رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

عربي ودولي

2919

ارفعوا الظلم عن الأمهات في لبنان

29 فبراير 2020 , 07:00ص
alsharq
أماني جحا

 

 

مرة جديدة تعود قضايا الحضانة إلى الواجهة من جديد، تحديداً تلك المتعلقة بالقرارات الصادرة عن المحاكم الروحية في لبنان، خصوصاً الجعفرية منها. الفيديو الذي انتشر بسرعة على مواقع التواصل هز مشاعر المتابعين، أم تنوح وتصرخ متمسكة بسياج حديدي يبعدها مسافة صغيرة بالمعنى الجغرافي وكبيرة جداً بالمعنى الإنساني عن قبر ابنتها، التي حُرمت من رؤيتها لعامين قبل أن تسلم الروح برصاصة لم يعرف حتى الآن مصدرها لشدّة بطش الوالد وظلمه، حرم الأم حتى من وداع ابنتها إلى مثواها الأخير، فمُنعت من حضور الجنازة، ولم تستطع زيارة القبر الا بعد مرور ٦٢ يوماً بعدما سيّج المكان، فناجتها من على بعد أمتار صارخة "الله عالظالم يا ماما". قضية لا بد أن تصبح قضية رأي عام في زمن الانتفاضة وروح الثورة لدى اللبنانيين بكل ما هو متعلق بسلطة رجال السياسة والمال والدين.

نشرت خالة الفقيدة الفيديو الذي صورته عند زيارة الأم لقبر ابنتها، فنقلت بدقائق قليلة ظلماً وقهراً تمارسه السلطة الدينية والأبوية على النساء في عالمنا العربي بشكل عام وفي لبنان عند الطائفة الشيعية بشكل خاص. فالمحكمة الجعفرية التي تدور حول الكثير من أحكامها كثير من التساؤلات ما إذا كان هناك أملاً بالاستجابة لنداء المظلومية لدى النساء من هذه الطائفة، خصوصاً أنه من المعروف في الأحكام الدينية الجعفرية أن باب الاجتهاد موجود ويفتح الطريق لتعديل الأحكام الدينية بما يتناسب مع الوقت والقضايا.

تساؤلات عديدة تطرحها الجمعيات المتابعة لقضايا المرأة في لبنان، خصوصاً المتابعة للقضايا المعلّقة لدى النساء، اللواتي ينتظرن الأحكام التي ستصدر عن المحاكم الجعفرية في قضايا الحضانة الخاصة بهن. في السياق، بدأت حملة "حضانتي ضد المحكمة الجعفرية" التي قادتها زينة إبراهيم، بالعمل على المطالبة برفع سن الحضانة لدى المحكمة الجعفرية عام ٢٠١٢. في ذلك الوقت انضمت للحملة العديد من الأمهات المطالبات بحقوقهن واللواتي لم تنصفهن القوانين الصادرة عن المحكمة الجعفرية، وكان من ضمنهن نادين الجوني التي توفيت بحادث سير منذ خمسة أشهر تقريباً. ومنذ ذلك الوقت بدأت الحملة وعلى رأسها زينة ونادين للضغط على المحكمة والقضاة الروحيين لإحداث تغيير وتعديل على قوانينها غير العادلة بحق الأمهات. هدف الحملة الرئيسي كان وما زال رفع سن الحضانة من سنتين إلى ٧ سنوات للذكر ومن ٧ سنوات إلى ٩ سنوات للأنثى، على أن تليها حضانة مشتركة بين الأم والأب بما يضمن مصلحة الطفل حتى عمر ١٨ سنة. هناك الكثير من رجال الدين المعتدلين يدعمون مطالب الحملة ويطالبون بتعديل القوانين لضمان العدالة، وضمان استقرار الطفل، وعدم حرمانه من والدته ووالده وعدم استغلال القوانين من قبل الأب واستعمالها لدعم ذكوريته عند الانفصال. قامت الحملة بالكثير من التحركات أمام أبواب المحكمة الجعفرية منذ ذلك التاريخ إلى يومنا هذا حتى بات صوتها مسموعاً، وأصبحت تحظى بدعم اجتماعي صلب. في قضية السيدة لينا جابر، التي هزت الرأي العام اللبناني، تقول زينة إنه لم يكن هناك علاقة مباشرة للمحكمة الجعفرية، إلا أن أصل المشكلة هي قوانين المحكمة، التي لولا وجودها لم يكن طليق السيدة قادراً على فعل شيء، باعتبار أن الشرع في صفه. طليق لينا حرم ابنته من رؤية والدتها لمدة عامين، رغم أنه عند الطلاق التزم شفهياً أمام الشيخ بالسماح لها برؤية ولديها. كان وضع السيدة لينا متواضعاً، فلم تتمكن من توكيل محام ليعمل في سبيل تحصيل حقها أمام طليقها، فاستسلمت للأمر الواقع، إلى أن وقعت الفاجعة بموت ابنتها بطريقة غامضة لم تعرف حتى اليوم أسبابها.

وما كان لافتاً بل صادماً في هذه القضية بالذات أنها نقلت معاناة حقيقية لامرأة منعت حتى من وداع ابنتها للمثوى الأخير، فلم يسمح لها أن تتواجد يوم الجنازة، من ثم دفن الفتاة في ملكها الخاص وأقام حول القبر سياجا ليمنعها حتى من لمسه. وصل فجور الأب وظلمه أن حرق قلب الأم فقتل ابنته مرتين، مرة بحرمانها من أمها وهي على قيد الحياة وأخرى بحرمانها من مناجاتها بعد وفاتها.

لأجل لينا وغيرها من الأمهات اللواتي ظلمن ولم تنصفهن العدالة، تنظم الحملة تحركاً شعبياً أمام المحكمة الجعفرية نهار السبت في ٢٩ من شباط/فبراير الحالي لإعادة المطالبة برفع سن الحضانة وتعديل القوانين المجحفة الصادرة عن المحكمة.

ولفتت زينة إلى أن هناك مبادرة اصلاحية كان قد أعلنها منذ فترة رئيس المحاكم الجعفرية في لبنان الشيخ محمد كنعان في قضايا الطلاق والحضانة، بعد الضغط الذي تعرّضت له المحكمة على صعيد التحركات الشعبية، إلا أن هذه المبادرة لم ترق إلى مستوى الحل، وليست سوى محاولة فقط للالتفاف على المطالب، لأنها ليست ملزمة أساساً، وهو ما صرح به الشيخ كنعان بقوله "ما بدهن يتفقوا يصطفلوا".

تأمل الحملة أن تجمع حشداً شعبياً من النساء والرجال نهار السبت أمام أبواب المحكمة، لترفع مطالبها وتسمع صوتها لقضاة المحكمة. إن ما تعاني منه المرأة في لبنان والوطن العربي بشكل عام، هو ثقافة ذكورية في التربية أساساً، تعطي الأفضلية للرجل دائماً، بالقيادة والسيادة والفعل والأمر. وتندرج هذه الثقافة إلى الأفعال الذكورية في حالة الزواج، فيصبح الطلاق فعل انتقام أكثر منه حلاً لطرفين لم تعد الحياة الزوجية مكاناً لهما.

تنتظر نساء لبنان العديد من التعديلات، فضلاً عن عدالة متأخرة لم يحصلن عليها. فهل تسمع المحاكم الجعفرية اليوم لأصوات الأمهات بيوم غضب الأمهات كما أردن تسميته ويحصلن على مطالبهن؟ وهل تبصر هذه التعديلات النور قريباً أم إنها ستصطدم بحائط الذكورية الذي تستند إليه المحاكم الشرعية والروحية؟.

مساحة إعلانية