تقارير وحوارات

1335

الصين تنين مسالم امتلك التكنولوجيا العالمية ويتطلع لشراكة عربية

لم يكن اختيار الصينيين التنين رمزا في حياتهم محض صدفة ، هذا الكائن الخرافي الذي نسجته أساطير قديمة ربما يثير الرعب خارج الصين لكنه ليس كذلك عند الشعب الصيني الذي يفوق عدد سكانه المليار و300 مليون نسمة .

ورغم التنافس الظاهري بين بكين وواشنطن لكن التنين لم يستجب لمحاولات شيطنته بالعداء مع الولايات المتحدة الامريكية ، فهو يعتبرها بكل بساطة البلد الاقوى في العالم حتى من التنين ، وعندما يتطرق الحديث مع أي مسؤول صيني عن الولايات المتحدة الامريكية لايقول التنين كل شيء ويطرق قبل ألا يتكلم، وإن كان يمتعض وينقبض من التدخل الامريكي في شؤون الدول ، خاصة دول الشرق الاوسط .

كما لم يستجب لمحاولات شيطنته طائفيا ودينيا بالتأكيد على احترام الصين لكل الديانات خاصة الاسلام والتشديد على الحرية المطلقة للمسلمين الصين في اقامة شعائرهم واحترام تعاليم الاسلام بشكل كامل ، واختبر أحد أعضاء وفد الاعلاميين العرب الزائر للصين ، ذلك عمليا بالوقوف وأداء الصلاة في صالة أحد المطارات دون ان يقابل ذلك بأي امتعاض او ضيق .

وزارة الخارجية الصينية نظمت رحلة لمجموعة من الصحفيين الدبلوماسيين بعدة صحف عربية بينها " الشرق " زار خلالها وفد الصحفيين العاصمة بكين ، وان كان اهل الصين ينطقونها بيجين ، لكن اللكنة الانجليزية استقرت على نطقها بكين وساد الاسم عربياً وصادفت الزيارة هطول الثلج لأول مرة منذ 30 عاما على العاصمة والمدن الشمالية والشرقية في الصين فكان فأل خير استبشر به الصينيون لمزيد من الرخاء والنماء لعلاقات الجانبين .

جاء تنظيم الرحلة تعزيزا للعلاقات العربية الصينية التي شهدت الدوحة منتصف الشهر الماضي إحدى محطاتها باستضافة الدورة السادسة لندوة العلاقات الصينية العربية والحوار بين الحضارتين ، مايعكس حرصا مشتركا على تعزيز العلاقات والبحث عن سبل لتعميق التعاون بين الجانبين وإن كان الجانب الصيني يفضل لو تعامل معه العرب جملة واحدة وليس دولا شتى ، فالعملاق الصيني يرهقه التعامل مع الكيانات الصغيرة .

هذا التشتت العربي بدا واضحا حتى في أسئلة الصحفيين للمسؤولين ، فكلما أراد المسؤول تعميم نطاق الحوار كعرب وصينيين ، يشده الصحفيون بأسئلة قُطرية عن علاقات ثنائية كل بين أقطارهم والصين ، ويضطر المسؤول لتكرار الحرص على تعزيز التعاون بين الصين ودولة صاحب السؤال وانتقاء اجابات ترضي السائل كلا حسب دولته ، فالصين تريد العالم العربي كتلة واحدة بلغة واحدة واقتصاد واحد .

ورشة عمل قارية

خلاصة مايخرج به الزائر للصين والمطلع على ورشة العمل القارية في الصين الشعبية يدرك بوضوح أن ذلك الزمن لم يعد زمن الرجل الابيض وأن أيام الرجل الاصفر تبشر بالقدوم وبصحوة للتنين ، فالصين تتربع على عرش التكنولوجيا من الابرة للصاروخ مرورا بالقطار الطلقة الفائق السرعة والبيوت الجاهزة والاجهزة الالكترونية والصناعات الثقيلة ، ومئات الآلاف من المجالات التي باتت التكنولوجيا تتحكم في انتاجها وبأيدي عاملة أرخص مئات المرات مما هو في دول أخرى مايجعل الشراكة مع الصين على طريقة ( رابح - رابح ) فمع الصين لايوجد خاسر ، ولن تتبخر الاستثمارات مثلما حدث ويحدث في الخارج بفعل "الرجل الابيض " الذي يترقب منذ مصافحته لك للاتفاق على استثمارات واعدة لحظة ابتلاع أموالك !!

ورغم أن الصين تشكل 22% من عدد سكان العالم الا ان الزائر لها يكاد يقتنع انها العالم ففي كل بيت في العالم تجد جهازا او اداة او قطعة اثاث او ملابس " made in China " صنع في الصين .

لماذا الآن ؟

تدافعت الى الذهن العربي أسئلة لماذا الآن ، ولماذا يحرص الصينيون على التقارب العربي الان وهل هم في حاجة الى مزيد من التقارب ومعظم مافي بيوتنا وخزائننا من الصين ؟!

ماخرجنا به من لقاءاتنا مع المسؤولين ان الصين تريد ان تتكلم الان ، تريد الا ينفرد الاعلام الغربي بصناعة الخبر وبإدارة الازمات اعلاميا وبالسيطرة الاعلامية التي لم يعد الرجل الابيض يستحقها فالزمن لم يعد زمانه ومن يسد اقتصاديا وصناعيا يستحق ان يكون له صوت مسموع .

ماحدث في بلدان " الربيع العربي" أمر يتوقف عنده الصينيون كثيرا من اعلاميين ومسؤولين . فعند الصينيين لم تجلب الثورات ماوعدت به من ديمقراطية ولا يرون الا الفوضى والتقاتل المبدد لمقدرات الشعوب ، وتسمع انتقادات للتدخلات الغربية لكن في النهاية تجد الاجابة الدبلوماسية الصين لاتتدخل في الشؤون الداخلية للبلدان وتترك للشعوب تقرير مصيرها بنفسها .

تعددية لاهيمنة

استهل الوفد الاعلامي لقاءاته في بكين مع وانج شي نينج نائب مدير ادارة الاعلام بوزارة الخارجية والذي تحدث عن قوة ومتنانة العلاقات العربية الصينية مبديا ملاحظة على استقاء الصحف والفضائيات العربية للأخبار من وسائل اعلام غربية أكد أنها لاتنقل الصورة كما هي خصوصا تجاه مايحدث في الصين حيث تنقل الاخبار من زاوية خاصة تخدم وجهة النظر المناوئة للصين .

وتأمل الصين إنهاء احتكار امريكا لحق الناطق الرسمي لأحداث العالم فوسائل الاعلام الغربية هي التي تغطي الاحداث ايا كان موقعها وما تأمله الصين ان يتم نقل التغطية من دول الاحداث وليس من الفضائيات الغربية كما تأمل في زيادة التقارب مع العرب عن طريق تبادل الوفود والخبرات وان ينتهي دور الوسيط الغربي بين الصين والعرب.

ويرى وانج شي نينج ان الازمة المالية العالمية عام 2008 كانت نموذجا للهيمنة الامريكية على العالم فالصين كانت الدولة الوحيدة التي احتفظت بتنمية اقتصادية مرتفعة ابان الازمة المالية وقدمت مساهمات ساعدت العالم في التعافي من الازمة المالية ، ويؤكد ان من المهم ان تنتهي تلك الهيمنة الا نعتمد دائما المعايير الغربية في التحكم بآلية السوق فأحيانا تكون قراراتهم غير عادلة تجاه الصين .

شي نينج دعا الى مزيد من التقارب العربي الصيني والتعرف على الظروف الاقتصادية والاجتماعية والتطورات في الصين عن قرب بعيدا عن المعايير الغربية ، مؤكدا ان الصين لم تتأثر بالازمة المالية العالمية عام 2008 وواصلت تحقيق معدلات نمو سنوية مستقرة وأسهمت في نمو الاقتصاد العالمي بما لديها من شركات مملوكة للدولة وشركات خاصة وتفعيل دور السوق حيث تتولى الحكومة كل مايتعلق بالخدمات المرتبطة بحياة المواطن كالكهرباء والنقل والطاقة . وتفسح المجال للشركات المتوسطة والصغيرة للعمل في قطاع الانتاج والخدمات والمعلومات .

وقال ان الصين ورغم انها حققت معدلات نمو تجاوزت 10 % سنويا لكنها تسعى لتحويل نمط التنمية الاقتصادية من اقتصاد يعتمد على الاستثمار الى اقتصاد يهتم بتطوير صناعة الخدمات ذات الاستهلاك المنخفض والانبعاثات الكربوينة المنخفضة للحفاظ على البيئة .

التنين المسالم

لكن التنين لايقول كل شيء فعندما طرح سؤال عن مدى رؤية الصين للهيمنة الامريكية على العالم وللاحتكار الامريكي والغربي للمعلومات وتدفق الاعلام كانت الاجابة دائما هي ان الولايات المتحدة قوة عظمى وهناك اهمية لهذه القوة ، لكن من الافضل ان تسود التعددية في العالم ، فالصين تعتمد على سياسة المسالمة وعدم التصادم وتنتهج الدبلوماسية ففي مقابل سعي امريكا لإثارة خوف جيران الصين تؤكد الصين دائما على مبدأ الحوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية فهي دائما التنين المسالم ، وهذا مااكده السيد دينج لي مدير ادارة غرب آسيا وشمال افريقيا في وزارة الخارجية الصينية الذي تجنب لغة المواجهة مع الولايات المتحدة خاصة تجاه قضايا الشرق الاوسط وان أدان التدخل في الشؤون الداخلية للعالم العربي حتى وان كان بدعوى مساعدة شعوب المنطقة في تحقيق الديمقراطية وهي الكلمة التي لاتروق كثيرا للصينيين دولة الحزب الواحد المزدهرة اقتصاديا بإجماع الدول الرأسمالية والاشتراكية على السواء .

وأكد دينج لي رفض الصين التدخل في شؤون الدول الاخرى ورفض ازدواجية المعايير ، وان هذا كان منطلقها في عدم المشاركة في العمليات الحربية ضد تنظيم داعش فهي وان كانت ترفض الارهاب وربطه بالاسلام ، لكنها لن تشارك في التحالف الدولي لضرب التنظيم سواء في العراق او سوريا او ليبيا .

وشدد على ان الصين تدعم توحد المجتمع الدولي وتحركه ضد الإرهاب، بما يتوافق مع القانون الدولي، وضمن إطار الأمم المتحدة .

مشيرا إلى أن العمليات العسكرية ضد الإرهاب ستكون خطوة مهمة نحو حل الأزمة السورية، داعيا إلى إيجاد حل سياسي عاجل لهذه الأزمة .

حوار حضاري

دينج لي اكد اهمية التعاون العربي الصيني منوها الى استضافة الدوحة مؤخرا الدورة السادسة لندوة العلاقات العربية الصينية والحوار بين الحضارتين وما شهدته من نقاشات لتعزيز علاقات الجانبين ، معربا عن امله في تسريع خطى التعاون التجاري والصناعي باقامة مراكز لنقل التكنولوجيا الى العالم العربي.

ولم يفت دينج لي الاشارة الى تزامن زيارة الوفد الاعلامي العربي مع سقوط الثلج على بكين والمدن الصينية لأول مرة بهذه الكثافة منذ نحو 30 عاما وان هذا فأل خير على العلاقات العربية الصينية مؤكدا انها شهدت تطوراً كبيراً في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والتعليمية والثقافية وأصبحت واحدة من أفضل العلاقات الخارجية الصينية ومن أكثرها استقراراً ونمواً وإيجابية.

وقال اننا نتمنى من أصدقائنا العرب الاستفادة من تجاربنا عبر الآليات العديدة التي انشأناها معا ومنها منتدى التعاون العربي الصيني كما نأمل من الحكومات تسريع عملية التصنيع في الدول العربية بالاستعانة بالخبرات الصينية . ونوه بأهمية التعاون القطري - الصيني خاصة في مجالات الطاقة والاقتصاد والتجارة لافتا الى ان قطر تعد محطة مهمة في التوجه الصيني نحو افريقيا والشرق الاوسط كما تهتم الصين بقطر كشريك استراتيجي وكدولة خليجية انطلاقا من حرصها على امن الخليج .

الجولات التي قام بها الوفد الاعلامي العربي عكست الاهتمام الصيني بتعزيز العلاقات مع العالم العربي سواء عبر الاعلام حيث زار الوفد صحيفة الشعب اليومية التي توزع 3 ملايين و160 الف نسخة يومية ومقر موقعها الالكتروني حيث يزوره 100 مليون متصفح يوميا وتحرص الصحيفة على التواصل مع العالم العربي حيث أضيفت اللغة العربية كإحى لغات الموقع ويتم اضافة اخبار من العالم العربي على الموقع بصفة دائمة .

كما زار الوفد مجمع التلفزيون الصيني " CCT " الذي يضم اكثر من 40 فضائية بينها قناة الصين العربية والتي انشئت عام 2009 وتبث 24 ساعة وفازت بجوائز في مهرجانات عربية للاذاعة والتلفزيون بسبب جهودها في إحداث التقارب العربي الصيني وحرصها على توسيع نطاق انتشارها في العالم العربي .

انفتاح حذر

في الصين تلمس الانفتاح الاقتصادي والتطور التكنولوجي المذهل من صناعة الهاتف الجوال الى قطار الصين السريع مرورا بالطائرات بدون طيار والسيارات الكهربائية الفارهة ، لكنه انفتاح حذر ، ففي الصين لايمكن الوصول الى جوجل او الفيسبوك ، وأن كان بالامكان استخدام تطبيق " واتس اب " لكنه تطبيق لايستخدمه الصينيون ويعتمدون على تطبيقات اخرى باللغة الصينية يفوق مستخدميها عدد مستخدمي الواتس اب كما ان شبكة الاعلام تعتمد على الاعلام المحلي بشكل كبير وهو سوق كبير يغذي مليارا و300 مليون نسمة .

لم يعد زمن الرجل الابيض

الجولة في الصين عكست أننا أمام معجزة صناعية وقاعدة تكنولوجية جعلت من الصين مصنع العالم بلا منازع ، فحجم التحولات التنموية والاقتصادية التي نجح الصينيون في إنجازها يعجز المرء عن استيعابه سواء المرافق العامة، الطرق السريعة، الأنفاق، وسائل النقل العام، البنى التحتية، الأبراج، المجمّعات السكنية والحدائق وغيرها

وهو مالمسه الوفد العربي في زياراته سواء في بكين او في غينداو او في شين جين ، حيث المدن الصناعية العملاقة التي تساهم فيها استثمارات عربية وخليجية ضمن اكثر من 50 ألف شركة أجنبية برأسمال يفوق 110 مليارات دولار . لكن ليس للدول العربية منها اكثر من 10 مليارات دولار تتصدرها الامارات باستثمارات تصل الى 4,3 مليار دولار . خلاصة الرحلة ان الصين تفتح أبوابها لرؤوس الاموال العربية حيث الاستثمار الآمن بعيدا عن مزاجية " الرجل الابيض " وتسعى لكسر احتكار الاعلام بعيدا عن رؤية " الرجل الابيض " مثلما نجحت في كسر احتكاره للتكنولوجيا ، فمن وجهة نظر الصين لم يعد العالم ملكا للرجل الابيض وهذا مايؤمن به 1,3 مليار من البشر تحولوا من جوعى الى حالمين في أقل من نصف قرن وصولا الى صين مزدهرة وقوية في ظل نظام الحزب الواحد لكنه نظام سياسي قوي يحكمه نضح حضاري .

اقرأ المزيد

مشاريع الطاقة الشمسية في قطر.. طاقة خضراء في أعماق الصحراء

في ظل العديد من التحديات العالمية المتصلة بالتغيرات المناخية، يبقى البحث عن مصادر جديدة لطاقة نظيفة ومستدامة مسعى... اقرأ المزيد

232

| 28 يوليو 2025

منها البطارية والزيت.. 6 نصائح ذهبية للحفاظ على سلامة سيارتك في فصل الصيف

مع ارتفاع درجات الحرارة في فصل الصيف بشكل متزايد، تتعرض السيارات لضغوط تضاعف من خطر تعطلها، مما يتطلب... اقرأ المزيد

2818

| 06 يوليو 2025

للمسافرين.. تعرف على الوقت المناسب لحجز أرخص تذاكر الطيران

مع بدء موسم إجازات المدارس والسفر لقضاء العطلات الصيفية يزداد البحث عن أرخص تذاكر الطيران لتقليل التكلفة خاصة... اقرأ المزيد

6096

| 05 يوليو 2025