رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

عربي ودولي

1887

سبعينية تحفظ التراث رغم مضايقات الاحتلال

29 نوفمبر 2020 , 07:00ص
alsharq
نابلس - حنان مطير

 

كان صوتًا مرعبًا ذلك الذي صدر من قنبلةٍ فجّرها جنود الاحتلال بجوار باب محلّ الحاجة مريم محمود "أم يوسف" في بلدة جمّاعين بمحافطة نابلس، فأمضت يوما حزينا متكدّرا وهي تصنع مشغولاتها الفنيّة التراثية.

أم يوسف امرأةٌ مكافحةٌ أمضت غالبية عمرها في العمل، تحفظ جزءًا من التراث من الاندثار و توفّر لقمة العيش لأبنائها، الذين فقدوا والدهم وهم لا يزالون أطفالًا أكبرهم في عمر السادسة.

تروي حكايتها لـ"الشرق" وقد أخذت قسطًا من الراحة من العمل في أعواد القش وتقول "كنت في الثلاثين من عمري ولديَّ أربعة أطفال، حين استُشهِد زوجي في حادث سيارةٍ مُدبّر من قبل جنود الاحتلال الإسرائيلي، وكان زوجي مطاردًا من قِبَلِهم بسبب أعمالٍ خاصة بالمقاومة فعاش في ليبيا عامان وفي الأردن أيضًا عامان".

عمل رغم الحزن

وتضيف "كان زوجي كلّ حياتي، تركني حزينةً أبكي ليلَ نهار، لم أحتمل فراقه خاصة حينما أنظر لأطفالي الصغار، أطبخ وأغسل وأكنس وأخبز ودموعي تذرف".

بعد استشهاد زوجِها اضطرّت أم يوسف للعمل في زراعة القمح الذي يمر في مراحل تتقن العمل فيها، حتى يجفّ فتصنع من القشّ مشغولاتٍ يدويةٍ كانت قد تعلّمت صناعتها منذ طفولتها حين كانت تجالس النساء الكبيرات.

تعبر "كنت أستخدم البقايا من القش الذي تستخدمه النساء وأجرّب أن أقلدهنّ حتى أتقنت العمل، وأنا لا أعلم أن تلك التجارب ستنفعني حين يضنيني الزمان وتصبح مهنتي".

وتروي "في ذلك الزمان لم تكن الكهرباء موصولة في المنطقة، فكنت أصنع المشغولات بالقش على نور ضوء الكاز الضعيف، وكثيرًا كنت أشعر بالخوف فأوقِظ ابنتي الكبرى التي لم تكن تتجاوز السادسة لتؤنس وحدتي ولَيْلِي".

تلك الأرض التي تزرعها ليست ملكها إنما تذهب لأصحاب الأراضي غير المزروعة ولا المُستفاد منها فتطلب منهم زراعتها وفلاحتها، بنسبة ماليةٍ محددة بين الطرفين.

العيش بكرامة

وتوضح أم يوسف أن العمل في القش ليس أمرًا سهلًا، فهو يُتعِب اليدين ويخزها كثيرًا بسبب القش الناشف، لكنها منذ الطفولة أحبت ذلك العمل وأتقنته، وبات مهنتها التي تطعم منها أطفالها وتعلمهم في المدرسة وتوفر أهم احتياجاتهم.

تعلّق "يكفيني أنني أعيش بكرامةٍ فلا أمدّ يدي لأحد كي يساعدني أو يرأف بي وبأطفالي، كذلك إنني أحفظ جزءا من التراث بهذا العمل، فقديمًا كانت تستخدم تلك المشغولات في الأعراس لوضع ثياب العريس عليها قبل الزفة، أو استخدامها بعد الخبيز لوضع خبز الطابون، أو استخدامها في تقديم الضيافة، وغيرها العديد من الاستخدامات، أما اليوم فالزبائن يبتاعونها غالبًا للزينة".

أما الاحتلال الإسرائيلي الذي اعتاد التنغيص على حياة الفلسطيني فقط جرّف أشجار الزيتون الأربع التي تصنع من عيدانها الرفيعة المشغولات التراثية أيضًا، وترك الخنازير البريّة تسرح وتمرح فيها، بحجّة أن تلك الزيتونات مخبأ لمن يرجم الحجارة على الجيبات العسكرية.

كبرت أم يوسف وكبر أبناؤها وما تزال حتى اليوم تعمل في القش، تصنع السلال والأواني التراثية المختلفة، تستغفر وتسبح وتدعو لزوجها وتسندها ذكراه الجميلة.

مساحة إعلانية