محليات

1446

رحلة الذنب المغفور.. من وعثاء السفر قديما إلى "مرشد الحج" حديثا

بحلول موسم الحج في كل عام تفيض الأنفس والقلوب شوقا للذهاب إلى بيت الله الحرام، لأداء فريضة الحج، لما في ذلك من متعة روحية لا تعادلها متعة أخرى، من إحساس بالقرب من الله، ومن انشغال بالله سبحانه وتعالى عن بقية الخلق جميعا، سواء كانوا أهلا أو أقارب أو عشيرة أو غير ذلك من صلات القربى.

ويصف القرآن الكريم هذه الرحلة الإيمانية المباركة في قوله تعالى: "وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق* ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير* ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق*ذلك ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه وأحلت لكم الأنعام إلا ما يتلى عليكم فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور" (الحج).

ويبدأ الحجاج رحلة الذنب المغفور والسعي المشكور بالتلبية قائلين: "لبيك اللهم لبيك"، ومعناها الاستجابة لدعوة الداعي، وهو الله سبحانه وتعالى، الذي يسر للحجيج حج بيته، وأعانهم عليه بالنفقة والاستطاعة، وهم بهذه التلبية يعلنون خروجهم امتثالا لأمر الله الذي أنعم عليهم بأجل النعم وأعظمها وهي حج بيته العتيق بمكة المكرمة، مهبط الوحي ومهوى أفئدة المسلمين في شتى أرجاء المعمورة وقبلة المسلمين ومقصد ملايين الحجاج والمعتمرين والزائرين، وأطهر بقعة على وجه الأرض.

لكن الحج قديما كان رحلة شاقة ومرهقة، فقد كان الحجاج يقطعون البوادي والصحاري والقفار، ضاربين أكباد الإبل أياما وليالي، وربما شهورا كاملة، ليصلوا إلى مكة المكرمة لأداء فريضة الحج. وكان الحاج يتجهز لهذه الرحلة قبل ثلاثة أعوام، فيبدأ بجمع المال واختيار الرفقة، وتجهيز المركب أو الراحلة والزاد. وكان ينطلق في سفره قبل الحج بشهر أو شهرين وربما ثلاثة حتى يتمكن من الوصول في الوقت المحدد، وكان سفر الحجيج يتم سيرا على الأقدام وعلى ظهور الإبل، وفي وقت لاحق بالباصات والسفن والبواخر.

وكان الحجاج يواجهون مخاطر الجوع والعطش في سفرهم ويتعرضون لبعض الكوارث الطبيعية ومن ذلك الرياح والعواصف والحر الشديد والبرد القارس والأمطار الغزيرة والسيول الجارفة، وكانوا يعبرون الصحاري ويخترقون الجبال والوديان وهم يحملون متاعهم ومأكلهم ومشربهم على الدواب، وكان بعض الحجاج وخاصة الضعفاء وكبار السن يموتون في الطريق أو في مكة نتيجة الإرهاق أو من شدة العطش.

وبسبب انعدام الأمن في بعض المسالك كانت قوافل الحجاج تستعين بحراسات مشددة في مقدمة القافلة ونهايتها، ولها طرق محددة تسلكها، وأيضا جدول زمني محدد، وكان الحاج يودع أهله وكأنه لن يعود إليهم مرة أخرى، وذلك لبعد المسافة ومشقة الطريق ومخاطرها ولهذا كانت لحظات الفراق والوداع صعبة مبللة بالدموع. وكانت المواصلات قليلة جدا والطرق وعرة غير معبدة، وكان الحاج إذا عاد سالما إلى أهله، احتفوا به وذبحوا الذبائح ليس لأنه حج فقط، بل لأنه حج وعاد سالما ولم يتعرض لأذى.

ودولة قطر، مثل باقي الأمصار الإسلامية، كابد الحجاج في الماضي وعثاء السفر، ووحشة الطريق من أجل أداء الركن الخامس للإسلام، وطلب العلم والمعرفة، والالتقاء بالأشقاء من المسلمين من كل الأقطار.

وكانت قوافل الحجيج تسلك طريق البريد أو ما كان يعرف بدرب الساعي، وفي الصيف عادة كانت القوافل تمشي ليلا لصعوبة السير نهارا تحت أشعة الشمس، وكان الحجاج يستريحون عند مواقع المياه، فيمشون ثلاثة أيام ويستريحون يوما أو يومين، وهكذا، وكانت نقطة التجمع في الأحساء، حيث يغيرون المطايا، وظل الحج على المطايا هو الوسيلة الوحيدة لأبناء قطر حتى بداية الثلاثينات من القرن العشرين، وكانت محطاته من الدوحة إلى سلوى ثم إلى الهفوف، ثم الأحساء، ثم الرياض، ثم مكة، والعودة من الطريق نفسه.

وكانت تكلفة رحلة الحج بالسيارات خلال أربعينات القرن الماضي حوالي مائة ريال تقريبا، ويقوم صاحب السيارة بحمل الحجاج في سيارة تسمى لوري "Laurie"، وعادة ما تكون من طابقين، ويخصص الطابق الأعلى للرجال، والطابق الأسفل للنساء.

وكان بعض المودعين يصاحب الحجيج حتى نقطة التفتيش، عند الحدود بين دولة قطر والمملكة العربية السعودية، وعندما يعبر الحجيج الحدود يعود المودعون إلى الدوحة. وفي "أبو سمرة" تقوم السلطات السعودية بالتحقق من شخصيات الحجيج وبطاقات التطعيم الصحي، كما تقوم بتفتيش الحجيج، إلا النساء لا يفتشن تكريما لهن، كما كن يحملن تصاريح سفر، لكنها كانت تخلو من صورهن، حيث كان يكتب مكان الصورة /محجبة/، وظل هذا معمولا به إلى أوائل الثمانينات من القرن الماضي.

وكان أصحاب حملات الحج القطرية على دراية بأنسب الطرق المؤدية للأماكن المقدسة، وعادة ما يكون توفر آبار المياه والكلأ في الطريق من أهم المسائل التي يفضلونها، ويختارون الطرق التي تتوفر فيها بكثرة، فضلا عن توفر الأمن فيها، وكانت الاستراحات تنتشر على الطريق لتقدم للحجيج الطعام والشراب وبعض الخدمات التي يحتاجونها.

لكن الحج في عصرنا الحاضر أصبح سهلا وميسورا، وتلاشت صور المشقة وحكايات المعاناة في هذه الرحلة في الماضي، فالإنسان مهما بعدت به المسافات، يستطيع حاليا، خلال ساعات معدودة أن يصل إلى مكة بالطائرات والعبارات والسفن البحرية والحافلات والسيارات على أنواعها المختلفة، والمجهزة بأفضل سبل الراحة والأمان.

ولم يعد الحاج بحاجة لحمل الكثير من الطعام والشراب معه في رحلته إلى البيت الحرام، حيث المطاعم والفنادق والاستراحات متوافرة بكثرة في كل محطة من محطات الرحلة، أما السكن المريح والمكيف والمجهز بكافة متطلبات المعيشة في الديار المقدسة، فقد أصبح أمرا تأمينه من أبسط الأشياء، حيث تتولى حملات الحج توفير هذه الخدمة وفق رغبة الحاج وإمكانياته المادية، كما توفر حملات الحج كل متطلبات السفر والتنقل في المشاعر المقدسة، ولم يعد الحاج منقطعا أو بعيدا عن أهله وذويه في بلاده، وذلك بسبب تقدم وسائل الاتصال وتوفرها بيسر وبساطة عبر الهواتف الذكية التي تتيح الاتصال مع الأهل وذوي القربي بالصوت والصورة على مدار الساعة، وبات الحاج يتواصل مع ذويه عبر وسائل اتصال مباشرة، بدلا من رسائل البريد التي كانت تصل متأخرة أو لا تصل أبدا، كما باتت التطبيقات الحديثة في الهواتف الذكية من الوسائل الفعالة التي تجعل رحلة الحاج وتنقله وتواصله مع الآخرين في غاية البساطة واليسر، فضلا عما تقدمه هذه التطبيقات من معلومات وإرشادات دينية وصحية للحجيج لأداء مناسكهم على الوجه الأكمل.

وأصبح التنقل بين المشاعر يتم بوسائل النقل الحديثة، ولم يعد الطواف والسعي ورمي الجمرات، بتلك المشقة التي كانت خلال القرن الماضي، خاصة بعد توسعة المسجد الحرام ومشروع تطوير جسر الجمرات والاهتمام بالأنفاق وتنقل الحجاج بين المشاعر المقدسة بالقطار، فقد شهدت خطط النقل والتصعيد للمشاعر المقدسة نقلة كبرى، بدءا من زيادة أعداد الحافلات، مرورا بتحديثها، ليعقبها إنشاء خط حديدي بالمشاعر المقدسة "قطار المشاعر"، الذي أسهم في القضاء على ظاهرة الاختناقات المرورية بمسار يمتد لـ18 كيلو مترا، وارتفاع عن سطح الأرض قدر بنحو 10 أمتار وذلك لمنع تسببه في عرقلة حركة المشاة أو السيارات التي تنقل الحجاج، بينما تبلغ الطاقة الاستيعابية للقطار بشكل عام 72 ألف حاج في الاتجاه الواحد في الساعة.

وكان جسر الجمرات يشكل هاجسا لدى الحجيج، وكانت النساء وكبار السن يوكلون آخرين بالرمي عنهم لصعوبة الوصول إلى الجمرات، عكس الوضع الحالي، فالتغير الذي طرأ على جسر الجمرات كبير، وبات الرمي في هذا الوقت، في غاية السهولة.

ولم تدخر المملكة العربية السعودية جهدا في تيسير كل شيء على الحجيج، وبذلت كل ما في وسعها للارتقاء بالخدمات المختلفة الرامية إلى خدمة ضيوف الرحمن، والحفاظ على أمن الحجاج، وتقديم ما يمكن لهم من الخدمات الصحية والرعاية والتنظيم والأمن والأمان وتوفير كافة المرافق التي يحتاجها الحاج في رحلته وتهيئة الحرم المكي من حيث المكيفات والسجاد والمياه والمرافق المختلفة لخدمة ضيوف الرحمن، الأمر الذي جعل فريضة الحج سهلة وممتعة من الممكن أن تقضى بيسر خلال أربعة أيام فقط.

ومنذ عام 1957 كانت "دائرة الخدمات الطبية والصحة العامة القطرية" آنذاك ترسل بعثة طبية إلى الأراضي المقدسة أثناء موسم الحج كل عام، لتشارك بقية الدول الإسلامية مجهودها في توفير الرعاية الطبية الكاملة لحجاج بيت الله الحرام.

وقد عملت دولة قطر بكل ما في وسعها من أجل ضمان راحة الحجاج، ففي سبعينات القرن الماضي، تم تنظيم عمل المقاولين /أصحاب الحملات/، وقامت البعثة في السبعينات بنظام جديد يتعلق بشؤون الحج وتوحيد أسعار المقاولين، ثم تسجيل الحجاج في مقر البعثة، كما أشرفت على تجهيز السكن من قبل المقاول بالماء والكهرباء، وأن يكون المبنى سليما وصحيا ومناسبا، وأن يكون به أكثر من دورة مياه، كما اشترطت على المقاولين أيضا رفع علم قطر على كل سكن الحجاج القطريين، مما يسهل عليهم التزاور للاطمئنان على بعضهم البعض.

كما اهتمت الدولة بالحجاج، وطمأنة أهلهم وذويهم عليهم، فمع افتتاح إذاعة قطر، كانت ترسل مراسلا مع بعثة الحج ليقوم بنقل أخبار الحجاج، ويسجل معهم ليرسلوا رسائلهم إلى أهليهم لطمأنتهم على أحوالهم وأوضاعهم، وفيما بعد لحق التلفزيون بالبعثة، وكذلك وسائل الإعلام الأخرى، لتنقل أخبار الحج والحجاج.

ومع انطلاق موسم حج هذا العام، دعت مؤسسة الرعاية الصحية الأولية التابعة لمؤسسة حمد الطبية، حجاج بيت الله الحرام بدولة قطر لا سيما كبار السن، إلى ضرورة أخذ التطعيمات المطلوبة قبل السفر إلى الأراضي المقدسة، ويرأس سعادة السيد غانم بن شاهين الغانم وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، بعثة الحج القطرية لموسم الحج لهذا العام، وتعمل البعثة من خلال مقرها الجديد هذا الموسم في منطقة /حي النسيم/ بمكة المكرمة، وتقوم من خلال الوحدات المساندة واللجان التابعة لها، بتقديم خدمات متعددة ومتميزة لحجاج دولة قطر، لتمكينهم من أداء مناسكهم في أفضل الظروف الممكنة، وأداء فريضة الحج بيسر وسهولة.

وقد اكتمل وصول جميع أعضاء الوحدة الطبية المرافقة لبعثة الحج القطرية للموسم الحالي إلى مكة المكرمة، ويضم الكادر الطبي 34 فردا من أمهر الأطباء والممرضين والمسعفين والصيادلة، وذلك لتقديم رعاية طبية شاملة لحجاج دولة قطر خلال تواجدهم في مقار سكنهم بمكة المكرمة، وأثناء أدائهم لمناسكهم في المشاعر المقدسة، في منى وعرفة ومزدلفة، وحتى عودتهم سالمين إلى أرض الوطن بعد أداء فريضة الركن الخامس.

وأطلقت وحدة نظم المعلومات ببعثة الحج القطرية النسخة المطورة من تطبيق /مرشد الحج/ بحلة جديدة وخدمات إضافية ومزايا متعددة، وهو تطبيق موجه خصيصا لحجاج دولة قطر، ويحتوي على معلومات وإرشادات توعوية مهمة تعين كل حاج على أداء فريضته، وتجعل رحلته للحج ميسرة وممتعة، وتساعده على إتمام المناسك بسهولة ويسر.

وكانت مظاهر استقبال الحجاج في الماضي تعبر عن الفرحة بإتمام هذا النسك والشكر لله على سلامة العودة بعد أداء الفريضة، فكان الأهالي يرفعون الأعلام في بيوتهم، ليخبروا الناس بأن صاحب هذا البيت في الحج، ومن ثم يترقبون وصوله للسلام عليه وتهنئته بالعودة سالما، وكانت الهدايا التي يحملها الحجاج بعد إتمام حجهم تتكون من ماء زمزم، والمساويك، والأقمشة والمسابيح وسجاجيد الصلاة، وألعاب الأطفال وغيرها.

وجرت العادة أن يرفع الحاج، علم البلاد الرسمي فوق بيته، ويقيم وليمة بمناسبة عودته إلى قطر بالسلامة، وكذلك كان أهل الحي والجيران يشاركون الحاج فرحة العودة، ويرفعون على منازلهم الأعلام، ويبادرون بتهنئته، ويتناوبون على إقامة الولائم، تكريما له وابتهاجا بعودته سالما إلى أرض الوطن.

اقرأ المزيد

وزارة الداخلية تقدم 6 نصائح للمخيمين

نصحت وزارة الداخلية المخيمين بالتقيد بإجراءات السلامة اللازمة أثناء التخييم تجنباً لوقوع أي حوادث قد يتعرضون لها خلال... اقرأ المزيد

84

| 17 أكتوبر 2025

الأرصاد الجوية تحذر من رؤية أفقية متدنية على بعض مناطق الساحل الليلة

حذرت إدارة الأرصاد الجوية من رؤية أفقية متدنية متوقعة على بعض مناطق الساحل لاحقا. وتوقعت أن يكون الطقس... اقرأ المزيد

102

| 17 أكتوبر 2025

لولوة الخاطر: هذا ليس هو الموقف الأول للكابتن حسن الهيدوس 

أشادت سعادة السيدة لولوة بنت راشد بن محمد الخاطر، وزيرة التربية والتعليم والتعليم العالي بتصريحات قائد منتخبنا الوطني... اقرأ المزيد

1048

| 17 أكتوبر 2025