.

ومن خلال متابعة الوضع في سوريا، يتضح أن روسيا تحتاج إلى إعادة النظر في بعض الجوانب التي أبعدتها عن العالم العربي. وهذا يتطلب منها أن تكون صريحة في البحث عن الأسباب والمواقف التي أدت إلى تلك الفجوة، وأن تبدأ بمحاولة وضع حلول عملية للوضع السوري نقطة الخلاف الرئيسية والمستمرة بين العرب وسوريا.

في لقائها مع الصحفيين الزائرين لموسكو، حاولت زاخاروفا توضيح رؤية روسيا لما يجري على الساحة الدولية، مؤكدة على مواقف بلادها تجاه أوكرانيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. ويبدو أن روسيا تدرك جيداً أهمية الدبلوماسية العامة لاستعادة مكانتها في العالم العربي.

    أمان وترحاب

الزائر لموسكو اليوم يجد كل ما يبحث عنه من أمان وترحيب وبشاشة وضيافة وعدم استغلال، سواء كانت الزيارة بغرض السياحة أو العمل أو العلاج أو الاستثمار أو غير ذلك. موسكو باختصار اليوم هي متحف مفتوح ينقلك إلى التاريخ وعبق الحضارة، وألم البحث عن الحرية ومسيرة القياصرة وكفاح الشعب ومعاناة النساء والرجال من أجل حياة كريمة، ومن أجل حاضر يفخر به الشعب. وتجد ذلك في الوجوه التي تقابلك منذ أن تطأ قدمك مطار موسكو حتى تغادره.

- ولكن كيف تسعى موسكو لتعزيز العلاقات الروسية العربية في الوقت الحالي؟ في موسكو، يبذلون جهدًا للعودة إلى العالم العربي وتعزيز العلاقات الروسية العربية، وهو جهد كان يمكن توفيره لو كان الموقف من سوريا غير ما كان.

وخفف خروج مجموعة فاغنر من المشهد الليبي من غضب عربي من السياسة الروسية حيث كانت المجموعة ذراعا محسوبة على موسكو وتنفذ سياسة روسيا تجاه ليبيا.

    ليست مجرد عاصمة

داخليا فإن روسيا التي تضم خليطًا من الأعراق والأديان تعد نموذجًا للتعايش بدون أي صورة من صور العنصرية التي تملأ الشارع الأوروبي اليوم. كان يمكن أن تكون روسيا وشوارع موسكو البديل للعرب الباحثين عن السياحة في شوارع الضباب الأوروبية، ولن يكونوا بعيدين عن أوروبا، فنصف روسيا يقع في أوروبا، لكن الموقف الذي اتخذته موسكو من الثورة السورية جعلها تقف في الجانب الآخر المواجه للعالم العربي.

موسكو، هذه المدينة العريقة، ليست مجرد عاصمة لروسيا، بل هي رمز للتاريخ العميق والحضارة الغنية التي تشكلت على مدار قرون. من القصور الإمبراطورية إلى الشوارع التي تحكي قصص الماضي، تحمل كل زاوية في موسكو عبقًا من تراثها الممتد. ستجد في كل ركن منها لمسة من الإمبراطورية الروسية القديمة، وبصمات القياصرة التي تروي تفاصيل النضال من أجل الحرية والتحرر. كما هو واضح في متحف النصر الذي خصص لمحاكاة معاناة الشعب الروسي خلال الحرب العالمية الثانية والذي قدم صورة واضحة لذكرى الانتصارات الروسية، فهو ليس مجرد متحف بتصاميمه المعمارية الفريدة التي تجمع بين الاصالة التاريخية والطابع العصري. فهو يعتبر مركزا تعليميا وتثقيفيا بفضل المعروضات التي يحتويها.

من جهة أخرى نجد الكرملين والساحة الحمراء، التي شهدت على أحداث تاريخية عظيمة، تجذب السياح من كل أنحاء العالم، ليعيشوا تجربة فريدة من نوعها تعكس قوة وتنوع التاريخ الروسي.

    تعزيز التقارب

موسكو اليوم تعمل على تعزيز التفاهم الثقافي مع العالم العربي. هم يعرفون جيدًا أهمية استعادة ثقة الشعوب العربية، خاصة بعد موقفهم من الأحداث في سوريا وكذلك ليبيا حيث دفعت العلاقات الروسية العربية فاتورة تدخلات مجموعة فاغنر الامنية في المشهد الليبي وتأجيج الصراع هناك. لذلك، تسعى روسيا إلى بناء جسور جديدة مع العرب، معتمدة على قوة الثقافة والتاريخ المشترك.

 إنهم يدركون أن استقطاب السياح والمستثمرين من العالم العربي يمكن أن يكون خطوة مهمة نحو تحسين العلاقات وتقديم موسكو كبديل ممتاز في ظل التغيرات الثقافية والاجتماعية في أوروبا التي تدعو للتفكك الاسري والقيم الاجتماعية وهو ما قد يثير القلق وعدم الارتياح للزوار العرب.

إضافة إلى ذلك، فإن موسكو تمثل نموذجًا فريدًا للتعايش بين مختلف الأعراق والأديان. فهذه المدينة تضم مسلمين، مسيحيين، يهودا، وبوذيين، يعيشون جنبًا إلى جنب في سلام. هذه الروح التعايشية تجعل من موسكو مكانًا مميزًا ومثالًا حيًا لما يمكن أن تكون عليه المجتمعات المتعددة الثقافات.

في النهاية، يمكن القول إن موسكو، بجمالها وتاريخها وحضارتها، قادرة على أن تكون الوجهة المفضلة للعرب الباحثين عن وجهة سياحية تعكس القيم التاريخية والروابط الثقافية العميقة. ومع ذلك، يبقى التحدي الأكبر أمام روسيا هو كيفية تجاوز العقبات السياسية وإعادة بناء الثقة مع العالم العربي، لتحقق بذلك مكانة مرموقة على الساحة الدولية تعزز من علاقاتها مع الشعوب العربية.

مساحة إعلانية