رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

عربي ودولي

866

مطاردات متواصلة لتهجير السكان بحماية الاحتلال ومصادرات للأراضي

عوريف الفلسطينية تتوجع تحت هجمات المستوطنين

06 أغسطس 2023 , 07:00ص
alsharq
رام الله - محمد الرنتيسي

كان الحزن يخيم على قرية عوريف الفلسطينية، الغافية في حضن جبل سلمان الفارسي، جنوب مدينة نابلس، في اليوم التالي لاستشهاد الشابين مهند شحادة (26) عاماً، وخالد الصبّاح (24) عاماً، وحتى حجارة منازل القرية، بدت حزينة باكية على رحيل اثنين من أبنائها، في وقت كانت تحيي فيه ذكرى ابنها الشهيد عايد الصفدي.

جلس والدا الشهيدين وحولهما الأبناء والأقارب، وجمع كبير من أبناء القرية، يستقبلون المعزين، كان الصمت وملامح الوجوه تشي بحجم الحزن والألم، الذي خلفه رحيل شابين، كانا يضعان أقدامهما على بدايات الحياة، غير أن ثقل الأحزان والألم لم تُخرج المشاعر وتجرد العقل عن الحقيقة، التي تعيشها قرية عوريف، والتي تجعل من حادثة استشهاد الشابين شحادة والصبّاح، جزءاً من سياق عام يجمع الفلسطينيين في قضية واحدة مشتركة، ومفخرة وطنية، بضرورة وأهمية الانتقام لدماء الشهداء التي نزفت مدرارة في جنين، ساعات قبل العملية البطولية التي نفذها الشهيدان، وأودت بحياة أربعة مستوطنين، ومثلهم من الجرحى.

«أنا حزين، بل ويسحقني الحزن على فقدان ابني، لكنني عندما أفكر في الأمر قليلاً، أتفهم دوافعه التي قادته إلى هذا المصير، وهو الانتقام لضحايا مجزرة جنين، ومن ثم الارتقاء شهيداً» قال فالح شحادة والد الشهيد مهند، مبيناً أن ابنه كان يحتج على ظلم الاحتلال، الذي يجعل من كل فلسطيني مقاتل وشهيد».

أضاف لـ»الشرق»: «ظلم الاحتلال بدأ بطرد الفلسطينيين من أراضيهم، وما زال مستمراً في جرائمه بكل الأشكال، وما يجري في قريتنا لا يختلف كثيراً عما يجري في مختلف القرى الفلسطينية، فالمستوطنات المقامة على أراضينا، تضيق الخناق علينا من كل الجهات، وتجعل من حياتنا جحيماً لا يطاق».

وبدت كلمات مصطفى الصبّاح والد الشهيد خالد، بليغة في التعبير عن تشابك الحالة الفلسطينية، التي دفعت نجله الذي تزوج حديثاً، لترك أحلامه جانباً، والمضي بعيداً في الاحتجاج، فتعرض مراراً للاعتقال في سجون الاحتلال، وأصيب برصاصه في مواجهات سابقة، وأخيراً ارتقى شهيداً.

تحول كلام الصبّاح إلى ما يشبه الانفجار، إذ ظهر صدى صوته مدوياً، لينعكس على ألسنة وتعابير الغضب في وجوه العشرات من أهالي القرية، الذين راح كل واحد منهم يروي حكاية مكملة للأخرى عن اعتداءات المستوطنين اليومية على أراضيهم وممتلكاتهم.

لم تتوقف اعتداءات المستوطنين على أراضي وممتلكات أهالي عوريف، فمستوطنو «يتسهار» يلاحقونهم ليل نهار، ويصادرون مواشيهم من مراعيهم، ويقتلعون أشجارهم، ويطلقون النار عليهم، ولكل واحد منهم حكاية مع هؤلاء، الذين أدمنوا التسلل إلى القرية، كي يضرموا النيران في منازل المواطنين ومركباتهم.

«الناس بدها تثور غصب عنها» قال والد الشهيد شحادة، مضيفاً: في أحيان كثيرة، أتساءل: «أليس من حق الشباب الفلسطيني أن يعيش بأمان وسلام على أرضه، مثل كل شعوب الأرض»؟. وهنا تدخل والد الشهيد الصبّاح ليقول: «أي سلام ومصادرة الأراضي مستمرة، أي سلام وجيش الاحتلال وعصابات المستوطنين يرتكبون جرائم القتل بحق شبابنا؟.. والله حتى أطفالنا لا يمكن إقناعهم بسلام كهذا».

وكما والده، بدت والدة الشهيد شحادة متفهمة لدوافع ابنها، رغم حزنها الشديد عليه، وقالت: «لقد شيعت ابني الشهيد بما يليق به، فقد زغردت له وهو يوارى الثرى، نعم أنا حزينة، لكن الشهيد لا يخلف وراءه الحزن فقط، بل هنالك أشياء أخرى تدعو لإجلاله والاعتزاز به، والفخر بما قام به من ردع للاحتلال على جرائمه».

ولا تبعد مستوطنة «يتسهار» سوى كيلو متر ونصف الكيلو فقط، عن منازل قرية عوريف، وما يتعرض له أهل القرية من اعتداءات على أيدي المستوطنين، يتعرض لمثله أهالي القرى والبلدات المجاورة حوارة وعينابوس وبورين ومادما وعصيرة القبلية.

«ما يفعله المستوطنون هنا، لا يخلّف سوى الكراهية والغضب، والاستعداد الدائم للانفجار والحريق» قال أحد المعزين، مبيناً أن المستوطنين يأكلون الأخضر واليابس في هذه المنطقة، فهم يسعون للسيطرة على كل أراضي المواطنين.

وتجثم مستوطنة «يتسهار» التي يقطنها مستوطنون متطرفون، على أراض تعود لأهالي القرى المذكورة جنوب مدينة نابلس، في قمة جبل سلمان الفارسي الذي يتوسط مجموعة القرى هذه، لكنها واصلت التمدد على سفوح الجبل الكبير، الممتد في جميع الاتجاهات.

ويحمل الجبل اسم الصحابي الجليل سلمان الفارسي، الذي له مقام ديني على قمته، لكنه بات تحت سيطرة المستوطنين، ويقول أهالي عوريف، إنهم كانوا يحيون المناسبات الدينية والموالد في هذا المقام، قبل أن يستولي عليه المستوطنون، ويمنعوهم من الوصول إليه.

مساحة إعلانية