رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

عربي ودولي

1058

غزة تحاكي أكتوبر 73 وتنفض العدو عن ثيابها

09 أكتوبر 2023 , 07:00ص
alsharq
غزة - محمد الرنتيسي

تعيد أجواء العدوان المستمر على قطاع غزة، في إطار الرد الإسرائيلي على عملية «طوفان الأقصى» إلى أذهان الفلسطينيين، المجازر الوحشية البشعة، التي ارتكبتها عصابات الاحتلال بحقهم، بدءاً من دير ياسين، مروراً بقبيا وكفر قاسم وصبرا وشاتيلا، ووصولاً إلى مجازر اليوم التي تتجدد كل حين، في جنين ونابلس وطولكرم وأريحا، والقدس المحتلة، وغزة، كابوس الاحتلال المرعب.

لكن الملحمة البطولية التي سطرتها المقاومة الفلسطينية، في معركتها الحالية مع الاحتلال، مسحت آلام العدوان، التي بدأت منذ عام 1948، وباتت تنتظر الحلم المجيد والفجر التليد، بكنس الاحتلال عن الأرض الفلسطينية ومقدساتها.

في معركة «طوفان الأقصى» أثبتت المقاومة الفلسطينية، أن ما كان مقبولاً بالأمس، لم يعد كذلك اليوم، وأن فجر الخلاص والانعتاق من قبضة المحتل، بدأ يلوح في الأفق، إذ وضعت الأحداث الأخيرة الفلسطينيين أمام تباشير فجر جديد، فعلى حين غرة، تسلل المقاتلون من غزة، إلى قلب الكيان الصهيوني، براً وبحراً وجواً، ولم تعش دولة الاحتلال هكذا أجواء، منذ خمسة عقود.ويرتقي مستوى الإجرام الإسرائيلي الذي تجلى أخيراً في القدس والمسجد الأقصى المبارك، وجنين ونابلس وطولكرم، وما اقترفته آلة الإجرام الإسرائيلية المدمرة في غزة، إلى مستوى الزلزال، إذ إن كافة مفردات المحرقة الجارية، لن يكون بمقدورها أن تعبر عن حقيقة قسوتها. ولا تزال صور الدماء والأشلاء، ومشاهد التدمير للمنازل والأبراج السكنية والمساجد، ماثلة في أذهان من شاهدوها، سواء على الأرض في غزة، أو من خلال شاشات التلفزة في أرجاء العالم، ولكن، عزاء الفلسطينيين الوحيد أن دولة الاحتلال لم تمتص الصدمة، بعد أن باغتها الذهول، فأصبحت ما بين التصديق بما يجري وعدمه، فجندها بين قتيل وأسير، وقطعان مستوطنيها بين هارب ورهينة. إنها عناوين كبيرة، تسيدت المشهد فلسطينياً وعربياً، بكل ما فيها من بطولة وشجاعة. هكذا كان المشهد في نكبة عام 1948، قتل وتشريد وهدم منازل، وهكذا عادت دولة الاحتلال للغة الدم بعدوان جديد، وعملية عسكرية أشد بأساً وأكثر غلواً، فوجدت ضالتها في سلاح الجو، وأخذت تصب حمم قذائفها على منازل المواطنين الآمنين!.

غزة.. مصدر رعب الاحتلال

على مر العصور، شكلت غزة كابوساً لدولة الاحتلال، لدرجة أن المحتلين أنفسهم، أصبحوا يصرخون في وجه من يزعجهم: «ليخ لغزة» أي اذهب إلى غزة، ويقصدون بهذه العبارة «اذهب إلى الجحيم» وذات يوم، تمنى رئيس حكومة الاحتلال الهالك «إسحاق رابين» أن يصحو من نومه، ليجد غزة وقد ابتلعها البحر، بينما اعترف سلفه المقبور «أريئيل شارون» بفشل مشروعه الاستيطاني في غزة، الذي حوله الغزيون بصمودهم وصبرهم وشجاعتهم، إلى مشروع خاسر، فما كان منه إلا الانسحاب منها، معللاً: «لم نخطط للبقاء في غزة إلى الأبد. غزة ليست في حساباتنا ولا في خطتنا الإستراتيجية».

وفيما تمنى رابين أن يلتهم البحر غزة ومن فيها، وخرج منها شارون يجر أذيال الهزيمة، على وقع ضربات المقاومة، فإن مؤسس الدولة العبرية «دافيد بن غوريون» أعلن صراحة عن خشيته من اجتياح غزة خلال حرب عام 1948، ورفض اجتياح غزة خلال أول حرب عربية إسرائيلية، وفي حين كان رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق «موناحيم بيغين» الوحيد الذي رفض فكرة التخلي عن غزة، ولم يكن يعلم أن غزة ستحيل ليل كيانه نهاراً، ونهاره ليلاً، بفعل ما سيواجهه من بأس المقاومة، التي أجبرت جيشه على إخلائها ولو بعد حين، ما زال بنيامين نتنياهو يراها في أحلامه كابوساً مرعباً، يقض مضجعه بين حين وآخر. ومن تاريخ غزة كذلك، أنها مهد الانتفاضة الفلسطينية الكبرى «انتفاضة الحجارة» التي انطلقت شرارتها من مخيم جباليا للاجئين، كما أن المقاومين في غزة هم أول من استعمل الصواريخ المحلية الصنع في مقاومتهم للاحتلال، ما جعل الجنرال «عيبال جلعاد» رئيس وحدة التخطيط الاستراتيجي في هيئة الأركان العسكرية الإسرائيلية يصرع علانية: «رغم قدراتنا العسكرية الفائقة، التي تعطينا التفوق على أهل غزة، إلا أننا لم نتمكن من إخضاعهم». وخلقت حالة التناقضات والتباين في مواقف قادة الاحتلال، حول الانسحاب من غزة، انتصاراً في الوعي الفلسطيني، بينما دفعت جيش الاحتلال لإدراك محدودية قوته وقصورها، ما دفع الكاتب والمحلل الإسرائيلي «بنزيمان» حد القول: «يصر قادة إسرائيل على الادعاء بأنهم سيهزمون الفلسطينيين، غير أن المساحيق لن تغطي الواقع»!. والاحتلال اليوم، إذ يجر أذيال الهزيمة، على أيدي رجال المقاومة في غزة، يتمنى هو أيضاً لو يبتلعها البحر، حتى يرتاح جيشه منها.

تطرد العدو من ثيابها

تزخر غزة بالثقافات والحضارات العريقة، فشهدت غزوات ومحطات تاريخية عبر التاريخ، غير أن مبدأها الثابت والأصيل، يقوم على تلقين المحتلين درساً، ولهذا فقد تدحرجت المقاومة في غزة، من الحجر إلى الزجاجة الحارقة، فالعبوة الناسفة، وصولاً للصاروخ، وعبور الكيان بكتيبة جوية مظلية. قادة الاحتلال أشهروا سيفهم، وأخذوا يستخدمون المزيد من قوة الإبادة، ويقابلون شجاعة وصمود الفلسطينيين بالمزيد من القتل والتدمير، وهم يرون في صمود الغزيين وعدم رفعهم الراية البيضاء، مدعاة لنيران أعتى، بغض النظر عن أعداد الضحايا من الأبرياء، الذين أصبحوا يترقبون الموت في أي لحظة، فأتبع «الرصاص المصبوب» بـ «عامود السحاب» و»الجرف الصامد» و»حارس الأسوار» واليوم «السيف الحديدي». لكن غزة هاشم ظلت صامدة، ولم تهتز.

مساحة إعلانية