رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

عربي ودولي

1327

ماذا وراء زيارة مدير الـ"سي آي أيه" إلى ليبيا؟

21 يناير 2023 , 07:00ص
alsharq
بيرنز خلال لقائه مع الدبيبة
إسطنبول - الأناضول

تعطي زيارة مدير المخابرات الأمريكية وليامز بيرنز إلى ليبيا منتصف يناير الجاري، ولقاؤه رئيس حكومة الوحدة عبد الحميد الدبيبة، وقائد قوات الشرق خليفة حفتر، مؤشرات إلى تحول الملف الليبي من مسألة دبلوماسية إلى قضية أمنية بالنسبة لواشنطن.

إذ لم يسبق وأن زار مسؤول أمريكي بهذا المستوى ليبيا منذ ديسمبر 2011، عندما التقى وزير الدفاع الأمريكي ليون بانيتا، رئيس الحكومة المؤقتة برئاسة الراحل عبد الرحيم الكيب، ووزير دفاعه حينها أسامة الجويلي (قائد كتائب الزنتان حاليا)، بعد نحو شهرين من مقتل معمر القذافي، وسقوط نظامه.

ويعد وليامز بيرنز من الشخصيات الأمريكية المخضرمة التي تعرف ليبيا جيدا، فهو عراب إنهاء المشروع النووي الليبي الذي تخلى عنه القذافي طواعية بعد الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، حيث كان بيرنز أول مسؤول أمريكي يزور ليبيا بعد عودة العلاقات في 2004، كما زارها في 2014، بصفته مساعدا لوزير الخارجية لشؤون الشرق الأوسط.

وهذه الزيارة الرسمية الثالثة له إلى ليبيا، لكن، هذه المرة، بصفته مديرا للاستخبارات الأمريكية التي تولاها في مارس 2021.

 

 توقيت مدروس

وتمثل زيارة بيرنز في حد ذاتها حدثا يستحق التوقف عنده، رغم أنه لم يرشح عنها الكثير، ولكنها جاء بعد أحداث مهمة تعكس عودة البلاد إلى دائرة الاهتمام الأمريكي. ولعل أبرز هذه الأحداث هي القمة الأمريكية الإفريقية التي عقدت قبل شهر من زيارة بيرنز إلى ليبيا، وأعلنت واشنطن خلالها عن تخصيص 55 مليار دولار لإفريقيا لتقويض النفوذ الروسي والصيني في القارة السمراء.

ويثير سقوط مدينة سوليدار الأوكرانية القريبة من باخموت (شرق) في يد عناصر شركة فاغنر الروسية بعد أيام من القتال العنيف، قلق واشنطن أكثر من الدور الذي يمكنه أن تلعبه هذه الشركة الأمنية في ليبيا، قرب الخاصرة الجنوبية لحلف شمال الأطلسي (الناتو).

كما أن الزيارة جاءت بعد شهر من تسليم حكومة الوحدة الليبية مواطنها أبو عجيلة المريمي، المتهم بتصنيع القنبلة التي استخدمت في تفجير الطائرة الأمريكية فوق بلدة لوكربي الأسكتلندية عام 1988، وما أثير حول التسليم من انتقادات داخلية لحكومة الدبيبة، ناهيك عن إعلان الولايات المتحدة وحلفائها عن ضرورة البحث عن "آليات بديلة" في حال فشل مجلسا النواب والدولة الليبيان في الاتفاق على قاعدة دستورية، وهو ما قد يدفع واشنطن للتحرك نحو إيجاد خيارات بديلة.

القوى الفاعلة

ويبدو أن تجنب مدير المخابرات الأمريكية لقاء كل من رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، ورئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري، يتضمن إشارة إلى احتمال توجه واشنطن نحو تهميش الرجلين، وتحميلهما مسؤولية عدم الاتفاق على قاعدة دستورية تفضي إلى انتخابات رئاسية وبرلمانية متزامنة، حيث اقتصر لقاء بيرنز على شخصيتين رئيسيتين في المشهد الليبي الحالي، أولها الدبيبة، بصفته رئيس الحكومة التي تملك الاعتراف الدولي، والمدعومة من أبرز الكتائب الأمنية في المنطقة الغربية والمسيطر الفعلي على العاصمة طرابلس وعلى ميزانية الدولة ومؤسساتها السيادية، وبالأخص البنك المركزي ومؤسسة النفط.

أما الشخصية الثانية، فهو خليفة حفتر، الذي تسيطر قواته فعليا على المنطقتين الشرقية والغربية، وتمكن من إخضاع مختلف الكتائب والمليشيات والجماعات المناوئة له، والتخلص من القيادات المتمردة على سلطته.

وعلى عكس ظهوره الرسمي مع الدبيبة وعدد من المسؤولين الليبيين، إلا أن بيرنز تجنب أي إعلان أو ظهوره في صورة مشتركة مع حفترن ما أعطى انطباعا أن واشنطن لا تعترف بشرعية حفتر "كقائد عام للجيش الوطني الليبي"، لكنها تقر به كأمر واقع في المنطقتين الشرقية والغربية.

وسبقت زيارة بيرنز، توجه وفد من قادة كتائب المنطقة الغربية إلى الأردن بالتزامن مع توجه صدام حفتر، نجل قائد قوات الشرق إلى البلد ذاته.

وكان هناك تسريبات عن لقائهم بممثلين عن وكالة الاستخبارات الأمريكية لبحث أمرين، تأمين زيارة بيرنز إلى طرابلس وبنغازي، وبحث إمكانية الوصول إلى تفاهمات بين الطرفين، وفق وسائل إعلام محلية وأجنبية.

 

 النفط وفاغنر والانتخابات

وبالرغم من انه لم يصدر عن الاستخبارات الأمريكية أي بيان عن نتائج زيارة بيرنز إلى ليبيا، لكن وزيرة الخارجية الليبية نجلاء المنقوش، تحدثت في تغريدة أن اللقاء في طرابلس شهد "تبادلا مثمرا في الآراء بشأن قضايا تتعلق بالأمن، وبتمهيد الطريق صوب الاستقرار وإجراء الانتخابات في ليبيا". بينما أفاد بيان لحكومة الوحدة، أن بيرنز، أكد خلال اللقاء على "ضرورة تطوير التعاون الاقتصادي والأمني بين البلدين".

غير أن صحيفة "بوليتيكو" الأمريكية، كانت أكثر وضوحا عندما كشفت أن بيرنز بحث مع الليبيين قضايا مكافحة الإرهاب، وإنتاج النفط والغاز، وكذلك العلاقات مع روسيا، وأنشطة فاغنر في ليبيا، حيث لا تزال مكافحة الجماعات الإرهابية أولوية أمريكية، رغم تراجعه أمام التهديد الصيني والروسي.

كما تركز واشنطن على ليبيا ضمن رؤية أشمل في صراعها مع روسيا، خاصة في الحرب الأوكرانية وتداعياتها على أمن الطاقة العالمي.

وليبيا أصبحت قطعة أساسية ضمن لعبة الشطرنج التي طرفاها واشنطن وموسكو، نظرا لتواجد فاغنر بها، وامتلاكها لأحد أكبر احتياطيات النفط والغاز في إفريقيا.

ومصلحة واشنطن أن لا يؤدي انهيار العملية السياسية في ليبيا إلى اندلاع حرب جديدة تكون فاغنر طرفا فاعلا فيها، وأن يستمر تدفق النفط والغاز الليبيين حتى لا يعمق أزمة الطاقة في أوروبا، مع تراجع إمدادات الطاقة الروسية خاصة بعد قرار تسقيف أسعارها.

فالإنتاج الليبي من النفط تجاوز سقف 1.2 مليون برميل يوميا متفوقا على الجزائر، وأحيانا حتى على نيجيريا أكبر منتج للنفط في إفريقيا بعد تراجع إنتاجها لأسباب أمنية.

وتخشى واشنطن أن تستخدم روسيا فاغنر لقفل الحقول والموانئ النفطية الليبية لزيادة الضغط على أوروبا، وأيضا لتجنيد مقاتلين ليبيين في صفوفها للقتال في أوكرانيا، فالضغط الأمريكي لا يشمل ليبيا فقط بل أيضا دولا أخرى تنشط بها فاغنر في تجنيد المرتزقة على غرار صربيا، التي ندد رئيسها ألكسندر فوتشيتش، علنا بهذا النشاط.

وتأتي الانتخابات الليبية تاليا، إذ ليس من المستبعد أن يسعى بيرنز إلى تقريب وجهات النظر بين الدبيبة وحفتر لتشكيل حكومة مشتركة تشرف على الانتخابات، بعيدا عن أي دور للبرلمان بغرفتيه.

ولا يستبعد أن تكون هناك طبخة أمريكية يجري التحضير لها في سرية شديدة، تضمن استمرار وقف إطلاق النار وتدفق النفط والغاز، وإنهاء نشاط فاغنر وتشكيل سلطة تنفيذية تسيطر على كامل ليبيا وقادرة على إجراء الانتخابات وتأمينها.

مساحة إعلانية